سباق رمضان يضع بيوت الأزياء العالمية في مأزق

التنافس على نيل رضا زبون المنطقة يثير ردوداً عكسية

«فكتوريا سيكريت» دخلت السباق الرمضاني بملابس منزلية (خاص)
«فكتوريا سيكريت» دخلت السباق الرمضاني بملابس منزلية (خاص)
TT

سباق رمضان يضع بيوت الأزياء العالمية في مأزق

«فكتوريا سيكريت» دخلت السباق الرمضاني بملابس منزلية (خاص)
«فكتوريا سيكريت» دخلت السباق الرمضاني بملابس منزلية (خاص)

منذ فترة وموجة من التعليقات والانتقادات تظهر على السطح حول استغلال بيوت الأزياء العالمية شهر رمضان والعيد، وتحويلهما من مناسبة روحانية إلى فرصة تجارية يُسوّقون فيها منتجات خاصة تحت عنوان «تشكيلة رمضان» أو «رمضان كوليكشن». في البداية اعتبرت المنطقة تخصيص قِطع حصرية بخامات مُترفة وترصيعات غنية احتراماً لها، لكن بعد دخول أغلب بيوت الأزياء السباق الرمضاني، فإن الظاهرة أغرقت السوق بفساتين بخطوط محتشمة وأكمام طويلة، تتماوج بدرجات الرمال والذهب أو الزمرد، مما أصاب البعض بالتخمة.

يمكنك قراءة أيضا... هجمة «رمضانية» على الـ«كوفر آب»

تشكيلة «دولتشي آند غابانا» لرمضان (خاص)

المصمم السعودي العالمي محمد آشي يعلِّق على هذه الظاهرة قائلاً إنه مهما تعددت الأساليب واختلفت النيات، وبغضّ النظر عن الأهداف المعلَنة وغير المعلَنة، فإن المجموعات الرمضانية أصبحت في السنوات الأخيرة كما لو أنها جزء من تقويم الموضة، مثلها مثل موسم الـ«هوت كوتور والأزياء الجاهزة وخط الكروز وخط البري فول. وصُنّاع الموضة والترف يتعاملون معه مثلما يتعاملون مع السنة الصينية في كل عام».

من تشكيلة «جيورجيو أرماني» لرمضان (خاص)

لا يرفض آشي فكرة طرح أزياء خاصة بهذا الشهر: «فأنا أيضاً طرحت مجموعة قفاطين في السابق، وكانت تجربة تجارية ناجحة»، وفق اعترافه، لـ«الشرق الأوسط». ويتابع: «لكن هذا لا يمنع من القول إن الغرب يمكن أن يستفيد أكثر في حال استعان بخبراء ومتخصصين من أبناء المنطقة؛ لأنهم أكثر من يفهم الثقافة وتلك الفروقات الدقيقة التي تميِّز بلداً عن آخر ولا يمكن أن يشعر بها شخص من ثقافة أخرى، مهما حاول. فكلنا نعرف أن تفاصيل طقوس رمضان في السعودية ليست هي نفسها في قطر أو دبي أو المغرب أو تونس أو مصر وغيرها... لكل بلد خصوصيته وتقاليده وطقوسه».

تشكيلة «دولتشي آند غابانا» لرمضان (خاص)

ما يُجمِع عليه عدد من المراقبين أن هذا السباق المحموم على الوجود في المنطقة، خلال هذا الشهر، يوقع البعض في مطب الاستسهال. يكتفون بفساتين محتشمة بألوان ترتبط بالمنطقة، أو يعرفون أن أهل المنطقة يميلون إليها مثل الأخضر، يطلقون عليها اسم «تشكيلة رمضان»؛ لتسويقها.

المصمم السعودي العالمي محمد آشي لا يرفض فكرة طرح أزياء خاصة بهذا الشهر، وكانت له تجربة تجارية ناجحة من خلال مجموعة قفاطين، لكنه يقول إن الغرب يمكن أن يستفيد أكثر في حال استعان بخبراء ومتخصصين من أبناء المنطقة؛ لأنهم أكثر من يفهم ثقافتها وتلك الفروقات الدقيقة التي تميِّز بلداً عن آخر ولا يمكن أن يشعر بها شخص من ثقافة أخرى، مهما حاول

 

من تشكيلة «جيورجيو أرماني» لرمضان (خاص)

