بالقرب من تجمع «آفاد» السكني للنازحين في منطقة دير حسان شمال إدلب، ومع بدء شهر رمضان هذا العام، بادرت «أم يزن» (51 عاماً) إلى إنشاء فرن الخبز الشعبي، أو ما يعرف بالتنور، وهو «أشبه بوعاء دائري مصنوع من الطين تحيط به مساحة صغيرة»، لصناعة خبز التنور وبيعه للمارة ومن اعتاد من السوريين على تناوله في شهر رمضان، إلى جانب الشوربات والأطعمة والمأكولات الأخرى على الموائد الرمضانية، ليكون مصدر رزقها وعائلتها خلال شهر رمضان، رغم متاعب هذه المهنة ولهيب نارها.
فالسوريات يشتهرن منذ زمن بعيد بإعداد «خبز التنور» الذي يعد أحد التقاليد والعادات القديمة في سوريا. وفي شهر رمضان من كل عام، يزداد الطلب عليه فيصبح مصدر رزق لكثير من السوريات.
وبينما يقف 4 زبائن على الأقل وعيونهم إلى خبز التنور الناضج، ورائحته الزكية والشهية التي تفوح بالمكان، تقوم «أم يزن» بزيادة كمية الأعواد والقش الجاف للتنور لإيقاده ورفع درجة حرارته. أما ضرتها وزوجة أحد أبنائهن فتعملان على تقطيع العجين المغطى بقطعة قماشية إلى قطع صغيرة، ورقّه وتسويته، لتبادر «أم يزن» بعدها بسحب تلك القطعة من العجين بشكلها الدائري على قطعة قماش سميكة تسمى بـالكارة، ولصقها بأحد جدران التنور، وبعد دقيقتين يتحول إلى رغيف خبز شهي تفوح منه رائحة زكية تسوق أعداداً من الصائمين إلى التوقف عنده، وشراء كمية منه لتكتمل به موائدهم الرمضانية.
وتقول «أم يزن» إنها اكتسبت هذه المهنة وأتقنتها بـ«الوراثة» عن والدتها منذ أن كانت طفلة صغيرة، عندما لم يكن حينها أي وجود للأفران الحديثة، ومع ظروف العيش الصعبة التي تعاني منها مؤخراً، وإقبال الناس في شهر رمضان على شراء خبز التنور، وجدت بهذه المهنة مصدر رزقها وعائلتها، إذ تبدأ كل يوم عند الظهيرة بالعمل في تحضير الطحين وعجنه، وعند اختماره، تبدأ عملية خبزه وبيعه للمارة، إضافة إلى الخبز الأحمر أو ما يعرف بخبز الفلفل الأحمر مع زيت الزيتون، وتنتج ما يقارب 300 رغيف خبز أبيض وأحمر يومياً، بسعر ليرة ونصف ليرة للرغيف الواحد، وما توفره من عملها اليومي كافٍ لسد حاجة أسرتها من مستلزمات وغذاء خلال شهر رمضان.
من جانبه، قال أبو حسن، وهو أحد الزبائن، حيث ينتظر دوره للحصول على الكمية التي أوصى بها «أم يزن» من خبز التنور، إنه «اعتاد منذ صغره في شهر رمضان على تناول الفتات، سواء باللحمة أو الحمص مع خبز التنور، نظراً لطعمه ومذاقه الشهي بعد إضافته للفتات، وكذلك أيضاً المأكولات الأخرى كالمحاشي والخضراوات في موائد الإفطار». مشيراً إلى أنه «تتملكه قناعة بأن خبز التنور المصنوع على النار صحي وذو فائدة لجسم الإنسان أكثر من الخبز المصنوع في الأفران الحديثة، نظراً لنضوجه في التنور أكثر من غيره، كما أن للإضافات التي تضاف إليه من حبة البركة وغيرها من الحبوب فائدة أخرى للإنسان».
من جهتها، تعتبر أم محمود (45 عاماً)، وهي صاحبة تنور لصناعة الخبز في منطقة كفر لوسين شمال إدلب، أن شهر رمضان يمثل لها موسماً خاصاً يجب استغلاله والاستفادة منه في جني النقود التي تساعد عائلتها على سد احتياجاتها من غذاء وغيره من متطلبات الحياة، إذ تصل الليل بالنهار تقريباً، في عملها بصناعة خبز التنور، ولا سيما أنها تعاقدت مع عدد من الزبائن بصناعة كميات محددة من الخبز لهم بشكل يومي، خاصة بوجبات الإفطار، وأيضاً لوجبات السحور، طيلة شهر رمضان.
وتقول: «يرغب الزبائن بشراء خبز التنور الطازج كونه لذيذاً لطعمه وليونته أثناء تناول الطعام، كما أن هناك كثيراً من الزبائن يرغبون في تناول وجبات السحور مع خبز تنور طازج، ما يدفعنا إلى العودة للعمل وصناعة الخبز ليلاً بعد تناول وجبات الإفطار، لسد حاجة الطلب الكبيرة عليه للسحور».
«خبز التنور» تجارة رمضانية رائجة شمال سوريا
«خبز التنور» تجارة رمضانية رائجة شمال سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة