أم كلثوم... قصة امتزاج الفن بالسياسة

أم كلثوم... قصة امتزاج الفن بالسياسة
TT

أم كلثوم... قصة امتزاج الفن بالسياسة

أم كلثوم... قصة امتزاج الفن بالسياسة

في كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي» الذي صدر حديثاً عن دار «تنمية للنشر والتوزيع» المصرية، يوثق الكاتب المصري كريم جمال ما جرى وأحاط بالرحلات التي قطعتها «كوكب الشرق» بحثاً عن العملات الأجنبية التي كانت تحتاجها مصر لإعادة تسليح جيشها وتجهيزه، لاسترداد الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد عام 1967. كانت «كوكب الشرق» قد بدأت ذلك مبكراً، وبعد أيام قليلة من وقوع النكسة؛ حيث قامت يوم 20 يونيو (حزيران) 1967 بتحويل شيك بمبلغ 20 ألف جنيه إلى خزانة الدولة المصرية بسرية تامة، ولولا تسريب أحد العاملين للخبر ما عرف أحد من الشعب المصري بذلك. وقد توالت بعد ذلك في ضخ الأموال التي جمعتها من رحلاتها، وأضافت إليها مجوهرات قُدرت بـ20 كيلوغراماً من الذهب الذي كان يتم تحويله إلى عملات أجنبية.
يتتبع جمال رحلات «كوكب الشرق» شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، ويرصد ما كان منها، وكيف بدت حفلاتها، وكيف استقبلتها الجماهير المحبة لفنها في كل مكان ذهبت إليه. وقد جاء الكتاب في أكثر من 600 صفحة و17 فصلاً، اختتمها المؤلف بملحق بسجل الحفلات، وكثير من الصور التي تم التقاطها في رحلاتها، ولقاءاتها التي دارت بينها وبين صحافيين بارزين من مصر وأوروبا والبلدان العربية، وقد تركوا أرشيفاً ضخماً وجد فيه المؤلف الكثير مما يحكى عن فنانة مصرية، بذلت عشر سنوات من عمرها منذ عام «النكسة» وحتى ما قبل عام من رحيلها، في حركة فنية دائبة تغني للجماهير، وتلتقي الرؤساء والملوك، وتسعى -من ضمن ما تسعى إليه- إلى إزالة بعض من أسباب الجفوة التي كانت تطرأ بينهم وبين الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
وفي فصل بعنوان «أم كلثوم معكم في المعركة»، يقول المؤلف إن دور أم كلثوم في دعم الجيش المصري لم يتوقف عند حدود الدعم المادي؛ لكنها سجلت خلال مايو (أيار) 1967، في الإذاعة المصرية، سبعة نداءات حماسية، استمر بثها حتى نهاية مايو، والأيام الأولى من شهر يونيو 1967. كانت النداءات موجهة بشكل مباشر للجنود على جبهة القتال، بعد قرار التعبئة العامة، وظهور بوادر الحرب بعد غلق مضيق العقبة، وكان الهدف منها بث الحماسة فيهم، ورفع روحهم المعنوية. وقد نشرت مجلة «الكواكب» نصوص النداءات.
ويتعرض الكتاب لما فعلته «كوكب الشرق» بعدما سمعت خطاب تنحي عبد الناصر يوم 9 يونيو 1967، واستشهد بقولها إنها لم يكن أمامها إلا أمران: الأول أن تلتزم الصمت، وتقبع فريسة الانهيار النفسي، والثاني أن تبذل ما تستطيع من جهد من أجل المعركة، وقد اختارت الأمر الثاني.
ويذكر المؤلف أن أول حفلة بدأت بها «كوكب الشرق» المجهود الحربي، كانت في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة شمال مصر، ووصلت إيراداتها التي جمعتها إلى 70 ألف جنيه، بعدها انتقلت إلى الإسكندرية، وهناك بدأت فكرة جديدة للتبرع؛ حيث أقام منظمو الحفل مزاداً على كراسي المسرح، وكان المتحصل منها يفوق أضعافاً مضاعفة قيمة التذكرة. بعد ذلك ذهبت في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى باريس، وكانت أول مطربة عربية تغني على مسرح «الأولمبيا». وهناك قدمت حفلين، غنت في الأول ثلاث أغنيات، هي: «إنت عمري»، و«الأطلال»، و«بعيد عنك»، تخللتها استراحتان قصيرتان. وقد بدأ الحفل في تمام الساعة التاسعة و25 دقيقة، واستغرق ما يزيد على خمس ساعات، وكان مدير المسرح يظن أنها سوف تنهي وصلتها الغنائية بعد عشرين دقيقة؛ لأنها عند اتفاقها معه في القاهرة قبل «النكسة» بشهور كانت أخبرته أنها سوف تغني أغنيتين أو ثلاث على الأكثر.