فرانشيسكا فانتوري، وهي مؤسِّسة شركة «إيليفايت» للعلاقات العامة بإيطاليا، وعملت في دبي لسنوات، تقول إن «هذا الشهر أصبح يمثّل للعلامات التجارية العالمية ما يمثّله يوم الحب العالمي أو أعياد الميلاد في الغرب، ومن ثم يتعاملون معه على هذا الأساس: بطرح منتجات حصرية ومحدودة بألوان يرون أنها تمثّل الثقافة العربية والإسلامية. وهذا يطرح السؤال عما إذا كان صناع الموضة يفهمون ما يعنيه الشهر الفضيل بالنسبة للملايين من المسلمين، أم أنه مجرد وسيلة لتسويق منتجاتهم»، وفقاً لتساؤلها.


«فندي» من بيوت الأزياء التي تربطها بالمنطقة علاقة جيدة (خاص)

ولا تخفي فانتوري أن النية قد تكون حسنة تستهدف تقديم منتجات متميزة وأنيقة تليق بسوق تقدِّر كل ما هو جميل: «لكن هناك استسهالاً وعدم تعمق في فهم المعنى الحقيقي لهذا الشهر»، مضيفة: «اسم (تشكيلة رمضان) بحد ذاته يتضمن مفهوماً مغلوطاً؛ لأنه يعطي الانطباع بأن رمضان بالنسبة للمسلمين يتمحور حول الاستهلاك، وصرف مبالغ طائلة على آخِر صيحات الموضة، مع أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً. إنه شهر الروحانيات والاهتمام بالآخر من خلال أعمال الخير والصبر والعطاء. أما المظهر الجميل فهو مُكمل لكل هذا وليس الأساس».

من تشكيلة «فندي» لرمضان 2023 (خاص)

توافقها الرأي راني إيلمي، وهي مؤسِّسة شركة «فرايم» للعلاقات العامة في دبي، وتتعامل مع بيوت أزياء مهمة مثل «إيترو» و«جيني» و«باي فار» وغيرها، بأن هناك مبالغة في التسويق والرغبة في الوجود عوض الاهتمام بالجانب الروحاني والخيري لهذا الشهر الفضيل. تقول: «أشعر أحياناً بأن بعض الأسماء العالمية لم تفهم بعدُ المعنى الحقيقي لهذا الشهر، من تواصل إنساني والإحساس بالغير، وغير ذلك من الأمور. تركز، في المقابل، على جانب السهر والولائم والحفلات».

من تشكيلة «هارفي نيكلز» (خاص)

الحل، بالنسبة لها، أن تفهم بيوت الأزياء العالمية أن سوق المنطقة مهمة طوال السنة وليس خلال رمضان وحده. لكن فرانشيسكا فانتوري ترى أنه على الشركات الإقليمية التي تُوظفها هذه العلامات أن تكون شُجاعة، بحيث تشرح لهم بعض التفاصيل الغائبة عنهم: «عليهم التعاون مع خبراء ومتخصصين لقراءة ما بين السطور، وفهم تلك التفاصيل المهمة التي لا يمكن أن تفهمها أو تشعر بها إلا إذا عشتها وتغلغلت في عُمقها».

من تشكيلة «ماج» الرمضانية (خاص)

وهذا تحديداً ما تدركه راني إيلمي عندما تقول إن جانباً من المشكلة التي باتت تستفزّ البعض، أن السباق لم يعد يقتصر على اقتطاع جزء من الكعكة الدسمة التي تشكِّلها المنطقة من خلال الدعايات التلفزيونية، أو طرح التشكيلات الحصرية باللونين الذهبي أو الأخضر فحسب، بل بات يشمل حفلات إفطار وسحور خاصة تقيمها بيوت الأزياء بشكل يومي تقريباً. ربما يكون الأمر، بالنسبة لها، وسيلة تعبّر بها عن احترامها لزبون المنطقة ورغبتها الصادقة في مشاركته احتفاليته بهذا الشهر، لكن إذا أخذنا العام الماضي مقياساً، فإن كثرتها باتت تثير استياء البعض لما تتطلبه من جهد ووقت. فهذا الشهر خاص بالعائلة والأحبّة والمقرَّبين. راني إيلمي تحاول تجنيب عملائها ركوب هذه الموجة «باقتراحي عليهم أن يقدموا هدايا عوض دعوات الإفطار والسحور التي من المفترض أن يقضيها الصائم مع الأهل والأقرباء والأصدقاء وليس مع العملاء».

