المصمّمون يوظفون نظم الذكاء الصناعي التوليدي لتسريع المشروعات

ضرورة فهم ميلها المحتمل إلى «الهلوسة والكذب»

المصمّمون يوظفون نظم الذكاء الصناعي التوليدي لتسريع المشروعات
TT

المصمّمون يوظفون نظم الذكاء الصناعي التوليدي لتسريع المشروعات

المصمّمون يوظفون نظم الذكاء الصناعي التوليدي لتسريع المشروعات

يركّز المصمّم باو غارسيا اهتمامه وجهوده منذ سنوات على نظم الذكاء الصناعي. وباعتباره مستخدماً مبكّراً لمنتجات «أوبن إي آي»، الشركة الناشئة التي أسهمت في زيادة شعبية الذكاء الصناعي، قال إنّ الذكاء الصناعي أثار حماسته في البداية، ولكنّه لم يتوقّع أنّه سيلعب دوراً بارزاً في عالمه.
وأضاف غارسيا، الذي شارك في تأسيس شركة «دومستيك داتا ستريمرز» المتخصصة بالتصميم في برشلونة، عام 2003: «كنتُ أسمع دائماً أنّ الصناعة الإبداعية ستكون آخر المجالات المتأثّرة بغلبة الروبوتات. ولكنّني في الوقت نفسه، كنتُ أشعر بفضول كبير».
في أحد الأيّام، وأثناء تصفّحه الإنترنت، وقع على سيناريو لحلقة من برنامج «ريك ومورتي»، كتبه أكبر النماذج اللغوية التي طوّرتها «أوبن إي آي».
ذكاء صناعي توليدي
غيّرت هذه اللحظة كلّ شيء. وقال غارسيا: «في هذه اللحظة، قلتُ، حسناً، هذا الأمر قريبٌ جداً ممّا أفعله».
نعم، لقد كانت الشرارة التي أطلقت رحلته مع التصميم بمساعدة أدوات الذكاء الصناعي التوليدي مثل «تشات جي بي تي» و«دال - إي».
كان غارسيا سابقاً لزمانه، ولكنّ «دومستيك داتا ستريمرز» هي واحدة من شركات كثيرة انخرطت في مجال الذكاء الصناعي التوليدي (المصطلح المستخدم للتقنية التي تولّد محتوى جديداً مثل النصوص، أو المواد البصرية، أو الرموز). تقف شركات، منها «أوبن إي آي» و«ستابيليتي إي آي» خلف النسخ الأكثر تقدّماً من الذكاء الصناعي، إلى جانب عمالقة التقنية، مثل «مايكروسوفت» و«غوغل».
تنتج «دومستيك داتا ستريمرز» خدمات مبتكرة لزبائن مثل البنك الدولي والأمم المتّحدة، وتتراوح كلفة المشروع الذي تطوّره بين 70 ألف يورو (74.890 ألف دولار) و250 ألف يورو (236.890 ألف دولار). استخدمت الشركة العام الماضي نظم الذكاء الصناعي التوليدي للعمل مع وسائل إعلام أوروبية وإحدى إدارات السجون في إيطاليا.
إذن، كيف تستخدم الشركة الذكاء الصناعي؟ إليكم تجارب مع «تشات جي بي تي» و«دال - إي». ففي محادثة عبر تطبيق «غوغل ميتس»، سحب غارسيا «جدول إكسل» يعرض ملخّصات لمشروعات مختلفة. لإطلاق عملية «الشحذ الذهني» حول أطروحات الزبائن، يضع غارسيا كلمات مفتاح، منها «تغيّر المناخ» أو «رياضة» مثلاً، في نموذج من «غوغل دوكس» (مستندات غوغل) لتبدأ بعدها الوظائف التي طوّرها على «تشات جي بي تي» بعرض اقتباسات لخبراء في موضوع معيّن في الجدول نفسه.
