بعد أيام من انتخاب مجلس النواب الليبي، ستة من أعضائه لعضوية لجنة «6+6»، التي سيوكل إليها إعداد القوانين الانتخابية، لا تبدو مهمتها أقل صعوبة من الملفات التي تعطل تحول ليبيا نحو الاستقرار. فالمجلس الأعلى للدولة، الشريك في العملية السياسية، لم ينتهِ بعد من تسمية ممثليه فيها، بجانب تحديات عديدة، من بينها مدى صلاحيات هذه اللجنة في حسم أية نقاط خلافية تتعلق بسَن القوانين.
ويتحدث محللون سياسيون عن أن ممثلي المجلسين سيجدون أنفسهم أمام سقف زمني محدد بمنتصف يونيو (حزيران) المقبل، لإنجاز القوانين الانتخابية، قبل أن يلجأ المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، إلى تفعيل «آلياته البديلة»، عبر «اللجنة التوجيهية»، التي سبق وأعلن عنها.
وبينما يقر محمد الأسمر، المحلل السياسي الليبي، بأن إغفال الإطار الزمني في عمل لجنة «6+6» كان «خطأ في صياغة التعديل الدستوري»، يقول، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «إن المبعوث الأممي حسم تلك النقطة بوضع مدة قصوى أمام المجلسين للتوافق على القوانين الانتخابية، حتى منتصف العام الجاري، وإلا سيلجأ إلى آليات أخرى تقررها البعثة الأممية بالتشاور مع مجلس الأمن».
وإذ يأمل في سرعة انتخاب المجلس الأعلى للدولة ممثليه، يقول إن الأخير لا يزال يشهد «خلاًفا داخلياً كبيراً» حول تلك الخطوة.
ويضيف: «ما لم تكتمل كل الآليات، والأطر، ويتم تحديد موعد للانتخابات، وإصدار القوانين المنظمة لها، وفتح باب التسجيل أمام المرشحين، والناخبين الجدد، فلا يمكننا الحديث عن ذلك»، موضحاً أن كل ذلك مرهون بتوافق مجلسي النواب و«الأعلى للدولة».
ومع ذلك، هناك من يرى أن معضلات ذلك المسار لا تتوقف عند نقطة الإطار الزمني، أو محدودية صلاحيات اللجنة التي لا تمكّنها من إقرار أي نص قانوني دون الرجوع إلى المجلسين، وإنما تشمل المسار كله الذي يفرضه التعديل الدستوري الثالث عشر، الذي يرى المحلل السياسي الليبي إبراهيم بلقاسم، أنه «بحاجة إلى تعديل».
ويرجح بلقاسم، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تصل تلك العملية إلى «طريق مسدود»، ما لم يتم إجراء تعديل جوهري في أسس المسار الانتخابي، خلافاً لما أرساه التعديل الدستوري الثالث عشر. ويرى أن الممثلين الستة الذين انتخبهم مجلس النواب، «لا يمثلون خبرات، أو كفاءات قانونية، وإنما جاء اختيارهم بناء على الجهوية والمحاصصة».
وحول فرص تقديم مجلس الدولة ممثليه في اللجنة، يقول إن الأول «منقسم على نفسه»؛ فرئيسه خالد المشري، والمجموعة المؤيدة له في «جبهة التعديل الدستوري مع مجلس النواب»، والنصف الآخر يرى أن هذا التعديل «سيوصل البلاد إلى طريق مسدود». ويتابع: «هذا الانقسام خطير، ويجعل عملية اختيار ممثلي مجلس الدولة صعبة، لكنها ليست مستحيلة».
وبالإضافة إلى كل ما سبق، يعتقد محللون، منهم إبراهيم بلقاسم، أن القوانين الانتخابية نفسها تنطوي على صعوبات جمة ترتبط بشروط الترشح. ويقول إن التعديل الدستوري ترك معضلة تحديد شروط الترشح لتتم معالجتها في القوانين. ويضيف: «عجزت القواعد الدستورية عن تحديد تلك الشروط، ولم يحددها كذلك التعديل الدستوري، وبالتالي فليس من السهل الوصول إلى حلول فيها عبر القوانين، فالملف خطير جداً، وثقيل».
ورداً على سؤال بشأن ترجيح احتمالات إخفاق «6+6»، والذهاب إلى آليات باتيلي، يقول بلقاسم، إن اللجنة التي ستشكلها البعثة الأممية «ليست قادمة من الفضاء، ولكنها ستضم أعضاء من مجلسي النواب و(الدولة) وأطرافاً فاعلة غير ممثلة في المجلسين».
ويوضح أنه في كل الأحوال سيتم الرجوع إلى هذه اللجنة الأممية «سواء نجح المجلسان أو أخفقا»، فهي تمثل المرحلة الأخيرة قبل وصول قوانين الانتخابات إلى المفوضية العليا للانتخابات، حيث منع باتيلي - يقول إبراهيم بلقاسم - تواصل مجلسي النواب و«الدولة» مع المفوضية العليا للانتخابات.
وشدد على ضرورة إجراء تعديلات جوهرية في التعديل الدستوري الثالث عشر، مستنكراً منع الأحزاب من المشاركة في الانتخابات وفق القواعد الحالية.
ويرى المحلل الليبي فرج فركاش، أن هناك دعماً دولياً كبيراً، وراء المبعوث الأممي، مشيراً إلى أن اللجنة رفيعة المستوى، التي بدأ تشكيلها، ستكون عاملاً مساعداً مهماً وضاغطاً؛ للتوافق على النقاط الخلافية التي فشل المجلسان في التوافق عليها.
ونوه بأن من مهام تلك اللجنة إنتاج «قاعدة سلوك» تلتزم بها الأطراف جميعها أثناء العملية الانتخابية، وبعدها، وتضمن القبول بنتائجها. ويعتقد فركاش أنه في حالة فشل المجلسين في الانخراط إيجابياً مع مبادرة المبعوث الأممي، فستوكل مهمة إنتاج القاعدة الدستورية، والقوانين الانتخابية، لهذه اللجنة بعيداً عنهما.