كان حفل باريس بالنسبة لأم كلثوم أول انطلاقة لها في أوروبا، وقد حضره كثير من الملوك والرؤساء والأمراء والشخصيات المهمة، من العرب والأجانب. وكان بينهم 500 من اليهود المغاربة الذين فور علم مدير المسرح بوجودهم شعر بالقلق، وقام بتعزيز الوجود الأمني حولهم؛ لكن حين بدأت أم كلثوم في الغناء فوجئ باندماجهم، وهم يستمعون إلى الأغنيات، وكانوا يتجاوبون بالتصفيق تعبيراً عن إعجابهم. حينها ذهب إليهم، وسألهم عن سر إعجابهم بصوت أم كلثوم لهذه الدرجة، وهي تطالب بضرورة التصدي لليهود ومحاربتهم، فردوا عليه بأن «أم كلثوم أعظم مطربة في التاريخ، ولا يمكن إنكار هذا، وأنها تمتعهم بفنها وطربها الأصيل، وهذا أمر لا علاقة له بالأمور السياسية». في فصل بعنوان «بعد منتصف الليل كانت أم كلثوم لا تزال تغني»، أشار المؤلف إلى حوار تاريخي جمع أم كلثوم والكاتب الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، نشرته مجلة «آخر ساعة» المصرية آنذاك.
في بداية الحوار، سألت أم كلثوم هيكل عن مجريات السياسة في العالم، وتطورات القضية العربية التي كانت ما زالت مشتعلة منذ عدوان 5 يونيو، وعن دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن في أزمات الشرق الأوسط، وتحديداً قضية اللاجئين، وهي القضية التي احتلت جزءاً من نشاط أم كلثوم المنتظم في سنوات المجهود الحربي. ثم سألته أم كلثوم عن الدور المتوقع لمؤتمر القمة القادم، ومدى ارتباطه بمؤتمر القمة السابق في الخرطوم في أغسطس (آب) 1967، وعن رؤيته السياسية لخطاب الرئيس جمال عبد الناصر الأخير الذي ألقاه في «مجلس الأمة».
لكن أهم ما في الحوار هو سؤال هيكل لأم كلثوم: «كيف استطعتِ إلغاء الفارق بين السياسة والفن؟». وهذا السؤال يحمل نظرة واضحة وصريحة لطبيعة دور أم كلثوم بعد الهزيمة، حين تشابك دورها الفني والسياسي، فالجمع بين الفن والسياسة أمر معقد. فردت «كوكب الشرق» بأنها مجرد مواطنة تحب وطنها، فكان جوابه: «هذه إجابة معقولة؛ لأن السياسي هو أي إنسان تتعدَّى اهتماماته حدود مصلحته الخاصة». وعن رحلتها إلى تونس خلال شهر مايو، قال المؤلف إن «كوكب الشرق» التقت الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة، وجلست معه ساعة كاملة لتزيل بعضاً مما شاب العلاقة بينه وبين عبد الناصر، وقلَّدها بورقيبة أكبر وسام في تونس، وحضر أول حفلة، ثم ودَّعها بنفسه لدى مغادرتها بلاده. ثم اتجهت إلى السودان في ديسمبر (كانون الأول) 1968، وبعدها كان الطريق إلى ليبيا، ثم لبنان، وكانت آخر حفلاتها في أبوظبي، وحينها حضرت رفع علم الوحدة الإماراتية عام 1971، وكانت وقتها قد تجاوزت السبعين من عمرها. أما عن رحلتها إلى الاتحاد السوفياتي السابق الذي زارته نهاية سبتمبر (أيلول) 1970، فقد قطعتها بسبب رحيل عبد الناصر، وعادت بملابس الحداد.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
TT

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ نجمتين عالميتين تقديراً لمسيرتيهما، هما الأميركية فيولا ديفيس، والهندية بريانكا شوبرا.

واختتم المهرجان عروضه بفيلم «مودي... 3 أيام على حافة الجنون» الذي أخرجه النجم الأميركي جوني ديب، ويروي حكاية الرسام والنحات الإيطالي أميديو موديلياني، خلال خوضه 72 ساعة من الصراع في الحرب العالمية الأولى.

واختير فيلم «الذراري الحمر» للمخرج التونسي لطفي عاشور لجائزة «اليُسر الذهبية» كأفضل فيلم روائي، أما «اليُسر الفضية» لأفضل فيلم طويل، فنالها فيلم «إلى عالم مجهول» للفلسطيني مهدي فليفل، بالإضافة إلى جائزة خاصة من لجنة التحكيم نالها فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور.