توثيق رحلة حج انطلقت من موريتانيا إلى مكة بالقرن الـ18

دراسة مصرية تتبعت مسار البشـير الولاتي بشمال أفريقيا والحجاز

رسم توضيحي للمسجد النبوي والروضة الشريفة
رسم توضيحي للمسجد النبوي والروضة الشريفة
TT
20

توثيق رحلة حج انطلقت من موريتانيا إلى مكة بالقرن الـ18

رسم توضيحي للمسجد النبوي والروضة الشريفة
رسم توضيحي للمسجد النبوي والروضة الشريفة

بينما تشكل رحلات الحج القديمة جزءاً مميزاً من التراث العربي، فإن توثيق بعضها كان قليلاً؛ وفي خطوة جديدة نحو التوثيق لهذه الرحلات، حقق الباحث المصري الدكتور عمرو عبد العزيز منير، أقدم رحلة شنقيطية مدونة، وهي رحلة الحاج محمد البشير بن أبي بكر البُرْتُلي الولاتي، إلى الحرمين الشريفين سنة 1204هـ - 1789م؛ وذلك في كتاب جديد صدر حديثاً بعنوان «أقدم رحلة شنقيطية مدونة» بعد أن ظلت الرحلة والمخطوطات التي تناولتها في طي النسيان لسنوات طويلة.
تكتسي الرحلة الحجازية للحاج البشير البُرْتُلِي بأهمية بالغة، إذ تُسهم في دراسة التواصل الحضاري بين غرب العالم الإسلامي، وشرقه بصفة عامة، وبين حواضر بلاد الساحل والصحراء وبلاد الحرمين الشريفين بصفة خاصة، فضلاً عن أنها تتميز عن الرحلات المدونة الأخرى بالطريق التي سلكته؛ وهي طريق تفتقد - أو تكاد - أي رحلة حجازية مدونة مشابهة، سلك صاحبها هذا الطريق التي تجمع المصادر على أهميته.
وتعود حكاية تحقيق الرحلة إلى أنه بحكم اهتمامه بعالم الرحلة والدراسـات ذات الصـلة بالثقافة الشعبية، كان د. عمرو منير، أستاذ مشارك التاريخ الوسيط بجامعتي أم القرى وجنوب الوادي، دائم التنقيب في مجاميع المخطوطات، بحثاً عن النوادر، وسعياً لنفض الغبار عن التراث وإعادته إلى الحياة، وهكذا جاء العثور على المخطوط الخاص بالرحلة مصادفة ضمن سجل فهرسة مجموعة مخطوطات كان بعضها في الأصل ملكاً لجده عبد السلام المعلم، الذي كان مهتماً بجمع الكتب والمخطوطات، وكان قد قام بإهــدائها لدار الكتب بالزقازيق بمحافظة الشرقية (دلتا مصر).
في البداية لم يكن الأمر واضحاً، حيث كانت الرحلة منسوبة للمسـمى «البيشي»، ولكن بعد البحث والتقصي اكتشف منير أنه لا وجود لشخص بهذا الاسم، وأنه ربما وقع تصحيف أو سوء قراءة أو فهم، على حد تعبير منير الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «اكتشفت أن المُفهرِس أو كاتب السجل بالدار لم يتمكن من قراءة الاسم المكتوب بالخط المغربي؛ فأثبته على أنه (البيشي)، وقد تأكدت من حقيقة الرحلة بالرجوع إلى المصادر التي تحدثت عن صاحبها، وأنها رحلة الحاج البشـير البُرْتُلِي الولاتي، المنتسب إلى مدينة ولاتة، وهي إحدى المقاطعات التابعة لولاية الحوض الشرقي الموريتانية حالياً، وقام الولاتي بالرحلة سنة 1204هـ - 1789م إلى الحرمين الشريفين، وهي بذلك أقدم رحلة حجازية خرجت من بلاد شنقيط، وقد ظلت في حكم المفقود لعشرات السنين».

ويضم الكتاب ملاحق توضيحية تتضـمن بعض الصور والوثائق، ومنها خريطة توضح أهم محطات الرحلة ذهاباً وإياباً، وصور لبعض المحطات أو المعالم التي زارها البُرْتُلِي، وصوراً أخرى قام بتصوير أغلبها، وتظهر التغييرات التي طرأت على تلك المعالم.
وفي سبيل ذلك، قام منير بتتبع خُطى البُرْتُلِي فزار أتوات بالجزائر، وحفرة الركب بعين صالح. كما سافر إلى ولاتة، مما ساعده على خدمة الرحلة بصورة أفضل، كما أحرم بالحج، ليعيش الأجواء التي كان يعيشها البُرْتُلِي وهو حاج، كما تتبع خُطاه في مصر فيما يزال ماثلاً من معالم، كالمزارات والمساجد التي زارها.
وتقدم الرحلة مادة أولية وافرة للجغرافيا الاجتماعية ولأوضاع القرى والمدن المختلفة في الأقطار التي مرت بها ذهاباً إلى بلاد الحرمين الشريفين وإياباً منها، مما يساعد على تفسير بعض ملامح الشخصية الجغرافية لتلك المناطق، ومن خلال الكتاب نتعرف على وصف البُرْتُلِي للمدن والقرى العامرة، معدداً مزاراتها وأضرحتها ورجالاتها الصالحين، كما تتفرد بوصف صحراء «تنزروفت» الموحشة، وتقدم لنا مادة جغرافية جزيلة حول هذه المنطقة المجهولة التي لم يتطرق إليها الجغرافيون الأوائل إلا بشكل سطحي وعام، كما تعدد الرحلة منازل الطريق وصولاً إلى الحرمين الشريفين وآبار المياه بعذبها ومالحها، واصفة جغرافيتها وتضاريسها، وتزخر حكايات صاحب الرحلة بالكثير من الإشارات التاريخية المتعلقة بمدينة ولاتة، وصحراء ليبيا، ومصر، والحجاز.
أما المظاهر الاجتماعية التي استفاض البُرْتُلِي في ذكرها فمنها وصفه لحفرة الركب في عين صالح بالجزائر، ومرزق في ليبيا، ووصف المشاق التي لاقاها الركب في الصحراء وفي جبال الهروج الليبية وما بعدها قبل دخول مصر، ووصف دقائق المسلك الرابط بين مصر ومكة المكرمة، وما عانوه في صحراء التيه، كما وصف استقبال الحجيج من طرف سكان بعض المدن التي مروا بها.
لكنه أولى اهتماماً خاصاً ببلاد الحرمين الشريفين، ومعالم مكة، كدار المولد النبوي، التي وصف الحالة التي كانت عليها إبان حجته، وكذا المزارات التي زارها بالمدينة المنورة.
اللافت أن الكتاب «أقدم رحلة شنقيطية مدونة» قد خرج عن دار بريل، وهي مؤسسة نشر عريقة من أقدم المطابع الأوروبية، حيث تأسست في مدينة لايدن الهولندية سنة 1683 وعن ذلك يقول منير: «احتضان بريل للكتاب هو اعتراف بقيمة الإنتاج المعرفي العربي».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».