افتتاح مهرجاني «بيت الدين» و«بعلبك» الدوليين بأصوات أوبرالية

أكثر من 90 حفلة فنية يشهدها لبنان خلال الصيف الحالي

ميراي ماتيو
ميراي ماتيو
TT

افتتاح مهرجاني «بيت الدين» و«بعلبك» الدوليين بأصوات أوبرالية

ميراي ماتيو
ميراي ماتيو

من شمال لبنان إلى بقاعه وعاصمته تشتعل المهرجانات. من عكار مرورًا ببعلبك وصولاً إلى الوسط التجاري لبيروت، الحفلات لا تتوقف. ثمة ما بدأ خلال رمضان، لكن مع انتهاء الشهر بدا وكأنما حدث ما لم يشهده لبنان من قبل. ففي موسم الصيف الحالي وجد طلاب السهر وعشاق الفن أن بوسعهم الانتقاء بين 60 حفلة ضمن المهرجانات الدولية وحدها يضاف إليها عشرات الحفلات المدرجة على برنامج ثلاثين مهرجانا لها طابع محلي. وهي ظاهرة ربما، تلاحظ للمرة الأولى بهذه الكثافة، فمهرجان إهمج مثلاً يصل رواد كل حفلة له إلى نحو 7 آلاف زائر، ومهرجان غوسطا بدأ يجد له مكانًا على الخريطة رغم غضاضة سنه، في ما مهرجان إهدنيات بات قبلة أهل الشمال ومتنفسهم، وسط غابات وأحراش بديعة وخلابة، وبعد أن استقطب كبار نجوم الغناء العالميين. أما مهرجان البترون، فقد تمكن أيضا من استضافة أسماء كبيرة من بينها شارل أزنافور.
بعد أن انطلقت مهرجانات بيبلوس واستقبلت كلا من أسطورة الغناء جون ليدجند، وفرقة «ذي سكريبت» والفنانين رودريغو وغابرييلا، ها هي جبيل على موعد مساء الخميس المقبل مع ميراي ماتيو بعد ثلاثين سنة من الغياب عن مدينة الأبجدية. ومن المواعيد المنتظرة في بيبلوس، حفل الفنانة اللبنانية هبه طوجي التي ستقدم ريبرتوارًا رحبانيًا استعراضيًا. كما هناك حفل أوبرالي للسوبرانو اللبنانية سمر سلامة. المهرجانات انطلقت بزخم فهناك مهرجانات جونية، التي قدمت حفلاً لماجدة الرومي وآخر لفناني «ذي فويس» بنسخته الفرنسية وحفل ستاند أب كوميدي قدمه الفنان دوبوز وآخر لجوني هاليداي، و«أعياد بيروت» التي تقام في بيال في وسط العاصمة ويتناوب عليه أهل الغناء الشرقي بشكل خاص.
ويشهد هذا الأسبوع حدثين كبيرين، فهناك افتتاح لمهرجانات بيت الدين وكذلك بعلبك. بيت الدين التي تحتفل هذه السنة بثلاثين سنة على انطلاقتها الأولى، وهي عقود ثلاثة من النجاحات والتحديات، حيث يدشن هذا الموسم التينور العالمي خوان دييغو فلوريز، تُرافقه السوبرانو اللبنانيّة جويس الخوري، ومعهما الأوركسترا الفلهارمونيّة جياتشينو روسيني. أما في الأول من أغسطس (آب) فهناك حفل روك و«بوب» مع دايفيد غراي الذي يُعتبر من أهم الموسيقيين في عالم الروك.
أما مارسيل خليفة الذي كان نجم مهرجانات بيت الدين يوم افتتحت عام 1985 فيعود في حفل استعادي هذا العام، إلى القصر الشهابي التاريخي في الخامس من أغسطس، ليحتفل مع جمهوره بهذه المناسبة. من ضيوف بيت الدين لهذه السنة أيضا ريبيكا فيرغيسون التي تُلقي التحيّة لبيلي هوليداي، وكاظم الساهر، في موعده الذي صار تقليدًا في بيت الدين، حيث سيطل في 20، 21، و22 أغسطس، وهناك «بار فاروق»، وهي مسرحيّة غنائيّة من إخراج هشام جابر وبمُشاركة ياسمينا فايد وموسيقى زياد الأحمديّة. وهناك حفل أوبرالي بمشاركة «أعظم الأصوات الكلاسيكيّة، الروسيّة آنا نيتريبكو، يُرافقها التينور يوسف إيفازوف وأوركسترا جيوتشينو روسيني الفلهارمونيّة، إلى ذلك هناك الحفلة الأخيرة التي تقدم تحية لأم كلثوم بصوت الفنانة ريهام عبد الحكيم بدلاً من صاحبة الصوت القوي التي كان قد أعلن عنها سابقًا آمال ماهر. وهناك حفل لمُناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمنيّة، «ريكوييم» من تأليف تيغران منصوريان وعزف الأوركسترا الفلهارمونيّة الوطنيّة الأرمنيّة.
وقد درج مهرجان بيت الدين على استقبال معرض كل سنة، ويتميز هذا العام، بأن المعرض مخصص للوحات أصلية لجبران خليل جبران، نقلت من متحفه الدائم في بشري خصيصًا للمناسبة.
المهرجان الدولي الثاني الذي سينطلق هذا الأسبوع هو بعلبك. وهي عودة بعد انقطاع جزئي لهذا المهرجان عن موقعه الطبيعي في مدينة الشمس، وعلى أدراج القلعة الرومانية التاريخية البديعة، بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة على الحدود السورية اللبنانية. وهذه السنة وعلى مبعدة 150 كلم من جبهة حامية الوطيس في جرود عرسال، سيكون الافتتاح يوم الجمعة المقبل مع العمل الغنائي الاستعراضي الجامع «إلك يا بعلبك». وهو حفل مهدى إلى المدينة من قبل عدد كبير من الفنانين اللبنانيين الكبار الذي يشاركون في هذه التحية. وتحت إدارة وإخراج نبيل الأظن، سيستمتع رواد المهرجان بمجموعة من الأعمال التي وضع موسيقاها، كل من بشارة الخوري، عبد الرحمن الباشا، غدي الرحباني، ناجي حكيم، مارسيل خليفة، إبراهيم معلوف، زاد ملتقى وكابريال يارد. وستعزف الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية بقيادة هاروت فازليان، والأداء لفاديا طنب ورفيق علي أحمد. أما النصوص شعرًا ونثرًا فهي لأسماء جد بارزة أيضا فهناك أدونيس وغدي الرحباني وطلال حيدر وصلاح ستيتية وإيتل عدنان وعيسى مخلوف ووجدي معوض. وستقدم الرقص فرقة «دبكة المجد البعلبكية» بإشراف خالد نبوش.
خمس حفلات سيقدمها هذا المهرجان الدولي هذه السنة، إذ سيستقبل الفنانة المغاربية الفرنسية صاحبة المواهب والجوائز هندي زهرة مع فرقتها الموسيقية، وكذلك حفل جاز للفنان الكاميروني ريشارد بونا، وحفل للفنانة السورية ميادة الحناوي، إضافة إلى حفل لموسيقى الديسكو والفانك مع فرقة «ثي إيرث ويند أند فاير إكسبيرينس». أما السهرة الأخيرة فهي كلاسيكية وللفرقة الرباعية «كواتيور موديغلياني».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».