فيرونيكا بائعة الخضار التي قلبت المقاييس

بائعة الخضار فيرونيكا نمر (خاص فيرونيكا)
بائعة الخضار فيرونيكا نمر (خاص فيرونيكا)
TT

فيرونيكا بائعة الخضار التي قلبت المقاييس

بائعة الخضار فيرونيكا نمر (خاص فيرونيكا)
بائعة الخضار فيرونيكا نمر (خاص فيرونيكا)

على وقع أغاني فيروز وصباح تطل بائعة الخضار فيرونيكا نمر بعربة الـ«فان» التي تقودها وتحمّل فيها كل ما لذ وطاب من فاكهة وخضار. وهي تعتبر سيارتها سبيل رزقها ومشروعاً تجارياً صغيراً تخطط لتوسيعه مع الوقت.
«حزّك مزّك» هو الاسم الذي اختارته لمشروعها، كونها تمضي يومها وهي تتجول على الطرقات. ومنذ إطلاقها له من حوالي الشهر ذاع صيتها، وصارت شهيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. فهي تعد أول فتاة شابة (22 عاما) تنطلق في مهنة بيع الخضار متجولة. فعادة ما يتولى هذه المهمة الرجال، إلا أنها قلبت القاعدة من مبدأ خالف تعرف. ولأنها شغوفة في تحضير الطعام، كان لا بد أن تحوز مكوناته على اهتمامها.
حاولت فيرونيكا مثل غيرها من شباب لبنان أن تلحق بفسحة الأمل من خلال هجرتها إلى رومانيا، «ولكني لم أكن سعيدة هناك وقررت العودة إلى بلدي لبنان لأنه بنظري الأفضل على هذا الكوكب». هكذا تخبرنا فيرونيكا عن المراحل التي مرت بها والتي ختمتها بمهنة بيع الخضار. فهي درست إدارة الأعمال في إحدى الجامعات اللبنانية. وفي رومانيا عملت كشيف في مجال الطهي. ومن ثم لحقت بمشاعرها وبحدسها وعادت إلى الوطن. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «هنا فرص العمل أكبر وكثيرة، وعلى الشباب أن يعوا ذلك. بمقدورهم الابتكار والتميز بدل الهروب إلى المجهول».
تستيقظ فيرونيكا في الخامسة فجراً تتوجه بعدها إلى سوق الخضار بالجملة. ونحو الساعة الثامنة تكون في واحدة من مناطق بيروت. تضيف: «الاثنين والجمعة أتواجد في الأشرفية وباقي أيام الأسبوع أتنقل بين مناطق سن الفيل وحرش تابت وانطلياس وغيرها. واليوم عندي زبائن في جميع هذه المناطق، ولا سيما في السيوفي ومار مخايل والجعيتاوي». وتتابع بحماس: «أنا سعيدة كون زبائني يثقون بي وبالأسعار المقبولة والعادلة التي أطلبها. وما أن يسمعوا صوت بوق الـ«فان» وأغاني فيروز وصباح حتى يبدأوا بالتجمع حولي».
استوحت فكرتها كما تقول من وسام بائع خضار اعتاد أن يزور بلدة الرميلة الشوفية مسقط رأسها. «حفر في رأسي وهو يتردد على بلدتنا منذ نحو 20 عاما. قلت في نفسي، ولم لا أقوم بنفس الفكرة؟ وهكذا حصل واشتريت الـ«فان» وغطته والدتي الفنانة التشكيلية نورا داغر برسومات مزركشة وملونة جميلة، حتى تحول إلى لوحة غرافيتي تسرق الانتباه وتستوقف كل من يراها».
