قفزة تضخم غير متوقعة تزيد القلق الأوروبي

«المركزي» لن يتوقف عن رفع الفائدة حتى العودة للمستهدف

شعار البنك المركزي الأوروبي أمام مقره الرئيسي في فرانكفورت الألمانية (رويترز)
شعار البنك المركزي الأوروبي أمام مقره الرئيسي في فرانكفورت الألمانية (رويترز)
TT

قفزة تضخم غير متوقعة تزيد القلق الأوروبي

شعار البنك المركزي الأوروبي أمام مقره الرئيسي في فرانكفورت الألمانية (رويترز)
شعار البنك المركزي الأوروبي أمام مقره الرئيسي في فرانكفورت الألمانية (رويترز)

أظهرت بيانات يوم الثلاثاء أن التضخم في اثنين من أكبر اقتصادات منطقة اليورو ارتفع بشكل غير متوقع هذا الشهر، مما زاد توقعات رفع البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة؛ وفند وجهة النظر التي ترى تراجعا سريعا حاليا في زيادة الأسعار.
ويعتزم المركزي الأوروبي رفع سعر الفائدة الرئيسي 50 نقطة أساس في مارس (آذار) إلى 3 في المائة، لكن بعض صانعي السياسة دعوا إلى اتخاذ خطوات أكثر حذرا بعد ذلك؛ نظرا لأن تداعيات قرارات رفع أسعار الفائدة السابقة بدأت تظهر الآن.
وزاد التضخم في فرنسا إلى 7.2 في المائة من 7 في المائة، متجاوزا التوقعات بأن يبقى عند 7 في المائة، فيما قفز التضخم في إسبانيا إلى 6.1 في المائة من 5.9 في المائة، متجاوزا بشكل كبير توقعات في استطلاع لـ«رويترز» بأن يصل إلى 5.5 في المائة.
وتثير البيانات أيضا الشكوك في تراجع التضخم لمنطقة اليورو بالكامل، المقرر الإعلان عنه يوم الخميس إلى 8.2 في المائة من 8.6 في المائة، إلا أن خبراء الاقتصاد يقولون إن البيانات الألمانية المقرر إعلانها الأربعاء ستكون أكثر أهمية مقارنة بالبيانات المعلنة يوم الثلاثاء.
ويعتقد بعض المستثمرين أن هناك خطرا من رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بأكثر من 50 نقطة أساس في مارس. وقال جريج فوزيسي الخبير الاقتصادي في جيه بي مورغان إن «كلا التقريرين كان أقوى مما توقعنا، مما يشير إلى استمرار التضخم... ومن ثم، فإننا نتوقع بعض مخاطر زيادة (معدلات التضخم في بيانات منطقة اليورو) يوم الخميس». ولا يزال التضخم قابلا للزيادة في فرنسا بشكل ما بعد أن كان واحدا من أدنى المعدلات في منطقة اليورو التي تضم 20 دولة خلال العام الماضي. وفي إسبانيا تسارع التضخم الأساسي أيضا، مما زاد من مخاوف المركزي الأوروبي من أن نمو الأسعار صار مستمرا.
وتبدو البيانات مربكة لثقة أكبر من المعتاد بدأت تظهر في أوساط البنك المركزي الأوروبي. وقبل ساعات من ظهورها، قال فيليب لين كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك، إن الضغوط التضخمية بمنطقة اليورو بدأت في الانحسار، بما في ذلك الضغوط على الأسعار الأساسية ذات الأهمية الكبيرة، لكن البنك لن يتوقف عن رفع أسعار الفائدة لحين التأكد من عودة الأسعار للنمو في نطاق 2 في المائة.
ورفع المركزي الأوروبي الفائدة ثلاث نقاط مئوية منذ يوليو (تموز) الماضي، ووعد بزيادة نصف نقطة أخرى في مارس المقبل، على أمل أن يؤدي ارتفاع تكلفة التمويل لتراجع الطلب بالقدر الكافي لإبطاء نمو الأسعار من مستويات لا تزال فوق 8 في المائة.
