«الاعتقال التعسفي» في دمشق ومحيطها وسيلة إثراء لمسؤولين أمنيين

تُهم المعتقلين جاهزة... وتسقط عند دفع الثمن المطلوب

أحد حواجز قوات النظام (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
أحد حواجز قوات النظام (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
TT

«الاعتقال التعسفي» في دمشق ومحيطها وسيلة إثراء لمسؤولين أمنيين

أحد حواجز قوات النظام (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
أحد حواجز قوات النظام (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

كثّفت الأجهزة الأمنية، التابعة للنظام السوري، في الآونة الأخيرة من حملات الاعتقال التعسفي في دمشق ومحيطها، واتخذ منها مسؤولون في تلك الأجهزة وسيلة لابتزاز أهالي المعتقلين بمبالغ مادية كبيرة للإفراج عنهم.
ويلفت الانتباه منذ أشهر عدّة، ازدياد أعداد عناصر الأجهزة الأمنية في معظم الأيام عند حواجز التفتيش في دمشق ومحيطها، وقيامهم بعمليات تدقيق مشدَّدة في بطاقات المارّة وركاب السيارات ووسائل النقل العامة، وفي سائقي الدراجات النارية والهوائية. وشهدت «الشرق الأوسط» مرات كثيرة، احتجاز تلك العناصر شباناً وأشخاصاً من متوسطي العمر، واقتيادهم إلى مفارز أمنية قريبة من الحواجز. وتحدثت مصادر أهلية في دمشق وريفها عن ازدياد حملات المداهمة التي تنفّذها دوريات من الأجهزة الأمنية للمنازل واعتقالها شباناً ورجالاً وكباراً في السن، وحتى فتيات ونساء.
(م.ر) وهو رب عائلة تقطن في إحدى الضواحي المحيطة بدمشق، روى، لـ«الشرق الأوسط»، أن ابنه الأكبر يعود إلى المنزل بشكل يومي قبل غياب الشمس بعد انتهاء عمله، ولكنه أخيراً وعلى غير عادته، تأخّر في العودة ، مما أثار لدى والده القلق ودفعه إلى التواصل مع صديق يعمل معه، فأعلمه بأن عناصر الحاجز طلبوا من ابنه النزول من الحافلة بعد التدقيق في البطاقات الشخصية للركاب، وأبقوه محتجزاً لديهم.
وذكر (م.ر) أن حالة من الخوف سيطرت عليه وعلى كل أفراد العائلة، لدى سماعهم خبر اعتقاله؛ لأن «الأوضاع في البلاد غير طبيعية، ولا يوجد أمان، ومن الممكن تلفيق أي تهمة له»، رغم أن ابنه «ليس من أصحاب السوابق ولا المشكلات، وبرنامجه اليومي هو من الفرشة إلى الورشة، ومن الورشة إلى الفرشة».
وأوضح أنه من شدة الخوف سارع إلى الحاجز من دون أن يرتدي حذاء، من أجل الاستفسار عن سبب احتجاز ابنه ومحاولة الإفراج عنه، لكن العناصر أنكروا وجوده عندهم ومنعوه من الدخول إلى رئيس الحاجز، وطردوه.
