إيران تنفي التفاهم مع «الطاقة الذرية» لإعادة تركيب كاميرات المراقبة

كمالوندي نفى ما قاله غروسي حول السماح بالتحدث إلى أشخاص ودخول 3 مواقع غير معلنة

غروسي يتحدث إلى كمالوندي لدى وصوله إلى طهران، الجمعة (رويترز)
غروسي يتحدث إلى كمالوندي لدى وصوله إلى طهران، الجمعة (رويترز)
TT

إيران تنفي التفاهم مع «الطاقة الذرية» لإعادة تركيب كاميرات المراقبة

غروسي يتحدث إلى كمالوندي لدى وصوله إلى طهران، الجمعة (رويترز)
غروسي يتحدث إلى كمالوندي لدى وصوله إلى طهران، الجمعة (رويترز)

نفت إيران تصريحات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بالسماح للوكالة التابعة للأمم المتحدة بإعادة تركيب كاميرات المراقبة، أو الدخول إلى مواقع غير معلنة، والوصول إلى أشخاص في تحقيق متعثر منذ فترة طويلة، وذلك بعدما أعلن رافائيل غروسي مدير وكالة «الطاقة الذرية» حصوله على تأكيدات من طهران للتعاون.
وقال غروسي، في مؤتمر صحافي لدى وصوله إلى مطار فيينا السبت، إن إيران قدمت تأكيدات بأنها ستتعاون في تحقيق متعثر منذ فترة طويلة بشأن جزيئات اليورانيوم التي تم العثور عليها في مواقع غير معلنة، كما ستتعاون بشأن إعادة تركيب كاميرات المراقبة التي تم إزالتها.
وأوضح غروسي أن إيران ستوفر الحصول على المعلومات ودخول المواقع والتحدث إلى المعنيين، وستسمح أيضاً بإعادة تركيب أجهزة المراقبة الإضافية، التي كان قد تم وضعها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، ولكن تم إزالتها بعد تخلي إيران عن البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار في فبراير (شباط) 2021.
وقال غروسي إن اجتماعات المتابعة في إيران، بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمسؤولين الإيرانيين بهدف الاتفاق على التفاصيل، ستنعقد «في القريب العاجل». ولدى سؤاله عما إذا كان سيتم إعادة تركيب جميع أجهزة المراقبة، أجاب غروسي: «نعم». وعندما سئل عن المكان الذي سيتم إعادة تركيبها فيه، اكتفى بقول إنه سيكون في عدد من المواقع، حسب «رويترز».
وأضاف غروسي أنه تم الاتفاق على زيادة نصف عدد عمليات تفتيش منشأة فوردو، حيث اكتُشفت مؤخراً جزيئات يورانيوم مخصبة بنسبة 83.7 في المائة، القريبة من العتبة الضرورية لتطوير قنبلة ذرية.
لكن بعد ساعات، نفت إيران أي اتفاق مع غروسي بشأن التحقيق حول المواقع السرية، أو تركيب كاميرات المراقبة، أو زيادة تصل إلى 50 في المائة في عدد مرات التفتيش بمنشأة فوردو.
وقال المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، بهروز كمالوندي، إنه وفق الاتفاق الجديد فإن عدد مرات التفتيش نظراً للتخصيب بمستوى 60 في المائة، ارتفع من 8 مرات إلى 11 مرة.
وتابع في نفس السياق: «لم يكن هناك نقاش أو اتفاق بشأن تركيب الكاميرات» حسبما أوردت وكالة الأنباء الرسمية «إرنا».
وقالت «إرنا» أيضاً إن كمالوندي نفى «بعض المزاعم» حول الوصول إلى الأشخاص. وقال: «على مدى اليومين من وجود غروسي والوفد المرافق له في طهران، لم تطرح قضية التحدث إلى أشخاص، ولم يكتب أي نص يشير إلى هذه المسألة». وصرح: «بالطبع، حتى لو تم تقديم مثل هذا الطلب، فإننا سنعارضه بالتأكيد».
وتعليقاً على تصريح غروسي حول الدخول إلى المواقع المذكورة، قال: «لم يكن هناك نقاش حول مقدار الوصول غير المقيد إلى الأماكن الثلاثة المزعومة»، وقال: «نظراً لوصول (المفتشين) إلى هذه الأماكن في السابق، فإن الدخول إليها ليس ضرورياً من حيث المبدأ»، وقال: «لم تقدم الوكالة مثل هذا الطلب حتى الآن».
