مذكرات كافكا بنسختها الأصلية غير المحررة

بعد قرن من وفاة صاحبها

فرانز كافكا
فرانز كافكا
TT

مذكرات كافكا بنسختها الأصلية غير المحررة

فرانز كافكا
فرانز كافكا

لا يوجد في تاريخ القرن العشرين كاتبٌ أصبح رمزاً للسوداويّة والعبث والكوابيس أكثر من فرانز كافكا (1883 – 1924)، حتى قيل إن الكافكاويّة «كل أدب يتقمّص نظرة كئيبة إلى العالم». فهذا الروائي والقاص؛ الذي وضع معظم نصوصه المذهلة بالألمانيّة، تخيّل عوالم يعمّها الظّلام تداخل فيها الواقعي بالعجائبيّ، وتقاطعت أحداثها بالكوابيس، ولا تكاد شخصياتها غريبة الأطوار تنجو من اغترابها الاجتماعي وقلقها الوجودي وشعورها المقيم بالذنب؛ حتى تسقط في جب مآزق سورياليّة تثير الذّعر واليأس والقنوط.
ومما نعرفه عن كافكا اليوم؛ فإن سيرة حياته القصيرة كانت قاتمة ومحبطة كما نصوصه، وخاض صراعات هوياتية ثقافيّة وجندريّة زعزعت من إحساسه بالحياة، وفشل دائماً في تأسيس علاقات إنسانيّة سويّة على تعدد معارفه وعشيقاته، وتجرّع حتى الثمالة كل السواد وخيبات الأمل التي جلبتها كارثة الحرب العالميّة الأولى على جيل الشبان الأوروبيين؛ الذي عاش لحظة الانتقال بين القرنين التاسع عشر والعشرين. وفي الحقيقة، فإنّ كافكا، مع هوسه بالقراءة والكتابة، بنى سمعته العالميّة على نصوص لم يوافق عليها ولم يصححها مطلقاً؛ إذ لم يُنْهِ أيّاً من رواياته الثلاث الأهم، والقليل الذي نشره في حياته لم يحظ حينها بأي اهتمام يذكر من القرّاء، وفي وقت ما أطعم النار أغلب مخطوطاته؛ إذ لم تعنه – وفق ما نعلم - الشهرة قط، ولاحقاً - بينما كان يقضي عليه مرض السلّ وهو لمّا يكمل العقد الرابع من العمر - أوصى رفيقه المقرّب ماكس برود بالتخلّص من كل ما تبقى من أوراقه. ولولا أن برود خان صديقه ولم ينفّذ رغبته لضاعت أعمال هذا الأديب العبقري إلى الأبد.
ولكن أَمَا من لحظات مبهجة في حياة هذا اليهودي الكئيب على الإطلاق؟ لعل أفضل فرصة لنا للإطلال من كوّة ضيقة على عالم كافكا الإنسان بحثاً عمّا يغاير أدبه بعد مائة عام على غيابه، قد تكون مفكرته الشخصيّة. فمن المعروف أنّه احتفظ بنوع من مذكرات ثريّة بداية من عام 1909 إلى عام 1923؛ أي ما قبل وفاته المبكرّة بأشهر، جمع فيها من كل الأشياء: الرسائل، ومسودات القصص، ومراجعات المسرح، والملاحظات، والاقتباسات من الصحف والمجلات، والتأملات الذاتيّة، وحتى الأحلام.
لم تكن تلك مادة للنشر بأي حال، وإنما كانت نوعاً من طاولة عمل يعود إليها كافكا بين الحين والآخر، ويلتقط على صفحاتها ما يعبر برأسه من أفكار، ويودعها نظراته فيما يمر بحياته اليوميّة من أحداث وشخصيّات تأتي عفو الخاطر. وهي كانت ضمن الأوراق التي طلب كافكا من صديقه حرقها، وما أنقذها إلا إيمان برود الحاسم بعبقريّة صديقه، وقراره عصيان وصيته.
فضل برود على الأدب العالمي لم يأت خالصاً؛ إذ نصّب نفسه حارساً لصورة كافكا في المخيال الجمعي، فقام بتحرير مكثّف للمذكرات قبل أن يدفع بها إلى المطبعة، فظهرت متماسكة، جادّة، خالية من الظلال السوداء والشوارد السائبة والهفوات البشريّة. وبشكل خاص استبعد كل المقاطع التي يمكن أن تقرأ في سياق ميول مثليّة جنسيّة، واختفت أو تقلّصت حكايات زياراته المتكررة لدور البغاء. لقد تحوّل كافكا بفضل مقص برود إنساناً مترفعاً يرتقي به نقاؤه إلى مكانة مرتفعة فوق أوحال هذا العالم.
نُشرت هذه النسخة المشذبة من المذكرات بالألمانيّة، واطلع عليها العالم الأنجلوساكسوني لأوّل مرّة في أواخر الأربعينات، وبقيت دهراً مصدراً لصورة وحيدة؛ لكن مضللة، عن شخص الكاتب وراء الكتابة، ساهم في تكريسها دون تحدّ الصراع السياسي على ضمّ تراث كافكا بين هوياته الكثيرة: يهوديته وألمانيته وتشيكيّته ونمساويته وأوروبيته، وأيضاً أمميته بوصفه كاتباً عالمياً عابراً للهويات المحليّة.
هذا التضليل الذي استمر لعقود انتهى في أجواء الثقافة الألمانيّة قبل ثلاثة عقود، عندما أعيد نشر المذكرات مجدداً بصيغتها المكتملة دون تدخلات برود، وقد انتظر الكوكب الأنجلوساكسوني الكاتب الأميركي روس بنجامين ليقدّمها هذا العام - بعد قرن من وفاة صاحبها - بهذه الصيغة الأصليّة غير المحررة وفي ترجمة محترفة وحساسة فاق عدد صفحاتها 700؛ رفقة مجموعة ثريّة من تعليقات المترجم وإشاراته، وستغدو دون شكّ مكملاً لا غنى عنه لأعمال كافكا الشهيرة في الرواية والقصّة القصيرة، ووثيقة لا بدّ منها لكل مؤرخ لكافكا ولأدب القرن العشرين.
تجرجر هذه الطبعة كافكا من عليائه المزورة وتعيده إلى الأرض مع بقيتنا من البشر الفانين، لكنّها مع ذلك تقوم بتلك المهمّة بطريقة حميمة لا تؤذي إحساس القراء بطول معاناته، ولا تقلل بأي حال من موهبته العميقة والحقيقية والساطعة.
قراءة هذه المذكرات ليست بالأمر السلس، فهي أشبه بقطع أفكار وبروفات نصوص لا خيط واحداً يجمعها سوى الإحباط والشعور بالعزلة، فكأنها مجموعة من القصائد والأبيات التي كتبت في مناسبات «متفاوتة» وجمعت في دفتر واحد دون نظام. ومن الجلي أن جانباً مهماً من عذابات كافكا، إلى جانب وجع الكتابة وأرقها - «إنني أحسّ بالإمكانية الوشيكة لحال عظيمة من شأنها أن تمزقني وتجعلني قادراً على أي شيء» - وعلاقته المهتزة بوالده، كان مسائل تتعلق غالباً بهويته الجنسيّة المضطربة، وفقدانه الثقة بقدرته الجسديّة التي أنهكها السلّ والأرق والإمساك والأوجاع الدائمة، وهذه مهمّة بشكل أو بآخر لفهم ذلك الاغتراب الحاد الذي كان يحس به وانعكس في النهاية على مضامين نصوصه الأدبيّة الخالدة.
ومع ذلك، تتسلل ملامح لطيفة عن تفاصيل العيش اليومي لكافكا من بين الصفحات؛ فيخبرنا مثلاً عن قضائه كثيراً من الليالي في المسرح، ويبدي آراء محكمة في الأعمال التي رآها على الخشبة حتى تكاد تعتقد أنّه كان ناقداً مسرحيّاً بارزاً، ونفهم أنّه أصبح صديقاً لأعضاء فرق مسرحيّة مغمورة، وتولّه بعدد من الممثلات فيها على نحو يثير تعاطفنا الشديد مع أولئك الممثلين الذين؛ رغم افتقادهم المال والشهرة؛ يستمرون في أداء مهمتهم النبيلة في محاكاة حزينة لمصير البشر البائس. وهناك إشارات إلى بكائه في السينما، وكذلك تفكيره في الانتحار.
ومع كل هذه الكآبة، يبدو من المذكرات أنّه كان قادراً على الضحك الهستيري أيضاً؛ إذ يخبرنا أنّه جلس في حانة بالعاصمة التشيكيّة رفقة صديقه ماكس برود بعد أن غادرا حفلاً للأوبرا، وبينما كان برود يحاول فتح عبوة مياه غازية؛ تناثرت محتوياتها كما رذاذ المطر على كل ملابس كافكا الذي ضحك بشدة حتى خرج المشروب الذي كان يشربه من أنفه.
على أنّ ما يجعل هذه النسخة من المذكرات فائقة الأهميّة للتأريخ الأدبي، احتواؤها – على خلاف النسخة التي حررها برود - على المسودات الأوليّة والبدايات التي عدل عنها لقصصه، فكأننا نقبض على نَفَسِ كافكا الأدبي الخاص وهو يتطور رويداً وريداً في الوقت الحقيقي لحياته القصيرة.
صورة كافكا بعد قراءة هذه النسخة من المذكرات أكثر اكتمالاً، وأقرب إلى الإنسانيّة والواقع؛ من التقديس والنمذجة المزيفة التي قدّمتها طبعة برود، وتوفّر انطباعاً غنياً عما سماه كافكا «ذلك الكون الهائل الذي أمتلكه في رأسي»، وهي تمكننا من استيعاب التجربة التي أنتجت تلك المجموعة المبهرة من روايات وقصص قصيرة وثّقت تضاؤل الفرد في كتل الآيديولوجيات الشمولية الهائلة التي هيمنت على بدايات القرن العشرين، والمناخات الحداثيّة التي أخذتنا تالياً إلى مأساة الحرب العالميّة الثانيّة وخروج أوروبا من مركز التاريخ. قراءة مزعجة من دون شك؛ لكنّها قيّمة ولا تقدّر بثمن.

