كايا كالاس تقود «ليبراليّي» حزب «الإصلاح» إلى انتصار انتخابي عزّز قيادتها لإستونيا

أمام تداعيات الحرب الأوكرانية والمخاوف الاقتصادية

كايا كالاس تقود «ليبراليّي» حزب «الإصلاح» إلى انتصار انتخابي عزّز قيادتها لإستونيا
TT

كايا كالاس تقود «ليبراليّي» حزب «الإصلاح» إلى انتصار انتخابي عزّز قيادتها لإستونيا

كايا كالاس تقود «ليبراليّي» حزب «الإصلاح» إلى انتصار انتخابي عزّز قيادتها لإستونيا

حققت كايا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا، انتصاراً انتخابياً مهماً خلال الأسبوع عزّز قيادتها لصغرى الجمهوريات البلطيقية السوفياتية السابقة. وجاء إنجاز السياسية والمحامية الليبرالية التي ورثت قيادة حزب «الإصلاح» عن أبيها رئيس الوزراء السابق سيم كالاس، تزكيةً لمواقفها الحازمة من الحرب الأوكرانية والتزامها نهج «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، وأيضاً السياسات الاقتصادية الجريئة في أول انتخابات عامة بعد جائحة «كوفيد19» وانعكاساتها على البلاد وعلى أوروبا والعالم.
في أول تعليق لرئيسة وزراء إستونيا الشابة كايا كالاس (45 سنة) إثر فوز حزبها، حزب «الإصلاح»، المحسوب على التيار الليبرالي ويمين الوسط، في الانتخابات العامة التي شهدتها إستونيا مطلع الأسبوع المنصرم، تشديدها على أن «الناخبين صوّتوا بصورة كاسحة أكدت انتصار مبادئ الليبرالية والاعتدال». ثم، في إشارة إلى المناخ الدولي المحيط بالانتخابات وخيارات إستونيا، أضافت الزعيمة الشابة: «... وهذا إلى جانب التزامهم بالأمن المستنِد إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، والتأييد الصلب لأوكرانيا». ومعلوم أن إستونيا هي الآن عضو في «ناتو» بعدما كانت إحدى الجمهوريات السوفياتية الـ15 السابقة.
وكما قالت كالاس، التي تعكف الآن على تشكيل ائتلاف حكومي ليبرالي معتدل، جاءت النتيجة بصفة عامة لصالح القوى الليبرالية والمعتدلة. إذ حصل حزبها «الإصلاح» على نسبة 31.2 في المائة من الأصوات، ونال 37 مقعداً في البرلمان الذي يضم 101 مقعد –بزيادة 3 مقاعد عمّا كان لديه في البرلمان السابق– في حين تراجع تأييد منافسه الأكبر حزب «الشعب» اليميني المتشدد من 17.7 في المائة إلى 16 في المائة مع تراجع عدد مقاعده من 19 مقعداً إلى 17 مقعداً.
في المقابل، هبطت أكثر شعبية حزب «الوسط» (يسار الوسط) عن الانتخابات السابقة عام 2019 من 23.1 في المائة إلى 15 في المائة فحصل على 16 مقعداً فقط بخسارته 10 مقاعد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الحزب كان يحظى تقليدياً بدعم الأقلية المتحدرة من أصل روسي، ويربط المراقبون خسائره هذه المرة بوقوف قيادته ضد الحرب، الأمر الذي أفقده دعم شريحة واسعة من ناخبيه السابقين. وهكذا، كان المستفيد الأكبر من نكسة حزب «الوسط»، حزب «إستونيا 200» (وهو وسطيّ أيضاً) الذي كسب 14 مقعداً بعدما نجح في تجاوز الحاجز المطلوب لدخول البرلمان وفق نظام التمثيل النسبي، وهو الذي لم يكن ممثَّلاً بأي نائب في البرلمان السابق. وأخيراً، أكمل عقد البرلمان الجديد حزبان؛ الأول من تيار يسار الوسط هو «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكيون) بـ9 مقاعد، والآخر من تيار يمين الوسط هو حزب «أيساما» (الوطن) بـ8 مقاعد.
وفي ضوء هذه الحصيلة، ومع استبعاد كالاس علناً فكرة التحالف مع اليمين المتشدد، بات أمامها الآن خياران: الأول الإبقاء على تحالفها الحالي مع الديمقراطيين الاجتماعيين (الاشتراكيون) وحزب «الوطن». والآخر عقد صفقة «وسطية» مع حزب الوسط والقوة البرلمانية الجديدة «إستونيا 200».