تؤكد فيرونيكا أنها تختار البضاعة وكأنها تشتريها لمنزلها: «أحرص على أن تكون طازجة وذات جودة. وأقدمها بطريقة فنية فأرتبها كلوحات رسم تجذب الناس. أسعاري مدروسة وأستخدم آلة حاسبة قديمة (كاسيو) تماما كوسام كي أحاسب الزبائن. أما الميزان الذي عندي فهو من نوع ديجيتال فجمعت بين الحديث والقديم في آن».
لم تختر مهنة بيع الخضار عن عبث لأنها تملك هواية البحث في الأرض وتهوى الجذور. «أجد في الأرض بركة لا نحصل عليها في أماكن أخرى. كما أني أحب الخضار والفاكهة الصحية ولا أقلد بعض التجار في الغش والخلط بين بضاعة وطنية وأجنبية. فأرضنا خيّرة وطعم مزروعاتها ألذ وأطيب. وأحاول بذلك تحسين مذاقات الناس وتشجيع المزارعين في آن».
من البقاع وعكار تختار الخضار الورقي «ولكن غالبية باقي الأصناف أشتريها من سوق الخضار. هناك الجميع بات يعرفني ويحتفظ لي بأفضل بضاعة وأكثرها جودة».
مؤخراً أدخلت فيرونيكا على الأصناف التي تبيعها مادة العسل. «هو عسل بلدي تستخرجه فتاة بعمر الـ19 عاما من قفير نحل تمتلكه في بعبدا. أقصدها دائما كي أحصل على هذا النوع الممتاز. ومع العسل الطبيعي أكون بدأت في توسيع هذا المشروع، كي يصبح فيما بعد مؤسسة. فأنا أنوي أن أحقق من أرباحي مشاريع أخرى ويصبح عندي أكثر من «فان» واحد، وأقدم الفرص لشباب بعمري كي يقودوها ويتنقلوا في مناطق خارج بيروت. وربما تصبح هذه المؤسسة عنواناً للتفاؤل بعيداً عن الإحباط الذي يصيب كثيرين من أبناء جيلي اليوم». تعترف فيرونيكا أنها تضطر أحياناً إلى إيصال الفاكهة والخضار بـ«السلة». «بعض سكان الطوابق العالية ومع غياب التيار الكهربائي، ينزلون «السلة» على الطريقة القديمة كي أضع لهم فيها الخضار الذي يحتاجونه. وبعض أصدقائي الذين يرافقوني من باب المساندة يصعدون السلالم للطوابق العالية، فلا يحرمون المسنين الذين يسكنونها من أصناف الفاكهة والخضار التي يريدونها».
أما أكثر ما لفتها في عملها فهو اهتمام الشباب من أعمار مختلفة الذين يقصدونها بحماس. «لقد حفزتهم على أخذ دور أمهاتهم. فهم يطلون من على الشرفات عند سماع الأغاني التي تصدح من عربتي. ويأتونني فرحين كي يختاروا ما يريدون من أصناف. وبعضهم أسرّ لي أنه يشعر بالفرح وهو يزاول هذه المهمة. تخيلي فهم لم يقوموا بها من قبل ولكن (حزّك مزّك) دفعهم لذلك».
في الثانية بعد الظهر تعود فيرونيكا أدراجها إلى منزلها كي تأخذ قسطاً من الراحة على أمل بداية يوم جديد ومثمر ومفعم بالطاقة الإيجابية. «هدف مشروعي هو العمل كفريق وأنوي مع الوقت أن أحققه قريباً. ويهمني أن أشجع الجيل الجديد على الزراعة، وبذلك أضمن أن البضاعة التي أحملها موقعة من مزارع صحية مائة في المائة. يجب أن نحسّن هذا القطاع لأنه يشكل مورد رزق جيدا لنا في المستقبل. فالأمل موجود دائماً، وما علينا إلا اللحاق به بدل انتظاره، ونحن نضع كفّ يدنا على وجهنا».


