انحدار الليرة يخرج لبنانيين إلى الشوارع ويغلق المؤسسات

متظاهر يقطع طريقاً في بيروت غضباً من ارتفاع الدولار (إ.ب.أ)
متظاهر يقطع طريقاً في بيروت غضباً من ارتفاع الدولار (إ.ب.أ)
TT

انحدار الليرة يخرج لبنانيين إلى الشوارع ويغلق المؤسسات

متظاهر يقطع طريقاً في بيروت غضباً من ارتفاع الدولار (إ.ب.أ)
متظاهر يقطع طريقاً في بيروت غضباً من ارتفاع الدولار (إ.ب.أ)

أخرج الارتفاع القياسي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، الناس إلى الشارع غضباً، قبل أن يحتوي المصرف المركزي الارتفاع المفاجئ لسعر الصرف، الذي خرج من معدلات تدهوره المعهود يومياً، إلى مستويات قياسية، للمرة الأولى منذ انطلاق الأزمة المالية في خريف عام 2019.
وبعدما كان الدولار يصعد بمستويات تراوح بين 2 في المائة و3 في المائة يومياً، وتنحسر إثر تدخلات من «المركزي»، أو بفعل تدابير سياسية تهدئ سوق القطع، ارتفع سعر الصرف من 110 آلاف ليرة للدولار الواحد، الاثنين، إلى حدود الـ140 ألف ليرة قبل ظهر أمس (الثلاثاء)، ما يعني تدهوره بنحو 12 في المائة يومياً، وذلك في أعنف موجة انحدار تعززت بحالة عدم اليقين السياسي القائمة، وإضراب المصارف المتواصل منذ أسبوعين، وانشغال «المركزي» بتداعيات التحقيقات القضائية التي تجريها وفود أوروبية، واستمعت إليه الخميس والجمعة الماضيين بصفة شاهد في بيروت.
وخرج سعر الصرف من كل الضوابط، ما انعكس على إمكانات المواطنين الشرائية، حيث لوحت شركات توزيع الغاز والمحروقات بإقفال أبوابها، فيما أقفلت بعض الصيدليات، وأحجمت محال توزيع المواد الغذائية عن بيع موادها بالليرة اللبنانية، حيث اشترطت البيع بالدولار الأميركي النقدي، وذلك لتجنب الخسائر.
هذا الواقع، رفع وتيرة الاحتجاج في صفوف اللبنانيين الذي نزلوا إلى الشوارع، وأقفلوا الطرقات تعبيراً عن غضبهم من مآلات الأمور، وامتدت التحركات الميدانية على سائر الأراضي اللبنانية من الجنوب إلى الشمال، وشملت بطبيعة الحال العاصمة بيروت، والضاحية الجنوبية لبيروت، التي خرج سكانها إلى الشارع في واحدة من المرات النادرة.
ففي مدينة صور في جنوب لبنان، قطع محتجون على تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع سعر صرف الدولار، الطريق على خط الناقورة، فيما تم قطع الطريق السريع على أوتوستراد بيروت – صيدا عند نقطة الجية. وفي بيروت، قطع طريق البربير، وتجمع المواطنون عند نقطة كورنيش المزرعة اعتراضاً، فيما أظهرت مقاطع فيديو مجموعة من الشبان الغاضبين يجبرون أصحاب المحال التجارية على إقفال أبوابها.
وفي ضاحية بيروت الجنوبية، قطعت طريق مخايل - الشياح عند طريق صيدا القديمة، فيما سجلت تحركات ميدانية في أكثر من موقع في الشمال، حيث قطع مواطنون الطريق عند مستديرة العبدة في عكار، وطرقات أخرى في طرابلس، أما في شرق لبنان، فقطعت طريق سعدنايل وبريتال وغيرها. وخلط الارتفاع القياسي لسعر الصرف، الأوراق المالية في البلاد، وسط انغلاق سياسي داخلي يزيد الضغوط على مصرف لبنان المركزي بالتدخل، تعويضاً عن غياب الدولة. وتقول مصادر مالية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، إنه منذ انطلاق الأزمة، تم تحميل المصرف المركزي كافة الأعباء، حيث «تطالبه السلطة التنفيذية