تأثير الحرب الأوكرانية
في أي حال، بينما يرى مراقبون أن الخلاصة الأبرز المستقاة من المعركة الانتخابية هي التفويض الشعبي العريض للوسطية الليبرالية –كما قالت كالاس– تَبيّن أن تخوّف كثيرين من صعود الشعبوية اليمينية المتشددة ما كان في محله. وللعلم، كان هذا التخوّف مبرراً لأن ثمة مَن رأى أن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية المضطربة في شرق أوروبا ووسطها، كان من الممكن جداً أن تخدم تطرّف اليمين كما حصل في إيطاليا، التي تترأس حكومتها راهناً سياسية راديكالية يمينية متطرفة تعود مشاربها الآيديولوجية إلى الفاشيين الجدد.
ثم إن الحرب الأوكرانية –بالذات– عادت فأيقظت هواجس أمنية وقومية ظن كثيرون أنها ذهبت إلى غير رجعة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وفيما يخصّ إستونيا –التي خرجت من تحت عباءة موسكو فقط عام 1991- فإن وضعها، تحديداً، ربما يكون حساساً جداً مقارنةً مع أي كيان سياسي أوروبي. إذ إن إستونيا -إحدى أصغر الجمهوريات السوفياتية السابقة سكانياً– تُعدُّ من الناحية العرقية اللغوية أقرب كيان أوروبي مستقل إلى كلٍّ من فنلندا وجمهورية كاريليا ذاتية الحكم (داخل جمهورية روسيا الاتحادية) والواقعة في أقصى شمال غربي روسيا على الحدود مع فنلندا... عبر مياه خليج فنلندا عن الشمال الإستوني.
أكثر من هذا، ليست الحدود الإستونية بعيدةً البتة عن مدينة بطرسبرغ (لينينغراد)، ثانية مدن روسيا وعاصمتها القيصرية السابقة. وهي التي كانت من ناحية «مدينة بطرس الأكبر»، أعظم قياصرة روسيا، ومن ناحية ثانية «مدينة لينين» التي انطلقت منها شرارة الثورة الشيوعية البلشفية بقيادة فلاديمير أوليانوف لينين. ثم هي، قبل أن ننسى أيضاً، مدينة الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين ومعقله السياسي... ففيها وُلد قبل 70 سنة، ومنها انطلقت مسيرته الأمنية والحزبية التي توّجت بتوليه السلطة.
وأخيراً وليس آخراً، قبالة الغالبية السكانية العرقية الإستونية، تضم الجمهورية أقلية كبيرة سلافية الأصل تقارب الـ30 في المائة من إجمالي السكان، غالبيتها العظمى من المتحدرين من أصول روسية. إذ شكّل هؤلاء أقل بقليل من 24 في المائة من المجموع العام للسكان، في حين تزيد نسبة المتحدرين من أصول أوكرانية على 2 في المائة. وهذا، بطبيعة الحال، واقع لا يخدم أجواء السكينة والطمأنينة والتوافق السياسي بينما تستعر الحرب بين الروس والأوكرانيين منذ أكثر سنة.
وفي سياق متصل، أثار القلق من تداعيات الحرب الأوكرانية مخاوف عند دول مجاورة لإستونيا، كانت قد امتنعت في الماضي عن الانضمام إلى «الناتو»، بعكس إستونيا و«جارتيها» البلطيقيتين ليتوانيا ولاتفيا، لكنّ الغزو الروسي لأوكرانيا أقلقها من المستقبل. وبالفعل، ها هي فنلندا والسويد تعدان العدّة للالتحاق بركب الحلف الغربي متخلّيتين على سياسة التوازن، بل والحياد، إزاء موسكو. وفي هذا الإطار، يصف عارفو كايا كالاس بأنها سياسية شابة قوية الشخصية والإرادة، فضلاً عن ثقافتها الغنية وتنشئتها السياسية. وكما سبقت الإشارة، فإنها وقفت خلال المعركة السياسية الأخيرة بصلابة ضد شعبوية اليمين المتشدد الذي طالب بوقف أي دعم إضافي للسلطات الأوكرانية، ومنع توافد اللاجئين من أوكرانيا، وإجراء تقليص كبير في قبول طلبات الهجرة بحجة حماية العمالة المحلية الإستونية. وفي هذا الشأن، رفضت الزعيمة «الإصلاحية» فكرة أي تعاون انتخابي مع اليمين، بل بالعكس وعدت بزيادة معدل الإنفاق العسكري وخفض الضرائب على المؤسسات التجارية والصناعية. وللعلم، أنفقت إستونيا، المتاخمة لروسيا، حتى الآن أكثر من 1 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي على دعم أوكرانيا عسكرياً. وهذه هي النسبة الأعلى بين كل الدول الداعمة.

