الحوثيون يحضون على ترك وجبة الغداء باعتبارها دخيلة على اليمنيين

ضمن مسعى الميليشيات لتبرير سياسة التجويع وإفقار المجتمع

عامل في صنعاء يحمل كيساً من دقيق القمح خلال توزيع مساعدات غذائية من قبل جمعية خيرية محلية (رويترز)
عامل في صنعاء يحمل كيساً من دقيق القمح خلال توزيع مساعدات غذائية من قبل جمعية خيرية محلية (رويترز)
TT

الحوثيون يحضون على ترك وجبة الغداء باعتبارها دخيلة على اليمنيين

عامل في صنعاء يحمل كيساً من دقيق القمح خلال توزيع مساعدات غذائية من قبل جمعية خيرية محلية (رويترز)
عامل في صنعاء يحمل كيساً من دقيق القمح خلال توزيع مساعدات غذائية من قبل جمعية خيرية محلية (رويترز)

استدعى اليمنيون كماً هائلاً من التعابير التهكمية والغاضبة، بعد إعلان قيادي حوثي أن وجبة الغداء دخيلة على ثقافة المجتمع وعاداته، مستدلاً على مزاعمه بآيات من القرآن الكريم، فسَّرها وفق مزاجه، ليطالب اليمنيين بتقليص عدد وجباتهم، في حين دعا قيادي آخر إلى التوقف عن تناول الأدوية، بحجة أنها مصنَّعة على أيدي اليهود من مواد نفطية.
يصرخ أحد مستخدمي «يوتيوب»: «جعلتم الأكل نفسه شيئاً دخيلاً، ولم يبقَ لنا إلا الهواء. إذا استطعتم تخزينه في أكياس فلتفعلوا». واستعرض مشاهد لأطفال يمنيين عراة يعانون النحافة الشديدة الناتجة عن الأمراض وسوء التغذية، متابعاً: «حيثما حلَّت إيران يصبح الأكل دخيلاً والبيوت دخيلة، فتحول السوريون واليمنيون واللبنانيون إلى جوعى ومشردين».
ورأى عدد كبير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أن المزاعم التي يتبناها قادة وناشطون حوثيون، حول الغذاء والدواء؛ تهدف إلى إجبار اليمنيين على الصبر واحتمال الجوع والفاقة، والتنازل عن حقوقهم المعيشية، بينما ذهب أكاديميون إلى أن ذلك يندرج ضمن ممارسات الميليشيات القمعية، لتطبيع المجتمع مع الأزمات المعيشية والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي صنعتها.
وكان أحد القادة الحوثيين الذين يسيطرون على قطاع الصحة في العاصمة صنعاء المحتلة، قد وصف وجبة الغداء بالدخيلة على المجتمع الإسلامي الذي لم يكن الناس فيه يتناولون إلا وجبتَي الإفطار والعشاء فقط، وذلك خلال فعالية شارك فيها إعلاميون وناشطون حوثيون.
وتداول اليمنيون بمشاعر مختلطة بالسخرية والغضب والاستنكار؛ مقطع فيديو للقيادي الحوثي الذي واصل مزاعمه أن وجبة الغداء انتشرت بفعل تدخلات خارجية، لإجبار المجتمع على الإنفاق والتبذير، داعياً إلى التخلي عنها والاكتفاء بوجبتَي الإفطار والعشاء، وأن تكون وجبة العشاء بعد العصر أو قبل المغرب.
وعزز قيادي حوثي آخر مزاعم القيادي الديلمي، حول ضرورة تناول وجبتين فقط، إلا أنه طالب بالتخلي عن إحداهما أيضاً.
وانتشر مقطع فيديو آخر للقيادي سليم السياني الذي ينتحل صفة نائب هيئة مكافحة الفساد، وهو يقدم محاضرة لعدد من موظفي الهيئة، ويحثهم فيها على الصوم والتخلي عن وجبة الإفطار أيضاً، متحدثاً عن الفوائد الصحية لذلك، والتي منها عدم الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل السكر والضغط.
واستغل السياني عدداً من الأمثال الشعبية لتأكيد نظريته، ومنها أنه كان يسمع جدته تقول: «العافية على أطراف الجوع»، وادعى أن الطفل الذي يُعاقَب بحرمانه من الأكل يكون أكثر ذكاء وتركيزاً من الذي يأكل جميع الوجبات.