بتأمين الدولارات لتغطية أسعار الكهرباء والاتصالات ورواتب القطاع العام على سعر منصة (صيرفة)، فضلاً عن تأمين الأموال اللازمة لاستيراد الأدوية المستعصية، في وقت لا توفر السلطة السياسية الاستقرار اللازم لجذب الاستثمارات وتحسين الإنتاج ورفع المؤشرات الاقتصادية». وعليه، «يضطر (المركزي) للاستحواذ على الدولار النقدي من مصادر متعددة بغرض توفيرها لدفع المستحقات المتوجبة على الحكومة»، في إشارة إلى المرافق العامة التي تأتي عائداتها بالدولار، والتحويلات من الخارج عبر شركات تحويل الأموال.
قبل الأزمة المالية الأخيرة، كانت الحكومات تصدر سندات خزينة للبيع، ويسوقها مصرف لبنان لدى المصارف الدولية، وكانت تلك الآلية إحدى أبرز عائدات الدولة اللبنانية من العملة الصعبة، وهي سندات ممتدة على قروض حتى عام 2037، وتقول مصادر مالية إن العجز بدأ يتفاقم في لبنان في خريف عام 2017 إثر إقرار السلطة السياسية لسلسلة الرتب والرواتب التي ضاعفت الإنفاق في خزينة الدولة، حيث ارتفعت المدفوعات لموظفي القطاع العام نحو 2.6 مليار دولار سنوياً. أما الضربة الكبيرة، فجاءت حين أعلنت حكومة الرئيس حسان دياب التخلف عن سداد الديون، حيث «توقف لبنان عن الدفع، مما هزّ ثقة الأسواق المالية بلبنان، وفي الوقت نفسه طالبت الحكومة بصرف الاحتياطي في خزينة (المركزي) على دعم المستوردات، في مقدمها المحروقات، ما أفقد (المركزي) احتياطاته».
أمام هذا الواقع، لم يعد أمام «المركزي» إلا الحصول على الدولار من السوق السوداء، بغرض تغطية العجز والمطلوب منه من الحكومة لتأمين مصاريفها، وهي اتهامات لم يصدر «المركزي» توضيحاً أو نفياً حولها، في وقت لا يزال يوفر المدفوعات للحكومة، علماً بأن مدفوعاتها بالليرة ارتفعت ثلاثة أضعاف بعد رفع الرواتب، فيما ارتفعت قيمة المدفوعات بالدولار لتغطية مصارفات السلك الدبلوماسي وغيرها من المدفوعات بالدولار، نحو 70 مرة طالما أنها مطلوبة بالعملة الصعبة. ومع تدخّل المصرف «المركزي» الذي هدأ الطلب إلى حد ما على العملة الصعبة، ما أسفر عن تراجع سعر الصرف، تقول مصادر مالية إنه «لا مؤشرات الآن على أن هناك استقراراً في سعر الصرف، طالما أن الحلول السياسية مقفلة، ولا إصلاحات يطلبها صندوق النقد الدولي تُنفذ، ولا ثقة مالية دولية بلبنان، ولا ملفات حُسمت لتعزيز الثقة»، في إشارة إلى التحقيقات القضائية التي تهز الثقة بحاكم المصرف المركزي، والدعاوى القضائية المحلية على المصارف التي دفعتها للإضراب. وتؤكد المصادر أن «الشأن السياسي الذي يحول دون الاستقرار بسعر الصرف، ارتفع على الشأن المالي والنقدي، وباتت الخلافات السياسية أبرز عثرة أمام أي محاولات لتحسين الأوضاع ووضع لبنان على سكة الاستقرار».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«الإطار الشيعي» يسعى للنأي بالعراق عن «الحرب» بين إيران وإسرائيل

مظاهرة في بغداد ترفع العلم اللبناني وصورة حسن نصر الله (رويترز)
مظاهرة في بغداد ترفع العلم اللبناني وصورة حسن نصر الله (رويترز)
TT

«الإطار الشيعي» يسعى للنأي بالعراق عن «الحرب» بين إيران وإسرائيل

مظاهرة في بغداد ترفع العلم اللبناني وصورة حسن نصر الله (رويترز)
مظاهرة في بغداد ترفع العلم اللبناني وصورة حسن نصر الله (رويترز)