بطاقة هوية شخصية
وُلدت كايا كالاس في العاصمة الإستونية تالين يوم 18 يونيو (حزيران) 1977، وهي ابنة سيم كالاس (74 سنة) الرئيس الـ14 للحكومة الإستونية والمفوّض الأوروبي السابق. كما أن أحد أجدادها، واسمه إدوارد آلفير، كان أحد الساسة البارزين الذين أسسوا جمهورية إستونيا عام 1918، وكان أول قائد لجهاز شرطة الجمهورية الوليدة.
تلقت كايا تعليمها في جامعة تارتو، أعرق جامعات البلاد، وفيها تخرّجت عام 1999 بإجازة في القانون، ثم التحقت بنقابة المحامين، وصارت محامية ممارسة وشريكة في شركة محاماة عام 2002، وبعدها عاشت في كلٍّ من فرنسا وفنلندا في أثناء فترة تدرّجها الدراسي في القانون الأوروبي. وبين عامي 2007 و2010 درست في المعهد الإستوني لإدارة الأعمال وفيه تخرّجت بشهادة الماجستير التنفيذية في إدارة الأعمال. ويُذكر أنه كان من صميم اهتماماتها القانونية مجال مكافحة الاحتكار. وهي، على صعيد اللغات، تتقن إلى جانب اللغة الإستونية، اللغات الروسية والإنجليزية والفرنسية.
بالنسبة إلى الحياة العائلية، تزوّجت كالاس مرتين، الأولى عام 2002 وتطلقت عام 2006، والأخرى عام 2018 من مصرفي ورجل أعمال. كما أنها ارتبطت بعد 2006 بعلاقة مع زميل ووزير سابق للمالية انتهت عام 2014 بعدما أنجبا ولداً.
أما في الميدان السياسي، فقد خاضت أولى تجاربها عندما قرّرت عام 2010 الالتحاق بصفوف حزب «الإصلاح» الذي أسسه أبوها سيم كالاس إبان شغله منصب محافظ بنك فنلندا. وفي العام التالي 2011 رشّحت نفسها لعضوية مجلس النواب (البرلمان)، وانتُخبت نائبة بين 2011 و2014، ثم انتخبت نائبة في البرلمان الأوروبي بين 2014 و2018، وفيه نشطت عبر عدّة مهام منها عضوية لجنة الصناعة والأبحاث والطاقة، ونائبة رئيس بعثة لجنة التعاون البرلماني الأوروبية - الأوكرانية. كذلك عملت بهمّة للدفاع عن حقوق أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وضمان ألا تقيّد السياسات الرقابية والناظمة التقدم التكنولوجي.
غير أن كالاس قرّرت لاحقاً، شدّ رحالها وعادت من الأجواء الأوروبية إلى كواليس السياسة المحلية الإستونية. إذ أعلن هانو بيفكور، زعيم حزب «الإصلاح» –يومذاك– في أواخر عام 2017 أنه لن يترشح مجدداً للمنصب في يناير (كانون الثاني) 2018، واقترح أن تخلف كالاس في المنصب. وحقاً، بعد موافقتها على العرض، انتُخبت كالاس يوم 14 أبريل (نيسان) 2018 زعيمة للحزب وبذا باتت أول امرأة تتزّعم حزباً سياسياً أساسياً في تاريخ إستونيا.

