مفارقات الأخوّة في سرديات الجزيرة العربية

الدور السلطوي للأخ الأكبر في 4 روايات

مفارقات الأخوّة في سرديات الجزيرة العربية
TT

مفارقات الأخوّة في سرديات الجزيرة العربية

مفارقات الأخوّة في سرديات الجزيرة العربية

دعتني دورية أكاديمية بارزة هي مجلة «ألف» التي تصدرها الجامعة الأميركية بالقاهرة إلى الإسهام بورقة حول ما سمّته «العلاقات الأخوية - الأختية في الآداب والفنون»، وكان ذلك محوراً أسهم فيه عدد من الباحثين ووجدته غريباً إلى أن تبين أنه مطروح بقوة في عدد من الحقول من أبرزها الدراسات النسوية. وحين أمعنت النظر في الموضوع وجدتني أنساق تلقائياً نحو أدب المنطقة التي أنتمي إليها بصورة مباشرة؛ وهي منطقة الجزيرة العربية، فبدأت بعض الأعمال السردية تتوارد إلى الذهن وتستدعي استكشافاً من تلك الزاوية التي لم تخطر ببالي من قبل. تذكرت روايات تتمحور حول علاقات الأخوة والأخوات، وبصفة خاصة دور الأخ في المجتمع. ومع تلك العلاقات بدأت خيوط السياقات العامة تتضح ضمن أطر مألوفة، أطر تيمية أو موضوعاتية أحسبها في طليعة الهموم التي هيمنت على الأدب في الجزيرة العربية وربما في مناطق عربية أخرى لعدة عقود، وهي وإن لم تغِبْ فإن صورتها أخذت تتغير وربما تتوارى معالمها إلى حد ما.
في طليعة تلك السياقات الموضوعاتية جاءت الحرية الاجتماعية والتشدد الديني ووضع الأقليات. وهذه موضوعات متداخلة على بعض المستويات ومنفصلة على مستويات أُخَر. تذكرت روايات تمحورت حول سلطة الأخ في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وكيف مثّل الأخ سلطة المجتمع من زاوية دينية متشددة، وكذلك تمثيله المجتمع من زاوية عرقية أو عنصرية أحياناً. كانت العلاقات الأخوية، بتعبير آخر، مرآة لقضايا مركزية في كثير من المجتمعات، وإذا كنا نتحدث عن المجتمعات العربية، فإن المجتمعات غير العربية وجدت أيضاً في تلك العلاقات ما يمثلها على مستوى الأعمال السردية. يكفي أن نتذكر أعمالاً سردية كبرى مثل «الأخوة كارامازوف» لدوستويفسكي، و«الصوت والغضب» لفوكنر، حيث تحمل العلاقات الأخوية اشتباكات العلاقات الاجتماعية بقدر ما تعبر عن قضايا رئيسية مطروحة على المستويات الفكرية والثقافية العامة. ولا ننسى إلى جانب هذه الأعمال توظيف الأخوة بوصفها مجازاً للهيمنة عند جورج أورويل في روايته الشهيرة «1984».
في 4 من الروايات العربية التي تبادرت إلى ذهني، وهي روايات من الجزيرة العربية كما أشرت، يتضح الدور السلطوي للأخ الأكبر. يتضح عند كاتبين كويتيين؛ هما الراحل إسماعيل فهد إسماعيل في رواية «في حضرة العنقاء والخل الوفي»، وطالب الرفاعي في روايته الصادرة حديثاً «خطف الحبيب». كما يتضح عند كاتبتين سعوديتين؛ هما ليلى الجهني في رواية «جاهلية»، وبدرية البشر في «غراميات شارع الأعشى». هذه الروايات تلتقي عند تصوير الأخ ودوره في العلاقات الأسرية أو صلته بالتطورات الاجتماعية والثقافية، أو بالأحرى الآيديولوجية، التي اجتاحت المنطقة، لكنها تختلف في تصوير ذلك الدور اختلافاً ليس جذرياً، لكنه مهم.
في رواية إسماعيل، يمثل الأخ في سياق الاحتلال العراقي للكويت بتسعينات القرن الماضي ممثلاً للسلطوية التي تمارس دورها أسرياً واجتماعياً تجاه ما يُعد آخراً في التراتبية الاجتماعية الكويتية. بطل الرواية وراويها من الفئة المعروفة بـ«البدون»، واسمه «منسي»، يتزوج أخت الكويتي سعود، ويبدأ التوتر بعد انتهاء الاحتلال حين يرفض سعود زواج أخته من أحد أفراد الفئة المشار إليها، أي أولئك الذين لا يحملون الجنسية الكويتية، فيمارس سلطته بالسعي لتطليق أخته وإبعاد منسي باتهامه بالخيانة أثناء الاحتلال وسجنه من ثم. ويتضح هنا أن سعود أنموذج قبيح للتسلط الذي لا يقتصر على زوج أخته، وإنما يتعداه إلى عمه حين يستولي على ثروة العم ويودعه داراً للمسنين. فالسلطوية تؤثر على القريب والبعيد على حد سواء. وهذا النموذج مختلف عما نجد في رواية «جاهلية» للسعودية الجهني. فمع أن الأخ هنا سيئ أيضاً فإنه في رواية «جاهلية» يتبنى موقفاً عنصرياً - عرقياً تجاه شاب سعودي آخر لكنه أسود حين يتقدم الشاب الأسود لخطبة أخته التي تريد ذلك الشاب. ويتضح من الأحداث أن الأخ لا يسيء إلى أسرته، كما يفعل سعود الكويتي، وإنما يمارس هيمنة ذكورية هي امتداد لسلطة بطريركية نجدها في رواية إسماعيل وغيرها. الأخ السعودي يظهر في صورة أكثر دموية حين يعتدي بالضرب على الشاب الأسود فيكاد يقتله.
