عسكرة القطب الشمالي... صراعات استراتيجية «حامية» على «صفيح بارد»

قاعدة «آركتيك تريفويل» الروسية في القطب الشمالي (أ.ب)
قاعدة «آركتيك تريفويل» الروسية في القطب الشمالي (أ.ب)
TT

عسكرة القطب الشمالي... صراعات استراتيجية «حامية» على «صفيح بارد»

قاعدة «آركتيك تريفويل» الروسية في القطب الشمالي (أ.ب)
قاعدة «آركتيك تريفويل» الروسية في القطب الشمالي (أ.ب)

برزت في الأيام الأخيرة مسألة لا تنال الكثير من الضوء في الإعلام العالمي على الرغم من أهميتها الاستراتيجية على مستوى العلاقات بين الدول الكبرى والرهانات الجيوسياسية والجيواقتصادية على المدى الطويل.
فقد سبق انعقاد اجتماع لـ«مجلس المنطقة القطبية الشمالية» في ريكيافيك، عاصمة آيسلندا، كلام مهم لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال إن القطب الشمالي هو منطقة نفوذ روسي، محذّراً الدول الغربية من امتلاك طموحات في المنطقة القطبية الشمالية.
وقدّ رد عليه نظيره الأميركي أنطوني بلينكن معبراً عن «مخاوف حيال مسألة زيادة بعض الأنشطة العسكرية في القطب الشمالي التي تزيد أخطار حصول حوادث (...) وتقوّض الهدف المشترك المتمثل بمستقبل سلمي ومستدام للمنطقة». وأكد أن «الأمر الذي يجب أن نتجنّبه هو عسكرة المنطقة».
في المقابل، رحّب بلينكن بخطة الاستثمار الدنماركية لتعزيز المراقبة العسكرية في غرينلاند وشمال المحيط الأطلسي، وقال خلال وجوده في كوبنهاغن: «نتشارك الالتزام بأمن القطب الشمالي ونرحب ترحيباً حاراً بقرار الدنمارك الأخير الاستثمار (...) في الدفاع عن القطب الشمالي وشمال الأطلسي بالتعاون مع حكومتَي غرينلاند وجزر فارو».
وكانت كوبنهاغن قد أعلنت في فبراير (شباط) عن استثمار بقيمة 1.5 مليار كورونة (200 مليون يورو) يشمل طائرات مراقبة مسيّرة فوق غرينلاند والأراضي الدنماركية المتمتعة بحكم ذاتي، ومحطة رادار في جزر فارو.
في أي حال، سيلتقي بلينكن ولافروف في ريكيافيك، مع ممثلي الدول الأخرى الأعضاء في هذه المنظمة التي تضم: كندا، الدنمارك (تمثل غرينلاند أيضاً)، فنلندا، آيسلندا، النرويج، روسيا، السويد، الولايات المتحدة. ويجب أن ننتظر لنرى ما سيحصل في لقاء اليوم (الأربعاء) والغد وأي بيان ختامي سيصدر عنه.

*تعريف
تحققت الخطوة الأولى نحو تشكيل «مجلس المنطقة القطبية الشمالية» عام 1991 عندما وقّعت الدول الثماني خطة استراتيجية لحماية البيئة في القطب الشمالي. وفي العام 1996 أنشأ إعلان أوتاوا المجلس ليكون منتدى لتعزيز التعاون والتنسيق والتفاعل بين دول المنطقة، بمشاركة مجتمعات السكان الأصليين والآخرين، للتعامل مع قضايا مثل التنمية المستدامة والبيئة.
الملاحَظ أن هذه المنظمة نشأت بعد وقت قليل من انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة. وكان معظم الباحثين الذين كتبوا في السنوات الأولى من تلك الفترة يشيدون بالاستقرار الجيوسياسي والتعاون البنّاء في القطب الشمالي، وذلك في ظل غياب تنافس القوى العظمى في المنطقة، معتبرين أن ذلك يشكل نموذجاً للعلاقات بين الدول في «العالم الجديد». إلا أن صعود الصين واعتبارها أنها دولة قريبة جغرافياً من القطب الشمالي، والعسكرة الروسية لمياه القطب، والتقارب بين روسيا والصين، وضعت المنطقة مجدداً في حلبة التنافس بين القوى العظمى.
وكانت الإدارة الأميركية قد حرصت قبل توقيع معاهدة إنشاء المجلس على إدراج ملاحظة تقول: «لا يجوز لمجلس القطب الشمالي أن يتعامل مع المسائل المتعلقة بالأمن العسكري». وبعد 23 عاماً من ذلك، اعترف وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو في كلمة ألقاها في اجتماع المجلس في فنلندا عام 2019 بأن الظروف تغيرت و«أصبحت المنطقة ساحة للنفوذ والتنافس. يجب على دول القطب الشمالي الثماني التكيف مع المستقبل الجديد».
عام 2018، أصدرت الصين وثيقتها الأولى حول استراتيجيتها الخاصة بالقطب الشمالي، وتحدثت عن «طريق الحرير القطبي» كجزء من مبادرة «الحزام والطريق» التي تنفذها في أنحاء عدة من العالم وتشمل مشاريع تعاون مع الدول الراغبة في إنشاء البنى التحتية.
في موازاة ذلك، تعمل روسيا على تعزيز وجودها العسكري والتجاري في القطب الشمالي من خلال إنشاء قواعد عسكرية جديدة، وتجديد القواعد القديمة، وتوسيع أسطولها من كاسحات الجليد والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.
بالتالي يمكن القول إن سباق السيطرة على الموارد في أقصى شمال العالم يكتسب زخماً. بل إنه ازداد حماوة بسبب التغيرات المناخية، لأن ذوبان الجليد في القطب جعل من الممكن الوصول إلى مزيد من موارد الطاقة والممرات المائية، علماً أنه من المعروف أن ثمة احتياطات كبيرة من النفط والغاز والمعادن في المنطقة. وبالتالي من السذاجة الاعتقاد أنه من الممكن المضي بسياسة التعاون التي كانت قائمة قبل ربع قرن أو نحوه هناك، فالتنافس بين القوى العظمى لا يحكمه التعاون، بل ديناميكيات الاعتبارات الأمنية والمصالح الاقتصادية، علماً ان هناك قوتين عظميين تُعتبران قطبيتين حقاً (الولايات المتحدة وروسيا)، وثالثة (الصين) أقحمت نفسها في المعادلة بطريقة أو بأخرى.

*رهان صيني
من ينظر إلى الوضع العالمي ككل لا بد أن يرى أن ميزان القوى العالمي يميل شيئاً فشيئاً نحو الصين. فالحصة الأميركية من التجارة العالمية والناتج المحلي الإجمالي آخذة في الانخفاض. كذلك، تميل واشنطن إلى التراجع عن التزاماتها العالمية وتنكفئ إلى حد ما نحو الداخل، فيما تتحدى الصين بشكل متزايد هيمنة الولايات المتحدة. وهكذا نرى أن بحر الصين الجنوبي في طريقه لأن يصبح بحر الصين بغض النظر عن اعتراضات الدول المشاطِئة.
في موازاة ذلك، تعمل بكين بسرعة على سد الفجوة العسكرية مع واشنطن، وتنهض بقوّة لافتة من التداعيات الاقتصادية لجائحة «كوفيد - 19». ومع تحول ميزان القوى الاستراتيجي، أصبحت الصين أكثر جرأة وحزمًا في الوقت نفسه. وتسعى إلى الحصول على مكانة دولية أكبر، ليس فقط في المحيطين الهندي والهادئ بل أيضًا في أجزاء أخرى من العالم، منها القطب الشمالي حيث تهدد مصالح الولايات المتحدة، خصوصاً في غرينلاند وآيسلندا. ففي الأولى تستثمر الصين في الموارد المعدنية، وفي الثانية تركز جهودها على الطاقة الحرارية الأرضية (الجوفية)، بالإضافة إلى مشروع مشترك في مجال المعلوماتية مع فنلندا لتطوير «طريق حرير البيانات».
وتخشى واشنطن أن تعزز الصين اقتصاد غرينلاند إلى درجة تجعل هذه تفكر في الاستقلال عن الدنمارك، الأمر الذي يهدد النفوذ الأميركي في تلك البلاد الباردة القريبة من الولايات المتحدة التي تملك قاعدة جوية عسكرية مهمة في قرية تدعى تول.

*البُعد الروسي
كان المحيط المتجمد الشمالي خاضعاً للعسكرة إلى أقصى الحدود خلال الحرب الباردة. ونشر كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة أسلحة «الردع» النووي على الأطراف الشمالية للقطب. ويكفي النظر إلى الخريطة لإدراك الأهمية الاستراتيجية العسكرية للمحيط المتجمد الشمالي، فهو يجمع جغرافياً بين الولايات المتحدة وروسيا وبالتالي لا بد لكل من الطرفين أن يملكا في المنطقة ما يضمن لهما ردعاً متبادلاً و«يحرس» مصالحهما الاقتصادية.
وإذا سأل سائل كيف يمكن اعتبار روسيا نداً للولايات المتحدة في تلك المنطقة أو غيرها فيما حجم اقتصادها أصغر بكثير من حجم الاقتصاد الأميركي (أو الصيني)، فإننا يجب أن نضع في الاعتبار أن روسيا لطالما امتلكت قوة عسكرية أكبر بأضعاف مضاعفة مما يسمح به اقتصادها، وهي تعتمد على قوة «العضلات» العسكرية للتمكن من تغذية شرايينها الاقتصادية وتوسيع نفوذها العالمي، أو على الأقل ترسيخه حيث هو موجود. وعندما يتعلق الأمر بمنطقة القطب الشمالي، فإن روسيا هي القوة العسكرية والاقتصادية العظمى بلا منازع. وقد عسكر الروس القطب بوتيرة سريعة. ولئن كان وجودهم العسكري هناك ذا طبيعة دفاعية بالدرجة الأولى، فإن القدرات الهجومية ليست غائبة عن الساحة حكمًا.
وتُعتبر قاعدة «آركتيك تريفويل» درّة التاج العسكري الروسي في القطب الشمالي. وهي قائمة في أرخبيل فرانتس يوسف لاند حيث تهبط الحرارة إلى ما دون 40 درجة مئوية تحت الصفر في الشتاء، وتضم عدداً كبيراً من الصواريخ والرادارات ويمكن لمدرجها التعامل مع جميع أنواع الطائرات، بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية ذات القدرات النووية.
الرهانات كبيرة إذاً في منطقة حساسة تتلامس فيها مصالح دول تتنافس في ساحات عدة، ولا يتوقع أكبر المتفائلين أن تؤدي لقاءات الأربعاء والخميس في ريكيافيك إلى تحقيق الوئام والتفاهم والإنضواء تحت لواء حماية البيئة والحيوانات القطبية، فموارد الطاقة وما في جوف الأرض والممرات البحرية هي المرمى الحقيقي في هذا الملعب وكل ملعب.



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».