أول رئيسة للحكومة
خلال أقل من سنة من تولي كايا كالاس زعامة حزب «الإصلاح»، نجحت الزعيمة الشابة في قيادة الحزب إلى تصدّر الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في مارس (آذار) 2019 بنحو 29 في المائة من الأصوات، متغلباً على حزب «الوسط» (الحاكم آنذاك) الذي خرج بـ23 في المائة فقط من الأصوات.
مع هذا، احتفظ «الوسطيون» بالحكم عبر ائتلاف حكومي برئاسة زعيمهم يوري راتاس مع اليمين المتشدد وحزب «الوطن». مع هذا، أعاد حزب «الإصلاح»، في العام التالي، انتخاب كالاس زعيمةً له، الأمر الذي منحها فرصة إضافية لتعزيز نفوذها داخل الحزب وحضورها على الساحة السياسية. وبالفعل، بعد استقالة حكومة راتاس الائتلافية، في أعقاب فضيحة يوم 25 يناير 2021، تولّت كالاس رئاسة حكومة ائتلافية بديلة مع حزب «الوسط»، وغدت بهذا أول امرأة تحكم إستونيا. ومع أن الظروف الاقتصادية والسياسية، محلياً ودولياً، لم تكن مواتية، لا سيما التباطؤ والإغلاقات في قطاع الأعمال، وارتفاع أسعار الوقود والكهرباء وهي الأزمة التي تفاقمت أكثر بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا، حافظت رئيسة الحكومة الجديدة على رباطة جأشها وبراغماتيتها. وبالتالي، رفضت كالاس الاستسلام للمصاعب التي هزّت لبعض الوقت شعبيتها في الشارع وكادت تودي بحكومتها، بل أعلنت خطة لخفض تكاليف الطاقة بين سبتمبر (أيلول) 2021 ومارس 2022، ورأت أن الاعتماد الأوروبي على إمدادات الغاز الروسي «مشكلة سياسية كبيرة».
ثم، بعد الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022 وقفت كالاس بقوة وعناد خلف الدعم العسكري للقوات الأوكرانية حتى عندما ظهرت بوادر تردّد في ألمانيا. وهكذا أظهرت هذه الأزمة، بالذات، شجاعتها والتزامها، ما أسهم في تعزيز مكانتها دولياً، ورفع شعبيتها محلياً من جديد.
وخلال يوليو (تموز) 2022 ترأست كالاس ائتلافاً حكومياً جديداً ضم حزبها و«الديمقراطيين الاجتماعيين» وحزب «الوطن»، في أعقاب سقوط ائتلافها الأول إثر انسحاب حزب «الوسط» منه. وفي حين أدى حزمها في الأزمة الأوكرانية إلى تفكير قيادات أوروبية وأطلسية خلال فبراير الماضي جدياً بترشيحها لتولي الأمانة العامة لـ«ناتو»، فإن سياستها المحلية الناجحة داخل إستونيا أثمرت انتصارها الانتخابي الكبير خلال الأسبوع المنصرم.


مقالات ذات صلة

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن الدول واستقرارها». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

سجّل الإنفاق العسكري في أوروبا عام 2022 ارتفاعاً بوتيرة سريعة غير مسبوقة، حيث وصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة، وفق ما أفاد باحثون في مجال الأمن العالمي. وأوردت دراسة لـ«معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» أن ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الجيوش ساهم بتسجيل الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً للمرة الثامنة توالياً حيث بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعززت أوروبا انفاقها على جيوشها عام 2022 بنسبة 13 في المائة أكثر مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، في عام طغى عليه الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذه الزيادة هي الأكبر م

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.