يحتاج الباحثون العاملون في مشروعٍ معيّن إلى نحو أسبوعين عادةً، ولكنّ «تشات جي بي تي» يتمّم العمل في نصف المدّة، بحسب غارسيا، الذي أمضى الأشهر الستة الأخيرة في تعليم موظّفيه، الذين يفوق عددهم العشرين، كيف يستطيعون إجراء التجارب واستخدام «تشات جي بي تي» و«دال - إي» في منهجياتهم.
تدقيق صحة المعلومات
يعترف غارسيا بأنّه من النوع المتفائل، إلّا أنّه يفهم لماذا قد يرى المتشائمون الذكاء الصناعي التوليدي تهديداً لوظائفهم، ويشدّد على أنّ البيانات التي يولّدها البرنامج يجب التحقّق من صحّتها، وهو الأمر الذي يذكّر موظفيه به دائماً.
ويقول إنّه «من غير المسؤول استخدام هذه التقنية من دون فهم ميلها المحتمل إلى الهلوسة والكذب»، لافتاً إلى أنّ شركته أعدّت إضافات لمتصفّح «كروم» للعثور على مصدر المواد على شبكة الإنترنت.
إن أدوات الذكاء الصناعي ستغيّر الطريقة التي يعمل بها البشر، وقد تحادث غارسيا أخيراً مع فريق برشلونة لكرة القدم الذي أبدى اهتماماً في استخدام الذكاء الصناعي لابتكار الإعلانات. ولكن عندما شرح المصمّم كيف أنّ النماذج اللغوية التي تقف خلف أدوات الذكاء الصناعي التوليدي مثل «تشات جي بي تي» و«دال - إي» دُرّبت باستخدام صورٍ من شبكة الإنترنت بعضها قد يكون خاضعاً لحقوق الملكية الفكرية، ظهر التردّد على الفريق.
يعتبر تردّد فريق كرة القدم الشهير مبرّراً. ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، تقدّمت مجموعة من الفنانين بدعوى قضائية ضدّ صنّاع الذكاء الصناعي التوليدي «ستابيليتي إي آي» و«ميدجورني» لاستخدامهما مليارات الصور دون موافقة أصحابها.
ومع ذلك، يبدو الاهتمام كبيراً جداً. فمنذ أن بدأ غارسيا بنشر مقالات على منصّة «ميديوم» عن استخدام الذكاء الصناعي في الصناعات الإبداعية العام الماضي، شهد عمله ازدهاراً واسعاً، حتّى باتت «دومستيك داتا ستريمرز» اليوم تتلقّى خمسة أضعاف الاتصالات التي كانت تتلقاها قبل ستّة أشهر.
يعتقد غارسيا بأنّ هذا الاهتمام المتزايد والمفاجئ بشركته مدفوعٌ إلى درجة كبيرة بخوف البعض من البقاء خارج هذه الموجة المستجدّة. ويقول إنّ الشركات متحمّسة لهذا الذكاء الصناعي الجديد، وتريد أن تصبح قادرة على القول إنّها استخدمته في مشروعاتها حتّى ولو كان هذا الاستخدام لا يغيّر النتائج النهائية كثيراً.
وأخيراً، يختم غارسيا: «نحن نعيش هذه اللحظة الجميلة ونمر جميعاً بتجربة هذه التقنية الجديدة التي ستغيّر كثيراً من الأمور. ولكنّ الوقت حان للتفكير، حسناً، ولكن لماذا هذا التوجه؟ إذا كان استخدام الذكاء الصناعي هو الجواب، فلن يكون هناك سبب لطرح السؤال».* «كوارتز»،

* خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية
TT

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«تخيل أنك بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في غضون بضع دقائق لأنك قد لا تنجو... لا يوجد جراحون في الجوار ولكن يوجد روبوت جراحي مستقل متاح يمكنه إجراء هذا الإجراء باحتمالية عالية جداً للنجاح، هل ستغتنم الفرصة؟» هذا ما أجابني به طالب ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز عبر البريد الإلكتروني، لدى سؤالي عن التطوير الجديد.

تعليم الروبوت بمقاطع فيديو للجراحة

لأول مرة في التاريخ، تمكن كيم وزملاؤه من تعليم الذكاء الاصطناعي استخدام آلة جراحة آلية لأداء مهام جراحية دقيقة، من خلال جعلها تشاهد آلاف الساعات من الإجراءات الفعلية التي تحدث في ردهات جراحية حقيقية. ويقول فريق البحث إنه تطور رائد يتجاوز حدوداً طبية محددة ويفتح الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية.

وفقاً لورقتهم البحثية المنشورة حديثاً، يقول الباحثون إن الذكاء الاصطناعي تمكن من تحقيق مستوى أداء مماثل لجراحي البشر دون برمجة مسبقة.

جراحة بتوظيف الروبوت

تدريب على العروض بدلاً من البرمجة

وبدلاً من محاولة برمجة الروبوت بشق الأنفس للعمل -وهو ما تقول ورقة البحث إنه فشل دائماً في الماضي- قاموا بتدريب هذا الذكاء الاصطناعي من خلال شيء يسمى التعلم بالتقليد، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي حيث تراقب الآلة وتكرر الأفعال البشرية. سمح هذا للذكاء الاصطناعي بتعلم التسلسلات المعقدة للأفعال المطلوبة لإكمال المهام الجراحية عن طريق تقسيمها إلى مكونات حركية. وتترجم هذه المكونات إلى أفعال أبسط -مثل زوايا المفاصل ومواضعها ومساراتها- والتي يسهل فهمها وتكرارها وتكييفها أثناء الجراحة.

توظيف روبوت «دافنشي» للتدريب

استخدم كيم وزملاؤه نظام دافنشي الجراحي كأيدٍ وعيون لهذا الذكاء الاصطناعي. ولكن قبل استخدام المنصة الروبوتية الراسخة (التي يستخدمها الجراحون حالياً لإجراء عمليات دقيقة محلياً وعن بُعد) لإثبات نجاح الذكاء الاصطناعي الجديد، قاموا أيضاً بتشغيل محاكاة افتراضية. وقد سمح هذا بتكرار أسرع وتحقق من السلامة قبل تطبيق الإجراءات التي تم تعلمها على الأجهزة الفعلية.

«كل ما نحتاجه هو إدخال الصورة، ثم يجد نظام الذكاء الاصطناعي هذا الإجراء الصحيح»، كما يقول كيم. كانت روبوتات دافنشي أيضاً مصدر مقاطع الفيديو التي حللها الذكاء الاصطناعي، باستخدام أكثر من 10000 تسجيل تم التقاطها بواسطة كاميرات المعصم أثناء العمليات الجراحية التي يقودها الإنسان.

تعلّم 3 مهام جراحية

وكان الهدف تعلم ثلاث مهام جراحية: التعامل مع إبرة جراحية وتحديد موضعها، ورفع الأنسجة والتلاعب بها بعناية، والخياطة -كلها مهام معقدة تتطلب تحكماً دقيقاً وحساساً للغاية.

مكنت مجموعة البيانات واسعة النطاق هذه الذكاء الاصطناعي من تعلم الاختلافات الدقيقة بين الإجراءات الجراحية المتشابهة، مثل شدة التوتر المناسب اللازم للتعامل مع الأنسجة دون التسبب في ضرر.

تعد مقاطع الفيديو التدريبية هذه جزءاً صغيراً جداً من مستودع واسع النطاق للبيانات الجراحية. مع ما يقرب من 7000 روبوت دافنشي قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم، هناك مكتبة ضخمة من العروض الجراحية للمراقبة والتعلم منها، والتي يستخدمها فريق البحث الآن لتوسيع ذخيرة الذكاء الاصطناعي الجراحية لدراسة جديدة لم تُنشر بعد.

«في عملنا المتابع، والذي سنصدره قريباً، ندرس ما إذا كانت هذه النماذج يمكن أن تعمل في الإجراءات الجراحية طويلة المدى التي تنطوي على هياكل تشريحية غير مرئية»، يكتب كيم، في إشارة إلى الإجراءات الجراحية المعقدة التي تتطلب التكيف مع حالة المريض في أي وقت معين، مثل إجراء عملية جراحية على جرح داخلي خطير.

التحقق من صحة النموذج المطور

أثناء التطوير، عمل الفريق عن كثب مع الجراحين الممارسين لتقييم أداء النموذج وتقديم ملاحظات حاسمة (خاصة فيما يتعلق بالتعامل الدقيق مع الأنسجة)، والتي قام الروبوت بدمجها في عملية التعلم الخاصة به.

