الحكومة الأكثر يمينية تعمق تغيّر نظرة الأميركيين لإسرائيل

نتنياهو يخرب اتفاقات إبراهيم وأولويات واشنطن الإقليمية والدولية

الجالية اليهودية خارج القنصلية الإسرائيلية في نيويورك احتجاجا على سياسات نتنياهو مارس الماضي (إ.ف.ب)
الجالية اليهودية خارج القنصلية الإسرائيلية في نيويورك احتجاجا على سياسات نتنياهو مارس الماضي (إ.ف.ب)
TT

الحكومة الأكثر يمينية تعمق تغيّر نظرة الأميركيين لإسرائيل

الجالية اليهودية خارج القنصلية الإسرائيلية في نيويورك احتجاجا على سياسات نتنياهو مارس الماضي (إ.ف.ب)
الجالية اليهودية خارج القنصلية الإسرائيلية في نيويورك احتجاجا على سياسات نتنياهو مارس الماضي (إ.ف.ب)

يربط البعض التصعيد الأخير الذي تشهده أراضي السلطة الفلسطينية والمسجد الأقصى، بمحاولات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تشتيت الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها. ورغم موافقته على تجميد إقرار قوانين «إصلاح القضاء»، لا يخفى إصراره على العودة إلى تمريرها لاحقاً.
غير أن انتقادات الرئيس الأميركي العلنية والنادرة في «وضوحها» لإسرائيل، أثارت تساؤلات عمّا إذا كانت «مجرد وجهة نظر مختلف عليها»، بين إدارة أميركية ديمقراطية وحكومة يمينية إسرائيلية، أو أنها تعكس قلق المؤسسة السياسية الأميركية مما يجري في إسرائيل.
ومنذ إعلان نتنياهو عن خططه، اشتعلت الصحافة الأميركية ومراكز البحث، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بمناقشات قلما شهدتها الولايات المتحدة عن علاقتها بإسرائيل. يرى البعض أن إدارة الرئيس جو بايدن تواجه الآن اختباراً آخر في السياسة الخارجية، وليس فقط في السياسة المحلية، سيحدد إرث بايدن سواء قرر الترشح لانتخابات 2024، أو أحجم عن ذلك. ورغم تعثره في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية من هذا البلد، وما سببه من تأثير على استقرار منطقة الشرق الأوسط، لكنه تمكن من حشد العالم في مواجهة روسيا على حربها في أوكرانيا، وفي تغيير النظرة من الصين، وتصوير الصراع العالمي على أنه بين القوى الديمقراطية والاستبدادية.
- الديمقراطيون والجمهوريون يتغيرون
ومع محاولة الحكومة التي يقودها نتنياهو، التي وصفت بأنها الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل، تغيير النظام القضائي، يخشى الكثير من أن تكون البداية لانزلاق إسرائيل نحو الاستبداد. ورغم أن هذا الرأي يسود لدى «اليسار الأميركي»، الذي يتضاءل دعمه لإسرائيل منذ سنوات، ويضغط الآن على إدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر تشدداً، لكنه ليس بعيداً من اعتراضات جمهورية تصب في الإطار نفسه.
في استطلاع للرأي أجراه معهد «غالوب»، أخيراً، أظهر أن دعم الأميركيين لإسرائيل الذي كان يعد أمراً مفروغاً منه، لم يعد كذلك. ورغم أن الجمهوريين أكثر تأييداً لإسرائيل فقد وجد الاستطلاع تزايداً في عدد الجمهوريين الذين ينتقدونها، وازدياد انقسام موقف الديمقراطيين في تعاطفهم بين إسرائيل والفلسطينيين. وعبر 49 في المائة عن تعاطفهم مع الفلسطينيين مقابل 38 في المائة مع إسرائيل، بارتفاع 11 في المائة عن العام الماضي.
وكان استطلاع آخر لمؤسسة «بيو» عام 2022، وجد أن معظم الأميركيين دون سن الـ30، لديهم وجهة نظر غير مواتية لإسرائيل، وأنه حتى اليهود الأميركيون ليسوا موالين لإسرائيل كما كانوا في السابق. ووجد استطلاع آخر عام 2021، أن نحو ربع اليهود الأميركيين (و38 في المائة من أولئك الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً) يعتبرون إسرائيل دولة فصل عنصري.
