تكثف الولايات المتحدة الأميركية عبر وزارة خارجيتها، ومبعوثها وسفيرها إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، ضغوطها باتجاه دعم «خريطة» عبد الله باتيلي، المبعوث الأممي لدى ليبيا، من «أجل مستقبل ديمقراطي»، فيما يقلل سياسيون إمكان إجراء الاستحقاق الرئاسي والنيابي خلال العام الحالي.
يأتي ذلك فيما قال المبعوث الأممي، إنه شارك اليوم (الجمعة) في تونس، في اجتماع «مراقبي وقف إطلاق النار الليبيين والدوليين»، مشيراً إلى أنه تمت مناقشة الخطوات المقبلة بشأن انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب، التي من شأنها المساهمة في إحلال السلام والاستقرار في ليبيا.
وتحدثت البعثة الأممية اليوم عن تفاصيل اجتماع «مجموعة العمل الأمنية التابعة للجنة المتابعة الدولية في إطار عملية برلين»، الذي رعته بمشاركة من المملكة المتحدة (الرئيس المشارك الرئيسي لهذا الشهر للمجموعة).
واستهدف الاجتماع مناقشة سبل المضي قدماً في المسار الأمني، واستمرار اتفاق وقف إطلاق النار، وإعادة توحيد المؤسسات العسكرية، وسط مشاركة الفريق أول عبد الرازق الناظوري، رئيس أركان «الجيش الوطني»، ونظيره محمد الحداد، التابع لحكومة «الوحدة»، وأعضاء اللجنة العسكرية المشتركة «5+5»، وسفراء الرؤساء المشاركين لمجموعة العمل الأمنية الآخرين، لكل من فرنسا وتركيا وإيطاليا والاتحاد الأفريقي.
وأشاد باتيلي بالقادة العسكريين؛ لتحليهم بالروح الوطنية في جميع الاجتماعات التي ترأسها، سواء داخل ليبيا أو خارجها. ورحب أيضاً بمشاركة رؤساء الأركان، وجهودِهم في سبيل توحيد المؤسسات العسكرية.
وثمّن جهود القادة العسكريين على «التزامهم»، قائلاً: «لو اجتمع القادة السياسيون بالروح نفسها، لكانت الأزمة في ليبيا قد حُلت منذ وقت طويل».
وحض المبعوث الأممي جميع الرؤساء المشاركين في «مجموعة العمل» على تقديم الدعم الجماعي لإجراء الانتخابات الوطنية من أجل إعادة الشرعية للمؤسسات الليبية؛ حيث يعدّ إيجاد بيئة أمنية مواتية أمراً أساسياً لنجاح هذه العملية، مؤكداً أن الاستحقاق «أولوية قصوى لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا».
وتابع باتيلي: «نحض المؤسسات الأمنية الليبية على مواصلة العمل معاً من أجل السلام والاستقرار في ليبيا، ودعم خلق بيئة مواتية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة وشفافة في العام الجاري».
ورحبت كارولين هورندال، سفيرة المملكة المتحدة لدى ليبيا، الرئيسة المشاركة لمجموعة العمل الأمنية لهذا الشهر، بـ«التقدم الذي أحرزته اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، منذ آخر اجتماع لمجموعة العمل الأمنية، وأكدت أهمية البناء على هذا الزخم للحفاظ على أمن ليبيا وترسيخه».
وأضافت هورندال: «مع إمكان إجراء انتخابات في ليبيا، يكون ضمان بيئة سليمة وآمنة أمراً بالغ الأهمية»، وأوضحت أن «هذا يستلزم انخراط جميع الجهات السياسية والأمنية في حوارات بنّاءة حول أمن الانتخابات. والمجتمع الدولي على استعداد لدعم ليبيا في هذه الجهود».