أخيراً، للتحقق من صحة النموذج، استخدموا مجموعة بيانات منفصلة غير مدرجة في التدريب الأولي لإنشاء محاكاة افتراضية، ما يضمن قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيف مع السيناريوهات الجراحية الجديدة وغير المرئية قبل الشروع في اختبارها في الإجراءات المادية. أكد هذا التحقق المتبادل قدرة الروبوت على التعميم بدلاً من مجرد حفظ الإجراءات، وهو أمر بالغ الأهمية بالطبع نظراً للعدد المجهول المحتمل الذي قد ينشأ في غرفة العمليات.

جراح آلي «ذو خبرة»

كل شيء سار بشكل جميل إذ تعلم نموذج الروبوت هذه المهام إلى مستوى الجراحين ذوي الخبرة. يقول أكسل كريغر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إنه لأمر سحري حقاً أن يكون لدينا هذا النموذج حيث كل ما نقوم به هو تلقيمه مدخلات الكاميرا، ويمكنه التنبؤ بالحركات الروبوتية اللازمة للجراحة». «نعتقد أن هذا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو أفق جديد في مجال الروبوتات الطبية».

تطوير رائد

إن أحد مفاتيح هذا النجاح هو استخدام الحركات النسبية بدلاً من التعليمات المطلقة. ففي نظام دافنشي قد لا تنتهي الأذرع الآلية إلى حيث هي مقصودة تماماً بسبب التناقضات الطفيفة في حركة المفصل التي تتراكم على مدار عدة حركات ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى أخطاء كبيرة -خاصة في بيئة حساسة مثل الجراحة. كان على الفريق إيجاد حل، لذا بدلاً من الاعتماد على هذه القياسات، قام بتدريب النموذج على التحرك بناءً على ما يلاحظه في الوقت الفعلي أثناء إجراء العملية.

لكن الابتكار الرئيسي هنا هو أن التعلم بالتقليد يزيل الحاجة إلى البرمجة اليدوية للحركات الفردية. قبل هذا الاختراق، كانت برمجة الروبوت للخياطة تتطلب ترميزاً يدوياً لكل حركة بالتفصيل. يقول كيم إن هذه الطريقة كانت أيضاً عرضة للخطأ وتشكل قيداً رئيسياً في تقدم الجراحة الروبوتية. إذ إنها حدت مما يمكن للروبوت فعله بسبب جهود التطوير، والافتقار إلى المرونة التي جعلت من الصعب للغاية على الروبوتات القيام بمهام جديدة.

ومع ذلك، يسمح التعلم بالتقليد للروبوت بالتكيف بسرعة مع أي شيء يمكن مشاهدته، والتعلم على غرار طالب الجراحة. «(نحن) نحتاج فقط إلى جمع بيانات التعلم التقليدي لإجراءات مختلفة، ويمكننا تدريب الروبوت على تعلمها في غضون يومين»، كما يقول كريغر. «هذا يسمح لنا بالتعجيل نحو هدف الاستقلالية مع تقليل الأخطاء الطبية وتحقيق جراحة أكثر دقة».

تقييم مدى النجاح

لقياس مدى نجاح الذكاء الاصطناعي، حدد الباحثون مقاييس الأداء الرئيسية، مثل الدقة في وضع الإبرة والاتساق في التلاعب بالأنسجة باستخدام مجموعة من البيئات الجراحية الوهمية المادية، والتي تضمنت محاكيات الأنسجة الاصطناعية والدمى الجراحية. وكانت النتائج مذهلة. يقول كريغر: «النموذج جيد جداً في تعلم الأشياء التي لم نعلمه إياها. على سبيل المثال، إذا أسقط الإبرة، فسوف يلتقطها تلقائياً ويستمر».

لا تعد هذه القدرة على التكيف مهمة فقط لمواصلة تعلم مهارات جديدة ولكنها أيضاً ضرورية للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة في الجراحات الحية، مثل تمزق الشريان أو تغير العلامات الحيوية للمريض فجأة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النموذج كفاءة زمنية محسنة، ما أدى إلى تقليل وقت الانتهاء للمهام الجراحية القياسية مثل الخياطة بنحو 30 في المائة، وهو أمر واعد بشكل خاص للعمليات الحرجة من حيث الوقت.

ويتصور العلماء سيناريو حيث تساعد هذه الروبوتات الجراحين في المواقف عالية الضغط، وتعزيز قدراتهم وتقليل الخطأ البشري. سيؤثر جراحو الذكاء الاصطناعي المستقبليون بشكل كبير على توفر الرعاية الجراحية، مما يجعل التدخلات الطبية عالية الجودة متاحة لعدد أكبر.

اللوائح التنظيمية وأخلاقيات الطب

هناك أيضاً تحديات أخلاقية وتنظيمية يجب معالجتها قبل نشر مثل هذا الذكاء الاصطناعي في بيئات جراحية حقيقية دون إشراف بشري. فالقفزة نحو الروبوتات الجراحية المستقلة تثير مخاوف أخلاقية جديدة.

هناك قضية المساءلة: من سيكون مسؤولاً إذا حدثت مشكلة؟ الشركة التي صنعت الجراح الذكي؟ المهنيون الطبيون الذين يشرفون عليه (إذا كان هناك أي إشراف)؟ هناك أيضاً مسألة موافقة المريض، والتي ستتطلب تثقيف كل من الشخص الذي يخضع للجراحة والأشخاص المحيطين به حول ماهية هذا الذكاء الاصطناعي، وما الذي يمكنهم فعله بالضبط، وما هي المخاطر التي تشكلها الروبوتات مقارنة بالجراحين البشر.

يعترف كيم بأن المستقبل الآن في منطقة رمادية حيث يمكن للجميع مجرد التكهن بما يجب أن يحدث أو سيحدث. ستكون أيدي السلطات التنظيمية مشغولة، من معالجة المساءلة والمخاوف الأخلاقية عند السماح لجراحي الذكاء الاصطناعي بالعمل بشكل مستقل، إلى وضع معايير للحصول على موافقة مستنيرة من المرضى.

ولكن عند الاختيار بين إجراء عملية جراحية طارئة منقذة للحياة بواسطة جراح مستقل أو عدم تلقي العلاج لأن الجراح البشري غير متاح (مثلاً في مكان بعيد أو منطقة متخلفة)، يزعم كيم أن الخيار الأفضل واضح. يمكنني بسهولة أن أتخيل مستقبلاً قريباً حيث يبدأ الناس في اختيار روبوتات الذكاء الاصطناعي على نظرائهم من البشر - في ظل وجود دليل إحصائي على أن جراحي الذكاء الاصطناعي يعملون بأمان.

وبعيداً عن التحديات الأخلاقية والقانونية، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتمكين التنفيذ العملي. ستحتاج المستشفيات إلى الاستثمار في البنية الأساسية التي تدعم جراحة الروبوتات بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة المادية والخبرة الفنية للتشغيل والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تدريب الفرق الطبية على إدارة العملية أمراً بالغ الأهمية. فالأطباء سيحتاجون إلى فهم الآلة ومتى يكون التدخل ضرورياً، وفي النهاية تحويل الجراحين البشريين من المهام الجراحية المباشرة إلى أدوار تركز على الإشراف والسلامة.

جراحات بسيطة أولاً

على المستوى العملي، يتصور الباحثون تقدماً تدريجياً، بدءاً بجراحات أبسط وأقل خطورة مثل إصلاح الفتق والتقدم تدريجياً إلى عمليات أكثر تعقيداً. سيساعد النهج التدريجي في التحقق من موثوقية الروبوت مع معالجة المخاوف التنظيمية والأخلاقية بمرور الوقت، فضلاً عن مساعدة السكان على الثقة في الذكاء الاصطناعي لإجراء العمليات الحرجة للحياة.

يقول كريغر: «ما زلنا في المراحل الأولى من فهم ما يمكن أن تحققه هذه الآلات حقاً. الهدف النهائي هو الحصول على أنظمة جراحية مستقلة تماماً وموثوقة وقابلة للتكيف وقادرة على إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب حالياً اختصاصياً مدرباً تدريباً عالياً».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً