وسط أعمال إزالة الأنقاض التي تسير بسرعة كبيرة في المناطق المنكوبة بزلزالي 6 فبراير (شباط) الحالي في تركيا، بات السؤال المطروح بقوة هو المتعلق بأعداد المفقودين وأين هم.
بحسب السلطات التركية، هناك حتى الآن 2700 جثة مجهولة الهوية، ويتم جمع عينات الحمض النووي (دي إن إيه)، في محاولة للتوصل إلى أصحابها والعثور على ذويهم.
أما المفقودون، الذين لم يتم التوصل إليهم، لا في عداد الأحياء الناجين ولا في عداد الأموات، فباتوا حديث الساعة والسؤال المطروح بقوة بعد مرور 21 يوماً على كارثة الزلزال. في هطاي جنوب البلاد، وبعد الانتهاء من إزالة أنقاض أشهر مجمع سكني لفت انهياره الأنظار بسبب حداثة بنائه، وارتفاع أسعار وحداته (رينوسانس ريزيدانس)، لا يزال هناك 85 مفقوداً تتساءل عائلاتهم عن مصيرهم وتبحث عنهم دون الحصول على إجابة.
بطال كارزي، والد إسراء إلهان، وزوجها الضابط بالجيش الملازم أول معراج إلهان، قال إن ابنته وزوجها، كانا من سكان المجمع الفاخر ولا يزالان مفقودين، مضيفاً: «أجرينا اختبار الحمض النووي يوم 13 فبراير الحالي، أملنا الوحيد هو أن يكونا في أحد المستشفيات، ربما يكونا فقدا الوعي، لا أعرف، مر 21 يوماً وابنتي مفقودة».
معراج (32 عاماً) وإسراء كانا تزوجا منذ 9 أشهر، وأقاما داخل المجمع الذي أطلق صاحبه حملة إعلانية وصفه فيها بأنه «قطعة من الجنة»، فإذا به يتحول إلى ركام في ثوانٍ معدودات.
لم يتمالك الأب، الذي جاء من ولاية إسكيشهير، دموعه، وهو يقول: «ننتظر منذ 6 فبراير، لا ندري ماذا يمكن أن نفعل، تزوجا للتو. آمل أن يظهرا في مكان ما. تمت إزالة الحطام، على الأرجح لم يبقَ شيء. آمل في أن نحصل على أخبار سارة. تم العثور على بعض متعلقاتهما، أتمنى أن يكونا في المستشفى».
القضية أثارت أيضاً التساؤلات لدى رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم» علي باباجان، الذي كتب في سلسلة تغريدات على «تويتر» الأحد، طارحاً كثيراً من الأسئلة موجهة إلى الرئيس رجب طيب إردوغان وحكومته، حول الإجراءات التي اتخذت عقب وقوع كارثة الزلزال، والتأخير في الوصول إلى المناطق المنكوبة، إضافة إلى موعد الإعلان عن عدد المواطنين المفقودين تحت أنقاض الزلزال، حيث قال: «متى ستطلع (إردوغان) الشعب على عدد مواطنينا الذين لم يتم الوصول إليهم تحت الأنقاض أثناء عمليات البحث والإنقاذ وتم تصنيفهم على أنهم (مفقودون)؟».
خريطة أصدرها مركز قنديلي للرصد في إسطنبول تُظهر عدد وأماكن الهزات الارتدادية والزلازل التي سُجلت منذ 6 فبراير (أ.ف.ب)
من جانبها، أكدت وزارة الدفاع التركية، في بيان الأحد، أن «جهود الإغاثة لأفراد الجيش والمسيرات ما زالت مستمرة في المناطق المتضررة لتضميد جراح المنكوبين من الزلزال».
وقال البيان إن جنود الجيش التركي «يقومون بدوريات وفعاليات متنوعة في الشوارع لدعم النظام العام، وإن الطائرات المسيرة تسهم أيضاً في تلك الفعاليات». بدوره، أعلن وزير الصحة فخر الدين كوجا، اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعطاء المواطنين المقيمين في مدن الخيام والحاويات بولاية هطاي، الأكثر تضرراً من الزلزال، لقاحاً ضد مرض التيتانوس (الكزاز).
وأضاف في بيان، أنه «رغم أن عدد الإصابات التي ظهرت طفيف للغاية، بدأت فرق المديرية العامة للصحة في اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتم إحضار شاحنة لقاح إلى هطاي، التي تعد الأكثر تضرراً من الزلزال، وتم البدء بحملة تطعيم بلقاح التيتانوس للمواطنين والعاملين في المنطقة».
وحذر كوجا، من أن المرض «يمكن أن ينتقل بسهولة في حالة استخدام المسامير الصدئة، أو السكاكين أو القطع المعدنية، فضلاً عن التلوث الناجم عن انهيار المباني وتراكم الحطام وعمليات إزالة الركام»، مشدداً على ضرورة «عدم إهمال الحصول على اللقاح».
ولفت إلى أن «هناك بعض المشاكل الصحية، التي يجب التعامل معها بحساسية في الوقت الحاضر، إحداها التيتانوس، حيث يمكن أن تنتقل الجراثيم بسهولة. نحن نولي أهمية كبيرة للاحتياطات».
في السياق نفسه، وصف رئيس «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، ما شاهده بالمناطق المنكوبة بالزلزال، بأنه «مروع ولا يمكن التعبير عنه إلا بأنه نهاية العالم». وقال بيزلي، الذي تفقد مدينة أنطاكيا التابعة لولاية هطاي السبت: «هناك طريقة واحدة فقط لوصف ما رأيته اليوم: نهاية العالم».
وأضاف عبر «تويتر»: «سويت أحياء بالكامل بالأرض، دمرت منازل، أُغلقت مدارس ومتاجر وفقدت أرواح... حجم الدمار هنا غير معقول فعلاً». وتابع بيزلي أن «الوضع في الجانب السوري أيضاً يرقى إلى مستوى كارثة فوق كارثة»، في إشارة إلى الحرب الداخلية المستمرة منذ 12 عاماً.
وأعلن «برنامج الأغذية العالمي» أن رئيسه زار مركزاً لوجيستياً تابعاً للأمم المتحدة، حيث يتم تحميل الشاحنات بالأغذية وإمدادات الطوارئ الأخرى قبل العبور إلى شمال غربي سوريا من المعابر الحدودية في تركيا. وأكد «الضرورة الملحة لزيادة توصيل المواد الغذائية إلى سوريا عبر جميع الطرق دون أي قيود».
في غضون ذلك، قال الخبير الجيولوجي التركي الدكتور أوكان تويسوز، إن زلزالي 6 فبراير «ربما تسببا في تغيير التوازن بخطوط الصدع والفوالق بتركيا»، مشيراً إلى أنه «ربما تغير التوازن قليلاً في الأماكن القريبة من خطوط الصدع، وأن الزلزالين يعدان من أكثر الزلازل تأثيراً على اليابسة».
وفي تعليقه على ظهور مراكز زلازل أخرى في وسط البلاد وشرقها بعد زلزالي 6 فبراير، ومنها الزلزال الذي ضرب ولاية نيغده (شرق)، ووقع مركزه في بلدة بور التابعة للولاية بقوة 5.3 درجة، السبت، قال تويسوز إن «هناك تغييراً في التوازن بجميع خطوط الصدع بتركيا تقريباً بعد زلزالي 6 فبراير، ظهر في المناطق القريبة من مركزيهما في بازارجيط وإلبيستان بولاية كهرمان ماراش، لكننا لا نتحدث عن تغيير سيذهب إلى الغرب ويؤثر على بحر إيجة وإسطنبول».