الشيف دوّاش: كل ما تحتاجه في المطبخ هو رشة حب وحفنة من الأحاسيس

أطباقه مبتكرة من الطبيعة والبحر

أخرج طبق السمك من عملية طهيه التقليدي     -    كسر دواش قاعدة التزام الشيف مطبخه (الشرق الأوسط)
أخرج طبق السمك من عملية طهيه التقليدي - كسر دواش قاعدة التزام الشيف مطبخه (الشرق الأوسط)
TT

الشيف دوّاش: كل ما تحتاجه في المطبخ هو رشة حب وحفنة من الأحاسيس

أخرج طبق السمك من عملية طهيه التقليدي     -    كسر دواش قاعدة التزام الشيف مطبخه (الشرق الأوسط)
أخرج طبق السمك من عملية طهيه التقليدي - كسر دواش قاعدة التزام الشيف مطبخه (الشرق الأوسط)

استطاع الشيف اللبناني دواش ابتكار أسلوب طبخ خاصا به ميزه عن غيره من زملائه، فذاع صيته وانتشر اسمه في لبنان والعالم العربي كواحد من الطهاة غير التقليديين. وشكلت صوره وفيديوهاته «تراند» على وسائل التواصل الاجتماعي يتم تداولها بكثافة. فابن منطقة الضنية وبالتحديد بلدة جيرون يعترف بأنه جاهد للوصول إلى ما هو عليه اليوم وكانت الطبيعة ملهمته.
قريب من القلب يحدثك وكأنه يعرفك منذ زمن، تمكن دواش من كسر قاعدة التزام الطاهي مطبخه في المطاعم. فهو خرج عن المألوف، عندما راح يقدم أطباقه بنفسه لزبائنه، فيسكب الصلصات التي ابتكرها فوق صحون السمك والمأكولات البحرية لتحدث مشهدية تشبه ألعاب السحر. فتعبق الأجواء بدخان يتصاعد من الطبق المدخن «الفلامبي»، وتغمر الزبون ملامح الذهول تجاه عملية تقديم طعام لا تشبه غيرها. أما أفكاره الإبداعية فيؤكد بأنه يراها في أحلامه، وعندما يستيقظ يطبقها على أرض الواقع. «هي أحلام أراها باستمرار لشدة هوسي بعملي. رأسي لا يتوقف عن العمل وعندما تأتيني الفكرة أستيقظ كي أخزنها في ذاكرتي». ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «هي خلطة أحاسيس تنتابني وأمارسها مع أطباقي. فأنا ابن الطبيعة والبحر يوسع آفاقي، ألجأ إليه عندما تضيق بي الدنيا».
وكما تقول أغنية فيروز «كبر البحر ووسع الدني» يحب دواش عمله ونجح فيه بفضل الحرية. فهذه الأخيرة زودته بها الطبيعة مما سمح له بالتفوق والتحليق عالياً في سماء الإبداع.
ويخبرنا دواش كيف ولدت فكرة الطبق المدخن معه: «في إحدى المرات لفتني طبق من الحديد رأيته بالصدفة في الطابق الثاني المهجور من المطعم الذي كنت أعمل فيه. ربما كانوا يستخدمونه لتقديم طبق الفاهيتا فعلق بذاكرتي. وبعد نحو أسبوعين حلمت بأني أضع في هذا الطبق سمكة وأضفت الصلصة إليه. وصدف أن زارنا في المطعم الفنان راغب علامة وطبقت حلمي أمامه بصلصة سرطان البحر. ولأنه سمح لي بتصويره نشرته فحصد ملايين المشاهدات. وولدت معه هذه الفكرة التي يطبقها اليوم طهاة كثر من بعدي وبينهم طهاة عالميون».

الشيف دواش (الشرق الأوسط)