«يوميات فرانز كافكا»
The Diaries of Franz Kafka، Translation: Ross Benjamin، (The Schocken Kafka Library)، Schocken Books،


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

هل تحد «مقاطعة» الإعلام التقليدي أخبار مشاهير «السوشيال ميديا» من انتشارهم؟

«ماسبيرو» يحظر «البلوغرز» (الهيئة الوطنية للإعلام)
«ماسبيرو» يحظر «البلوغرز» (الهيئة الوطنية للإعلام)
TT

هل تحد «مقاطعة» الإعلام التقليدي أخبار مشاهير «السوشيال ميديا» من انتشارهم؟

«ماسبيرو» يحظر «البلوغرز» (الهيئة الوطنية للإعلام)
«ماسبيرو» يحظر «البلوغرز» (الهيئة الوطنية للإعلام)

أثار قرار «الهيئة الوطنية للإعلام» و«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» بالامتناع عن تغطية أنشطة مشاهير «السوشيال ميديا» وأخبارهم على خلفية كثرة المشاكل التي يثيرونها، تساؤلات حول مدى تأثير قرار وسائل الإعلام التقليدية على الحد من انتشارهم.

وتعدّ «الهيئة الوطنية للإعلام» الجهة المالكة والمسؤولة عن القنوات التلفزيونية وشبكات الراديو الحكومية، بينما تمتلك «المتحدة للخدمات الإعلامية» غالبية القنوات المصرية الخاصة، وعدداً من وسائل الإعلام الإلكترونية والمطبوعة في مصر.

واتُخِذ القرار بعد الضجة التي شهدها حفل خطوبة «التيك توكر كروان مشاكل» في القاهرة والتي شهدت خلافات وزحاماً ووقائع تحرش تدخلت فيها قوات الشرطة، وتم توقيف مجموعة من الأشخاص على خلفية ما حصل من تجاوزات وأحيلت الوقائع الخاصة بها إلى النيابة، مع تأكيدات الداخلية وجود معلومات جنائية لصاحب الحفل وعدد من الموقوفين.

وشهدت مصر في الشهور الماضية تجاوزات لعدد من «التيك توكرز» و«البلوغرر»، وتم إيقاف بعضهم من قِبل الشرطة وتوجيه اتهامات لهم بخدش الحياء العام، بينما جرى توقيف آخرين على خلفية اتهامهم بغسل الأموال والتربح بشكل غير مشروع في توقيفات أحيلت للقضاء وصدر في حق بعضهم أحكام بالحبس.

وأرجعت «المتحدة» قرارها الصادر مساء الثلاثاء إلى أنه انطلاقاً من الإيمان بأن «رسالة الصحافة أسمى من ملاحقة محاولات صناعة الضجيج وجذب الانتباه دون مضمون أو قيمة حقيقية»، في حين دعمت «الوطنية للإعلام» المبادرة، مؤكدة في بيان «رفضها محاولات البعض التطفل على المشهد الإعلامي بأساليب تتسم بالإسفاف والابتذال، بما يضر منظومة القيم، ويصدّر لفئات من المجتمع صورة سلبية حول رسالة الإعلام و(السوشيال ميديا) بوصفها مجالاً مفتوحاً لوهم الشهرة الزائفة».

تدير «المتحدة» غالبية القنوات التلفزيونية الخاصة في مصر (حساب الشركة على فيسبوك)

ودعم وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو مبادرة «الشركة المتحدة»، وقال في بيان، الأربعاء، إن «الثقافة والإعلام شريكان أساسيان في دعم الوعي العام والحفاظ على منظومة القيم الأصيلة للمجتمع المصري».

خطوة المقاطعة من وسائل الإعلام التقليدية لمجتمع «التيك توكر» تراها العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة الدكتورة ليلى عبد المجيد «غير كافية» للحد من انتشار مثل هذه الشخصيات، مؤكدة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المبادرة طيبة من وسائل الإعلام، لكن في النهاية لا بد أن يكون هناك ضوابط من الدولة لتجنب التأثير السلبي للمؤثرين على الأجيال الناشئة التي أصبحت (السوشيال ميديا) مصدرهم الأول للمعلومات».

وأضافت أن «وجود برامج للتوعية بجانب الإجراءات الحكومية التي يفترض أن تكون موجودة لضبط المشهد عبر (السوشيال ميديا) ستكون ناجحة لكون المشهد في حاجة إلى تكامل بين الجهات المختلفة وليس فقط وسائل الإعلام التقليدية التي ترى أن تأثيرها لا يزال موجوداً وإن اختلفت درجة تأثيره».

وهنا يشير المدرب والمتخصص في الإعلام الرقمي معتز نادي لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة الارتقاء بالمحتوى المقدم للمتابعين لضمان وجود الجمهور الذي يمكن الارتقاء بذائقته عبر متابعة النماذج الإيجابية»، مشيراً إلى أن «الجمهور في حاجة إلى الاطلاع على المحتوى الذي يستحق المتابعة، وبالتالي سيتجاهل المحتوى المثير للجدل».

ويلفت نادي إلى إشكالية عدد متابعي مشاهير هذا العالم، ويقول: «ربما يستفيد بعضهم من قاعدة الممنوع مرغوب في تكوين شهرة، وبالتالي يمكن قياس الأثر بمرور الأيام بشأن حساباتهم وعدد متابعيهم، بجانب مدى الالتزام بتنفيذ القرار، خاصة مع طبيعة العمل الإخباري وتحديثاته مع وجود قصة تصعد لصدارة (الترند).

وهنا تؤكد ليلى عبد المجيد أن جزءاً من المتابعين يكون منتقداً ورافضاً لما يتم تقديمه، لكن في النهاية يتفاعل مع ما يقوم به هؤلاء المشاهير بالرفض، عادَّةً أن عدم الانخراط في التفاعل معهم بأي شكل من الأشكال سيكون هو الرهان الناجح لإبعادهم بما يقدمونه من محتوى غير هادف عن المشهد.

وضجت «السوشيال ميديا» بتفاصيل ما حدث في خطوبة «التيك توكر» كروان مشاكل وياسمين سيد، حفيدة المطرب الشعبي الراحل شعبان عبد الرحيم، مع رصد اعتداءات طالت العروس وعائلتها، بالإضافة إلى اتهامات متبادلة بين الجانبين بالمسؤولية عما حدث، ومنها إحراق سيارة يمتلكها شقيق العريس وهي السيارة التي أكدت «الداخلية» أن النيران اشتعلت فيها بسبب ألعاب نارية من داخلها.

وحررت ياسمين سيد محضراً ضد خطيبها تتهمه فيه بسرقة هاتفها المحمول والشبكة الذهبية الخاصة بها، وقالت في بلاغها إن «واقعة السرقة جرت قبل أيام من حفل الخطوبة»، مشيرة إلى أن «خطيبها سعى لتحقيق أرباح من خلاله على حساب سمعته». على حد تعبيرها.