وبينما كان غروسي في طريقه من طهران إلى فيينا، أصدرت وكالة «الطاقة الدولية» وإيران بياناً مشتركاً لدى عودة المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، من طهران قبل يومين فقط من اجتماع ربع سنوي لمجلس محافظي الوكالة، المؤلف من 35 دولة.
وكان مجلس محافظي الوكالة ندّد في اجتماعه الأخير في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 بعدم تعاون إيران، فيما يتعلق بآثار يورانيوم مخصب عُثر عليها في 3 مواقع غير معلنة.
ونقلت «رويترز» عن دبلوماسيين أن البيان خاض في القليل من التفاصيل، لكن احتمال حدوث تحسن ملحوظ في العلاقات بين الجانبين من المرجح أن يحول دون مسعى غربي لقرار آخر يأمر إيران بالتعاون. وكانت إيران قدمت وعوداً مماثلة من قبل، لكنها لم تتمخض عن شيء يذكر.
وجاء في البيان المشترك أن إيران «عبّرت عن استعدادها... لتقديم مزيد من المعلومات والتعامل مع قضايا الضمانات العالقة».
في الأثناء، استخفّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس بتصريحات أدلى بها غروسي في طهران، عندما قال إن أي هجوم على المنشآت النووية «سيكون غير قانوني»، واصفاً التصريحات بأنها «بلا قيمة».
وقال غروسي، خلال مؤتمر صحافي بطهران، إن «أي هجوم عسكري على المنشآت النووية محظور». وأصرّ غروسي على تأكيد رفضه لأي هجمات تتعرض لها المنشآت الأوكرانية، من دون التطرق إلى هجمات تعرضت لها منشآت إيرانية في السابق.
ووردت تصريحات غروسي رداً على سؤال لأحد الصحافيين حول تهديدات إسرائيل والولايات المتحدة بمهاجمة منشآت نووية إيرانية إذا ما اعتبرتا أن السبل الدبلوماسية لمنع إيران من امتلاك قنبلة ذرية وصلت إلى طريق مسدودة.
وكانت طهران في السابق قد طالبت الوكالة الدولية عدة مرات بانتقاد هجمات تعرضت لها منشأة نطنز، وكذلك ورشة لتجميع أجهزة الطرد المركزي في كرج، غرب طهران.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحكومته، في تصريحات بثّها التلفزيون، أمس (الأحد): «رافائيل غروسي شخصية لها قيمة أدلت بتصريح بلا قيمة».
وتساءل نتنياهو قائلاً: «غير قانوني بناء على أي قانون، هل يجوز لإيران التي تدعو صراحة إلى تدميرنا أن تعد أدوات الذبح لتدميرنا؟ هل نحن ممنوعون من الدفاع عن أنفسنا؟ من المسموح لنا أن نفعل ذلك بطبيعة الحال».
في غضون ذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية، أمس (الأحد)، أن أذربيجان سمحت للموساد (جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية) بإقامة مقر أمامي له من أجل التجسس على إيران، وأنها أقامت مطاراً بهدف مساعدة إسرائيل، في حال قررت مهاجمة المنشآت النووية.
وجاء في تقرير الصحيفة العبرية أن «هناك حلفاً استراتيجياً بين إسرائيل وأذربيجان، منذ عقدين، وفي إطاره تبيع إسرائيل لأذربيجان أسلحة بمليارات الدولارات. وفي المقابل، تزودها أذربيجان بالنفط وممراً للوصول إلى إيران التي لديها حدود طويلة مع أذربيجان». وذكرت بما كان قد نشره المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم أن «إسرائيل أصبحت مسؤولة عن تزويد 70 في المائة من أسلحة أذربيجان منذ العام 2016».
ووفقاً لتقارير أذربيجانية رسمية، فإن إسرائيل باعت أذربيجان أسلحة متطورة للغاية، من بينها صواريخ باليستية ومنظومات دفاع جوي وقتال إلكتروني، وطائرات مسيرة انتحارية، وغيرها من الأسلحة.
وذكرت الصحيفة أن عملاء الموساد الذين سرقوا الأرشيف النووي الإيراني، في سنة 2018، نقلوه إلى إسرائيل عبر الأراضي الأذربيجانية.


