الجزائر تخفض عقوبات قاسية لتونسيين مدانين بالتهريب

قضت بسجنهم 10 سنوات في جريمة صنفتها السلطات «عملاً إرهابياً»

الرئيس تبون طالب بفرض عقوبات شديدة بحق التجار الذين يتعمدون تخزين المواد الغذائية المدعمة لافتعال الندرة (أ.ف.ب)
الرئيس تبون طالب بفرض عقوبات شديدة بحق التجار الذين يتعمدون تخزين المواد الغذائية المدعمة لافتعال الندرة (أ.ف.ب)
TT

الجزائر تخفض عقوبات قاسية لتونسيين مدانين بالتهريب

الرئيس تبون طالب بفرض عقوبات شديدة بحق التجار الذين يتعمدون تخزين المواد الغذائية المدعمة لافتعال الندرة (أ.ف.ب)
الرئيس تبون طالب بفرض عقوبات شديدة بحق التجار الذين يتعمدون تخزين المواد الغذائية المدعمة لافتعال الندرة (أ.ف.ب)

خفضت محكمة بأقصى شرق الجزائر أحكاما بالسجن، صدرت بحق تونسيين بتهمة تهريب منتجات غذائية مدعمة، إلى 5 سنوات، بعد إدانتهم في يناير (كانون الثاني) الماضي بـ10 سنوات مع التنفيذ. وأكدت مصادر مهتمة بالقضية أن تقليص العقوبات تم بعد تدخل جهات عليا في تونس لدى الحكومة الجزائرية لإعادة النظر في هذه الأحكام.
وقال محامون من تبسة، المدينة القريبة من الحدود التونسية، إن محكمة الاستئناف المحلية أصدرت أحكاما مخفضة تخص 10 رعايا تونسيين، يشتغلون بالتجارة بين البلدين منذ سنوات طويلة، وذلك بعد شهرين من إدانتهم بالسجن 10 سنوات، في درجة التقاضي الابتدائية. وقد أوقفهم الدرك الوطني بالحدود نهاية العام الماضي، بينما كانوا بصدد «تهريب» مواد غذائية مدعمة، أهمها الزيت والسكر وبودرة الحليب، اشتروها من الأسواق الجزائرية بغرض بيعها في تونس، حسب لائحة الاتهامات.
وناشدت عائلات هؤلاء التجار الرئيس قيس سعيد التدخل لدى السلطات الجزائرية للإفراج عنهم، بحسب الصحافة التونسية. وكان رئيس «المرصد التونسي لحقوق الإنسان»، مصطفى عبد الكبير، قد انتقد القضاء الجزائري بحجة أنه «لم يحترم شروط المحاكمة العادلة»، ودعا إلى «احترام كرامة التونسيين الذي لم يرتكبوا جرماً خطيراً، يستوجب مثل تلك الأحكام القاسية». مؤكدا أن «الجرم الوحيد الذي ضبطوا متلبسين به هو أنهم فقراء يسعون لكسب قوت عائلاتهم».
من جهته، صرح مدير التنظيم الحقوقي «رقابة»، عماد الدايمي، أن العقوبات بحق التجار «صورة مؤلمة جداً. فقد جرى التعامل مع التونسيين وكأنهم ضبطوا بصدد تهريب مخدرات أو سلاح». كما انتقد سياسيون وحقوقيون في تونس إدانة التجار العشرة، الذين اعترفوا أثناء المحاكمة بأنهم حاولوا إدخال مواد غذائية إلى بلدهم بطرق غير قانونية، وقد كانت الكمية صغيرة، حسبهم، كما نفوا بشدة أن يكون نشاطهم موجها لإعادة بيعها، بل فقط لاستهلاكها بين أفراد عائلاتهم.
وورد في دراسة لـ«مركز كارنيجي للأبحاث حول السلام»، نشرها عام 2020. أن تهريب السلع المحظورة «يعتبر بالنسبة لسكان المناطق الحدودية الجزائرية - التونسية مهنة مبررة ومربحة». موضحةً أن «المهربين أنفسهم لا يعتبرون الحدود نقطة نهاية بلادهم وبداية بلاد أخرى، بل يعتبرونها حاجزاً مصطنعاً من الضروري التحايل عليه». وبحسب الدراسة فإن السلطات الجزائرية تتعامل مع أعمال التهريب «كصمام أمان يخفف بعض الضغوطات الاقتصادية التي يشعر بها سكان الأقاليم الشرقية المهملة. وعلاوةً على ذلك، يعزز المهربون جهود الأجهزة الأمنية لإبعاد التهديد الثلاثي للمخدرات والأسلحة والمتطرفين».
وفي نظر مراقبين بالجزائر، يعد التجار التونسيون العشرة «ضحايا» تدابير مشددة أدخلتها الحكومة الجزائرية على قانون العقوبات في سبتمبر (أيلول) 2022، وذلك على خلفية ندرة حادة في مادة زيت المائدة وبودرة الحليب. ونصت هذه التدابير على السجن لمدة قد تصل إلى 30 سنة، وتم تبعا لذلك إنزال عقوبات شديدة بحق عشرات التجار الجزائريين، بتهمة تخزين هذه المواد لافتعال الندرة، وبالتالي بيعها بأسعار مرتفعة.