وذكر لين أن أثر رفع أسعار الفائدة بدأ يظهر على الاقتصاد، لا سيما في أسعار الخدمات والسلع الأساسية الأخرى التي لا تشمل أسعار الوقود والغذاء المتقلبة. وقال في مقابلة مع «رويترز»: «هناك دليل ملموس على أن السياسة النقدية بدأت تؤتي ثمارها... بالنسبة لأسعار الطاقة والغذاء والسلع هناك الكثير من المؤشرات المستقبلية تقول إن الضغوط التضخمية على كل هذه البنود من المنتظر أن تنحسر قليلا».
وعبر مسؤولون آخرون بالبنك، مثل إيزابيل شنابل عضو مجلس الإدارة، وكلاس نوت رئيس البنك المركزي الهولندي، عن قلقهم من احتمال ثبات التضخم الأساسي مما قد يؤدي لإطالة أمد التضخم.
وحدد لين ثلاثة معايير حتى يتوقف المركزي الأوروبي عن رفع الفائدة، وهي انخفاض توقعات التضخم لفترة ثلاث سنوات، وأن يحقق تقدما في خفض التضخم الكامن، وأن يرى أثرا للسياسة النقدية. وقال لين: «كلنا متفقون على معيار أن إحراز تقدم كاف في (خفض) التضخم الكامن أمر مهم»، وأضاف أنه بمجرد استقرار أسعار الفائدة، يعتزم البنك إبقاءها عند ذلك المستوى لبعض الوقت، ولن يراجع خططه بمجرد أن يبدأ التضخم الأساسي في تسجيل انخفاض ملموس.
وردا على سؤال حول المدة التي يمكن أن تظل أسعار الفائدة عند مستوى يقيد النمو الاقتصادي، قال لين: «قد تكون لفترة طويلة بعض الشيء لعدة فصول».
وتتوقع الأسواق أن يرفع البنك فائدة الإيداع التي تبلغ 2.5 في المائة حاليا، إلى نحو 4 في المائة بنهاية العام مع ارتفاع ذروة أسعار الفائدة المتوقعة نحو 35 نقطة أساس هذا الشهر وحده، فيما يرجع في الأغلب للمخاوف من ثبات التضخم الأساسي.
وفي حين دفع تراجع أسعار الوقود التضخم للانخفاض في الآونة الأخيرة، قال لين إن نظرة فاحصة للبيانات تظهر أن التراجع عام. وأضاف أن «أسعار التجزئة الفعلية للسلع ما زالت قوية للغاية، لكن المرحلة المتوسطة كانت تأكيدا جيدا على ضغوط الأسعار». ومضى قائلا: «حقيقة أنها تشهد تحولا، بما في ذلك من خلال انحسار الاختناقات والعوامل العالمية، تنبئ بأنه ستكون هناك انخفاضات ملموسة في معدلات تضخم الطاقة والأغذية والسلع».
وتشهد ضغوط الأسعار في قطاع الخدمات تراجعا مع تعافي الإمدادات من اختناقات ما بعد الجائحة مما يجعل التركيز يتحول إلى الأجور. وتشهد الضغوط السعرية انحسارا إلى الدرجة التي أشار فيها لين إلى خفض في توقعات البنك المركزي الأوروبي، والتي من المقرر صدورها في 16 مارس.
وأشار لين إلى عوامل تؤثر على معدل التضخم، مثل انخفاض أسعار النفط والغاز، وانحسار الاختناقات، وإلغاء القيود في الصين، ووفرة دعم الموازنة، وإجراءات المركزي الأوروبي لرفع الفائدة. وقال إن «صدمات الإمدادات تخفض الضغوط التضخمية، لو نظرنا أبعد إلى 2024 أو 2025، فإن تشديد السياسة النقدية أكبر كثيرا مما كان متوقعا في تقديرات ديسمبر (كانون الأول)، وينبغي استيعاب ذلك في التوقعات الجديدة...». لكنه أضاف أن أيا من تلك الصدمات ليس كافيا حتى يتخلى البنك المركزي الأوروبي عن خططه لرفع الفائدة 50 نقطة أساس.
وعلى الرغم من أن زيادات الفائدة قد تحدث تأثيرا في الاقتصاد بوتيرة أبطأ من ذي قبل، فإن تأثيرها يمكن أن يستمر لفترة أطول إذ من المستبعد أن يعود البنك إلى أسعار الفائدة السالبة.
وقال لين إن السوق استوعبت سعر فائدة يحقق التوازن على الأمد البعيد عند نحو 2 في المائة، لذا فإن زيادة الفائدة 250 نقطة أساس هي في الواقع زيادة دائمة، ولذا ستقلل الضغوط السعرية بشكل أكثر استدامة.