مقالات ذات صلة

تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

يوميات الشرق تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

أضافت وزارة الثقافة السعودية خدمات جديدة إلى «منصة الابتعاث الثقافي» بميزات متعددة تهدف من خلالها إلى تعزيز العدالة في ترشيح المبتعثين. وتحتوي المنصة على التفاصيل والمعلومات التي يحتاجها المهتمون بالابتعاث الثقافي، ومحتوى توعوي عنه، فضلاً عن تمكينهم من التقديم على برامجه، ومتابعة طلباتهم، وإنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بذلك. وتعد المنصة بمثابة رحلة متكاملة تبدأ من خلال الدخول على صفحة برامج الابتعاث ليظهر مساران للتقدم، وهما: الدارسون على حسابهم الخاص، والحاصلون على قبول مسبق، ومن ثم الانطلاق في التقديم بإنشاء الملف الشخصي الموثق بالتكامل مع أنظمة وخدمات مختلف الجهات الحكومية، ومن ثم تعبئة الب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مسنّون «يروّجون» لشيخوخة سعيدة

مسنّون «يروّجون» لشيخوخة سعيدة

ينشر مسنّون على إحدى المنصات الاجتماعية فيديوهات مضحكة لأنفسهم مزيلين الأفكار السابقة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وفي سن التاسعة والثمانين، تعيش دولوريس التي تستخدم اسم «دولي برودواي» على «تيك توك» «أفضل أيام حياتها»، وتشارك مقاطع فيديو طريفة لمتابعيها البالغ عددهم 2.4 مليون متابع. لا شيء يوقف هذه «السيدة الكبيرة» اللبقة التي تظهر تارة وهي ترقص على أغاني فرقة «أبا». وقال سيرج غيران عالم الاجتماع والمتخصص في الشيخوخة: «لم تعد للسن اليوم علاقة بما كانت عليه في السابق»، ومع سقوط الصور النمطية «لم يعد المسنون أشخاصاً يحتاجون حصراً إلى الأدوية والهدوء، بل يمكنهم أيضاً أن يكونوا في أفضل أحوالهم!»،

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير المخاوف في كينيا

تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير المخاوف في كينيا

حالة من الذعر تعيشها كينيا مع توالي العثور على رفات في مقابر جماعية لضحايا على صلة بجماعة دينية تدعو إلى «الصوم من أجل لقاء المسيح»، الأمر الذي جدد تحذيرات من تنامي الجماعات السرية، التي تتبع «أفكاراً دينية شاذة»، خلال السنوات الأخيرة في البلاد. وتُجري الشرطة الكينية منذ أيام عمليات تمشيط في غابة «شاكاهولا» القريبة من بلدة «ماليندي» الساحلية، بعد تلقيها معلومات عن جماعة دينية تدعى «غود نيوز إنترناشونال»، يرأسها بول ماكينزي نثينغي، الذي قال إن «الموت جوعاً يرسل الأتباع إلى الله».

يوميات الشرق كم يُنفق اليابانيون لتزيين سياراتهم بالرسوم المتحركة؟

كم يُنفق اليابانيون لتزيين سياراتهم بالرسوم المتحركة؟

ينفق مجموعة من اليابانيين آلاف الدولارات على تزيين مركباتهم بشخصيات الرسوم المتحركة والشرائط المصوّرة وألعاب الفيديو المفضلة لديهم، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتُطلَق على هذه السيارات أو الدراجات النارية أو المقطورات تسمية «إيتاشا»، وهي كلمة مركبة تُترجم إلى «السيارة المُحرِجة» وتعكس السمعة السيئة التي كانت تحظى بها هذه الموضة لدى ولادتها في الأرخبيل الياباني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إلا أنّ العقليات تغيرت مذّاك، وباتت شخصيات الرسوم المتحركة والشرائط المصوّرة وألعاب الفيديو تُعد «ثقافة ثانوية» تحظى باعتراف أكبر في المجتمع الياباني. ولتزيين سيارته الفاخرة من نوع «جاغوار إكس جاي

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
يوميات الشرق في اليوم العالمي للتراث... 6 معالم لبنانية بمتناول الجميع مجاناً

في اليوم العالمي للتراث... 6 معالم لبنانية بمتناول الجميع مجاناً

في 18 أبريل (نيسان) من كل عام، يحتفل العالم بـ«اليوم العالمي للتراث»، وهو يوم حدده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية (ICOMOS) للاحتفاء به. ويتم برعاية منظمة «اليونيسكو» ومنظمة «التراث العالمي لحماية التراث الإنساني». ويأتي لبنان من ضمن الدول التي تحتفل به. ويعوّل سنوياً وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى على هذه المناسبة، فيفتح أبواب بعض المعالم مجاناً أمام الزائرين لمدة أسبوع كامل. في رأيه أن مهمته تكمن في توعية اللبناني بموروثه الثقافي، فيشجعه على الخروج من حالة الإحباط التي يعيشها من ناحية، وللتعرف على هذه المواقع عن قرب، من ناحية ثانية.


«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

عبر أكثر من 100 لوحة في فن الجرافيك والرسم بالأبيض والأسود، وكذلك الأعمال الملونة التي ترصد تفاصيل الحياة الشعبية بالشارع المصري، استضاف متحف محمود مختار بالجزيرة (وسط القاهرة)، معرضاً استعاديّاً للفنان الراحل وحيد البلقاسي، الملقب بـ«شيخ الحفارين»، تضمن رصداً لأعماله وجانباً كبيراً من مسيرته الفنية.

المعرض الذي انطلق 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر حتى 28 من الشهر نفسه في قاعتي «نهضة مصر» و«إيزيس» رصد مراحل فنية متنوعة للفنان الراحل، وبرزت خلاله فكرة الأسطورة الشعبية من خلال رموز بعينها رسمها ضمن اللوحات، مثل: العين الحارسة، والأجواء الأسطورية، للحكايات التي تتضمنها القرية المصرية.

وبينما تضمنت إحدى القاعات الأعمال الملونة والغرافيك المميز الذي قدمه الفنان وحيد البلقاسي، والتي تعبر عن الأسرة المصرية بكل ما تمثله من دفء وحميمية، كذلك ما يبدو فيها من ملامح غرائبية مثل القصص والحكايات الأسطورية التي يتغذى عليها الخيال الشعبي.

البورتريه الملون من أعمال الفنان وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

ولد وحيد البلقاسي في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) عام 1962، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، قسم الغرافيك عام 1986، واشتهر بأعماله في فن الغرافيك، وله عشرات المعارض الفردية والجماعية، كما أسس جماعة فنية باسم «بصمات»، وكان لها دور فاعل في الحياة الفنية عبر معارض وفعاليات متنوعة.

يقول عمار وحيد البلقاسي، منسق المعرض، نجل الفنان الراحل، إن المعرض يمثل تجربة مهمة لشيخ الحفارين وحيد البلقاسي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اسم المعرض للتأكيد على أن أعمال الفنان لا تموت وتظل خالدة للأبد، تحمل اسمه وتحيي أعماله الفنية»، وتابع: «قبل وفاة الفنان عام 2022 كان يتمنى أن يعرض هذه المجموعة المتنوعة من أعماله الفنية، بما فيها الحفر على الخشب في دار الأوبرا المصرية، واستطعنا أن نعرض من مجموعته 100 عمل فني تصوير، من بينها 30 عملاً فنياً بطول مترين وعرض 170 سنتمتراً، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الصغيرة».

وأشار إلى أن الأعمال في مجملها ترصد القرية والحياة الريفية بمصر، وتتضمن موتيفات ورموزاً شعبية كثيرة تدل على الأصالة وعشقه للقرية والحياة الشعبية بكل ما تتضمنه من سحر وجمال.

ويصف الإعلامي المصري والفنان طارق عبد الفتاح معرض «لون لا يموت» بأنه «يعبر عن مسيرة الفنان وحيد البلقاسي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعدُّ الفنان الراحل فناناً عالمياً؛ لأنه جمع بين الإغراق في المحلية ومفردات التراث في لوحاته، واللوحات التي تنطق بالتعبيرية وتمثل الروح المصرية الأصيلة، واستخدم الأبيض والأسود في أغلب أعماله، لكن له مجموعة أعمال بالألوان مبهرة، ويظهر في أعماله مدى اهتمامه بالجمال والاحتفاء بالمرأة وبالمفردات الشعبية وتفاصيل القرية المصرية».

الفنان الراحل وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الفتاح: «لوحات المعرض سواء الكبيرة، التي يصل ارتفاعها إلى مترين، أو الصغيرة، فيها طاقة تعبيرية تبهر المتلقي الذي ينجذب فوراً للتفاصيل الموجودة بها».

وإلى جانب أعماله الفنية المتميزة، فقد شارك وحيد البلقاسي في الحركة التشكيلية عبر أنشطة عدّة، وأُنتج فيلم تسجيلي عن مسيرته الفنية بعنوان «شيخ الحفارين»، من تأليف علي عفيفي، وإخراج علاء منصور، سجل رحلته الفنية وعلاقته بالقرية والمفردات التي استقى منها فنه.


«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
TT

«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

تحت عنوان «روح ومحبة» أطلق المتحف القومي للحضارة المصرية احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد، تضمّنت معرضاً أثرياً مؤقتاً يستمر لمدة شهرَين بالتعاون مع المتحف القبطي في القاهرة.

