المظاهرات تقضّ مضاجع حكام إيران... ويواجهون الآن أزمة عملة

خبراء اقتصاديون: سوء الإدارة من جانب النظام الاستبدادي الحاكم لعب دوراً كبيراً

إيرانيون في بازار طهران مطلع الشهر الحالي (إ.ب.أ)
إيرانيون في بازار طهران مطلع الشهر الحالي (إ.ب.أ)
TT

المظاهرات تقضّ مضاجع حكام إيران... ويواجهون الآن أزمة عملة

إيرانيون في بازار طهران مطلع الشهر الحالي (إ.ب.أ)
إيرانيون في بازار طهران مطلع الشهر الحالي (إ.ب.أ)

مع تراجع عملتهم إلى مستويات منخفضة قياسية في الفترة الأخيرة، فعل الإيرانيون ما أصبحوا معتادين للغاية على فعله: تكدسوا داخل متاجر الصرافة، على أمل تحويل عملتهم التي لم يعد لها قيمة تذكر إلى دولارات.
داخل متاجر البقالة، ارتفعت الأسعار على نحو هائل لدرجة جعلت الكثيرين عاجزين عن شراء ما يكفي احتياجاتهم من الخضراوات. ومع اقتراب السنة الفارسية الجديدة، لم يتبق لدى البعض ما يكفي لإعداد وجبات للعطلة والتسوق والسفر.
منذ بداية العام، فقد الريال الإيراني قرابة 30 في المائة من قيمته أمام الدولار، في أحدث انتكاسة لاقتصاد تبدو آفاقه المستقبلية مظلمة على نحو متزايد منذ عام 2018، عندما انسحب الرئيس دونالد ترمب من اتفاق يحد نشاطات إيران النووية مقابل رفع العقوبات. وبدلاً عن ذلك، فرض ترمب عقوبات أشد صرامة.
وأثار التراجع الأخير في قيمة العملة شعوراً باليأس في نفوس الإيرانيين، وزاد سخطهم تجاه الحكومة. والآن، تبدو إمكانات تحقيق تحسن اقتصادي وتغيير سياسي ضئيلة للغاية، خاصة أنه ليس ثمة احتمال لإحياء الاتفاق النووي، في الوقت الذي تسببت فيه موجة إجراءات عنيفة من جانب السلطات بدرجة كبيرة في سحق المظاهرات الشعبية، التي اشتعلت ضد المؤسسة الحاكمة في سبتمبر (أيلول).
ويرى إيرانيون أن الطوابير الطويلة الممتدة خارج متاجر الصرافة، تعد أحدث دليل على أن القيادة الاستبدادية للبلاد تدفع بالبلاد خارج المسار الصحيح.
وكان الإحباط تجاه الحكام، سواء بسبب سياساتهم الاقتصادية أو القيود الاجتماعية التي يفرضونها، الدافع وراء المظاهرات الأخيرة التي شهدتها البلاد، والتي شكلت واحدة من أكبر التحديات أمام الجمهورية الإسلامية منذ ثورة 1979.
في هذا السياق، قالت سيما 33 عاماً، وهي صيدلانية تعيش بالعاصمة طهران، والتي تراجعت قيمة مدخراتها مع تراجع العملة: «باعتباري شخصاً قضى طيلة حياته في الدراسة، أشعر بغضب عارم لعجزي عن العيش حياة طبيعية أو توفير الحد الأدنى مما أرغبه».
وأعربت سيما عن أملها في الهجرة إلى كندا، لكن حال نجاحها في ذلك، ستصبح أموالها أقل قيمة بكثير عن ذي قبل. وأضافت: «لا مستقبل أمامي في هذا البلد».
كثيراً ما يردد أبناء إيران أن بلادهم ينبغي أن تكون ثرية، باعتبار أنها تملك بعض أكبر احتياطيات النفط بالعالم وسكاناً يتمتعون بقدر جيد من التعليم. بدلاً عن ذلك، مع بلوغ معدلات التضخم عادة 50 في المائة وأكثر سنوياً، لم يعد باستطاعة بعض الإيرانيين توفير المال اللازم لشراء لحوم.
والبعض الآخر، بدأ في تقليل الكماليات المرتبطة بحياة الطبقة الوسطى التي كانت في وقت مضى أمراً مضموناً. مثلاً، توقف البعض عن تناول الطعام بالخارج، وكذلك السفر أو شراء ملابس جديدة. وتوقف البعض عن تقديم الخوخ الحامض واللوز الأخضر اللذين كانا من الأطباق التقليدية التي يجري تقديمها للضيوف، بينما توقف البعض الآخر عن استضافة أي ضيوف من الأساس. كما جرى إرجاء إتمام زيجات، وكذلك الإنجاب.