مقالات ذات صلة

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

شمال افريقيا الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

أكد وزيران جزائريان استعداد سلطات البلاد لتجنب سيناريو موسم الحرائق القاتل، الذي وقع خلال العامين الماضيين، وسبّب مقتل عشرات الأشخاص. وقال وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري، عبد الحفيظ هني، في ندوة استضافتها وزارته مساء أمس، إن سلطات البلاد أعدت المئات من أبراج المراقبة والفرق المتنقلة، إضافة لمعدات لوجيستية من أجل دعم أعمال مكافحة الحرائق، موضحاً أنه «سيكون هناك أكثر من 387 برج مراقبة، و544 فرقة متنقلة، و42 شاحنة صهريج للتزود بالمياه، و3523 نقطة للتزود بالمياه، و784 ورشة عمل بتعداد 8294 عوناً قابلاً للتجنيد في حالة الضرورة القصوى».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

التمست النيابة بمحكمة بالجزائر العاصمة، أمس، السجن 12 سنة مع التنفيذ بحق وزير الموارد المائية السابق، أرزقي براقي بتهمة الفساد. وفي غضون ذلك، أعلن محامو الصحافي إحسان القاضي عن تنظيم محاكمته في الاستئناف في 21 من الشهر الحالي، علماً بأن القضاء سبق أن أدانه ابتدائياً بالسجن خمس سنوات، 3 منها نافذة، بتهمة «تلقي تمويل أجنبي» لمؤسسته الإعلامية. وانتهت أمس مرافعات المحامين والنيابة في قضية الوزير السابق براقي بوضع القضية في المداولة، في انتظار إصدار الحكم الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقر القصر الرئاسي بالجزائر، الثلاثاء، الدكتور عبد الله آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى السعودي الذي يقوم بزيارة رسمية؛ تلبية للدعوة التي تلقاها من رئيس مجلس الأمة الجزائري. وشدد آل الشيخ على «تبادل الخبرات لتحقيق المصالح التي تخدم العمل البرلماني، والوصول إلى التكامل بين البلدين اللذين يسيران على النهج نفسه من أجل التخلص من التبعية للمحروقات، وتوسيع مجالات الاستثمار ومصادر الدخل»، وفق بيان لـ«المجلس الشعبي الوطني» الجزائري (الغرفة البرلمانية). ووفق البيان، أجرى رئيس المجلس إبراهيم بوغالي محادثات مع آل الشيخ، تناولت «واقع وآفاق العلاقات الثنائية الأخوية، واس

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

قضت محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائرية، أمس، بسجن سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، 12 سنة مع التنفيذ، فيما تراوحت الأحكام بحق مجموعة رجال الأعمال المقربين منه ما بين ثماني سنوات و15 سنة مع التنفيذ، والبراءة لمدير بنك حكومي وبرلماني، وذلك على أساس متابعات بتهم فساد. وأُسدل القضاء الستار عن واحدة من أكبر المحاكمات ضد وجهاء النظام في عهد بوتفليقة (1999 - 2019)، والتي دامت أسبوعين، سادها التوتر في أغلب الأحيان، وتشدد من جانب قاضي الجلسة وممثل النيابة في استجواب المتهمين، الذي بلغ عددهم 70 شخصاً، أكثرهم كانوا موظفين في أجهزة الدولة في مجال الاستثمار والصفقات العمومية، الذين أشارت التحقيقات إلى تو

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

قال محامون في الجزائر إن المحكمة العليا قبلت طعناً بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً، بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل، بناءً على توجيهات من تنظيم إرهابي»، يُسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل».

