فوضى الاستهلاك تتعاظم في لبنان والمصارف تمدّد تعليق الإضراب

TT

فوضى الاستهلاك تتعاظم في لبنان والمصارف تمدّد تعليق الإضراب

رغم الاطمئنان «المؤقت» إلى استمرار تعليق إضراب المصارف لأسبوع جديد، يواظب المستهلكون في لبنان على ضرب أخماس النقد بأسداس منظومات التسعير المستجدة، وسط شبه ضياع في احتساب الأكلاف الحقيقية التي نتجت عن ارتفاع سعر دولار منصة «صيرفة» من 45 إلى 70 ألف ليرة، وبالتوازي رفع المعدل الحسابي لدولار المستوردات بواقع 3 أضعاف من 15 إلى 45 ألف ليرة.
وباستثناء الانخفاض الجزئي لأسعار الخبز والمحروقات من مستوياتها القياسية، تبعاً لتراجع سعر الدولار في الأسواق الموازية إلى متوسط 81 ألف ليرة، بعدما بلغ مستوى 94 ألف ليرة منتصف الأسبوع الماضي، فإن الارتفاعات دخلت حيز التنفيذ على كامل منظومة التسعير للخدمات الحكومية والرسوم التي تعتمد جزئياً أو كلياً مرجعية سعر «صيرفة».
وفي بداية السلسلة، يرتقب أن تحلّق كلفة التزود بالكهرباء العمومية، بدءاً من الشهر الحالي، بشكل مثير لتفوق سعر الدولار السوقي، باعتبار احتساب سعر الكيلوواط وفق سعر الدولار على المنصة، ومضافاً إليه نسبة 20 في المائة. كما ارتفعت كلفة اشتراكات الاتصالات الخليوية بالليرة فوراً بنسبة 55 في المائة، وفقاً للسعر المرجعي.
بالتوازي، علت صرخات الرفض على مضاعفات الدولار الجمركي، فاعتبرت الهيئات الاقتصادية أن «هذا القرار هو بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على القطاع الاقتصادي الشرعي الذي ينازع من أجل البقاء، وإطلاق العنان للاقتصاد الأسود وللتهريب والتزوير، لتكشف أنها بصدد القيام بتحرك سريع على المرجعيات في الدولة لمناقشة هذا الموضوع وتداعياته الخطرة». كذلك بدأت تحركات اعتراضية من قبل التجار ووكلاء ومستوردي السيارات وقطع الغيار والزيوت وسواهم من مستوردي الأجهزة الكهربائية والهاتفية وبعض المواد الغذائية المصنفة «رفاهية»، تحسباً لعجز معظم المستهلكين عن دفع زيادات طارئة تراوح بين 10 و30 في المائة على الأسعار السابقة.
وبالمقابل، بيّنت جولة ميدانية قامت بها «الشرق الأوسط»، أن المبادرة المتكررة للبنك المركزي بعرض بيع الدولار النقدي عبر المنصة، لم تلقَ إقبالاً كسابقاتها من قبل زبائن البنوك، لا سيما أصحاب الحسابات الإفرادية، نتيجة ضيق الفارق السعري مقارنة بسعر التداول في الأسواق الموازية إلى نحو 10 آلاف ليرة لكل دولار، فيما يتم استيفاء عمولات على عمليات المبادلة في الفروع المصرفية بنسب تراوح بين 3 و5 في المائة، علماً بأن حصيلة أول يومي تداول بلغت 38 مليون دولار، مقابل نحو 300 مليون دولار خلال تنفيذ المبادرة السابقة أول أيام العام الحالي.
ولوحظ أن المخاوف لدى أغلب عملاء البنوك، تتركز على ضآلة المردود المحقّق فعلياً مقابل مخاطر نقل كميات نقدية كبيرة لا تقل عن 500 مليون ليرة إلى الفروع، واستمرار التوجس من تجارب مودعين تم احتجاز تسليماتهم من السيولة النقدية بالليرة، عقب تراجع البنك المركزي عن قرار سابق بالتدخل لبيع الدولار بأحجام موازية أوائل العام الحالي، فضلاً عن التحسب من استئناف الإضراب العام الذي علقته المصارف لأسبوع واحد، قبل أن تعلن مساء الجمعة تمديد التعليق لأسبوع جديد.
وفي نطاق العوامل التقنية المؤثرة سلباً، تظهر أحدث المعطيات الإحصائية تدني مخزون احتياط العملات الصعبة لدى البنك المركزي دون عتبة 10 مليارات دولار، ليسجل نحو 9.7 مليار دولار، فيما سجل ميزان المدفوعات عجزاً ناهز 461 مليون دولار بنهاية الشهر الأول من العام الحالي، يضاف إلى عجز بلغ نحو 3.2 مليار دولار بنهاية العام الماضي، بينما وصل عجز الميزان التجاري إلى نحو 15.6 مليار دولار.
وعلى الجانب المصرفي، قرّرت الجمعية العمومية للمصارف استمرارها بتعليق الإضراب حتى نهاية الأسبوع المقبل، متوخية «تسهيل عمل المؤسسات والأفراد وإعادة تقييم ما قد يستجدّ من تطورات بشأن تنفيذ مطالبها، على أن يفوض مجلس الإدارة بتمديد فترة التعليق في ضوئها».
وأكدت الجمعية العمومية ضرورة تصويب خطة التعافي، وما نتج عنها من مشروعي إعادة التوازن للقطاع المالي وإعادة هيكلة المصارف، بهدف تمكين مصرف لبنان من وضع خطة وجدول زمني لإعادة أموال المصارف المودعة لديه، التي تؤكد عليها ميزانيته المنشورة مؤخراً، مما يشكل حجر الزاوية لمعالجة ودائع الزبائن في المصارف، فضلاً عن مطالبة الدولة بتنفيذ القانون الذي تعاملت المصارف على أساسه مع مصرف لبنان، لا سيما المادة 113 من قانون النقد والتسليف ووضع خطة عملية لتنفيذ التزاماتها القانونية لتغطية الخسائر المسجلة في ميزانية مصرف لبنان التي يمكن استخلاصها للمرة الأولى بوضوح من ميزانية مصرف لبنان بنهاية الشهر الماضي. وبالتالي الإقرار بالديون المترتبة بذمتها لصالح مصرف لبنان، وتضمين الخطة المطلوبة التدابير العملية للمباشرة بمعالجتها.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

قُتلت 3 سيدات فلسطينيات، صباح السبت، بعد إطلاق نار أمام أحد المخابز العاملة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، في مشهد جديد يكشف عن حجم المأساة التي وصل إليها سكان القطاع في ظل تفاقم الظروف الإنسانية والحياتية. ووقع الحادث أمام مخبز «زادنا 2» في شارع البركة بدير البلح، حينما تم إطلاق نار في المكان، وسط تضارب للروايات حول ظروف إطلاق النار، وإذا ما كان مباشراً أو نتيجة خطأ.

فلسطينيون في دير البلح ينتظرون الحصول على خبز (أرشيفية - رويترز)

وتقف يومياً ولساعات، طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة» خبز واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً، ومن بينها المخبز الذي وقعت أمامه الحادثة، وهو يعد من أشهر المخابز، كما أنه الوحيد الذي لم يتوقف تقريباً عن العمل، قبل أن يضطر لإغلاق أبوابه بعد الحادثة المؤلمة. وبينما قال أصحاب المخبز، إن النساء قُتلن بعد إطلاق نار من خارج المخبز، بعد تدافع وقع خارجه، وإن مصدره ليس من الحراس الذين يقفون للتنظيم ولحماية المخبز من السرقة، بل كان نتيجة إشكالية خارجه بين أفراد من عائلتين، قال شهود عيان إن إطلاق النار تمّ من قبل أحد الحراس، لكنه لم يكن مباشراً، بل كان نتيجة انفلات سلاحه منه بعد إطلاقه النار في الهواء.

فلسطينيون أمام مخبز مقفل وسط غزة (أرشيفية - أ.ب)

وقال مصدر صحافي من دير البلح لـ«الشرق الأوسط»، إن عائلة المتهم بإطلاق النار اضطرت لترك منزلها خوفاً من عملية انتقامية ضدها، مشيراً إلى أن النساء اللواتي قتلن هن نازحات من مدينة غزة. وأوضح المصدر أن مُطلِق النار كان يقف أمام المخبز للمشاركة والمساهمة في حمايته، ضمن اتفاق جرى بين أصحاب المخبز وعوائل دير البلح؛ لتمكين المواطنين من الحصول على الخبز في ظل المجاعة الكبيرة التي باتت تزداد صعوبةً في مناطق وسط وجنوب القطاع. ويوجد في دير البلح نحو 850 ألف نازح، يضاف إليهم أكثر من 300 ألف نسمة من سكان المدينة.

فلسطيني يلوح بيده بعد الحصول على ربطة خبز في مدينة غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ودفع الحادث مخاتير ووجهاء المدينة للتدخل لمحاولة منع تفاقم الأوضاع فيها، وأن تكون هناك ردة فعل انتقامية تخرج عن سيطرة الجميع. وحمَّل بعض المواطنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، المخاتير والوجهاء والشخصيات المختصة المسؤولية عن الحادث، بعد أن قرروا تخصيص كميات الطحين التي تدخل إلى دير البلح، لصالح المخابز، وبيع «ربطة واحدة» فقط لكل عائلة، لإتاحة الفرصة أمام العوائل الأخرى للحصول على حصة مماثلة. ورأى البعض أنه كان من الممكن أن يتم توزيع كيس طحين واحد على كل عائلة بدلاً من زيادة الازدحام على المخابز، وتحميل المواطنين فوق طاقاتهم بالانتظار لساعات طويلة جداً، من أجل الحصول على ربطة واحدة لا تكفي لوجبة طعام واحدة فقط.

فلسطيني يعبِّر عن فرحته بعد حصوله على أرغفة الخبز من مخبر في غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويصل سعر «ربطة الخبز» الواحدة داخل المخبز بعد اصطفاف طابور لساعات طويلة إلى 3 شواقل (أقل من دولار واحد بقليل)، بينما يصل السعر خارجه إلى 30 أو 40 شيقلاً (ما يعادل نحو 11 دولاراً)، في حين وصل سعر كيس الطحين الواحد في وسط وجنوب القطاع، إلى 1000 شيقل أو أكثر (أي ما يعادل نحو 255 دولاراً). ويعاني وسط وجنوب قطاع غزة، من نقص حاد في توفر كميات الطحين بفعل الإجراءات الإسرائيلية وسرقة المساعدات من قبل بعض عصابات اللصوص، إلا أن الأوضاع في الشمال بالنسبة لتوفر الطحين أفضل حالاً بعد أشهر من المجاعة التي عانى منها سكان تلك المناطق، واضطروا حينها لطحن أكل الحيوانات من أجل سد رمق جوعهم. وبدأت هذه المعاناة في وسط وجنوب القطاع منذ نحو شهر فقط، مع توقف إمدادات المساعدات الغذائية، وسرقة غالبية ما كان يتم السماح بدخوله، الأمر الذي أدى لمفاقمة الوضع الإنساني. وأفاد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بأن القوات الإسرائيلية منعت ثلثي عمليات المساعدات الإنسانية المختلفة، البالغ عددها 129، من الوصول إلى قطاع غزة، الأسبوع الماضي. وأجبر الواقع الحالي، أصحاب المخابز لنشر مسلحين لحماية الطحين المتوفر لديها، ومنع سرقته من قبل عصابات اللصوص المنتشرة بشكل كبير. ولجأت بعض المخابز لاستئجار أولئك المسلحين على هيئة حراس أمنيين، في حين اتفق وجهاء ومخاتير وجهات مختصة مع مسلحين من عوائل لحماية المخابز في مناطقهم التي يعيشون فيها. ويتخوف السكان من استمرار إسرائيل في التلاعب بإدخال كميات مساعدات كافية، الأمر الذي سيفاقم من حالة المجاعة التي تزداد حالياً في مناطق وسط وجنوب القطاع بشكل أكبر من الشمال الذي عاش هذه الظروف بشكل أقسى لأشهر عدة.