الكتابة بالنت تعويض عن السياسة اللغوية الخرقاء

بلال عبد الهادي
بلال عبد الهادي
TT

الكتابة بالنت تعويض عن السياسة اللغوية الخرقاء

بلال عبد الهادي
بلال عبد الهادي

هل اللغة العربية في طور احتضار؟ لا أظن. اللغة ترجمان تشبه تلك المرآة السحرية التي تُري الإنسان ما هو أمامها، كما لو أنها كاميرا فوتوغرافية. هذا لا يعني أننا لا نرى الترهل اللغوي. ولكن هل ما نعانيه فقط هو الترهل اللغوي، أو ترهل على كل الصعد؟
قرأت عن علاقة الشعوب مع لغاتها، خاصة الشعوب التي كانت تعاني من عدم ثقة بنفسها في بداية خروجها من نفق التخلف كاليابان والصين. لغتنا مريضة؛ لأننا اليوم شعب مريض فكرياً وحضارياً. لغة لا نثق بها؛ لأننا نمر في لحظة تاريخية مضعضعة، فقدنا فيها الثقة بأنفسنا، وهي مرحلة، مهما طالت فهي مؤقتة.
ما السبب وراء الضعف اللغوي لدى الطلاب، مثلاً؟ يصادفنا طلاب في المرحلة الجامعية لا يعرفون القراءة ولا الكتابة العربية.
اللغة لا يمكن لها أن تتحسن إلا بالممارسة والقراءة. ونسبة القراءة قليلة. والسبب متعدد: منه ما هو اقتصادي، ومنه ما هو اجتماعي.
اللغة اقتصاد أيضاً. نحن لا ننتبه إلى ذلك. من الطبيعي أن تكون اليوم الغلبة للإنجليزية. اللغات تتصارع، ولكل لغة فترة تكون الغلبة فيها لها. نحن في زمن الإنجليزية، وفي كل يوم تقضم من قوة الفرنسية. ولكن السبب ليس فقط اقتصادياً، هناك سبب ثقافي أيضاً، فخيرات اللغات كلها تصب في اللغة الإنجليزية. ومن يستعرض الكتب الإنجليزية يجد أن مؤلفيها من كل أعراق العالم، وللعربي قرص في عرس اللغة الإنجليزية. أعطي مثالين فقط، إدوارد سعيد، وصاحب «البجعة السوداء» نسيم طالب.
الهجمة الإلكترونية، ذات حدّين، ولا يمكن نكران فضلها على اللغة العربية وغيرها من اللغات. هل زاد عدد من يقرأ؟ هل زاد عدد من يكتب؟ كل حامل لغويّ يغيّر علاقة الناس مع المقروء. حين وُلدت المطبعة أنتجت الجريدة. وأنتجت أيضاً بشكل غير مباشر الرواية. فالرواية في بداية أمرها وُلدت لتلبية حاجات الجريدة التي أنجبتها المطبعة. واليوم كم شخص عاد إلى الكتابة بفضل أزرار الهاتف الذكي! أنا هنا لا أتكلم عن المحتوى، وإنما عن الكمّ. ولكن هل يبقى الكمّ على حاله؟ هل كان بالإمكان للأدب التفاعلي أن يولد لولا وجود الكمبيوتر، ومن ثمّ الهاتف الذكي بتطبيقاته التي لا تحصر؟ لننظر إلى «تويتر» الذي لا يحب الإطناب، عدد حروف نصه قليل. هذا يعني ببساطة أنه يدرّب المرء على الإيجاز، ما يذكر بالتوقيعات في الأدب العربي، أو شعر «الهايكو». التكنولوجيا فرصة ذهبية للتسريع في عملية اكتساب اللغة وتعلمها. ولكن هل نستثمرها كما يجب؟ لا أظنّ. نتكلم عن لغة «النت»؛ أي كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني، وهذه حالة ليست جديدة، في فترة من الفترات كُتبت العربية بالحرف السرياني وسُميت «الكرشوني». أظن أنها موجة عابرة، هي بنت بدايات دخول الكمبيوتر إلى بلادنا؛ إذ لم تكن لوحة المفاتيح مزودة بالحرف العربي. كانت عملية ذكية إيجاد الكتابة بلغة النت. جاءت تعويضاً عن نقص، وتعويضاً عن السياسة اللغوية العربية الخرقاء. كان يكفي أن ترفض الدول العربية إدخال حواسيب وهواتف ليست مزودة بلوحات مفاتيح ثنائية اللغة.
لكل مشكلة حلّ. وهي حلول ليست فقط لغوية. علينا أن نستعين بالتكنولوجيا لإغراء الصغار ببناء علاقة جميلة مع اللغة. اللغة لعبة، والطفل يحب اللعب، وإذا استطعنا تحويل اللغة إلى لعبة، سيقبل عليها الطفل من تلقاء نفسه. ما هو عدد الألعاب اللغوية؟ كما لا بد من استثمار حتى الفنانين في عملية بناء علاقة مع اللغة. ماذا فعل كاظم الساهر مثلاً بكلمات نزار قباني؟
- كاتب وأستاذ الألسنية في الجامعة اللبنانية


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.