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأكد المحامي والحقوقي الشهير، مصطفى بوشاشي، الذي ترافع لصالح بعض المتهمين، لصحافيين، أن أعلى غرفة الجنايات بأعلى هيئة في القضاء المدني نقضت، مساء أمس الخميس، الأحكام التي صدرت فيما بات يعرف بـ«قضية الأربعاء ناث إراثن»، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية (110 كيلومترات شرق)، شهدت في صيف 2021 حرائق مستعرة مدمرة، خلفت قتلى وجرحى، وإتلافاً للمحاصيل الزراعية ومساحات غابات كبيرة، وعقارات ومبانٍ على غرار قرى أخرى مجاورة.

مبنى المحكمة العليا بأعالي العاصمة الجزائرية (الشرق الأوسط)

غير أن الحرائق ليست أخطر ما حدث يومها في نظر القضاء، فعندما كان سكان القرية يواجهون النيران بوسائلهم الخاصة البسيطة، تناهى إليهم أن شخصاً بصدد إضرام النار في بلدتهم عمداً، وفعلاً ألقت الشرطة بهذه الشبهة على ثلاثيني من منطقة بوسط البلاد، يُدعى جمال بن سماعين، فتوجهوا وهم في قمة الغضب إلى مقر الأمن، وكان الشاب في تلك الأثناء داخل سيارة الشرطة فأخرجوه منها، غير عابئين بالعيارات النارية، التي أطلقها رجال شرطة لثنيهم عن قتله، وأخذوه إلى الساحة العامة، فنكّلوا به وأحرقوا جثته، بينما كان يتوسل إليهم أن يخلوا سبيله، وبأنه حضر إلى القرية للمساعدة وليس لإشعال النار.

وجرى تصوير مشاهد التنكيل المروعة بكاميرات الهواتف النقالة، واعتقل الأمن لاحقاً كل الذين ظهروا في الصور.

جمال بن سماعين قُتل على أيدي سكان قرية التهمتها النيران (متداولة)

على أثر ذلك، طالبت قطاعات واسعة في المجتمع بـ«القصاص»، ورفع التجميد عن عقوبة الإعدام، التي تصدرها المحاكم دون أن تنفذ، وذلك منذ تطبيقه بحق 3 إسلاميين عام 1993، بتهمة تفجير مطار العاصمة صيف 1992 (42 قتيلاً). لكن أثبت التحقيق بأن بن سماعين لا يد له في الأحداث المأساوية.

وبثّ الأمن الجزائري «اعترافات» لعدد كبير من المعتقلين بعد الأحداث، أكدوا كلهم أنهم وراء النيران المستعرة، وبأنهم ارتكبوا الجريمة بأوامر من رئيس تنظيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، فرحات مهني، الذي يتحدر من المنطقة، ويقيم منذ سنوات طويلة بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

فرحات مهني المتهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

وقال محامو المتهمين بعد تداول هذه «الاعترافات» إن القضاء «يبحث عن مسوّغ لإنزال عقوبة ثقيلة في حقهم»، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بإدانتهم بالإعدام. علماً بأن التهم وجهت لمائة شخص في هذه القضية، وحُكم على بعضهم بالسجن بين عام و5 سنوات مع التنفيذ، في حين نال آخرون البراءة.

وتمثلت التهم أساساً في «نشر الرعب في أوساط السكان بإشعال النيران»، و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» تُدعى «ماك»، و«قتل شخص عن سبق إصرار والتنكيل بجثته»، و«القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وخلق جو انعدام الأمن»، وتم تثبيت الأحكام بعد استئنافها.

أما فرحات مهني فكذّب، في فيديو نشره بالإعلام الاجتماعي، التهمة المنسوبة إليه، وطالب بفتح تحقيق مستقل في الأحداث «من طرف جهة أجنبية».

وفي نظر عدد كبير من المحامين على صلة بهذا الملف، فإن القضاء يبحث من خلال نقض الأحكام عن «إصلاح أخطاء تسبب فيها بإصدار قرارات متسرعة»، وبأن القضاة «كانوا تحت ضغط رأي عام طالب بالقصاص». ووفق ما ينص عليه القانون، ستعاد محاكمة المتهمين في محكمة الجنايات بتشكيل قضاة غير الذين أدانوهم في المرة السابقة.