وبسبب الإحباط إزاء ارتفاع كبير ومفاجئ في أسعار الغازولين، اشتعلت مظاهرات كبرى عام 2019. إلا أن المظاهرات التي اندلعت العام الماضي، والتي بدأت في أعقاب وفاة مهسا أميني 22 عاماً، لدى احتجازها من جانب الشرطة بدعوى «سوء الحجاب»، استهدفت أولاً قانون فرض غطاء الرأس على النساء، والتوجهات الجنسانية الممنهجة التي قال المتظاهرون إن القانون يمثلها.
إلا أنه سرعان ما اتسع نطاق الحركة لتشمل مجموعة واسعة من القضايا المثيرة لسخط الإيرانيين تجاه المؤسسة الحاكمة، ومن بينها غياب حريات سياسية واجتماعية، والفساد وسوء الإدارة الاقتصادية.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الأزمة الراهنة يمكن أن تعود جذورها إلى سنوات من العقوبات الغربية ضد صناعة النفط الإيرانية والقطاع المالي بالبلاد، بسبب البرنامج النووي الذي تشتبه الولايات المتحدة وحلفاؤها بأنه يهدف لإنتاج أسلحة.
من ناحيته، أكد جواد صالحي أصفهاني، الخبير الاقتصادي الإيراني المولد والذي يعمل لدى شركة تكنولوجيا بفيرجينيا، أنه «ما من أمل أمام هذه الحكومة، من دون زيادة عوائدها النفطية، كي توفر المال اللازم لمعاونة الناس على إيجاد وظائف أو حتى توفير دخل لهم. لقد وضعوا أنفسهم بوضع شديد السوء».
وتكشف بيانات أن الاقتصاد الإيراني نما وتراجعت معدلات الفقر باستمرار حتى عام 2011، عندما فرض الغرب للمرة الأولى عقوبات شديدة ضد البلاد. والآن، يبلغ معدل صرف الريال قرابة 500.000 مقابل الدولار، مقارنة بـ32.000 عندما جرى توقيع الاتفاق النووي الأصلي عام 2015. والملاحظ أن الفقر اتسعت رقعته، خاصة داخل المناطق الريفية.
ومع ذلك، فإن أسلوب تعامل الحكومة مع سلسلة من الأزمات الأخيرة لم يجد نفعاً في القضاء على الاعتقاد السائد على نطاق واسع، بأن سوء الإدارة والفساد يتحملان اللوم أيضاً.
خلال الأشهر الأخيرة، ندد ضحايا زلزال ضرب مدينة خوي في شمال غربي إيران بالاستجابة الطارئة من جانب الحكومة التي اعتبروها ضئيلة للغاية، وجاءت متأخرة كثيراً، تبعاً لما كشفته منشورات عبر شبكات التواصل الاجتماعي. أما السلطات فقد استجابت للمظاهرات بخراطيم المياه. وقال محمد علي كديور، عالم الاجتماع الذي يدرس حركات الاعتراض الإيرانية داخل «بوسطن كوليدج»: «بسبب هيمنة المتشددين، يجري اختبار الأشخاص الذين يتقلدون وظائف حكومية حسب الولاء، وليس الخبرة»، الأمر الذي يجعل المنظومة ككل «عاجزة عن حل المشكلات».
ولم تحقق التدخلات الحكومية لوقف انهيار العملة، الأسبوع الماضي، سوى قدر يسير من النجاح. وقدمت الحكومة أموالاً نقدية للإيرانيين الفقراء وبعض أبناء الطبقة المتوسطة، وحثت القطاع الخاص على خلق وظائف. إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أن إيران فشلت في استغلال الأدوات التي تملكها لكبح جماح الفقر.
جدير بالذكر أن الكثير من قطاعات الاقتصاد تخضع لسيطرة «أصحاب الولاء» ممن يملكون اتصالات جيدة بالحكومة أو عناصر نافذة من (الحرس الثوري) الإيراني، الأمر الذي يخلق منافع أمام المقربين من دوائر الحكم، ما يشكل عائقاً، بجانب عدم الاستقرار السياسي، أمام الاستثمار.
