«هلع» اللبنانيين من الزلزال يدفعهم لقضاء ليلتهم في الحدائق والسيارات

عائلات لبنانية هربت إلى الشوارع ليل الاثنين - الثلاثاء (إ.ب.أ)
عائلات لبنانية هربت إلى الشوارع ليل الاثنين - الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

«هلع» اللبنانيين من الزلزال يدفعهم لقضاء ليلتهم في الحدائق والسيارات

عائلات لبنانية هربت إلى الشوارع ليل الاثنين - الثلاثاء (إ.ب.أ)
عائلات لبنانية هربت إلى الشوارع ليل الاثنين - الثلاثاء (إ.ب.أ)

بات عدد كبير من اللبنانيين ليلة الاثنين – الثلاثاء، في الشوارع بعد الهزة الارتدادية التي شعر بها الجميع نتيجة الزلزال الجديد الذي أصاب منطقة هاتاي التركية.
وبسبب الذّعر، خرج عدد كبير من المواطنين بسياراتهم إلى «معرض رشيد كرامي» في طرابلس والحدائق المجاورة والبداوي في شمال لبنان، أما في بيروت، فلجأ كثيرون إلى محيط حرج بيروت والطيونة اللذين يخلوان من السكان.
وانسحب إخلاء المنازل على مناطق لبنانية أخرى، حيث ظهر الخوف جلياً على سكان مناطق أخرى في العاصمة بيروت خصوصاً في الدكوانة والنبعة، إلى جانب مناطق أخرى في الجبل، حيث تجمعت أعداد كبيرة من العائلات في الحدائق.
ويسيطر الهلع على اللبنانيين منذ وقوع الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا في 6 فبراير (شباط) الماضي، حيث بات القلق رفيق اللبنانيين، وتتكرّر مشهدية الذعر يومياً لا سيما عند حصول الهزّات الارتدادية، رغم كل التطمينات من الخبراء الجيولوجيين والمعنيين بعلم الزلازل.
وفي غياب دولة تتابع ملفّاتها وشؤون المواطنين، تنشط الشّائعات والأخبار المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتُضاف إلى عوامل نفسية انعكست هروباً من المنازل وافتراش الشوارع.
ويؤكد الأستاذ المحاضر والباحث في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتور طوني نمر، أن الهزّات الأرضية الأخيرة وقعت في تركيا في منطقة الإسكندرون إلى جوار أنطاكيا، وبسبب قوتها التي بلغت 6.3 شعر اللبنانيون بها رغم وقوعها على بُعد أكثر من 200 كيلومتر عن شمال لبنان. وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تأثير الهزة الأخيرة «كان نفسيّاً أكثر منه مادياً، وذلك لما سبّبت الهزّات السابقة من دمار وخسائر في الأرواح».
وبالتفصيل يشرح نمر: «خط الهزّات الارتدادية لا يزال محصوراً بالبرّ نسبياً مع بعض الاستثناءات»، مضيفاً أن فالق البحر الميت يمتد حتى مسافة 1000 كيلومتر براً من خليج العقبة حتى تركيا ومن ضمنه فالق اليمونة، «غير أنه لا يمكنه أن يتحرّك بأكمله، فحركته تأتي على أقسام». ويشير إلى أن «الحركة الزلزالية التي تحدث في تركيا لا يمكن أن تؤثّر عليه، بل إن خطرها يمكن أن يؤثر على الفوالق البحرية لا سيما تلك الممتدة من اللاذقية حتى الساحل اللبناني».
ويؤكد نمر أن الهزّات الارتدادية ستستمر «حتى يرقد الفالق الذي أُصيب بالزلزال الكبير، وهذا أمر لا يمكن توقع مدته، ولكن نسبة خطورتها تبقى متدنية بالنسبة إلى الهزة الأساسية».
وعن تصرّفات المواطنين عند حدوث الهزات ونزولهم إلى الشوارع، يقول: «كل شخص يعلم مدى متانة البناء الذي يسكنه ويحدد نسبة الخطر عند حدوث الهزات». أما بالنسبة إلى افتراش الطرقات والنوم في السيارات في لبنان بعد حدوث هزة في تركيا، فرأى «أنه لا حاجة إلى القيام بهكذا أفعال»، مشيراً إلى أن قرار إقفال المدارس من القرارات الخاطئة، «لما ينتج عنه من ضرر نفسي وخوف بين التلاميذ لا سيما أن مصدر الهزة بعيد عن لبنان أكثر من 200 كيلومتر».
وترى معالجة الصّدمات والخبيرة في علم النفس الدكتورة سناء حمزة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الهلع الذي يعاني منه اللبنانيون نتيجة حصول هزات متتالية، «أمر طبيعي يُعرف بالصدمة الحادة، وهي تستمر لشهر، ولكن إن تطوّرت الحالات بطريقة أكثر يصبح الأمر غير طبيعي، وعندها تُعرف الحالة باضطراب ما بعد الصدمة، وفي هذه الحالة يصبح الشخص في حاجة إلى معالجة».
وتؤكد حمزة أن الخوف يختلف من شخص إلى آخر، وترى أنه «أصبحت هناك مبالغة في ردّة الفعل، وذلك بسبب تعرض اللبنانيين لعدد متتالٍ من الصدمات في السنوات الأخيرة»، وتضيف: «لكن الأمر يصبح غير طبيعي عندما لا يستطيع الشخص النوم، والشروع في سلوكيات خاطئة، وتعاطي أدوية الأعصاب». وتشير إلى أنه «عندما تزيد الحالة على حدّها، كالنوم في الشوارع وفي السيارات، يصبح الأمر غير طبيعي وخاطئاً، وتصبح ردّات الفعل مبالغاً فيها وتُعرف بالـوسواس».
وفي هذا الإطار تؤكد حمزة أن ما ساهم في هذا الأمر هو «الكم الكبير من المعلومات المغلوطة التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، من دون أن ننسى أن ما نعيشه ليس أمراً بسيطاً خصوصاً مع المشاهد المحزنة في تركيا وسوريا».
وعن الخطوات الصحية لمعالجة هذا الأمر، تؤكد حمزة ضرورة أخذ الخبر من مصدره الأساسي والتقليل من متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، وتغيير هذا الأمر بمشاهدة الأفلام المرحة، إضافة إلى ممارسة الرياضة والتمارين أو أي هواية أخرى. والأهم من كل ذلك دعت إلى عدم تنزيل التطبيقات التي تعنى بمجال الزلازل والهزّات.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

ليلة الاستعداد للعودة في مراكز الإيواء: فرحة تنتظر الأمان المؤجل

ليلة الاستعداد للعودة في مراكز الإيواء: فرحة تنتظر الأمان المؤجل
TT

ليلة الاستعداد للعودة في مراكز الإيواء: فرحة تنتظر الأمان المؤجل

ليلة الاستعداد للعودة في مراكز الإيواء: فرحة تنتظر الأمان المؤجل

منذ ساعات الفجر الأولى، بدأت أمل جعفر جمع أغراضها، من فرش وأغطية. لا أشياء ثمينة تقتنيها في خيمتها التي لجأت إليها طوال شهرين، هي وأطفالها الأربعة وشقيقها، لكنها تأخذ معها ما تيسر من حاجيات ضرورية بعد أن دُمر منزلها وكل محتوياته في يارون (قضاء بنت جبيل).

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «هي فرحة لا توصف، سنعود بعد نحو سنة و3 أشهر من التهجير، فقد نزحت بداية إلى النبطية، ومن ثمّ إلى مبنى (العازارية) في وسط بيروت بعد بدء العدوان في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي».

ولأجل عودتها إلى قريتها التي تأمل أن تتمكن من الوصول إليها في حال انسحاب الجيش الإسرائيلي منها، ألبست أطفالها ثياباً تليق بالمناسبة، وفق ما تقول، تحضيراً للعودة إلى بلدتها الحدوديّة. وتضيف: «كأنه يوم ولادتنا من جديد. هو يوم استثنائي، لا مثيل له طوال سنوات حياتي التي لم تتعد الخمسين».

تروي أمل كيف أمضت ليلتها الماضية: «لقد أشعلنا موقدة من حطب، واجتمعنا حولها في انتظار مرور الوقت، حتّى الإعلان عن وقف إطلاق النار الذي حصل عند الرابعة فجراً». وتضيف: «رغم أنها كانت ليلة صعبة ودامية للغاية، فإنها انتهت، وانتهى معها كابوس الحرب وكل القهر. سنعود حتّى لو لم يكن لنا مكان يؤوينا. سننصب خيمة ونسكن فيها».

اللافت أيضاً أن أمل تبضعت بعض حاجيات المطبخ، في اليومين الماضيين؛ «كي نتمكن من طهي طعامنا حيث سنمكث. أحضرت بعض الأدوات التي نحتاجها في المطبخ».

تحضيرات في مراكز الإيواء

ومثل أمل كثر، في مراكز الإيواء، يتحضرون للعودة إلى منازلهم وقراهم في الجنوب والنبطية والضاحية الجنوبية لبيروت، منذ إعلان سريان وقف إطلاق النار بلبنان. في باحة أحد المراكز، تقف سيارة أجرة، رُفعت على سقفها فرش وأغطية، وأشياء خاصة.

وإلى جانبها، سيارة أخرى تنقل منال شحيمي أغراضها إليها. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «الفرحة اليوم أكبر من أن تسعني؛ سنعود إلى منزلنا الذي نشتاق إليه في برج البراجنة. لا بأس إن تضرر قليلاً، سنعيد ترميمه، المهم أن نأوي إليه ليحتضننا من جديد».

ليل الثلاثاء - الأربعاء، لم تغمض عينا منال، حالها حال غالبية النازحين، واللبنانيين عموماً، تقول: «سمعنا أن هناك اجتماعاً إسرائيلياً، فبتنا نعدّ الثواني وليس الساعات؛ وددنا لو نعود إلى البرج لحظة إعلان وقف النار، لكننا تريثنا بينما تتضح الأمور أكثر، وها نحن اليوم نحمل أغراضنا ونغادر».

وعن الأشياء التي جمعتها واختارت أن تنقلها معها، تقول: «ملابسنا وتفاصيل رافقتنا أنا و8 من أفراد عائلتي طوال فترة نزوحنا إلى هنا، التي امتدت لأكثر من 9 أسابيع. أخذنا معنا أغطيتنا وفرشنا وحاجياتنا الأساسيّة. الأشياء لا تهم، المهم أننا سنعود».

تُخبر منال عن أمنياتها المستقبلية: «أول ما خطر ببالي، بعد العودة إلى الضاحية، أن تعود أيضاً حياتنا إلى طبيعتها، كما كانت قبل العدوان. لا نريد أكثر... نريد الاستقرار ليس أكثر، وأن نكون آمنين في منازلنا».

فرح وأناشيد

داخل باحة «العازارية»، مظاهر الفرح والأناشيد الجنوبية تعمّ المكان. نسوة يرقصن ويصفقن احتفالاً بالعودة، وأطفال يلهون، تبدو على وجوههم ملامح الفرح، وفي المكان نفسه، لا تزال الملابس معلقة على حبال موصولة بين جدران المكان، وطفلة صغيرة قررت غسل الأواني والصحون، لأخذها نظيفة إلى منزلها في الضاحية الجنوبية.

وخلال الحرب التي استمرت نحو 65 يوماً، استقبل مركز «العازارية» في وسط بيروت أكثر من 3500 نازح من مختلف المناطق اللبنانية، وهو حتّى ساعات النهار الأولى، كان قد غادره نحو نصف النازحين إليه، في حين اختار بعض العائلات التريث قليلاً وعدم مغادرة المكان.

وهناك أيضاً، تجلس مُسنة سبعينية في الباحة تحتسي فنجان قهوة، وتقول إنها لن تغادر المكان راهناً في انتظار التأكد من أن مدينة النبطية باتت آمنة تماماً؛ إذ إن مدينتها نالت حصة كبيرة من العدوان والتدمير الذي أصاب البشر والحجر هناك.

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أننا نشتاق إلى النبطية؛ أرضها وناسها، فإننا لا نثق بإسرائيل؛ فماذا لو غدرت بنا؟ لسنا خائفين، لكننا حذرون قليلاً. سننتظر بعض الوقت ونرى متى سنعود، وكذلك تفادياً لزحمة السير أيضاً».

وتروي ثقل ساعات الليلة الأخيرة في الحرب: «كانت ليلة دامية، تساوي في همجيتها كل ما عشناه في أيام العدوان السابقة ببيروت، ربما يمكن القول هي الأعنف، والأكثر توتراً على الإطلاق. بكيت في نهايتها، لا سيّما عند سماعنا تأكيد خبر وقف إطلاق النار». وتختم: «لا نريد سوى الأمان. لا شيء سوى الأمان، وألا تتكرر الحرب».