عارف النايض رئيس "تكتل إحياء ليبيا" يلتقي المبعوث الأممي (صفحة النايض على "فيسبوك")
وفي جلسات عمل لاحقة، ناقش المشاركون، دور ومهام «القوة العسكرية المشتركة» التي تم الاتفاق على تشكيلها في الاجتماعات السابقة، وتجهيزها بالشكل اللازم، ودور الدول الأعضاء في مجموعة العمل الأمنية.
كما تطرق الاجتماع إلى الاستعدادات بشأن انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب و«المرتزقة» على النحو المنصوص عليه في خطة العمل الموضوعة في القاهرة الشهر الماضي. وانتهى المشاركون بالتشديد على «أهمية الوحدة الوطنية والحفاظ على سيادة ليبيا، ودعوا إلى تقديم دعم بنّاء من المجتمع الدولي للمساعي الحميدة للأمم المتحدة».
وكان نورلاند، قد قال في حديث لفضائية «الجزيرة» مساء (الأربعاء) إن مبادرة باتيلي، «تقوم على تحشيد الجهود الدولية، وجمع الأطراف الفاعلة لإجراء الانتخابات؛ وجاءت بعد مشاورات مُعمّقة مع السياسيين الليبيين والأطراف الدولية»، لكنه لفت إلى «أهمية الوصول للتوافق على قاعدة دستورية لإجراء انتخابات يحترم نتائجها الفائز والخاسرون».
ورأى نورلاند، أن «الشعب الليبي وحده له الحق في تحديد معايير الترشح للانتخابات الرئاسية؛ وما من حل خارجي يمكن فرضه عليه»، وذهب إلى أن «الحديث عن حكومة جديدة قد يُسبب بلبلة فيما يتعلق بالانتخابات».
وتطرق المبعوث الأميركي إلى وضعية عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، حال أراد الترشح للانتخابات. وقال: «إذا كان رئيس الوزراء سيترشّح فعليه أن يترك الحكومة، وينبغي أن تكون هناك اتفاقات تتعلق بتنظيم الانتخابات بشكلٍ نزيهٍ، وهذا أمر ينبغي أن يقرره الليبيون».
وذكّر بما حدث في الانتخابات التي تأجلت، وقال: «نتذكر الانتخابات التي كان مزمعاً تنظيمها في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، وأن كل المرشحين تخلوا عن مناصبهم؛ ولكن في نهاية المطاف، الليبيون من يقررون ذلك»، مستكملاً: «لسنا نحن من نحدد المعايير التي يترشح على أساسها الليبيون».
ولمزيد من الدفع باتجاه دعم الخريطة الأممية، حث نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، «قادة ليبيا على العمل مع الممثل الخاص للأمين العام للبناء على التقدم، وإبرام اتفاق من أجل مستقبل مستقر وديمقراطي».
وأضاف برايس، عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن مبادرة المبعوث الأممي «حظيت بدعم كامل من مجلس الأمن الدولي، ما يوفر للقادة الليبيين أفضل فرصة لإنهاء الاضطرابات، وتأمين الشرعية من خلال الانتخابات».
والتقى عارف النايض، رئيس «تكتل إحياء ليبيا» المبعوث الأممي، اليوم، وناقشا الوضع راهناً في ليبيا، بالإضافة إلى دعم التكتل للمبادرة الأممية نحو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية هذه السنة.
في غضون ذلك، تحدث رمضان أبو جناح، نائب رئيس حكومة «الوحدة»، عن أزمة المهاجرين واللاجئين في ليبيا، وقال إن «واجب حماية صحة هذه الفئة يشكل عبئاً على بلاده».
وأضاف أبو جناح خلال مشاركته في الاجتماع الإقليمي الثاني لمنظمة الصحة العالمية بشأن صحة اللاجئين والمهاجرين، المنعقد في منتجع شرم الشيخ (على ساحل البحر الأحمر) اليوم (الجمعة) إن توافد المهاجرين على بلاده «يثقل كاهل الدولة، ويضعها أمام مسؤولية كبيرة في حال تراجع مستوى الخدمات، أو التعرض لأزمات».