من ناحيتهم، يلقي قادة إيران اللوم عن المشكلات الاقتصادية على العقوبات الغربية، وعن الاضطرابات الأخيرة على التدخل الأجنبي.
ويعتقد بعض المحللين أن أحد السبل أمام إيران للحصول على النقد والاستثمارات التي تحتاجها بشدة، هو التفاوض حول اتفاق نووي جديد يخفف العقوبات، مثلما حاول الرئيس بايدن أن يفعل. مع ذلك، يرى بعض أشد منتقدي المؤسسة الحاكمة أن مثل هذا الاتفاق لن يجدي سوى منح قادة إيران مالاً ونفوذاً.
من جهة ثانية، أشار محللون إلى أن أي تلميح إلى توقف المفاوضات أو استئنافها يمكن أن يتسبب في تقلبات في الريال، وأن الاعتقاد المتزايد بأن العقوبات ستبقى ربما كان عاملاً في تراجع الريال. وتسببت القيود الجديدة على الدولارات المتدفقة على العراق المجاور في جعل الدولارات الأميركية أشد ندرة داخل إيران، وهي شريك تجاري كبير للعراق، حسبما أوضح محللون.
داخل متجر في آمل، بشمال إيران، ارتفع سعر عبوة الشامبو قرابة 60 في المائة خلال أسبوع واحد، بينما ارتفع سعر اللحوم 10 أضعاف، حسبما قالت ليلى، 39 عاماً، مدرسة. وفي محاولة لترشيد الإنفاق، قالت إنها وزوجها اتجها إلى السير على الأقدام بدلاً عن ركوب سيارات الأجرة، وتوقفا عن شراء اللحوم ومنتجات الألبان، وزادا من شرائهما للأطعمة المعلبة لتقليل استخدامهم غاز الطهي. أما فكرة إنجاب طفل فلم تعد واقعية. وقالت ليلى، التي لم تفصح سوى عن اسمها الأول، مثلما الحال مع الكثير من الإيرانيين، خشية التعرض لانتقام من جانب الحكومة: «النظام السياسي السبب وراء أننا نعمل معظم ساعات النهار، وفي النهاية لا نجد لدينا شيئاً. إننا عاجزون تماماً عن توفير الأساسيات».
أما بتول، المتقاعدة البالغة 77 عاماً وتعيش بمنطقة فقيرة جنوب طهران، والتي ارتفع إيجار منزلها فقط هذا العام لأكثر من ضعف معاشها الشهري، فقد بدأت تطلب من متجر البقالة ثمار الفاكهة المهملة، على أمل وجود بضعة ثمار صالحة للأكل وسط أكوام الفاكهة المتعفنة.
ورغم ما سبق، تبقى مسألة الانهيار الاقتصادي الكامل بعيدة، خاصة أن الإنتاج الاقتصادي الإيراني من منتجات بخلاف النفط ارتفع قليلاً في السنوات الأخيرة. وخلال زيارات حديثة لمواقع عدة، لا يزال هناك البعض يرتادون مطاعم وفنادق، ولا يزال هناك بعض العملاء في البازارات ومتاجر الحلوى.
إلا أنه في ظل التقلبات الشديدة بقيمة العملة، وغياب الاستقرار والفرص أمام الشباب، لا يبدو تفشي مشاعر اليأس بالأمر المثير للدهشة، حسب صالحي أصفهاني، الخبير الاقتصادي.
أما الحكومة، فلم تفعل شيئاً يذكر لتخفيف آلام المواطنين بخلاف تجنب زيادة أسعار الوقود، وهو أحد السبل القليلة أمامها لزيادة عوائدها. ويمكن أن تسفر مثل هذه الخطوة عن إشعال مظاهرات، مثلما حدث عام 2019.
في الوقت ذاته، لم تتضمن ميزانية هذا العام زيادة مدفوعات الرفاه لمكافأة التضخم، ولم تتضمن زيادة الدعم الموجه لحصص الطعام والغازولين.
رغم ذلك، خصصت الموازنة مزيداً من المال لـ«الحرس الثوري» وقطاعات عسكرية أخرى.
وعن هذا، قال هنري روم، زميل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والمعني بإيران: «مزيد من المال لصناعة الدفاع وتقليص للمال الموجه للشعب، أعتقد هذا الإجراء يتحدث عن نفسه».
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