وذكر (م.ر) أنه بعد ذلك راح يبحث عن «سماسرة» لرئيسي الحاجز والمفرزة من أجل «التفاهم» معهم، إلى أن توصّل إلى أحدهم بعد عناء استمر ساعات، ووعده بعد عدة اتصالات بالعمل على إطلاق سراح ابنه مقابل «مبلغ مادي كبير؛ لأن سبب الاحتجاز خطير، ويمكن أن يمضي أشهراً في الاحتجاز، ومن ثم إحالته إلى القضاء والحكم عليه». وأضاف: «بعد دفع المبلغ جرى بالفعل إطلاق سراح (...) منتصف الليل، ولكن من دون أن نعرف سبب الاحتجاز».
وبشكل يومي يتحدث كثير من الأهالي في أحياء دمشقية عن احتجاز حواجز أمنية شباناً بسبب تخلفهم عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية في الجيش النظامي، ويؤكدون أن كثيراً من هؤلاء المحتجَزين يجري إطلاق سراحهم بعد دفع المحتجز ما بين 100 - 150 ألف ليرة.
الحوادث السابقة تهون على روايات يسردها محامون عن أسباب «مختلقة» لاعتقال شبان ورجال، وحتى نساء من قِبل الأجهزة الأمنية، ومنهم من يقبع في أقبية تلك الأجهزة لأشهر. وأكد أحد المحامين، لـ«الشرق الأوسط»، أن البعض جرى اعتقالهم لمجرد اكتشاف وجود أرقام هواتفهم في أجهزة هواتف تعود لمعتقلين منذ سنوات بتُهم «الإرهاب، ودعم الإرهاب، وتمويل الإرهاب». وأضاف: «المعتقلون منذ سنوات والمعتقلون حديثاً ربما كانوا جيراناً، ومن الطبيعي أن يزوِّد الجار جاره برقم هاتفه، وليس بالضرورة أن يعملا معاً». وتابع: «إطلاق سراح هؤلاء (المعتقلين حديثاً) من الأجهزة الأمنية يكلف مبالغ طائلة تبدأ من ألف دولار، وصولاً إلى ثلاثة آلاف، وإلا يحالوا إلى محكمة الإرهاب وتُوجَّه إليهم تُهم التعامل مع إرهابيين».
محام آخر ذكر، لـ«الشرق الأوسط»، أنه وفي ظل الأوضاع المعيشية الصعبة جداً وضعف الرواتب الشهرية والأجور، يقوم بعض الأشخاص في مناطق سيطرة النظام بتلقّي حوالات مالية من لاجئين ومغتربين في خارج البلاد لإيصالها إلى أشخاص عاديين مقابل أجور بسيطة يقتاتون منها.
وأضاف: «بشكل شبه يومي تعتقل الأجهزة الأمنية أشخاصاً من هؤلاء، وكذلك تعلن وزارة الداخلية إلقاء القبض على مثل هؤلاء بتهمة أنهم يعملون بالحوالات بطريقة غير مشروعة، حيث تجري مصادرة الأموال التي بحوزتهم، وإحالتهم إلى القضاء، والحكم عليهم بالسجن لسنوات مع فرض غرامات مالية بحقّهم يصل بعضها إلى عشرات ملايين الليرات السورية وعشرات آلاف الدولارات».
وأكد المحامي أن بعضاً ممن يُلقى القبض عليهم بتهمة «العمل بالحوالات بطريقة غير مشروعة» يمكن عدم إحالته على القضاء من قِبل الجهاز الأمني المحتجَز فيه، لكن هذا الأمر «تكلفته باهضة جداً تُقدَّر بما بين 4 - 6 آلاف دولار».
وقالت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، في تقريرها الصادر في الثاني من مارس (آذار) الحالي، إن ما لا يقل عن 137 حالة اعتقال/ احتجاز تعسفي؛ بينها 6 لأطفال، و3 لسيدات، جرى توثيقها في فبراير (شباط) 2023.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
TT