ورأى الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، الدكتور الطيب عباس، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار الدور الثقافي والمجتمعي الذي يضطلع به المتحف، مشيراً في بيان للمتحف، الجمعة، إلى أن رسالة المتحف لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى إبراز القيم الإنسانية والروحية التي أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية لمصر عبر العصور. وأكد أن المعرض يعكس رسالة مصر التاريخية بوصفها حاضنة للتنوع الديني والثقافي، ومركزاً للتسامح والتعايش.

وافتُتح المتحف القومي للحضارة المصرية عام 2021 بالتزامن مع احتفالية «موكب المومياوات»، حيث نُقلت «المومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ويضم المتحف 1600 قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور.

ويضم المعرض الأثري المؤقت مجموعة متميزة ونادرة من روائع الفن القبطي تُعرض لأول مرة، تشمل أيقونات ومخطوطات قبطية ومشغولات فنية كانت تُستخدم في الأديرة والكنائس، من أبرزها أيقونة لميلاد السيدة العذراء، ومنظر حجري يُجسّدها وهي تُرضع السيد المسيح، بما يعكس ثراء هذا التراث وقيمته الفنية والرمزية، وفق تصريحات للدكتورة نشوى جابر، نائبة الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية.

وقالت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الأثري جاء بالتعاون مع المتحف القبطي، وهي المرة الثانية التي يتعاون فيها المتحف مع آخر، حيث تم التعاون من قبل مع المتحف الإسلامي خلال احتفالات المولد النبوي الشريف».

جانب من معرض أثري مؤقت بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

وأكدت أن «القطع المعروضة فريدة من نوعها فلم تُعرض من قبل، ومن بينها 15 قطعة من المتحف القبطي، و8 قطع من متحف الحضارة، تعود إلى القرون الميلادية الأولى»، وأهم القطع التي تضمنها المعرض وفق نائب الرئيس التنفيذي للمتحف «أيقونة ميلاد السيدة العذراء نفسها، فالشائع والمنتشر هي أيقونات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ولكن من النادر وجود لوحة أيقونية تصور ميلاد السيدة العذراء. كما توجد قطعة حجرية منقوش عليها رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح، وتُعدّ امتداداً للفن المصري القديم الذي كان يجسّد في لوحات مشابهة لإيزيس وهي تُرضع الطفل حورس».

من جانبه، أكد رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار المصرية، الدكتور أحمد حميدة، أن «المعرض يُجسّد نموذجاً للتعاون المثمر بين المؤسسات الثقافية»، مشيراً إلى أن «اختيار السيدة العذراء مريم محوراً للمعرض يحمل دلالات إنسانية وروحية عميقة».

بينما أشارت مديرة المتحف القبطي، جيهان عاطف، إلى أن المعرض يُبرز تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، لإظهار ثراء الموروث الحضاري المصري وتعدد روافده عبر مختلف الحقب التاريخية.

وحسب بيان للمتحف القومي للحضارة، تضمّنت الفعاليات الاحتفالية الكثير من الأنشطة، من بينها معرض للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 22 صورة فوتوغرافية لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مصر، وهو ما عدّته نائبة رئيس المتحف «ضمن خطة للربط بين الاحتفالات والأعياد الكبرى من جهة عرض القطع الأثرية التي تعبّر عنها، وكذلك توثيق مظاهرها الحديثة والمعاصرة وحضور هذه الأعياد ومظاهرها في الشارع المصري المعاصر للربط بين التاريخ والحاضر».

وشهدت الاحتفالية فعاليات فنية، مثل عروض لفرقة كورال «أغابي» التي قدمت مجموعة من الأغاني القبطية احتفاء بقيم المحبة والسلام، إلى جانب عروض لكورال الأناشيد بالتعاون مع كنيسة القديس بولس الرسول بمدينة العبور.

وتضمنت الاحتفالية أيضاً أنشطة تفاعلية متنوعة لتنفيذ أعمال فنية ورسم حي لأيقونات المعرض، وممارسة ألعاب تفاعلية، وتوزيع هدايا الميلاد.


شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».