نتنياهو يناور غالانت وساعر بأنباء الإقالة والتحالف

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت (أ.ب)
TT

نتنياهو يناور غالانت وساعر بأنباء الإقالة والتحالف

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت (أ.ب)

تفاعلت في إسرائيل، الاثنين، الأنباء عن مساعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإقالة وزير دفاعه، يوآف غالانت، التي بدأت في الرواج تباعاً في أوساط سياسية وإعلامية نقلاً عن مصادر في مكتب رئيس الوزراء.

وعلى الرغم من نفي خجول أصدره نتنياهو، والمرشح لخلافة غالانت، الوزير السابق، جدعون ساعر؛ فإن ذلك لم يمنع عاصفة من الانتقادات والتشكيك في نيات رئيس الوزراء وساعر، خصوصاً أن نفي الرجلين اقتصر على عدم التوصل، بعد، إلى اتفاق يقضي بانضمام ساعر للتشكيل الحكومي.

وتعززت الشكوك حول إقالة غالانت، مدعومة بتصريحات وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، الذي قال إنه «منذ أشهر طويلة» يدعو نتنياهو إلى إقالة غالانت، وإنه «حان الوقت لفعل ذلك على الفور». ورأى أنه «يجب تحقيق الحسم في الجبهة الشمالية، وأن غالانت ليس الشخص المناسب لقيادة ذلك».

وساعر خصم قديم لنتنياهو، ويسعى رئيس الوزراء لاستعادته إلى حزبه «الليكود». ووفقاً للتسريبات، سيتولى ساعر منصب وزير الدفاع، ويحظى بوزارة ثانية لنائبه في الحزب زئيف ألكين، وبالمقابل يتنازلان عن حزبهما ويعودان إلى «الليكود»، ويؤيدان قانون إعفاء المتدينين «الحريديم» من الخدمة العسكرية، الذي يعارضه غالانت.

وكان ساعر من القيادات الواعدة في «الليكود»، وحصل مرتين على أعلى نسبة تأييد في الحزب بعد نتنياهو؛ إلا أن هذا جعله محط مؤامرات من رجال نتنياهو، فانشق وأقام حزب «أمل اليمين»، وأسس شراكة مع الوزير السابق بيني غانتس، لكن تجربتهما فشلت، وانشق من جديد، وأقام حزب «اليمين الرسمي»، وراح يتشدد في خطابه المتطرف.

جدعون ساعر (رويترز)

ومع أن ساعر ونتنياهو نفيا التوصل إلى اتفاق، فإن مصادر في الحزبين أكدت أنهما اتفقا، لكن نتنياهو ينوي إنهاء الترتيبات في الموضوع لدى عودته من نيويورك، بعد نحو أسبوعين. وعندما سُئل نتنياهو بشأن ذلك، قال الاثنين: «لست مشغولاً بالشؤون الحزبية، لكنني أبارك كل توسيع للحكومة بمزيد من الأحزاب الصهيونية».

وفي تطور درامي، حذّرت عائلات المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس» من أن إجراء نتنياهو حال تنفيذه سيكون «حكماً بالإعدام على أبنائهم في الأسر»، وفي بيان غاضب، قالوا إن: «ساعر معروف برفضه إبرام صفقة تبادل، ورغبته في استمرار الحرب؛ لذلك فإن دخوله إلى الحكومة يشكل إسناداً قويا للتيار الذي يرفض العمل على وجود صفقة؛ ولهذا فإن التفسير الوحيد المنطقي هو أن نتنياهو يريد تقليص عدد المؤيدين للصفقة في الحكومة».

ووصف الوزير السابق في «كابينت الحرب»، غانتس، الاثنين، نتنياهو بأنه يعاني من «سوء تقدير وتشوه في الأولويات». وقال في منشور عبر منصة «إكس»: «بدلاً من أن ينشغل رئيس وزراء إسرائيل بالنصر على (حماس)، وعودة المختطفين، والحرب مع (حزب الله)، والعودة الآمنة لسكان الشمال إلى ديارهم، فإنه مشغول بالتحالفات السياسية الساخرة، وتغيير وزير الدفاع قبل حملة ضخمة في الشمال... هذا يدل على سوء التقدير وتشويه الأولويات».

بيني غانتس (رويترز)

كما حذر النائب عن حزب العمل، جلعاد كريف، من أن نتنياهو ما زال متمسكاً بسياسته القديمة لتكريس «الانقسام الفلسطيني»، وتعزيز قوة «حماس» في الضفة الغربية هذه المرة من خلال إضعاف السلطة الفلسطينية.

وقال كريف، الذي يقود اللوبي البرلماني لحل الدولتين خلال مشاركته في مؤتمر صحيفة «هآرتس»، الاثنين، إن نتنياهو ومعه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يسعيان لاستغلال الحرب الجارية في قطاع غزة لتغيير الواقع في الضفة الغربية، ونشر الفوضى.

وأضاف: «كل قائد عسكري في الضفة الغربية يعرف أن السلطة الفلسطينية تعمل بكل جهد لتثبيت الاستقرار الأمني، وتحافظ على التنسيق الأمني مع إسرائيل. وما نحتاج إليه هو حكومة جدية مخلصة ومسؤولة تعزز التعاون مع هذه السلطة ومع جميع القوى السياسية المعتدلة لدى الفلسطينيين لأجل تخفيف التوتر، لكن حكومة نتنياهو - سموتريتش توجه الضربة تلو الأخرى لهذه القوى، والنتيجة هي تقوية (حماس)».

مستوطن يسير بالقرب من مواقع بناء المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية (أرشيفية - رويترز)

ورأى كريف أن «نتنياهو لا يفعل ذلك بسذاجة بل بوعي كامل؛ فهو لا يستطيع ضرب السلطة مباشرة خوفاً من ردود الفعل الدولية، بينما إذا كانت (حماس) قائدة فسيسهل ضربها. وبذلك يحاول تصفية القضية الفلسطينية وتخليد الاحتلال والصراع، وهذا سيؤدي إلى هجمات شبيهة بهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) على البلدات الإسرائيلية المحيطة بالضفة الغربية والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية».

وشهد مؤتمر «هآرتس» كثيراً من التصريحات والمحاضرات والندوات التي أكدت أن سياسة حكومة نتنياهو «كارثية وهدفها تخليد الصراع». وحذرت من أن «اليمين الحاكم يمارس بهدوء تغيير السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين نحو زيادة الاغتراب وتشديد التوتر وتوسيع الاستيطان وزيادة نهب الأرض وترحيل ألوف المواطنين عن بيوتهم».

وأشار كثير من المتحدثين إلى ما يفعله غفير، «الذي يحدث تغييراً جوهرياً في منظومة عمل الشرطة لتصبح شرطة عسكرية تحافظ على الحاكم وليس على القانون».