ولا يخفى أن الفتور الأميركي تجاه إسرائيل قد تزايد، ليس فقط بين التقدميين، بل الليبراليين الديمقراطيين، بسبب علاقة نتنياهو الوثيقة بترمب، والآن بسبب خلافه المتزايد مع بايدن. وأعرب الديمقراطي مايكل بلومبيرغ، رئيس بلدية نيويورك السابق، وهو من بين المؤيدين البارزين لإسرائيل، عن قلقه بشأن مشروع قانون القضاء، وكذلك فعل قادة المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى. لكن الجمهوريين عبروا عن قلقهم، وعارض ديفيد فريدمان، سفير ترمب السابق في إسرائيل، الإصلاح القضائي، واصفاً إياه بأنه «مسيء لفكرتي حول كيفية عمل المحاكم». وكذلك فعلت الناشطة الخيرية اليمينية البارزة ميريام أديلسون، التي كان زوجها الراحل الملياردير شيلدون أديلسون، قطب الكازينوهات، مانحاً رئيسياً لكل من ترمب ونتنياهو.
- إسرائيل شأن داخلي أميركي
وفيما وصف نتنياهو موقف بايدن بأنه «تدخل في شأن سيادي لإسرائيل»، يرى مراقبون أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لأي إدارة أميركية، فإسرائيل شأن داخلي أميركي مثلما هي من ثوابت السياسة الخارجية في المنطقة. بيد أن الخلاف معها راهناً يبدو أنه مسّ خطط وأولويات وسياسات واشنطن في المنطقة، بما فيها مواصلة تطبيق اتفاقات إبراهيم وتوسيعها، وخفض التوتر مع الفلسطينيين، والملف الإيراني، والتفرغ لحرب أوكرانيا ومواجهة نفوذ الصين. ويعتقد على نطاق واسع أن التوتر الذي تشهده الأراضي الفلسطينية، منذ تصريحات الوزير سموتريتش عن «محو» بلدة حوارة، وقبلها تخريب اجتماعات شرم الشيخ، قد يكون حاجة ماسة لحكومة نتنياهو لتخفيف الضغوطات عليها.
يقول جوناثان شانزر، نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنه لا يمكن إنكار أن الولايات المتحدة تدخل نفسها في الشؤون الداخلية لإسرائيل. هذا ليس انحرافاً كبيراً عن القاعدة، لكن اليمين الإسرائيلي، على وجه الخصوص، سينظر إليه على أنه عدم احترام للعمليات الداخلية الإسرائيلية، ويبدو أن اليسار الإسرائيلي يرحب بهذا التدخل، على الأقل في الوقت الحالي. ويضيف شانزر لـ«الشرق الأوسط» أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لها عمق كبير يشمل مجموعة واسعة من القضايا. وهي مصممة لتكون قادرة على تحمل الاضطرابات السياسية. والبلدان متحالفان بشكل جيد للغاية في الموقف من الصين وأوكرانيا في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن صفقة «الأقل مقابل الأقل» التي اقترحها البيت الأبيض لإبطاء تقدم إيران النووي، يمكن أن تصبح مشكلة. فمثل هذه الصفقة ستواجه اعتراض مجموعة واسعة من المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، وأتوقع توترات نتيجة لذلك.
في المقابل، يقول نمرود غوران، كبير الباحثين في الشؤون الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن التوتر الحالي بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو «أعمق من مجرد خلاف على وجهات النظر»، فهو يتطرق إلى مفهوم القيم الديمقراطية المشتركة التي كانت تاريخياً أساسية للعلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة. واشنطن تنقل في رسائلها إلى القيادة والجمهور الإسرائيليين، أن الحفاظ على الديمقراطية ضرورة، ومن دونها لن تستمر العلاقات كالمعتاد. و«عدم الترحيب بنتنياهو في البيت الأبيض، يعني أنه يفعل شيئاً خاطئاً بشكل أساسي».
يضيف غوران لـ«الشرق الأوسط»، أن نهج الولايات المتحدة شرعي تماماً، وهناك كثيرون داخل المعسكر الإسرائيلي المؤيد للديمقراطية يرغبون في رؤية الولايات المتحدة تفعل المزيد. وأن السياسات الحالية لحكومة نتنياهو، تعرّض المصالح الأميركية في المنطقة للخطر، بالتسبب في عدم الاستقرار بين إسرائيل وجيرانها والتصعيد مع الفلسطينيين. مختتماً رأيه بالقول «سيكون من المفاجئ ألا تجعل الولايات المتحدة صوتها مسموعاً وتهتم بقضية ترى أنها تشتت انتباهاً غير ضروري عن الموضوعات الأخرى المدرجة على جدول أعمالها».
- الخشية من قراءة إيرانية خاطئة
ليس خافياً أن إدارة بايدن لا تتفق مع نتنياهو في تفعيل الخيار العسكري لمواجهة برنامج إيران النووي. لكن مارتن أنديك، السفير الأميركي السابق في إسرائيل، يرى أنه إذا أساءت إيران قراءة تقدير الموقف في إسرائيل وعمدت إلى زيادة تخصيب اليورانيوم، فهناك خطر متزايد لضربة عسكرية إسرائيلية؛ لأن نتنياهو سيرغب في إثبات أن قدرة إسرائيل لم تضعف بسبب خلافاتها الداخلية.
وبحسب دوغلاس شوين، المستشار السياسي السابق للرئيس بيل كلينتون ولحملة مايكل بلومبيرغ الرئاسية عام 2020، يدرك بايدن، الذي تربطه علاقة دامت أربعة عقود مع نتنياهو، الثقل الهائل الذي تحمله كلمات الرئيس الأميركي فيما يتعلق بإسرائيل. ويضيف أنه خلال هذا الوقت المضطرب في إسرائيل، من الأهمية بمكان أن يعطي بايدن الأولوية للسياسة الواقعية. يجب ألا يخضع للضغوط السياسية التي يواجهها من داخل حزبه للتنديد بإسرائيل بقوة، أو ما هو أسوأ، لتقليص الدعم الأميركي بشكل دائم، بسبب حكومة غير دائمة، والذي يمكن أن يكون له تأثير متتالٍ في جميع أنحاء أوروبا.
وحفلت الأشهر الماضية بزيارات أميركية مكوكية إلى إسرائيل، بهدف ترتيب العلاقة والاتفاق على أولويات الحليفين، وفهم خطط الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وتوضيح الخطوط الأميركية الحمر في الملفات المختلفة، بما فيها ملف إيران النووي، وعدم تأجيج التوترات مع الفلسطينيين. لكن من نافلة القول أن حكومة نتنياهو أصبحت عائقاً، بل عبئاً على سياسات واشنطن في المنطقة، ورهاناتها على التخفف منها، عبر تحميل دولها مسؤوليات أكبر في التعامل مع التهديدات التي تواجهها، لناحية التعاون الأمني، سواء ضد الإرهاب أو السياسات المزعزعة لبعض دولها.
يقول نبيل عمرو، القيادي في حركة فتح، إن العلاقات الأميركية الإسرائيلية، هي على مستويين: مستوى الدولة العميقة، ومستوى العلاقات بين الحكومات. منذ اتفاقات أوسلو، باتت واشنطن تفضل التعامل مع حكومات إسرائيلية معتدلة. لكن ورغم ذلك لم يؤد الخلاف بين الرئيس السابق باراك أوباما ونتنياهو إلى انهيار هذه العلاقة، رغم استغلال الأخير علاقاته مع الكونغرس ومجموعة «إيباك»؛ لأنه لم يمس بالثوابت. ويضيف عمرو في حوار مع «الشرق الأوسط»: المشكلة اليوم أن واشنطن رأت أن هناك مساساً بثوابتها، والجيش الإسرائيلي، الذي هو «جيش أميركي ينطق بالعبرية»، على رأسها. ويكشف عمرو أن المسؤولين الأميركيين الذين تواصل مع عدد منهم خلال زياراتهم المكثفة أخيراً إلى إسرائيل لمعالجة الوضع، على قناعة بمسؤولية نتنياهو، الذي يرضخ لرغبات الوزيرين اليمينيين، بن غفير وسموتريتش، عن تخريب الوضع في إسرائيل ومع الفلسطينيين، رغم أن البعض كان يخشى ويهدد من «انتفاضة رمضانية» فلسطينية. ويضيف عمرو: حكومة نتنياهو تخرب اتفاقات إبراهيم، التي وعلى الرغم مما حققته من تطبيع مع دول عربية، لكنها لم تؤد إلى تغيير موقف تلك الدول من ثوابت القضية الفلسطينية، وهو عملياً لا يتعارض مع موقف إدارة بايدن، التي لا تزال تشدد على حل الدولتين.