الأخضر يتألق في هذا الشهر (خاص)
 

بالصور... مختارات «الشرق الأوسط» لأجمل التصاميم في حفل الأوسكار

نيز جبريل، وهي مستشارة موضة ولاكجري في دبي، أكدت بدورها أن كثرة حفلات الإفطار والسحور، التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، أثارت موجة من الاستياء لدى شريحة كبيرة من الناس، ولا سيما من العاملين في مجال الموضة: «فالمعروف لدينا أن رمضان هو شهر البساطة والخير والعبادات ومساعدة الغير، لهذا خلقت كثرة هذه الحفلات والمأدبات ردّات فعل عكسية، حيث ترجمها البعض على أنها انتهازية»، ثم تستطرد: «أعتقد أن هذه الانتقادات تناهت إلى مسامع هذه العلامات العالمية. فمكاتبهم الإقليمية قدّمت، هذا العام، اقتراحات من شأنها أن تقوّي العلاقة من دون أن تخُص المتعارف عليه، مثل تقديم هدايا أو تبرعات لصالح أعمال خيرية عوض إقامة هذه الحفلات». وفي حين تبدو نيز جبريل متفائلة بأن أغلب العلامات التجارية صادقة في رغبتها في فهم المنطقة وربط علاقة جيدة معها تستمر طويلاً، تضيف راني إيلمي أنه من الخطأ إلقاء كل اللوم على العلامات التجارية: «علينا أن ندرك أن أكثر ما تفهمه هو الإيرادات، والأرقام تؤكد لهم دائماً أن رمضان من الأشهر التي لا تبخل فيها المرأة على مظهرها بالغالي والنفيس. من هذا المنظور، فإن المستهلك يسهم في ترسيخ بعض هذه الأفكار، حين يُقبل على هذه التشكيلات الحصرية بنهم، لتكون النتيجة ارتفاع المبيعات، ومن ثم تعزيز الانطباع الذي كوّنته العلامات العالمية عن رمضان بأنه شهر الاستهلاك والأرباح، لهذا لا يمكننا أن نلومهم على حرصهم على تسجيل حضورهم فيه بأي شكل من الأشكال»، وفق قولها.
ما لا يختلف فيه اثنان أن ما يزيد من وطيس هذا السباق على كسب ود الزبون الشرقي حالياً، الانفتاح الذي شهدته المملكة العربية السعودية، والذي أسهم في جعل المنطقة كلها بمثابة المُنقذ أو طوق النجاة الذي يتشبث به صُنّاع الترف في ظل غياب الصين وإغلاقها لثلاث سنوات تقريباً. فقطاع الموضة السعودي وحده قُدّر بـ24 مليار دولار أميركي في عام 2021، والتوقعات تشير إلى أن هذا الرقم سيزيد أكثر وأكثر في السنوات المقبلة، كما أن قطاع الموضة في منطقة الخليج كلها يقدَّر بـ89 مليار دولار أميركي.