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

يواصل «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» تقديم المشاريع والمبادرات التنموية في التمكين الاقتصادي للمرأة والشباب والمجتمعات، والاستثمار في رأس المال البشري، ودعم سبل العيش والمعيشة.

وذكر تقرير حديث عن البرنامج أن البرامج والمبادرات التنموية التي يقدمها البرنامج السعودي ركزت في المساهمة على بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد، من خلال برنامج «بناء المستقبل للشباب اليمني» الذي يساهم في ربط الشباب اليمني بسوق العمل عبر تدريبهم وتمكينهم بالأدوات والممكنات المهارية.

ويساعد البرنامج الشباب اليمنيين على خلق مشاريع تتلاءم مع الاحتياجات، ويركّز على طلاب الجامعات في سنواتهم الدراسية الأخيرة، ورواد الأعمال الطموحين، وكان من أبرز مخرجاته تخريج 678 شاباً وشابةً في عدد من التخصصات المهنية، وربط المستفيدين بفرص العمل، وتمكينهم من البدء بمشاريعهم الخاصة.

وشملت المشاريع والمبادرات برامج التمكين الاقتصادي للسيدات، بهدف تعزيز دور المرأة اليمنية وتمكينها اقتصادياً.

تدريبات مهنية متنوعة لإعداد الشباب اليمني لسوق العمل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

وأشار التقرير إلى أن برنامج «سبأ» للتمكين الاقتصادي للسيدات، الذي أسهم في إنشاء أول حاضنة أعمال للنساء في مأرب، وإكساب 60 سيدة للمهارات اللازمة لإطلاق مشاريعهن، وإطلاق 35 مشروعاً لتأهيل وتدريب قطاع الأعمال ودعم 35 مشروعاً عبر التمويل وبناء القدرات والخدمات الاستشارية، مع استفادة خمسة آلاف طالبة من الحملات التوعوية التي تم تنظيمها.

وإلى جانب ذلك تم تنظيم مبادرة «معمل حرفة» في محافظة سقطرى لدعم النساء في مجال الحرف اليدوية والخياطة، وتسخير الظروف والموارد المناسبة لتمكين المرأة اليمنية اقتصادياً.

وقدم «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» مشروع الوصول إلى التعليم في الريف، الذي يهدف إلى حصول 150 فتاة على شهادة الدبلوم العالي وتأهيلهن للتدريس في مدارس التعليم العام، في أربع محافظات يمنية هي: لحج، شبوة، حضرموت، والمهرة، بما يسهم في الحد من تسرب الفتيات في الريف من التعليم وزيادة معدل التحاقهن بالتعليم العام في المناطق المستهدفة.

وقدّم البرنامج مشروع «دعم سبل العيش للمجتمعات المتضررة»، الموجه للفئات المتضررة عبر طُرق مبتكرة لاستعادة سبل المعيشة الريفية وتعزيز صمود المجتمعات المحلية من خلال دعم قطاعات الأمن الغذائي، مثل الزراعة والثروة السمكية والثروة الحيوانية، لأهمية القطاعات الأكثر حساسية للصدمات البيئية والاقتصادية، موفراً أكثر من 13 ألف فرصة عمل للمستفيدين من المشروع.

البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن يساهم في إنشاء أول حاضنة أعمال للنساء في مأرب (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

وضمن البرامج والمبادرات التنموية المستدامة، جاء مشروع استخدام الطاقة المتجددة لتحسين جودة الحياة في اليمن، بهدف توفير المياه باستخدام منظومات الطاقة الشمسية، وتوفير منظومات الري الزراعي بالطاقة المتجددة، وتوفير الطاقة للمرافق التعليمية والصحية، والمساهمة في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين الأمن الغذائي لليمنيين.

كما يهدف المشروع إلى حماية البيئة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وتوفير مصدر مستدام للطاقة، محققاً استفادة لأكثر من 62 ألف مستفيد في 5 محافظات يمنية.

وفي مساعيه لتعزيز الموارد المائية واستدامتها، أطلق البرنامج مشروع تعزيز الأمن المائي بالطاقة المتجددة في محافظتي عدن وحضرموت، لتحسين مستوى خدمات المياه والعمل على بناء قدرات العاملين في الحقول على استخدام وتشغيل منظومات الطاقة الشمسية.

تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

ومن خلال مشروع المسكن الملائم، يسعى البرنامج إلى المساهمة في تعزيز التنمية الحضرية وإيجاد حل مستدام للأسر ذات الدخل المحدود في المديريات ذات الأولوية في محافظة عدن من خلال إعادة تأهيل المساكن المتضررة، وقد ساهم المشروع في إعادة تأهيل 650 وحدة سكنية في عدن.

وتركّز البرامج التنموية على المساهمة في بناء قدرات الكوادر في القطاعات المختلفة، وقد صممت عدد من المبادرات في هذا الجانب، ومن ذلك مبادرات تدريب الكوادر في المطارات مركزة على رفع قدراتهم في استخدام وصيانة عربات الإطفاء، ورفع درجة الجاهزية للتجاوب مع حالات الطوارئ، والاستجابة السريعة في المطارات اليمنية، إضافة إلى ورش العمل للمساهمة في الارتقاء بمستوى الأداء وتذليل المعوقات أمام الكوادر العاملة في قطاعات المقاولات والزراعة.