مقالات ذات صلة

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

شؤون إقليمية «الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

«الطاقة الذرية» تؤكد وضع كاميرات في إيران

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التقارير بشأن إعادة وضع كاميرات مراقبة في إيران، في سياق الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية. وقال فريدريك دال، المتحدث باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أمس، إن «العمل جار» دون تحديد عدد الكاميرات أو المواقع التي وصلتها الوكالة الدولية. وأفادت «جمعية الحد من التسلح» التي تراقب امتثال لدول لمعاهدة حظر الانتشار النووي ومقرها واشنطن، بأن الوكالة الدولية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض منشآت إيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي في طهران بداية مارس

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أنباء عن إعادة كاميرات المراقبة «الأممية» في منشآت نووية إيرانية

أفادت «جمعية الحد من التسلح» بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدأت في إعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض المنشآت النووية الإيرانية بموجب الاتفاق الأخير بين مدير الوكالة رافائيل غروسي، وإيران التي تقترب من عتبة الأسلحة النووية. وتوصل غروسي طهران في بداية مارس (آذار) إلى اتفاق مع المسؤولين الإيرانيين بشأن إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في مواقع نووية عدة وزيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو. وتسبب الاتفاق في تفادي مجلس محافظي التابع للوكالة الدولية إصداراً جديداً يدين طهران بسبب عدم تجاوبها مع مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خصوصاً تلك المتعقلة بالتحقيق في ثلاثة مواقع سرية، عثر فيها على آثا

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

الكشف عن «فوردو»... أبرز تسريبات مسؤول أعدمته إيران بتهمة التجسس

بعد نحو 5 أشهر على إعدام علي رضا أكبري، النائب السابق لوزير الدفاع الإيراني، على خلفية اتهامه بالتجسس لصالح بريطانيا، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر إسرائيلية وإيرانية أن المسؤول السابق «كان جاسوساً غير متوقع» بسبب ولائه الشديد للنظام، لكنه لعب دوراً رئيسياً في الكشف عن منشأة فوردو التي ضمت أنشطة سرية لإيران قبل أن تعترف طهران بوجود موقع تخصيب اليورانيوم الواقع تحت الأرض في عام 2009. وأعدم أكبري (62 عاماً)، الذي يحمل الجنسية البريطانية، فجر 14 يناير (كانون الثاني)، بعد ثلاثة أيام من تسريب قضية اعتقاله لوسائل الإعلام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

موسكو تُحمل الغرب تعثر إحياء «الاتفاق النووي»

حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس من ضياع فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وحمّل الغرب مسؤولية تعثر المفاوضات. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي في نيويورك أمس: «سيكون من الخطأ الفادح تفويت فرصة استئناف خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن برنامج إيران النووي»، وحمّل «تصرفات الغرب» المسؤولية إذ قال «في هذه المرحلة، لا يعتمد استئناف الاتفاق، على إيران أو روسيا أو الصين... الذين دمروه يجب عليهم إعادته إلى الحياة الآن». وانتقد لافروف «متطلبات جديدة لم يتم ذكرها في المسودة الأولى للاتفاق». وأضاف «لنفترض أنه تم التوصل إلى اتفاق لاستئنافه منذ فترة طويلة.

شؤون إقليمية عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

عبداللهيان يتحدث عن «مبادرات» لاستئناف مفاوضات «النووي»

أعلن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان، أمس أن بلاده تلقت أفكاراً بشأن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 عن إيران، معرباً عن امتنانه للدور البناء لسلطان عمان ونواياه الصادقة في هذا الصدد. وفي اليوم الثاني لزيارته إلى عمان التي اختتمها أمس متوجهاً إلى بيروت، قال عبداللهيان عقب لقائه مع نظيره العماني إن مسقط «تلعب دائماً دوراً بناء» في محادثات النووية، وأضاف «قد أجرينا المشاورات اللازمة في هذا الصدد». وفي وقت لاحق، نقلت وكالة الأنباء العمانية عن عبداللهيان القول إن سلطنة عُمان لديها «مبادرات جدية» فيما يخص الملف النووي الإيراني «ستسهم» في عودة المفاوضات. وذكرت وزارة الخارجية العما

ميرزا الخويلدي (مسقط)

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».