وفي موازاة ذلك، أعلن قيادي حوثي ثالث أن الأدوية تحتوي على مواد نفطية، محذراً من تناولها كونها «مصنوعات بترولية يهودية»، جرى دس السم فيها لاستهداف؛ ليس اليمنيين فحسب؛ بل جميع سكان العالم، زاعماً أن هذه الأدوية تسببت في زيادة أعداد المرضى حول العالم.
وواجه اليمنيون هذه المزاعم بالسخرية والاستهجان، وكانت أكثر العبارات تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي تحذر أفراد المجتمع اليمني من زيادة الجوع؛ لأن هذا هو غرض الميليشيات من ترديد تلك المزاعم.
ونشر أحد الصحافيين على «تويتر» قوله: «لأنهم لا يجيدون إلا النهب والجبايات؛ يريدون من الشعب أن يعتاد الجوع والفقر والمرض». وأضاف: «في عهد الميليشيات كل شيء دخيل: الرواتب والأكل والعمل والغاز والوقود، والحياة نفسها ستصبح دخيلة».
وكتبت إحدى ربات البيوت متهكمة على «فيسبوك»: «عشنا أعمارنا نطبخ لعائلاتنا ثلاث وجبات في اليوم قبل أن تنكشف الحقيقة، وأننا كنا نعاني من الاضطهاد. الآن يجب أن نأخذ حقنا في الراحة ونكتفي بوجبة أو وجبتين»، فردت عليها صديقة لها: «نطالب عبد الملك الحوثي بإنصافنا من عائلاتنا ومنعهم من مطالبتنا بالغداء».
ونشر أحد مستخدمي «تويتر» صورة للقيادي محمد علي الحوثي، المشهور ببدانته، وهو يقف إلى جانب مواطن نحيل، ولا يستر جسده إلا إزار يغطي نصف جسده الأسفل فقط، وكتب: «وجبة الغداء دخيلة، وهذا الفرق بين من يتغدى ومن تمرّ عليه أيام لا يجد فيها ما يأكله».
ويستغرب أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة عدن، قاسم المحبشي، من لجوء الميليشيات الحوثية إلى تلك الحيل في مواجهة الحاجات الحيوية لليمنيين؛ والذي يعد -كما يرى- مؤشراً على أنها استنفدت كل ما لديها من أساليب، ولو كانت السياسة تدار بهذه الحيل الغريبة؛ لكانت اليمن تعيش في العصر الحجري.
ويؤكد المحبشي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الممارسات لن تكفي الميليشيات للاستمرار أكثر في عالم شديد التداخل والتأثر والانكشاف، فلا شيء يمكن فعله اليوم خارج أنظار العالم، معرباً عن غضبه من إمعان الميليشيات في إهانة اليمن، وإسدال الستار عليه بدخان كثيف من السحر والخرافات والأساطير، وكأن عناصرها يسوسون مملكة الجن، وليس بلد الحضارات الأصيلة؛ ذا المراكز الثقافية التليدة، والألوان الغنائية العريقة، وأنماط البناء الفريدة؛ وفق تعبيره.
من جهته، يرى أكاديمي في جامعة صنعاء، أن غرض الميليشيات من ترديد هذه المقولات والادعاءات؛ هو دفع اليمنيين إلى القناعة بواقعهم الذي فرضته من خلال الانقلاب والحرب ونهب الموارد وإيقاف الرواتب ونشر البطالة والفقر والفاقة، من أجل تغييب ثقافة المقاومة والرفض لديهم، وإخضاعهم لممارساتها ونهجها.
وذكر الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» حجب بياناته؛ نظراً لإقامته في مركز سيطرة الميليشيات الحوثية، أن هذا النهج ليس جديداً، ولا هو من ابتكار الجماعة؛ بل إنه ضمن أساليب ووسائل تتبادل الأنظمة القمعية والقوى الرجعية استخدامها وتجديدها منذ القدم، مؤكداً أن الحوثيين استفادوا من أجدادهم الأئمة الذين حكموا اليمن مئات السنين بالقمع والتجهيل، وعزلوا اليمنيين عن العالم.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».