مقالات ذات صلة

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

شؤون إقليمية غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

غانتس يؤيد صفقة مع نتنياهو تمنع حبسه وتضمن تخليه عن الحكم

في اليوم الذي استأنف فيه المتظاهرون احتجاجهم على خطة الحكومة الإسرائيلية لتغيير منظومة الحكم والقضاء، بـ«يوم تشويش الحياة الرتيبة في الدولة»، فاجأ رئيس حزب «المعسكر الرسمي» وأقوى المرشحين لرئاسة الحكومة، بيني غانتس، الإسرائيليين، بإعلانه أنه يؤيد إبرام صفقة ادعاء تنهي محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتهم الفساد، من دون الدخول إلى السجن بشرط أن يتخلى عن الحكم. وقال غانتس في تصريحات صحافية خلال المظاهرات، إن نتنياهو يعيش في ضائقة بسبب هذه المحاكمة، ويستخدم كل ما لديه من قوة وحلفاء وأدوات حكم لكي يحارب القضاء ويهدم منظومة الحكم. فإذا نجا من المحاكمة وتم تحييده، سوف تسقط هذه الخطة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

هدوء في غزة بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية

سادَ هدوء حذِر قطاع غزة، صباح اليوم الأربعاء، بعد ليلة من القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، على أثر وفاة المعتقل خضر عدنان، أمس، مُضرباً عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وكانت وسائل إعلام فلسطينية قد أفادت، فجر اليوم، بأنه جرى التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار بين فصائل فلسطينية والجانب الإسرائيلي، وأنه دخل حيز التنفيذ. وقالت وكالة «معاً» للأنباء إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة «مشروط بالتزام الاحتلال الإسرائيلي بعدم قصف أي مواقع أو أهداف في القطاع».

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد 75 عاماً على قيامها... إسرائيل بين النجاح الاقتصادي والفروقات الاجتماعية الصارخة

بعد مرور 75 عاماً على قيامها، أصبح اقتصاد إسرائيل واحداً من أكثر الاقتصادات ازدهاراً في العالم، وحقّقت شركاتها في مجالات مختلفة من بينها التكنولوجيا المتقدمة والزراعة وغيرها، نجاحاً هائلاً، ولكنها أيضاً توجد فيها فروقات اجتماعية صارخة. وتحتلّ إسرائيل التي توصف دائماً بأنها «دولة الشركات الناشئة» المركز الرابع عشر في تصنيف 2022 للبلدان وفقاً لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، متقدمةً على الاقتصادات الأوروبية الأربعة الأولى (ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، وفقاً لأرقام صادرة عن صندوق النقد الدولي. ولكن يقول جيل دارمون، رئيس منظمة «لاتيت» الإسرائيلية غير الربحية التي تسعى لمكافحة ا

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

مكارثي يتعهد دعوة نتنياهو إلى واشنطن في حال استمر تجاهل بايدن له

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، في تل أبيب، امتعاضه من تجاهل الرئيس الأميركي، جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وامتناعه عن دعوته للقيام بالزيارة التقليدية إلى واشنطن. وهدد قائلاً «إذا لم يدع نتنياهو إلى البيت الأبيض قريباً، فإنني سأدعوه إلى الكونغرس». وقال مكارثي، الذي يمثل الحزب الجمهوري، ويعدّ اليوم أحد أقوى الشخصيات في السياسة الأميركية «لا أعرف التوقيت الدقيق للزيارة، ولكن إذا حدث ذلك فسوف أدعوه للحضور ومقابلتي في مجلس النواب باحترام كبير. فأنا أرى في نتنياهو صديقاً عزيزاً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

المواجهة في إسرائيل: شارع ضد شارع

بدأت المواجهة المفتوحة في إسرائيل، بسبب خطة «التعديلات» القضائية لحكومة بنيامين نتنياهو، تأخذ طابع «شارع ضد شارع» بعد مظاهرة كبيرة نظمها اليمين، الخميس الماضي، دعماً لهذه الخطة، ما دفع المعارضة إلى إظهار عزمها الرد باحتجاجات واسعة النطاق مع برنامج عمل مستقبلي. وجاء في بيان لمعارضي التعديلات القضائية: «ابتداءً من يوم الأحد، مع انتهاء عطلة الكنيست، صوت واحد فقط يفصل إسرائيل عن أن تصبحَ ديكتاتورية قومية متطرفة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

عملية تجسس كبرى: كيف جندت إيران إسرائيليين ضد دولتهم؟

صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات
صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات
TT

عملية تجسس كبرى: كيف جندت إيران إسرائيليين ضد دولتهم؟

صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات
صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لشخصين كتبا شعارات مؤيدة لإيران على سيارات

أثار اعتقال إسرائيل لما يقارب 30 مواطناً، معظمهم يهود، للاشتباه بأنهم تجسسوا لصالح إيران ضمن تسع خلايا سرية، قلقاً داخل الدولة، ويعد أحد أكبر الجهود التي بذلتها طهران منذ عقود لاختراق خصمها الرئيس اللدود، وفقاً لأربعة مصادر أمنية إسرائيلية.

ومن بين الأهداف التي لم تتحقق للخلايا المزعومة كانت اغتيال عالم نووي إسرائيلي ومسؤولين عسكريين سابقين، وجمع معلومات عن قواعد عسكرية ودفاعات جوية، وفقاً لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت).

وذكر جهاز الأمن الداخلي، الذي يعرف أيضاً باسم الشاباك، والشرطة الأسبوع الماضي أن فريقاً مكوناً من أب وابنه نقل تفاصيل عن تحركات لقوات إسرائيلية، بما في ذلك في هضبة الجولان حيث يعيشان.

ونقلت وكالة «رويترز» عن المصادر الأربعة، التي تضم مسؤولين عسكريين وأمنيين حاليين وسابقين، أن الاعتقالات جاءت بعد جهود متكررة من عملاء استخبارات إيرانيين على مدى عامين لتجنيد إسرائيليين من المواطنين العاديين لجمع معلومات استخباراتية وتنفيذ هجمات مقابل المال.

وطلبت المصادر عدم الكشف عن أسمائها نظراً لحساسية الأمر.

وقال شالوم بن حنان وهو مسؤول كبير سابق في الشاباك «هناك ظاهرة كبيرة هنا»، في إشارة إلى ما أسماه العدد المفاجئ من المواطنين اليهود الذين وافقوا عن علم على العمل لصالح إيران ضد الدولة من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية أو التخطيط للتخريب والهجمات.

ولم يرد الشاباك ولا الشرطة الإسرائيلية على طلبات للتعليق. كما لم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على الأسئلة.

وفي بيان أرسل إلى وسائل إعلام بعد موجة الاعتقالات، لم تقدم بعثة إيران لدى الأمم المتحدة تأكيداً أو نفياً لسعي طهران إلى تجنيد إسرائيليين، وقالت إنه «من وجهة نظر منطقية» فإن أي جهود من هذا القبيل من جانب أجهزة الاستخبارات الإيرانية ستركز على أفراد غير إيرانيين وغير مسلمين لتقليل الشكوك.

وقالت الشرطة والشاباك إن اثنين على الأقل من المشتبه بهم ينتمون إلى مجتمع اليهود المتزمتين دينياً في إسرائيل.

موتي مامان المتهم بتجنيده من قبل إيران لتنفيذ مخطط اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي أو وزير الدفاع أو رئيس جهاز الأمن العام (رويترز)

الفئات المستهدفة

وعلى النقيض من عمليات تجسس إيرانية في العقود السابقة تمت من خلال تجنيد رجل أعمال بارز ووزير سابق في الحكومة فإن معظم الجواسيس المشتبه بهم الجدد أشخاص مهمشون في المجتمع الإسرائيلي، ومن بينهم مهاجرون وصلوا حديثاً وهارب من الجيش ومدان بجرائم جنسية، وفقاً للمصادر ولسجلات قضائية وتصريحات رسمية.

وقال جهاز الشاباك إن الكثير من نشاط هؤلاء المشتبه بهم كان يقتصر على نثر شعارات معادية لنتنياهو أو للحكومة على الجدران وإلحاق الضرر بسيارات.

القلق من التوقيت

ومع ذلك فإن حجم الاعتقالات وتورط مثل هذا العدد من اليهود الإسرائيليين بالإضافة إلى المواطنين العرب تسبب في حالة من القلق في إسرائيل وسط استمرار الحرب مع حركة «حماس» المدعومة من إيران في قطاع غزة وهشاشة اتفاق وقف إطلاق النار مع جماعة «حزب الله» في لبنان.

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) قال الشاباك إن أنشطة التجسس الإيرانية تعد «من أخطر الأنشطة التي شهدتها دولة إسرائيل».

كما جاءت الاعتقالات في أعقاب موجة من محاولات القتل والاختطاف التي تم الربط بينها وبين طهران في أوروبا والولايات المتحدة.

وقال بن حنان إن القرار غير المعتاد بتقديم تقارير علنية مفصلة عن المؤامرات المزعومة يشكل خطوة من جانب أجهزة الأمن الإسرائيلية لتحذير إيران وكذلك تحذير المخربين المحتملين داخل إسرائيل بأنه سيتم الوصول إليهم.

وقال «ينبغي تنبيه الجمهور. وينبغي أيضاً تقديم العبرة لمن قد يكون لديهم أيضاً نيات أو خطط للتعاون مع العدو».

صورة وزعتها الشرطة الإسرائيلية لحرق سيارات من قِبل عملاء جندتهم إيران

نجاحات إسرائيل الاستخباراتية

وحققت إسرائيل نجاحات استخباراتية كبيرة على مدى السنوات القليلة الماضية في حرب ظل مع خصمتها الإقليمية، بما في ذلك قتل عالم نووي كبير. وقال مسؤول عسكري إنه مع الاعتقالات الأخيرة أحبطت إسرائيل «حتى الآن» جهود طهران للرد.

وتسببت الهجمات الإسرائيلية على جماعة «حزب الله» اللبنانية، وكيل إيران في لبنان، والإطاحة ذات الصلة بحليف طهران الرئيس السوري السابق بشار الأسد في إضعاف إيران.

أساليب التجنيد

قالت الشرطة الإسرائيلية في مقطع فيديو نُشر في نوفمبر (تشرين الثاني) إن وكالات الاستخبارات الإيرانية غالباً ما تجد مجندين محتملين على منصات التواصل الاجتماعي، محذرة من محاولات تسلل مستمرة.

وتكون جهود التجنيد مباشرة في بعض الأحيان. وتعد إحدى الرسائل المرسلة إلى مدني إسرائيلي والتي اطلعت عليها «رويترز» بتقديم مبلغ 15 ألف دولار مقابل الحصول على معلومات مع بريد إلكتروني ورقم هاتف للاتصال.

وقال أحد المصادر، وهو مسؤول كبير سابق عمل في جهود إسرائيل لمكافحة التجسس حتى عام 2007، إن إيران تتصل أيضاً بشبكات المغتربين من اليهود من دول القوقاز الذين يعيشون في كندا والولايات المتحدة.

وقالت السلطات الإسرائيلية علناً إن بعض المشتبه بهم اليهود هم في الأصل من دول القوقاز.

وقال المسؤول السابق إن الأفراد المجندين يتم تكليفهم أولاً بمهام تبدو غير ضارة مقابل المال، قبل مطالبتهم تدريجياً بمعلومات استخبارية محددة عن أهداف، بما في ذلك عن أفراد وبنية تحتية عسكرية حساسة، مدعومين في ذلك بتهديد بالابتزاز.

صورة نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية لفلاديسلاف فيكتورسون وصديقته آنا بيرنشتاين بعد توقيفهما

قضية فيكتورسون

وأُلقي القبض على أحد المشتبه بهم الإسرائيليين، فلاديسلاف فيكتورسون (30 عاماً)، في 14 أكتوبر مع صديقته البالغة من العمر 18 عاماً في مدينة رامات جان الإسرائيلية قرب تل أبيب. وكان قد سُجن في عام 2015 بتهمة ممارسة الجنس مع قاصرات لا تتجاوز أعمارهن 14 عاماً وفقاً للائحة اتهام للمحكمة منذ ذلك الوقت.

وقالت إحدى معارف فيكتورسون لـ«رويترز» إنه أخبرها أنه تحدث إلى إيرانيين باستخدام تطبيق «تلغرام» للتراسل. وقالت إن فيكتورسون كذب على المتعاملين معه بشأن تجربته العسكرية. ورفض أحد معارفه الكشف عن اسمه بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.

وقال إيجال دوتان محامي فيكتورسون لـ«رويترز» إنه يمثل المشتبه به مضيفاً أن الإجراءات القانونية ستستغرق وقتاً وأن موكله محتجز في ظروف صعبة. وأوضح دوتان أنه لا يمكنه الرد إلا على القضية الحالية، ولم يدافع عن فيكتورسون في محاكمات سابقة.

أنشطة التخريب

وقال جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) والشرطة إن فيكتورسون كان يعلم أنه يعمل لصالح المخابرات الإيرانية، ويقوم بمهام تشمل الكتابة على الجدران وإخفاء أموال وتوزيع منشورات وحرق سيارات في هياركون بارك بتل أبيب والتي تلقى مقابلها أكثر من 5000 دولار. وأظهرت التحقيقات أنه وافق لاحقاً على تنفيذ اغتيال لشخصية إسرائيلية، وإلقاء قنبلة يدوية على منزل، والسعي للحصول على بنادق قنص ومسدسات وقنابل يدوية.

وقالت الأجهزة الأمنية إنه جنّد صديقته التي كُلفت بتجنيد المشردين لتصوير المظاهرات.