يشتهر الشيف دواش بعلاقته الوطيدة مع زبائنه من نجوم الفن من لبنان وخارجه. فهل قصد استخدام هذه العلاقات ليحقق الشهرة أم أن الأمر حدث بالصدفة؟ يرد: «في الحقيقة يجوز القول إن الأمرين يحضران عندي. فالمشاهير يملكون خلفية ثقافية غنية من خلال كثرة أسفارهم فقصدت أن يطلعوا على أفكاري. كما أن الأمر في البداية كما أخبرتك حدث بالصدفة مع الفنان علامة ومنذ تلك اللحظة بدأ مشواري معهم».
ارتكزت شهرة دواش على تحضير أطباق ثمار البحر رغم نجاحات أخرى حققها في عالم الطبخ عامة. ولكن تركيزه على السمكة اللبنانية وتفكيره بكيفية إخراجها من إطار تحضيرها التقليدي أسهم بذلك. «كلنا في لبنان نأكل السمك مشوياً أو مقلياً. ولكن ومن باب علاقتي الوطيدة بالبحر، قررت أن أرفع من قيمته وأطور عملية طهيه».
بداية لجأ إلى خلطة أعشاب اعتاد قطفها من الطبيعة «حبي للطبخ ورثته عن والدي وكذلك اطلاعي على أصناف أعشابنا البرية. فعندما كنت أسرح معه في مساحات واسعة كي نرعى قطيع البقر الذي نهتم به في الضيعة، كان يلفت نظري على هذه المروحة الواسعة من الأعشاب».
هكذا استهل اختراعاته بمكونات الصلصة على أنواعها. ومع الكزبرة وورق الغار والبقدونس والبصل والثوم وزيت الزيتون مع إضافة العسل إليها، ابتكر أولى صلصاته المميزة. ويضيف: «من بعدها فكرت بحبة الأناناس فحفرتها ووضعت فيها الصلصة الممزوجة بنكهة هذه الفاكهة وأحدثت الفرق. واليوم يقلدني كثيرون من الطهاة بهذه العملية».
استطاع حتى اليوم ابتكار 12 صلصة بنكهات مختلفة خاصة بالأكلات البحرية من أطباق الـ«سي فود». وأعتمد مجموعة ألوان كي يفرقها الزبون عن بعضها البعض. صلصة حمراء أو خضراء أو بنية وبرونزية وأخرى صفراء. أما أحدث ابتكاراته هذه فأطلق عليها اسم «صلصة الرغبة» وفيها نحو 25 مكوناً. ويشير الشيف اللبناني بأنه قريباً ينتقل إلى خارج لبنان ضمن عرض قدم له في قطر، حيث سيفتتح مطعم «دواش» هناك.
أطباق دواش التي تطرب كل من تذوقها وكأنها أنغام يعزفها بأنامله، يحضرها بحب. هو العنصر الأساسي الذي في استطاعته أن يميز شيفا عن آخر. «الناس التي تعمل في أي مجال وتكون غير شغوفة بعملها لن تنجح بالتأكيد».
ولكن ماذا عن باقي الحواس، هل يستعملها في تحضيره للطعام أم أن هناك معايير ومقادير معينة يتبعها؟ يرد: «يمكن القول إن الخبرة تولد الأحاسيس التي نحتاجها في الطهي الصحيح. فأي طبخة يمكن أن تتأثر بقوة النار أو بنوع الزبدة والملح. لا أعرف كيف أقيس الوقت كي ينضج الطعام بل أشعر أنه علي رفعه. أستعين بحواسي الخمس، وكتلة من الأحاسيس ترافقني في عملي. ولكنني في الوقت نفسه أتبع مقادير محددة، ولكن مع مساحة كبيرة من الإبداع. فطبق الأخطبوط البروفنسيال أحضره منذ 12 عاماً. وفي آخر مرة اكتشفت طريقة جديدة في تنفيذه».
تلمع عيون الشيف دواش حتى اليوم في كل مرة يلمح الإعجاب بمذاق أطباقه عند الزبون. «لا يهمني أن يكون شيف زميلاً لي لأنه يمكن أن يجاملني. فأفضل أخد ردود الفعل من قبل الأولاد وربات المنازل. هؤلاء تهمني آراؤهم لأنهم يعبرون عن آرائهم بعفوية وصراحة كما أن الأطفال لا يكذبون». وعن رأيه بطهاة اليوم يقول: «لا شك أن هناك بينهم من ترك بصمته وننظر إليه بإعجاب كبير. ولكن هناك من يهتم فقط بارتداء بدلة الطبخ من دون أن يسهم في أي ابتكار جديد. أنا شخصياً أقوم بكل شيء بنفسي حتى في عملية اختيار نوع الحامض. قد تكون عادة سيئة عندي، ولكني أثق بإحساسي وأخاف المجازفة. وأنا من يضع قوانيني في المطبخ وعلى باقي الفريق تطبيقها لأننا في الطبخ لا نستطيع المغامرة».
أحمد دواش الذي كان يعمل مع والده في استخراج الفحم تحول إلى شيف معروف بفضل كل ما تعلمه في مشوار حياته كما يقول. فهو درس هذه المهنة ومارسها لـ12 سنة متتالية قبل أن يحقق الشهرة فيها «جميعنا نتأثر ببيئتنا ووالدتي ربتنا على العز رغم الفقر الذي كنا نعيشه. أما والدي فهو يشكل نموذجاً حياً عن اللبناني ابن الأرض. فهو لا يتوانى عن تقديم المساعدة لكل الناس، لأن الأمر يولد في قلبه الفرح. وكوني ابن الكرامة والعز وتربيت على الأخلاق الحميدة وتنشقت الحرية الحقيقية من الطبيعة أحدثت الفرق. واليوم يزداد طموحي أكثر فأكثر، وأتطلع نحو آفاق واسعة، ولم لا إلى العالمية؟».


مقالات ذات صلة

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».