لكن الأخوين في رواية إسماعيل والجهني، إذ يقترب بعضهما من بعض، فإنهما يختلفان عن الأخوة في الروايتين الأخريين؛ رواية البشر والرفاعي. يتراجع العنف الأسري هنا، ولكنه يصعد بدرجة حادة حين ينتقل إلى عنف سياسي يتمثل في انضمام الأخ في كلتا الروايتين إلى الجماعات الجهادية؛ الأول مع جهيمان في حادثة الحرم أواخر السبعينات، والثاني مع «داعش» في أواسط الألفية الثانية. فهذان الأخوان الأخيران يتشابهان في تبني العنف الآيديولوجي، ولكن حضورهما الأسري واضح ومؤثر أيضاً.
من هذا كله نستطيع أن نتبين سطوة ذكورية تتمثل ليس في الدور التقليدي للأب، وإنما في دور جيل شاب من الذكور يتوقع منه أن يكون أكثر مرونة وتفهماً للمتغيرات الاجتماعية، لكنه يخيب الآمال. ففي الخطاب النسوي التقليدي تتمثل السلطة فيما يعرف بالأبوية أو البطركية، أي السلطة الذكورية المتمثلة بالأب بوصفه حاملاً لقيم تقليدية تصطدم مع متغيرات اجتماعية لا يقبلها فيفرض سطوته للحيلولة دون حدوث التغيير. لكن من الواضح أن الكتاب رأوا أوضاعاً اجتماعية مغايرة للمتوقع. فدور الأب يتراجع ليحل محله دور أخوي شاب وعنيف، دور أملته متغيرات سياسية وآيديولوجية خيبت أمل المؤمنين بالتقدم الاجتماعي الناتج عن تغير العصر والانفتاح على المؤثرات المقبلة من الثقافات الأخرى. في رواية ليلى البشر نجد شابين، كل منهما أخ في أسرة مختلفة. سعد الذي ينضم إلى جماعة جهيمان التي احتلت الحرم المكي، والذي سبق أن بدأ يتعرف على الخلايا الجهادية في الرياض، نراه مقتولاً ضمن من قتل في تلك العملية المعروفة أواخر السبعينات. أما الآخر فأخ في أسرة أخرى هي أسرة عزيزة راوية القصة، أو بالأحرى راوية مجملها. هذا الأخير كان يدرس في مصر وحين عاد بدت عليه علامات المحافظة: «هبطت ذات مساء فوجدته في فناء المنزل يشعل ناراً في برميل من حديد ويرمي بداخله كتباً في يده، سألته: ماذا تفعل؟ فقال لي إنها كتب لم يعد الوقت يسمح ببقائها في المنزل ...»، والأخ إبراهيم ترك صديقته المصرية رافضاً الزواج منها. «حدثني إبراهيم بكلام كثير عن التقاليد التي تنشأ سابقة على الفرد وتقيده وتجعله أسيرها... فهي أقوى منه لأن الجماعة تحرسها».
وواضح أننا ما نرى هنا دوراً ذكورياً أكثر خفوتاً وأقل ميلاً إلى العنف، لكنه يحمل في طياته وعوداً بسلطة مقبلة ستدفع الأخوات ثمنها، الأخوات اللاتي يعشن في شارع الأعشى (الذي يرمز إلى حي قديم في مدينة الرياض سبق أن عاش فيه الشاعر المعروف) حياة خالية من التشدد ومشغولة بمتع الغناء والموضات والتطلع إلى علاقات غرامية تعلن عنها الرواية منذ العنوان. وإذا كان التشدد الديني طارئاً حتى على مجتمع محافظ كان في ستينات وسبعينات القرن الماضي يتلمس طريقه نحو مزيد من الانفتاح ونبذ العنف، فإن آثار التعليم نفسه ليست بالصورة المبشرة التي كانت متوقعة منها. في إبراهيم نجد أنه حتى الابتعاث لدولة عربية مثل مصر لم يؤدِّ إلا إلى الانغلاق، فكيف بالتعليم الداخلي الذي بدأ يرزح تحت تأثير القيود المتزايدة. تلك القيود قد تكون مسؤولة وإن جزئياً عن سلوك الأخ في رواية «جاهلية»، حيث أثبتت قيم العنصرية قدرتها على الاستمرار. ذلك ما يحدث أيضاً في الرواية الكويتية الأخرى، «خطف الحبيب».
في رواية طالب الرفاعي يتضح التأثير على الشاب ابن الأسرة الغنية في علاقته بمعلمين من دول عربية مجاورة، كما من المسجد الذي يؤدي دوراً تربوياً يزرع التشدد في عقول الشبان لينقلبوا إلى واعظين عنيفين في بيوتهم، ثم جهاديين في ميادين المعارك خارج بلدانهم. إنهم الأحبة المخطوفون الذين لا تجدي فديتهم شيئاً حين يتضح أنهم فرصة للابتزاز ثم عرضة للموت. والطريف في هذا السياق أن الآباء في كل هذه الروايات إما رجال مسالمون طيبون، كما في روايات إسماعيل والجهني والبشر، أو جانحون إلى اللهو والحياة الغارقة في الثراء والملذات، كما في رواية الرفاعي.
تتراجع الأبوية لتسلم القيادة إلى الأخوية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».