كيف كانت البداية وكيف تطورت

في عام 2016 زاد وطيس المنافسة على نيل ود زبون المنطقة في هذا الشهر الفضيل.
فعندما طرحت دار «دولتشي آند غابانا» مجموعة عباءات، أثارت كثيراً من الجدل؛ بين مستاء لم ير فيها جديداً سوى أنها تلعب على مشاعر زبون يحب كل شيء يحمل توقيعاً عالمياً، ومعجَب على أساس أن العباءة أخذت حقها من الاهتمام. لكن في النهاية حققت المراد للدار الإيطالية، وحصدت أرباحاً طائلة فتحت عيون بقية بيوت الأزياء على فرصة ذهبية لا يجب تفويتها. الآن دخلت على الخط دُور مجوهرات عريقة وبيوت أزياء عالمية كانت في الماضي تُلمّح أو تقدم إصدارات بكميات قليلة وعلى استيحاء. من النادر حالياً غياب اسم عالمي عن هذه المناسبة، من «ديور» و«فندي» إلى «كارولينا هيريرا» و«ساندرو»، وهلمّ جرّاً، بل حتى علامة «فكتوريا سيكريت» المعروفة بملابسها الداخلية وعروضها المثيرة التي لا يتوقع أحد أن تصميماتها واستراتيجياتها تتمشى مع ثقافة رمضان، دخلت السباق، هذا العام، بمجموعة ملابس منزلية وبيجامات نوم طويلة وبأكمام من حرير الساتان. قالت إن الهدف منها «تسليط الضوء على أهمية حبّ الذات وقوة المرأة في الشهر الفضيل، والاحتفاء، في الوقت نفسه، بالجمال والسلام الداخلي». التفسير نفسه تقريباً قدّمته مصممة المجوهرات فاليري ميسيكا، التي أطلقت حملة جديدة لا تختلف عن تلك التي قدّمتها في العام الماضي، باستثناء اختلاف الوجوه. هذه السنة تعاونت مع لاعبة كرة المضرب السعودية يارا الحقباني، والمصمّمة الإماراتية مريم الرميثي، والممثّلة اللبنانية المقيمة في الكويت ليلى عبد الله، كُلّهن أجمعن على أن شهر رمضان المبارك يتمحور، بالنسبة لهن، حول التأمّل الذاتي والالتزام بالنمو على الصعيد الشخصي والمثابرة.
مصمم الأحذية كريستيان لوبوتان، الذي يقضي وقتاً لا بأس به في مصر، يعرف أهمية الفوازير، لهذا ركز حملته الرمضانية على إثارة مشاعر الحنين بداخلنا، بجعلها تيمة مجموعته الرمضانية، حسبما جاء في منشور أرفقه مع الحملة يقول فيه: «الفوازير من البرامج الفنية التي أحدثت ثورة في الأزياء والموضة في العالم العربي، وهي، لدى البعض، جزء لا يتجزأ من ذكريات رمضان».

يمكنك قراءة أيضا... عرض مثير لـ«دولتشي آند غابانا» في العلا

بدورها تحتفي علامة «ساندرو» بإطلاق مجموعة جديدة وحصرية تشمل فساتين طويلة تعتمد على ألوان الأخضر، والأخضر الزمرّدي، والأصفر.
في المقابل ركزت شركة «بنفت كوزمتكس» على مفهوم العطاء والعمل الخيري الذي يرتبط بهذه المناسبة، وطوَّرت برنامجاً رمضانياً مليئاً بالتحديات يجمع بين المرح والترفيه من خلال مسابقات شيّقة يذهب ريعها لصالح «جمعية النهضة»، وهي منظمة غير ربحية تدعم النساء في السعودية اجتماعياً واقتصادياً.


مقالات ذات صلة

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة كانت هذه أول مجموعة جديدة تطرحها الدار منذ 25 عاماً وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوق الكل لمعرفة أي تفاصيل تُخبر عنها (باتيك فيليب)

«باتيك فيليب» تكشف عن إصدارها الجديد منذ 25 عاماً

ردود الفعل «المتسرعة» التي أثارتها المجموعة بعد الكشف عنها مباشرة، لا تترك أدنى شك في أن سببها يعود إلى عنصر المفاجأة بشكلها المربع لا أقل ولا أكثر.

جميلة حلفيشي (ميونيخ)

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)
ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)
TT

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)
ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)

في منتصف القرن الماضي، كان فن الـ«آرت ديكو» والقطع المصنعة من البلاتين تُهيمن على مشهد المجوهرات الفاخرة. في خضم هذه الموجة التي اكتسحت الساحة، ظلت دار «بولغري» وفيّة لأسلوبها المتميز بالجرأة، واستعمال الذهب الأصفر والأحجار الكريمة المتوهجة بالألوان.

رغم أن عقداً واحداً يكفي فإن استعمال أكثر لا يؤثر بقدر ما يزيد من الفخامة (بولغري)

في هذه الفترة أيضاً ابتكرت تقنية خاصة بها، أصبحت تعرف بـ«توبوغاس»، وتستمد اسمها من الأنابيب التي كانت تستخدم لنقل الغاز المضغوط في عشرينات القرن الماضي. ففي تلك الحقبة أيضاً بدأ انتشار التصميم الصناعي في أوروبا، ليشمل الأزياء والديكور والمجوهرات والفنون المعمارية وغيرها.

ظهر هذا التصميم أول مرة في سوار ساعة «سيربنتي» الأيقونية (بولغري)

في عام 1948، وُلدت أساور بتصميم انسيابي يتشابك دون استخدام اللحام، تجسَّد في سوار أول ساعة من مجموعتها الأيقونية «سيربنتي». أدى نجاحها إلى توسعها لمجموعات أخرى، مثل «مونيتي» و«بارينتيسي» و«بولغري بولغري».

