لا يزال المشاهد اللبناني يرتبط ارتباطاً حميماً بالأعمال الدرامية المحلية، والدليل على ذلك منافستها لأهم الأعمال العربية في عز بريقها.
وتعد شركتا «فنيكس بيكتشرز» لإيلي معلوف و«مروى غروب» لمروان حداد الأكثر نشاطاً في إنتاج أعمال الدراما اللبنانية. ويتوزع عملهما على المحطتين «إل بي سي آي» و«الجديد». ويغيب باقي المنتجين عن الساحة بعدما فقدوا قدرتهم المادية على الاستمرار. وتقول مي أبي رعد صاحبة شركة «أم إند أم برودكشن» إنها توقفت عن إنتاج أعمال درامية بسبب الأوضاع المتأزمة في لبنان. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك من شيء نخفيه، والجميع يعلم الأسباب التي أدت بنا إلى هذا التوقف. أموالنا سرقتها المصارف، ومحطات التلفزة ما عادت تتمتع بالمردود الإعلاني نفسه كما في السابق. وهو ما جعل ميزانيتها شبه معدومة، وانعكس ذلك سلباً على التعاون معها». وترى أبي رعد أن هناك شركات إنتاج لبنانية لا تزال تعمل وتقدم عملاً أو أكثر في العام الواحد. وتعلق: «آخر مسلسلين أنتجتهما كانا (حادث قلب)، و(بالقلب) في عام 2019، وعرضا في 2020 و2021. ومنذ ذلك الوقت توقفت عن الإنتاج وأرفض أن أقدم أعمالاً درامية لا تحمل الجودة نفسها التي تعوّد عليها المشاهد».
«للموت 3» على شاشة «إم تي في» من إنتاج «إيغل فيلمز»
قناة «الجديد» عادة ما تلجأ إلى الأعمال اللبنانية تعويضاً عن غياب الأعمال المشتركة عندها، وتساند هذه المسلسلات بأخرى تركية. هذه السنة تحضر المحطة لعرض المسلسل اللبناني «عشرة عمر» من بطولة ماريتا الحلاني وجو صادر من إنتاج «مروى غروب». فيما قناة «إل بي سي آي» تثابر على عرض الإنتاجات المحلية وتكمل عرض «أسماء من الماضي» لإيلي معلوف، خلال القسم الأول من رمضان، وهي تتعاون معه وتحضر لمسلسلات جديدة تعرض قريباً عبر شاشتها. فلهذه الأعمال شعبيتها الكبيرة.
وتبقى تكلفة المسلسلات اللبنانية أقل من تلك التي تتكبدها المحطات من جراء شراء حقوق عرض مسلسل مشترك ومن بطولة نجوم معروفين، فتلجأ للحصول عليها إلى تبادل خدمات تخفف من عبء تكلفتها على الطرفين.
وسجلت محطات التلفزة المحلية اللبنانية تغييباً ملحوظاً للمسلسلات المشتركة في السنتين الأخيرتين. ويعود ذلك لاحتكارها من قبل المنصات الإلكترونية وفي مقدمها «شاهد». كما أن الأعمال التي يستطيع منتجوها الإفلات من حصرية عرضها هناك، لا قدرة للمحطات المحلية على شرائها، لأن تكلفتها باتت تتجاوز الميزانيات المالية المرصودة، وهي ضئيلة بفعل انعدام المداخيل الإعلانية.
تكلفة المسلسل المشترك
هي الأعلى
تعد تكلفة شراء المسلسلات المشتركة من قبل محطات التلفزة اللبنانية، هي الأعلى مقارنة بالتركية والسورية واللبنانية. في الماضي القريب كانت هذه التكلفة تتراوح بين 400 و500 ألف دولار لعمل رمضاني يتألف من 30 حلقة. أما المسلسلات السورية فلا يتجاوز سعر الحلقة الواحدة منها 500 دولار. فيما يرتفع في المقابل سعر الحلقة الواحدة من المسلسلات التركية الحديثة الإنتاج لتلامس الـ4000 دولار. أما المسلسلات الأقدم عمراً فلا تتجاوز تكلفة شراء الحلقة منها 2500 دولار.
وتكمن مشكلة التلفزيونات اللبنانية في إمكانية تسديد هذه المبالغ بالدولار الأميركي، وهو ما تدرجه الشركات الأجنبية المنتجة كشرط أساسي لبيع أعمالها، فيما تسهل هذه العملية مع الإنتاجات السورية واللبنانية التي يمكن أن يلجأ أصحاب المحطات إلى التعامل معها بالعملة المحلية.
المنتجون بين مطرقة المنصات وسندان المحطات
تحقق المنصات الإلكترونية انتشاراً واسعاً في الفترة الأخيرة. إذ صارت الملاذ المفضل للمشاهد العربي عامة واللبناني خاصة. ويتابع المشترك فيها أحدث الإنتاجات الدرامية على مدار السنة. ويكون السباق في مشاهدة أعمال درامية رمضانية قبل عرضها ولو بساعات قليلة على محطات التلفزة المحلية. فالمنصات أسهمت في عودة الإنتاجات الدرامية المشتركة بكثافة. وبدل أن تنحصر عملية الإنتاج بالشركات وحدها كما درجت العادة، تحول المنتجون من خلالها إلى «منتج منفذ». فيصير إنتاج العمل بالتعاون مع المنصة التي تحتفظ بشرط أساسي في هذه العملية ألا وهو احتكار العرض. وتركت للمنتج مساحات ضيقة يستطيع التحرك فيها، تسمح له ببيع بعض أعماله لمحطات التلفزة. فلا تكون منفذة كاملة تحت مظلة المنصة ولذلك يسمح لهم بالتصرف فيها. وهو ما سنراه هذه السنة عبر شاشة «أم تي في» التي ستعرض مسلسل «للموت 3» من إنتاج «إيغل فيلمز».
وتعد شركتا الإنتاج «الصبّاح أخوان»، و«إيغل فيلمز» الرائدتان في الإنتاجات الدرامية عامة والرمضانية خاصة، وتعتمدها محطات التلفزة المحلية كجهة أساسية لشراء الدراما المشتركة منها.
وبعدما كانت في سنوات ماضية تتوزع أعمال «إيغل فيلمز» على الـ«إل بي سي آي» فيما تقابلها أخرى لشركة «الصبّاح» على شاشة «إم تي في». إلا أن هذه القاعدة ما لبثت أن تغيرت، بعد أن صارت المحطة الأخيرة تتعامل مع الشركتين معاً.
هذه السنة تعود الـ«إل بي سي أي» للأعمال المشتركة من جديد من خلال عرضها مسلسل «النار بالنار» من إنتاج «الصبّاح». وهو من بطولة عابد فهد، وكاريس بشار، وجورج خباز، ومجموعة من الممثلين اللبنانيين والسوريين.
وللخروج من ورطة تكاليف المسلسلات الباهظة، وتعويضاً عنها ستلجأ المحطات التلفزيونية اللبنانية في غالبيتها إلى تكثيف بث برامج الألعاب والترفيه، التي كانت متعة رمضان قبل تقليعة الدراما التلفزيونية.