حذّر رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي من «توريط» البلاد في الحرب التي تدور رحاها بالمنطقة وتتقاسم أدوارها إسرائيل مع إيران والجماعات الحليفة لها. فيما التقى رئيس «تيار الحكمة الوطني»، عمار الحكيم، الأحد، السفير الإيراني في بغداد، محمد كاظم آل صادق، في مؤشر على الأنباء التي تحدثت عن «دور الوساطة» الذي يضطلع به لإقناع الفصائل العراقية عبر إيران، أو من خلال حوارات مباشرة مع قادتها، بعدم توريط العراق في الحرب الدائرة.

وأشار العبادي في تصريحات صحافية إلى إمكانية أن تستهدف إسرائيل العراق، وقال إنه «لا يجوز السير بتهور نحو الحرب من أجل مكاسب خاصة»، في إشارة إلى المواقف التي تصدر عن بعض الفصائل المسلحة وإصرارها على الانخراط في الحرب مع إسرائيل.

من لقاء سابق للعبادي مع السفيرة الأميركية (موقع ائتلاف النصر)

وأضاف أنه «ليس بالجديد على الكيان الصهيوني أن يقصف الدول، ويحدث فيها كوارث إنسانية كما حصل في غزة وجنوب لبنان من دمار، وقد يستهدف العراق، لكن موقفنا هو المحافظة على شعبنا وحمايته من التهديدات».

ومعروف أن العبادي يوجه بين مدة وأخرى انتقادات لاذعة لبعض زعماء الفصائل المسلحة، وقبل نحو عامين اتهمهم صراحة بالاستحواذ على أموال طائلة من الدولة، وبناء أفخم القصور في مناطق بغداد الراقية.

وترددت أنباء داخل الكواليس السياسية خلال اليومين الأخيرين عن نقل العبادي، بعد الضربة التي وجهتها فصائل عراقية إلى موقع إسرائيلي بالجولان، رسالة من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية إلى السفيرة الأميركية في بغداد، ألينا رومانوسكي، تطالب فيها واشنطن بالضغط على إسرائيل لـ«تجنب قصف أهداف تابعة للدولة في حال أرادت توجيه ضربة إلى العراق، والاكتفاء باستهداف الجماعات والفصائل التي تهاجم إسرائيل».

وسبق أن تحدثت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، عن «تحديد إسرائيل عشرات الأهداف المحتملة داخل العراق لضربها انتقاماً للهجمات التي تشنها الفصائل العراقية المرتبطة بإيران ضدها».

مسلحون من ميليشيا موالية لإيران في أحد شوارع البصرة (رويترز)

وتنشغل الأوساط السياسية والشعبية منذ نحو أسبوعين بالحرب الإسرائيلية وتداعياتها، وإمكانية مواجهة العراق ضربات إسرائيلية. وجراء هذا الانشغال تراجعت إلى الوراء دائرة الاهتمام بمعظم القضايا الخلافية الكبيرة التي تفجرت خلال الشهرين الأخيرين، ومنها الخلاف داخل البرلمان وخارجه حول قانونَي «الأحوال الشخصية» المثير للجدل، و«الحصول على المعلومة». كما تراجع الاهتمام، بشكل لافت، بقضية «سرقة القرن» بعد هروب المتهم الرئيسي فيها إلى خارج العراق.

وطبقاً لمراقبين، وضمن مساعي النأي بالبلاد عن دائرة الحرب، فقد التقى زعيم «تيار الحكمة الوطني» عمار الحكيم، الأحد، سفير إيران لدى العراق محمد كاظم آل صادق.

الحكيم مع السفير الإيراني (الفرات نيوز)

وكشفت «الشرق الأوسط» في وقت سابق عن أن الحكيم أحد الشخصيات الرئيسية التي طلب منها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التحرك «لإقناع الفصائل المسلحة بعدم الانخراط في الحرب».

وقال بيان عن مكتب الحكيم إنه أكد خلال اللقاء «أهمية تضافر جهود الجميع لإيقاف هذه الحرب، التي يسعى الكيان الإسرائيلي لتوسيع دائرتها».