في مجموعتها الجديدة تلوّنت الأشكال الانسيابية المتموجة والأجسام المتحركة بدرجات دافئة من البرتقالي، جسَّدها المصور والمخرج جوليان فالون في فيلم سلط الضوء على انسيابية شبكات الذهب الأصفر ومرونتها، واستعان فيه براقصين محترفين عبّروا عن سلاستها وانسيابيتها بحركات تعكس اللفات اللولبية اللامتناهية لـ«توبوغاس».

بيد أن هذه التقنية لم تصبح كياناً مهماً لدى «بولغري» حتى السبعينات. فترة أخذت فيها هذه التقنية أشكالاً متعددة، ظهرت أيضاً في منتجات من الذهب الأصفر تُعبر عن الحرفية والفنية الإيطالية.

ظهرت تقنية «توبوغاس» في مجوهرات شملت أساور وساعات وعقوداً (بولغري)

لكن لم يكن هذا كافياً لتدخل المنافسة الفنية التي كانت على أشدّها في تلك الحقبة. استعملتها أيضاً في مجوهرات أخرى مثل «بارينتيسي»، الرمز الهندسي المستوحى من الأرصفة الرومانية. رصَّعتها بالأحجار الكريمة والألماس، وهو ما ظهر في عقد استخدمت فيه «التنزانيت» و«الروبيت» و«التورمالين الأخضر» مُحاطة بإطار من الأحجار الكريمة الصلبة بأشكال هندسية.

بعدها ظهرت هذه التقنية في ساعة «بولغري توبوغاس»، تتميز بسوار توبوغاس الأنبوبي المرن، ونقش الشعار المزدوج على علبة الساعة المصنوعة من الذهب الأصفر والمستوحى من النقوش الدائرية على النقود الرومانية القديمة. تمازُج الذهب الأصفر والأبيض والوردي، أضفى بريقه على الميناء المطلي باللكر الأسود ومؤشرات الساعة المصنوعة من الألماس.

من تقنية حصرية إلى أيقونة

تزينت بمجوهرات الدار نجمات عالميات فكل ما تقدمه يُعدّ من الأيقونات اللافتة (بولغري)

«بولغري» كشفت عن مجموعتها الجديدة ضمن مشروع «استوديو بولغري»، المنصة متعددة الأغراض التي تستضيف فيها مبدعين معاصرين لتقديم تصوراتهم لأيقوناتها، مثل «بي زيرو1» و«بولغري بولغري» و«بولغري توبوغاس». انطلق هذا المشروع لأول مرة في سيول في مارس (آذار) الماضي، ثم انتقل حديثاً إلى نيويورك؛ حيث تستكشف الرحلة الإرث الإبداعي الذي جسدته هذه المجموعة من خلال سلسلة من أعمال التعاون من وجهات نظر فنية متنوعة.

قوة هذه التقنية تكمن في تحويل المعدن النفيس إلى أسلاك لينة (بولغري)

بين الحداثة والتراث

قدّم الفنان متعدد المواهب، أنتوني توديسكو، الذي انضم إلى المنصة منذ محطتها الأولى ترجمته للأناقة الكلاسيكية بأسلوب امتزج فيه السريالي بالفن الرقمي، الأمر الذي خلق رؤية سردية بصرية تجسد التفاعل بين الحداثة والتراث. منح الخطوط المنسابة بُعداً ميتافيزيقياً، عززته التقنيات التي تتميز بها المجموعة وتحول فيه المعدن النفيس إلى أسلاك لينة.

تطورت هذه التقنية لتشمل قطعاً كثيرة من مجموعات أخرى (بولغري)

ساعده على إبراز فنيته وجمالية التصاميم، الفنان والمصمم الضوئي كريستوفر بودر، الذي حوَّل الحركة اللامتناهية وتدفق اللوالب الذهبية في «بولغري توبوغاس» إلى تجربة بصرية أطلق عليها تسمية «ذا ويف» أو الموجة، وهي عبارة عن منحوتة ضوئية حركية تتألف من 252 ضوءاً يتحرك على شكل أمواج لا نهاية لها، تتكسر وتتراجع في رقصة مستمرة للضوء والظل، لكنها كلها تصبُّ في نتيجة واحدة، وهي تلك المرونة والجمالية الانسيابية التي تتمتع بها المجموعة، وتعكس الثقافة الرومانية التي تشرَّبتها عبر السنين.