حرب على المائدة... كيف انتصر حساء «البورش» الأوكراني في مواجهة روسيا

حساء «البورش» الأوكراني في مطعم بكييف (أ.ب)
حساء «البورش» الأوكراني في مطعم بكييف (أ.ب)
TT

حرب على المائدة... كيف انتصر حساء «البورش» الأوكراني في مواجهة روسيا

حساء «البورش» الأوكراني في مطعم بكييف (أ.ب)
حساء «البورش» الأوكراني في مطعم بكييف (أ.ب)

لا يعدّ الأوكرانيون حساء «البورش» مجرد طعام تشتهر به المائدة، وإنما يرونه رمزاً ثقافياً يحاولون الحفاظ على هويته في خضم حرب دامية تشنها روسيا.
والـ«بورش» حساء قديم مصنوع من الشمندر والبطاطا، وعادة ما يقدم مع الخبز أو لفائف الثوم، ويمتاز باللون الأحمر بفعل الشمندر، رغم وجود أصناف بألوان أخرى مثل الأخضر والأبيض.
ويقول الطاهي الأوكراني ليفغن كلوبوتينكو عن «البورش»: «إنه رمزنا. الـ(بورش) هو قائدنا»، ويضيف الطاهي الشهير في بلاده لوكالة «أسوشييتد برس»: «الطعام أداة اجتماعية قوية يمكنك من خلالها توحيد أو تقسيم أمة». وعدّ الطاهي الـ«بورش» أكثر من مجرد وجبة، فهو «يمثل التاريخ والعائلة وتقاليد قرون. يجري تناوله دائماً وفي كل مكان، ويوصف تحضيره بشكل تقديري تقريباً».
وبعد مرور عام على الحرب مع روسيا، يستخدم كلوبوتينكو «البورش» دعوةً حاشدة للحفاظ على الهوية الأوكرانية، عادّاً أنه عمل من أعمال التحدي ضد أحد تبريرات موسكو للحرب - والتي فقدت مصداقيتها على نطاق واسع - بأن أوكرانيا غير مميزة ثقافياً عن روسيا.
وبفضل جهود الضغط التي ساعد كلوبوتينكو في قيادتها، أصدرت «اليونيسكو» قراراً سريعاً في يوليو (تموز) الماضي بأن «البورش» الأوكراني أحد أصول «التراث الثقافي غير المادي» الذي يحتاج إلى الحفاظ عليه. رغم أن الإعلان أشار إلى أن «البورش» يستهلك في أي مكان آخر بالمنطقة، وأنه لا توجد أي حصرية، إلا إن هذه الخطوة أثارت غضب روسيا.

وكانت أوكرانيا قدمت طلباً في منتصف أبريل (نيسان) الماضي لإدراج ثقافة هذا الحساء في قائمة التراث الثقافي غير المادي المعرض للخطر، عادّةً أن غزو البلاد في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي من قبل روسيا وأشهر القصف التي نتجت عن ذلك، مما يهدد «قابلية استمرار» هذا الطبق وكل التقاليد المحيطة به.
وعلق وزير الثقافة الأوكراني، أولكسندر تكاتشينكو، على قرار منظمة «اليونيسكو»، قائلاً: «النصر لنا في الحرب من أجل (البورش)»، فيما سخرت وزارة الخارجية الروسية من هذه الخطوة، قائلة إن النسخة الروسية من الحساء لا تحتاج إلى حماية. واتهم متحدث باسم وزارة الخارجية الروسية أوكرانيا بمصادرة الطبق، ووصف الخطوة بأنها عمل من أعمال كراهية الأجانب ومن أعمال النازية.
https://www.youtube.com/watch?v=p_XMYzRXfJc
لكن في أوكرانيا، حيث كانت اللغة الروسية منتشرة على نطاق واسع مثل الأوكرانية حتى العام الماضي، عدّ إعلان منظمة «اليونيسكو» تجاه «البورش» إقراراً شرعياً في خضم كفاح كثيرين في أوكرانيا.
وقال الطاهي كلوبوتينكو (36 عاماً) أثناء تحضيره حساء «البورش» بشقته في كييف: «بدأ الناس يفهمون أنهم أوكرانيون»، وإن كثيراً من الناس بدأوا تناول الطعام الأوكراني واكتشاف التقاليد الأوكرانية.
وكان الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمها لأوكرانيا في عام 2014 بمثابة شرارة للحفاظ على هوية الحساء الأوكراني؛ إذ بدأ كلوبوتينكو وآخرون في البحث عن الطبخ الأوكراني قبل الحقبة السوفياتية، على أمل إعادته إلى الاتجاه السائد ومنح الناس موطئ قدم آخر لاستعادة ثقافتهم.

في عام 2019، افتتح كلوبوتينكو مطعمه في كييف، وأطلق عليه اسم «قبل 100 عام»، في إشارة إلى ما كان عليه المطبخ الأوكراني قبل الحكم السوفياتي، وما يمكن أن يكون مرة أخرى. وتعتمد قائمة المطعم بشكل كبير على النكهات والمكونات التي نسيها كثيرون.
وحسب «أسوشييتد برس»، فإن السجلات المكتوبة تربط وصفة «البورش» بأوكرانيا على مدى قرون كثيرة. وقد بدأت الجهود لإعلانه أحد الأصول الثقافية الأوكرانية في عام 2018، عندما استعان كلوبوتينكو بمساعدةِ مارينا سوبوتيوك، وهي مستشارة في وزارة الثقافة وسياسة المعلومات الأوكرانية والمؤسسة المشاركة لـ«معهد الثقافة الأوكراني»، وجمعا ملفاً، مع آخرين، ليصبح طلباً رسمياً للبلاد لدى «اليونيسكو». وأصبح عملهم أكثر إلحاحاً بعد الغزو الروسي قبل عام وحظي بمباركة الحكومة الأوكرانية.
وعدت سوبوتيوك قضية حساء «البورش» أعمق بكثير من مجرد طعام، وأضافت: «جيراننا لا يريدون فقط الاستيلاء على أراضينا، ولكن أيضاً على ثقافتنا وتاريخنا»، واصفة تراث الطهي بأنه قوة ناعمة ذات إمكانات هائلة للتحفيز والإلهام.
وتوضح سوبوتيوك أن العمل يجري حالياً على كتاب تحت اسم «المطبخ الأوكراني الأصيل» يقدم لمحات حديثة عن الطبخ الأوكراني التقليدي، ومن المتوقع أن يصدر هذا الخريف في الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».