مقالات ذات صلة

خلاف «النسبة» يهيمن على {المركزي} الأوروبي

الاقتصاد خلاف «النسبة» يهيمن على {المركزي} الأوروبي

خلاف «النسبة» يهيمن على {المركزي} الأوروبي

يتجه المصرف المركزي الأوروبي الخميس إلى إقرار رفع جديد لمعدلات الفائدة، وسط انقسام بين مسؤوليه والمحللين على النسبة التي يجب اعتمادها في ظل تواصل التضخم والتقلب في أداء الأسواق. ويرجح على نطاق واسع أن يقرّر المصرف زيادة معدلات الفائدة للمرة السابعة توالياً وخصوصاً أن زيادة مؤشر أسعار الاستهلاك لا تزال أعلى من مستوى اثنين في المائة الذي حدده المصرف هدفاً له.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد انقسام أوروبي حول خطط إصلاح قواعد الديون

انقسام أوروبي حول خطط إصلاح قواعد الديون

واجه وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، اقتراحا من قبل المفوضية الأوروبية لمنح دول التكتل المثقلة بالديون المزيد من الوقت لتقليص ديونها، بردود فعل متباينة. وأكد وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر أن مقترحات المفوضية الأوروبية لمراجعة قواعد ديون الاتحاد الأوروبي «ما زالت مجرد خطوة أولى» في عملية الإصلاح.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد نمو «غير مريح» في منطقة اليورو... وألمانيا تنجو بصعوبة من الركود

نمو «غير مريح» في منطقة اليورو... وألمانيا تنجو بصعوبة من الركود

ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة بلغت 0,1 % في الربع الأول من العام 2023 مقارنة بالربع السابق، بعدما بقي ثابتا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2022، وفق أرقام مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات). بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي برمّته، انتعش نمو الناتج المحلي الإجمالي بزيادة بلغت نسبتها 0,3 % بعد انخفاض بنسبة 0,1 % في الربع الأخير من العام 2022، وفق «يوروستات». وفي حين تضررت أوروبا بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما يغذي تضخما ما زال مرتفعا للغاية، فإن هذا الانتعاش الطفيف للنمو يخفي تباينات حادة بين الدول العشرين التي تشترك في العملة الموحدة. وخلال الأش

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد أوروبا تشتري الوقت لتقليص الديون

أوروبا تشتري الوقت لتقليص الديون

من المقرر أن تحصل دول الاتحاد الأوروبي المثقلة بالديون على مزيد من الوقت لتقليص الديون العامة، لتمكين الاستثمارات المطلوبة، بموجب خطط إصلاح اقترحتها المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: «نحتاج إلى قواعد مالية ملائمة لتحديات هذا العقد»، وأضافت «تمكننا الموارد المالية القوية من الاستثمار أكثر في مكافحة تغير المناخ، ولرقمنة اقتصادنا، ولتمويل نموذجنا الاجتماعي الأوروبي الشامل، ولجعل اقتصادنا أكثر قدرة على المنافسة». يشار إلى أنه تم تعليق قواعد الديون والعجز الصارمة للتكتل منذ أن دفعت جائحة فيروس «كورونا» - حتى البلدان المقتصدة مثل ألمانيا - إلى الا

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

ترمب يتعهد زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية والكندية والمكسيكية

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
TT

ترمب يتعهد زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية والكندية والمكسيكية

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، يوم الاثنين، أنّه سيفرض منذ اليوم الأول لتسلّمه السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على كل واردات الولايات المتحدة من المكسيك وكندا، وسيزيد بنسبة 10 في المائة الرسوم المفروضة على وارداتها من الصين، وذلك لإرغام الدول الثلاث على «وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات» لبلاده.

وفي سلسلة تصريحات نشرها على حسابه في منصّته «تروث سوشيال» للتواصل الاجتماعي، كتب ترمب: «في 20 يناير، وفي أحد أوائل الأوامر التنفيذية الكثيرة التي سأصدرها، سأوقّع كلّ الوثائق اللازمة لفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا بنسبة 25% على كلّ منتجاتهما الآتية إلى الولايات المتحدة وحدودها المفتوحة السخيفة».

وأضاف: «ستظل هذه الرسوم سارية إلى أن يتوقف غزو المخدرات، وبخاصة الفنتانيل، وجميع المهاجرين غير الشرعيين لبلدنا!»، من دون أن يذكر اتفاقية التجارة الحرة المُبرمة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وفي تصريح ثان نشره بعد لحظات، قال الرئيس السابق والمقبل إنّه سيفرض أيضاً على الصين رسوماً جمركية إضافية بنسبة 10 في المائة، «تُزاد إلى أيّ رسوم إضافية»، وذلك على كل واردات بلاده من المنتجات الصينية، وذلك عقاباً لبكين على ما يعتبره عدم مكافحتها كما ينبغي تهريب المخدّرات إلى الولايات المتّحدة.

ورداً على إعلان ترمب، حذّرت الصين من أنّ «لا أحد سينتصر في حرب تجارية». وقال ليو بينغيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، في رسالة عبر البريد الإلكتروني تلقّتها وكالة الصحافة الفرنسية إنّ «الصين تعتقد أنّ التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة مفيد للطرفين بطبيعته».

بدورها، ذكّرت كندا الرئيس الأميركي المنتخب بدورها «الأساسي لإمدادات الطاقة» للولايات المتّحدة. وقالت نائبة رئيس الوزراء الكندي كريستيا فريلاند في بيان إنّ «علاقتنا متوازنة ومتبادلة المنفعة، بخاصة بالنسبة للعمّال الأميركيين»، مؤكدة أن أوتاوا ستواصل «مناقشة هذه القضايا مع الإدارة الأميركية الجديدة».

وتشكّل الرسوم الجمركية أحد الأسلحة الأساسية في ترسانة ترمب لتنفيذ أجندته الاقتصادية.

وخلال حملته الانتخابية التي توّجت بفوزه بالانتخابات التي جرت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، تعهّد الرئيس الجمهوري المنتخب فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على العديد من حلفاء بلاده وخصومها على حد سواء.

ويحذّر العديد من الخبراء الاقتصاديين من أنّ زيادة الرسوم الجمركية ستضرّ بالنمو وستزيد معدلات التضخّم، إذ إنّ هذه التكاليف الإضافية سيتحمّلها في البداية مستوردو هذه البضائع الذين غالباً ما سيحملونها لاحقاً إلى المستهلكين.

لكنّ المقربين من الرئيس المنتخب يؤكّدون أنّ الرسوم الجمركية هي ورقة مساومة مفيدة تستخدمها الولايات المتحدة لإرغام شركائها التجاريين على الرضوخ لشروطها.