جفاف بحيرة تشاد يُفاقم التردي الأمني والاقتصادي بالساحل الأفريقي

نيجيريا دعت المجتمع الدولي لإنقاذها

راعٍ نيجيري وسط منطقة من البحيرة طالها الجفاف (الأمم المتحدة)
راعٍ نيجيري وسط منطقة من البحيرة طالها الجفاف (الأمم المتحدة)
TT

جفاف بحيرة تشاد يُفاقم التردي الأمني والاقتصادي بالساحل الأفريقي

راعٍ نيجيري وسط منطقة من البحيرة طالها الجفاف (الأمم المتحدة)
راعٍ نيجيري وسط منطقة من البحيرة طالها الجفاف (الأمم المتحدة)

تهدد التغيرات المناخية الحادة التي تضرب قارة أفريقيا اقتصادات الدول، وتُفاقم سوء الأوضاع الإنسانية الناجمة عن النزوح والهجرة واللجوء، كما تمثل فرصة للجماعات الإرهابية التي تستغل تفشي الفقر والعوز لتزيد نفوذها، ويبرز في هذا السياق الجفاف الذي يأكل بحيرة تشاد بوتيرة غير مسبوقة.

هذا الأسبوع حثّ وزير الموارد المائية النيجيري، سليمان أدامو، المجتمع الدولي على «تقديم الدعم الكامل لمساعي نيجيريا لإنقاذ بحيرة تشاد من الانقراض، وإحياء إمكاناتها». وخلال وجوده في نيويورك لحضور مؤتمر الأمم المتحدة للمياه لعام 2023، الذي اختُتم أخيراً، قال أدامو، في مقابلة مع «وكالة الأنباء النيجيرية»: «إن تقلص البحيرة أثر سلباً في مصدر رزق السكان الذين يغادرون المنطقة بوتيرة متزايدة»، مضيفاً أن أكثر من 40 مليون شخص تضرروا.

وأشار أدامو إلى أن «فرص صيد الأسماك والزراعة والري والرعي جميعها ضاعت، وأن نقص الفرص تسبب في تفشي الفقر، مما أتاح مجالاً لأرض خصبة لمقاتلي (بوكو حرام)».
ويعتبر حوض بحيرة تشاد أكبر منطقة تصريف داخلي في أفريقيا، ويغطي مساحة قدرها 2434000 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 8 في المائة من إجمالي مساحة القارة الأفريقية.

والعام الماضي نوهت تقارير منظمات دولية بأن بحيرة تشاد التي كانت تصنف سادس أكبر بحيرة بالعالم، في ستينات القرن الماضي، مهددة بالجفاف الكامل بالنظر إلى سرعة جفافها. وبحسب التقارير، انخفض حجم البحيرة بنسبة 90 في المائة نتيجة الاستخدام المفرط للمياه والجفاف الممتد وتأثيرات تغير المناخ.

البحيرة الشاسعة المشتركة بين الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، وحوضها الذي يمتد حتى الجزائر وليبيا والسودان، كانت توفر شريان حياة ومصدراً مهماً للأمن الغذائي والدخل لسكان الحوض وما وراءه لما يقرب من 40 مليون شخص.

ويرى المحلل السياسي النيجيري بكاري مجيد، أن «جفاف بحيرة تشاد يؤثر بالسلب في نيجيريا اقتصادياً وأمنياً بشكل متسارع، حيث يفقد الفلاحون والصيادون والرعاة مصادر رزقهم، ويضعهم ذلك في خانة المهمشين المعرضين للتجنيد من الجماعات الإرهابية، وهو ما يفاقم التهديد المتمثل في تزايد صعوبة بسط وكالات إنفاذ القانون وأجهزة الدولة سيطرتها على تلك المنطقة الشاسعة من البلاد».

وأشار مجيد لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الرئيس المنتخب بولا تينوبو «أعلن خطة لإعادة إحياء البحيرة والمنطقة خلال حملته الانتخابية، وشدد على أن إعادة إحياء البحيرة وضخ الاستثمارات في المنطقة المحيطة بها لتعزيز الأمن والرفاه لسكان تلك المنطقة سيكونان محور تركيز لسياساته».

ونوه مجيد إلى أن بلاده «ستعمل على ممارسة نفوذها الدبلوماسي والدولي بالتعاون مع جيرانها الأفارقة لحث القوى الكبرى ومنظمات المجتمع الدولي على ممارسة واجباتها، وتنفيذ ما تعهدت به في مؤتمر شرم الشيخ في مجال تمويل مشروعات مكافحة تغير المناخ في أفريقيا».

وهذه الظاهرة، إذ سرعان ما امتد نشاطه إلى كل من جنوب غربي تشاد، وشرق النيجر، وشمال الكاميرون، بفضل «بيعة بحيرة تشاد»، المتميزة بأحراشها الكثيفة وجزرها الكثيرة.
وكان تمويل الخسائر التي تكبدتها أفريقيا جراء ظواهر تغير المناخ محور تركيز أساسي في مؤتمر المناخ (كوب27)، الذي عقد في مدينة شرم الشيخ العام الماضي، والذي انتهى إلى الموافقة على إنشاء صندوق «للخسائر والأضرار» لدعم الدول الفقيرة المتضررة من تغير المناخ.
ووفق تقارير دولية، فإن مساهمات القارة الأفريقية في انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، هي الأقل على مستوى العالم، حيث لا تتجاوز 3 في المائة. وسبق أن تعهدت الدول الكبرى بالتبرع للدول النامية بمبلغ 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020، لمساعدتها على التكيف مع تغيرات المناخ، لكن تلك التعهدات لم تنفذ بشكل كبير على أرض الواقع.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.