وحظيت مبادرة «الشركة المتحدة» بالإشادة من شخصيات عدة على مواقع التواصل، من بينهم نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي، والمحامي طارق العوضي الذي وصف المبادرة عبر حسابه على «فيسبوك» بأنها «خطوة شجاعة ومسؤولة تعيد الاعتبار لدور الصحافة ورسالتها السامية»، عادَّاً أنها «لا تُعادي حرية التعبير، بل تُنقذها من الابتذال؛ ولا تُخاصم الواقع الرقمي، بل تُنظّم علاقتها به على أسس مهنية وأخلاقية».


أفلام مصرية وسعودية للعرض بموسم «رأس السنة» بعد جولتها بالمهرجانات

أحمد مالك وكامل الباشا في فيلم «كولونيا» (الشركة المنتجة)
أحمد مالك وكامل الباشا في فيلم «كولونيا» (الشركة المنتجة)
TT

أفلام مصرية وسعودية للعرض بموسم «رأس السنة» بعد جولتها بالمهرجانات

أحمد مالك وكامل الباشا في فيلم «كولونيا» (الشركة المنتجة)
أحمد مالك وكامل الباشا في فيلم «كولونيا» (الشركة المنتجة)

يشهد موسم رأس السنة انتعاشة في دور العرض السينمائية، من خلال طرح أفلام مصرية وسعودية للجمهور بعد مشاركات متعددة لهذه الأفلام في مهرجانات دولية، وحصول بعضها على جوائز مهمة، ومن بينها الفيلمان المصريان «كولونيا» و«جوازة ولا جنازة» اللذان ينطلق عرضهما التجاري 7 يناير (كانون الثاني) 2026، ويعرضان عربياً في 14 يناير، والفيلم السعودي «هجرة» الذي يبدأ عرضه في السينمات السعودية 8 يناير، والفيلم البريطاني «العملاق» من بطولة أمير المصري، ويبدأ عرضه عربياً في 14 من الشهر نفسه.

فيلم «كولونيا» أو «My Father’s Scent» من بطولة أحمد مالك والفنان الفلسطيني كامل الباشا ومايان السيد، ومن إخراج محمد صيام. وتدور أحداثه خلال ليلة واحدة تشهد مواجهات حادة بين أب وابنه، يستعيدان فيها خلافاتهما وذكرياتهما السيئة وحالة الكراهية التي تظلل علاقتهما. ويتواصل الحوار بينهما في حدة تكشف عن سوء فهم لمواقف بينهما، فتتراجع حالة الجفاء إلى صداقة في مشاهد إنسانية تستعيد العلاقة بين الأب وابنه.

وحاز الفيلم عدة جوائز، من بينها الجائزة الكبرى لمهرجان «سينيماميد» ببروكسل، وجائزة «سينيوروبا» من المهرجان نفسه، وجائزة الجمهور من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، وأفضل تصميم إنتاج من مهرجان «قرطاج»، وجائزة أفضل ممثل لأحمد مالك بـ«الجونة السينمائي»، وكان قد حاز مشروع الفيلم 5 جوائز من ورشة «فاينال كت» في مهرجان «فينيسيا» خلال دورته قبل الماضية، و4 جوائز من مهرجان «القاهرة السينمائي» 2024 لمرحلة ما بعد الإنتاج.

الفنان نواف الظفيري في فيلم «هجرة» (الشركة المنتجة)

أما الفيلم السعودي «هجرة» للمخرجة شهد أمين، فقد شهد عرضه العالمي الأول بمهرجان «فينيسيا السينمائي» خلال دورته الماضية، وفاز بجائزة «NETPAC» بوصفه أفضل فيلم آسيوي.

كما حاز جائزتين في الدورة الخامسة لمهرجان «البحر الأحمر»، وهما جائزة «اليسر الذهبية» من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة وجائزة «فيلم العُلا» لأفضل فيلم سعودي بتصويت الجمهور، كما توّج بجائزتي أفضل صورة لمدير التصوير «Miguel LOANN Littin»، وأفضل ممثل لنواف الظفيري في ختام الدورة الـ36 لمهرجان قرطاج.

تدور أحداث فيلم هجرة من خلال جدة وحفيدتيها، تسافرن من الطائف إلى مكة، وعندما تختفي الحفيدة الكبرى تسافر الجدة وحفيدتها الصغرى شمالاً للبحث عنها، وتسلط رحلتهما الضوء على الروابط الثقافية والعمرية العميقة بين النساء السعوديات على خلفية موسم الحج، حيث تعكس رحلتهن ثقل تراث بأكمله، وتقدم نظرة عاطفية قوية وثاقبة حول الهوية عبر الغوص العميق في التراث الثقافي للأمة، وصُوِّر الفيلم في 8 مدن سعودية. وهو من بطولة خيرية نظمي، ولمار قادن، ونواف الظفيري، ورغد بخاري، وعبد السلام الحويطي. ومن إخراج وكتابة شهد أمين، وإنتاج كل من السعودية والعراق ومصر وبريطانيا.

وشارك فيلم «جوازة ولا جنازة» في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» خلال دورته الخامسة ضمن قسم «روائع عربية»، وهو من بطولة نيللي كريم، وشريف سلامة، ولبلبة، والفنان اللبناني عادل كرم، وهو أول أفلام المخرجة الفلسطينية أميرة دياب التي كتبت الفيلم مع دينا ماهر، ويعرض لفكرة التفاوت الطبقي. وتدور أحداثه في إطار اجتماعي كوميدي من خلال عائلتين لا يجمع بينهما سوى صلة نسب، تُجبران على قضاء 7 أيام معاً استعداداً لحفل زواج فخم يجمع نجليهما.

نيللي كريم وشريف سلامة بالملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

ويرى محمد صيام، مخرج فيلم «كولونيا» أن العرض بالمهرجانات قد جعله يشعر أن الفيلم لامس الناس بالفعل، ليس أعضاء لجان التحكيم والنقاد فقط، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أرى في لحظة واحدة صمتاً في القاعة، ثم التنفس الجماعي أو البكاء بعد نهاية الفيلم، وهناك من يضحك في مشاهد، ويصمت فجأة في مشاهد أخرى».

ويلفت صيام إلى أن جائزة الجمهور التي حازها الفيلم في مهرجان «البحر الأحمر» كانت تأكيداً على أن الحكاية قريبة من الناس، وأن المشاعر التي عكسها الفيلم مفهومة ولا تحتاج لشرح أو خلفية ثقافية معينة، رافضاً مصطلح «أفلام مهرجانات» لأنه يضع الفيلم في خانة ضيقة، كما لو كان موجّهاً لفئة معينة، وليس للناس كلها، مشيراً إلى أن «الجوائز والمهرجانات قد تكون بوابة، لكنها ليست بديلاً عن الجمهور»، واصفاً فيلمه «كولونيا» بأنه «عمل قريب من الناس وقصة تحدث في كل بيت، وكل منا مرّ بها في لحظة ما».

وكان فيلم العملاق «Giant» قد افتتح الدورة الفائتة لمهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، وهو من إنتاج بريطانيا، وإخراج روان أثالي، ومن بطولة بيرس بروسنان، وأمير المصري، وكاثرين داو، وعلي وغيث صالح، ويروي الفيلم القصة الملهمة لسيرة الملاكم الأسطوري اليمني البريطاني نسيم نازحميد وعلاقته بمدربه الآيرلندي بريندان إنغل، وكيف صعد نسيم من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش وصولاً إلى تتويجه بطلاً للعالم.

وحاز الفيلم اهتماماً لافتاً في «البحر الأحمر»، وتُوّج الفنان أمير المصري خلال فعاليات المهرجان بجائزة «فارايتي» الدولية للممثل الرائد لعام 2025، وذكر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه يتطلع للعرض الجماهيري بعدما قوبل الفيلم بحفاوة كبيرة في عرضه الشرق أوسطي الأول بالمملكة.

ويرى الناقد السعودي أحمد العياد أن «المهرجانات لا تمنح ضماناً جماهيرياً ولا تكتب شهادة نجاح مسبقة لأي فيلم، لكنها تمنح فرصة للمشاهدة، للاختبار الأول والاحتكاك النقدي ولخلق سمعة أولية»، قائلاً في تعليق لـ«الشرق الأوسط»: «يظل دائماً لشباك التذاكر منطقه الخاص، فالجمهور لا يشتري تذكرة لأنه قرأ أن الفيلم شارك في مهرجان، بل لأنه شعر أن الفيلم يعنيه، فقد تمهّد المهرجانات طريق الفيلم وقد لا تفعل ذلك».

ويرى العياد أن مصطلح «أفلام المهرجانات» ليس مصطلحاً سلبياً، لأن هناك أفلاماً تهتم بالتجريب واللغة السينمائية والمخاطرة الجمالية، وهذه الأفلام تجد في المهرجانات بيئتها الطبيعية الأولى، ليس لأنها «نخبوية»، بل «لأنها تحتاج سياق مشاهدة ومناقشة مختلفاً عن سياق العرض الجماهيري».


«المجهولة»… فيلم سعودي يطرق عوالم خفية ويواصل حضوره العالمي في دور السينما

أبطال الفيلم السعودي «المجهولة» في ليلة العرض الخاص بالرياض (روتانا)
أبطال الفيلم السعودي «المجهولة» في ليلة العرض الخاص بالرياض (روتانا)
TT

«المجهولة»… فيلم سعودي يطرق عوالم خفية ويواصل حضوره العالمي في دور السينما

أبطال الفيلم السعودي «المجهولة» في ليلة العرض الخاص بالرياض (روتانا)
أبطال الفيلم السعودي «المجهولة» في ليلة العرض الخاص بالرياض (روتانا)

تنطلق عروض الفيلم السعودي «المجهولة» تجارياً في دور السينما السعودية ودول الخليج، ابتداءً من أول أيام يناير (كانون الثاني) 2026، وذلك بعد العرض الخاص الذي أقامته «روتانا ستوديوز» في «فوكس سينما» بواجهة روشن بالرياض، الاثنين، بحضور صناع العمل وعدد من الإعلاميين والنقاد.

ويأتي عرض الفيلم بعد مشاركته العالمية الأولى في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، إلى جانب مشاركاته في مهرجان زيورخ السينمائي ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، في حضور يؤكد تطور السينما السعودية وقدرتها على المنافسة في المحافل الدولية.

ووصفت الممثلة السعودية ميلا الزهراني، بطلة الفيلم، مشاركتها في «المجهولة» بأنها من أهم التجارب في مسيرتها الفنية، مؤكدة في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن العمل مختلف عما قدّمته سابقاً، وقالت: «هذا الفيلم يكشف جانباً جديداً من شخصيتي كممثلة، ومنذ قراءتي الأولى للنص شعرت أنني أمام تجربة استثنائية وسعيدة باختيارهم لي، خاصة أن هذا هو التعاون الثاني مع المخرجة هيفاء منصور، التي أشعر بأن العمل بجوارها مختلف، فهي تثق بي كممثلة، وأتمنى أن يلمس الجمهور هذا الاختلاف».

أبطال الفيلم السعودي «المجهولة» في ليلة العرض الخاص بالرياض (روتانا)

من جهته، علّق الممثل السعودي عزيز الغرباوي، الذي يلعب دور ملازم، أن الشخصية علمته الكثير عن الانضباط والدقة، بدءاً من ارتداء البدلة العسكرية، ووصولاً إلى لغة الجسد وطريقة الوقوف واختيار الكلمات. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «في البداية، كنت متوتراً، لكنني وافقت على العمل فور علمي أن المخرجة هي هيفاء المنصور، وأرى أن التعاون مع ميلا وبقية فريق العمل كان رائعاً، وأتمنى أن يستمتع المشاهدون بالفيلم، ويتفاعلوا مع رسالته».

ويمنح الفيلم نموذجاً متقدماً لتوظيف الابتكار في الإنتاج السينمائي، وذلك من خلال استخدام أحدث تقنيات التصوير وأساليب السرد البصري، وقد تم تصويره بالكامل في السعودية، وهو من تأليف وإخراج هيفاء المنصور، وبطولة ميلا الزهراني، انتصار، شافي الحارثي، مشعل المطيري، فاطمة الشريف. وتدور أحداث «المجهولة» في إطار من التشويق والإثارة والبعد الإنساني، حول شخصية نوال السفّان، المهتمة بعالم الجرائم الحقيقية، التي تسعى لكشف هوية جثة فتاة مراهقة عُثر عليها في الصحراء، لتجد نفسها أمام لغز معقد داخل مجتمع تقليدي.

ويعدّ الفيلم من إنتاج «روتانا ستوديوز»، التابعة لمجموعة «روتانا ميديا»، بالشراكة مع مؤسسة المنصور، وبالتعاون مع مبادرة ضوء، وهيئة الأفلام السعودية، والصندوق الثقافي، فيما تتولى توزيعه شركة قنوات، الموزع لمجموعة من أنجح الأفلام في شباك التذاكر السعودي والخليجي.