جيل «ثورة فبراير» الليبية... رؤى متباينة وأحلام مؤجلة

سياسيون يعتبرونه «مظلوماً» ويحتاج لرعاية مجتمعية

أطفال ليبيون يحتفلون بذكرى «ثورة فبراير» وسط تاجوراء (أرشيفية-  أ.ف.ب)
أطفال ليبيون يحتفلون بذكرى «ثورة فبراير» وسط تاجوراء (أرشيفية- أ.ف.ب)
TT

جيل «ثورة فبراير» الليبية... رؤى متباينة وأحلام مؤجلة

أطفال ليبيون يحتفلون بذكرى «ثورة فبراير» وسط تاجوراء (أرشيفية-  أ.ف.ب)
أطفال ليبيون يحتفلون بذكرى «ثورة فبراير» وسط تاجوراء (أرشيفية- أ.ف.ب)

بينما تحتفل ليبيا بالذكرى الـ12 لـ«الثورة» التي أسقطت الرئيس معمر القذافي، في عام 2011، يتساءل سياسيون عن الجيل الذي لم يواكب اندلاع هذه الأجواء، وكيف تركت الصراعات المتلاحقة آثارها على سلوكه ورؤيته وقناعاته، وما حققه من أحلامه، أو ما تعثر منها لأسباب سياسية واجتماعية.
ورأى عضو مجلس النواب الليبي محمد عامر العباني، أنه «لم يكترث أحد لوضعية هذا الجيل، ممن فرحوا وهللوا بالثورة وهم أطفال صغار، ثم سرعان ما اضطروا إلى التعايش والاكتواء بنيران الصراعات والاشتباكات المسلحة التي شقت طريقها للبلاد بعد هذه الثورة».
وقال العباني لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الجيل «منه من فقد أباه أو أحد أشقائه في تلك الصراعات، أو من اضطر إلى مغادرة منزله والنزوح من مدينته، أو أصبحت أسرته جزءاً من نظام غير مَرضيٍّ عنه، ففقدوا مصدر رزقهم».
وتطرق العباني -وهو أكاديمي سابق بجامعة «الزيتونة» (ناصر الأممية)- إلى شرح تداعيات تلك المعاناة، وكيف رسمت ملامحها هذه الفئة، وقال: «بات لدينا جيل في أغلبه يفتقر للقيم المعنوية، منبهر بسطوة السلاح والمال والنفوذ؛ بل إن البعض منهم يذهب للمدرسة تخوفاً من أسرته، وقد يتسرب من التعليم بالمرحلة الثانوية أو بالجامعة، ومنهم من كانت كارثته أشد لتأثره بأفكار (داعش) وأمثاله من التنظيمات المتطرفة التي سيطرت في فترة ما على بعض المدن الليبية».
ولكن هل انحصرت تداعيات تلك الصراعات على عسكرة هذا الجيل؟ عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية، رأى أن «التجريف الذي تعرض له هذا الجيل ولا يزال يتعرض له، قد يكون من الصعب تطويق آثاره».
وقال نصية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «ما نخشاه اليوم هو أن يغيب مفهوم الدولة والوطن عند هؤلاء الشباب، وأن تنحصر رؤيتهم وفهمهم لهذا المعنى الكبير في نطاق المعسكر، ونقطة التفتيش، أو الحقل النفطي الذي اضطلعوا بحمايته مقابل حصولهم على راتب كبير».
ويتابع: «مع ما تحتويه التقارير السنوية للأجهزة الرقابية، أو ما يستمعون له من خلال وسائل الإعلام والأحاديث داخل أسرهم، بات الحديث عن الفساد هو السائد».
ووفقاً لمؤشر مدركات الفساد لسنة 2022 الذي تُصدره منظمة الشفافية الدولية، فإن ليبيا لا تزال في قائمة الدول العشر الأكثر فساداً بالعالم.
وعلى الرغم من تأكيده أن «الذكور كانوا الطرف الأكثر تضرراً، باضطرار بعضهم -على الرغم من صغر سنه- لحمل السلاح، والزج بهم في الحروب، وتعرضهم للإصابة أو الإعاقة»، يؤكد نصية أن الفتيات، وإن استمر معظمهن في التعليم، فإنهن «واجهن مشكلة عدم الاستقرار والانفلات الأمني، وبالتالي حُرمن من فرص العمل».
أما الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، فيرى أن تبدد الحلم بمستقبل أكثر استقراراً وعدالة وانتعاشاً اقتصادياً خلال سنوات ما بعد الثورة، دفع «قطاعاً كبيراً من الشباب الصغير إلى عدم الاعتقاد بالثورة، وتحميل (الثوار) مسؤولية صعوبة الأوضاع المعيشية الراهنة؛ بل ودفعهم للاعتقاد بملائكية نظام معمر القذافي».
وقال القماطي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كأي مجتمع شهد صراعات، تعاني فئاته العمرية اضطرابات ما بعد الصدمة، بات الأمر يتطلب دراسات جدية حول الصحة النفسية لهذا الجيل، في ظل حديث عن ارتفاع معدل الجريمة، وانتشار المخدرات في ليبيا».
واستبعد «أي إمكانية لإثناء قطاع كبير منهم عن الانضمام للتشكيلات المسلحة، والتطلع للهجرة للدول الأوروبية»، موضحاً: «حين يتجاوز راتب العنصر ببعض التشكيلات الكبيرة ألفاً وخمسمائة دولار (الدولار يساوي 5.11 دينار ليبي) والتمتع بقيادة سيارة فارهة، في حين لا يزيد راتب الطبيب والأكاديمي عن 4 آلاف دينار، تكون النتيجة محسومة، لذا باتوا أيضاً يطرقون كل باب يؤدي للهجرة، ويركبون قوارب الموت التي كانت في الماضي حصراً على المهاجرين غير الشرعيين».
بُعد آخر اعتبره القماطي «في غاية الأهمية والخطورة»، وهو «تراجع اهتمام الجميع -وخصوصاً الحكومات- بالثقافة والفنون خلال السنوات الماضية، مما أتاح الفرصة لتغلغل وترسخ أفكار تيارات الإسلام السياسي، وخصوصاً التيار السلفي، في عقول شباب هذا الجيل؛ حيث أدى عدم انخراط قياداته في السياسة بعد 2011 كـ(الإخوان المسلمين) لعدم الاهتمام بمتابعة آثاره».
وانتهى القماطي إلى أن المعالجة الحقيقية للتداعيات التي تركتها السنوات الـ12 الماضية، تبدأ «بالإسراع بإيجاد حل سياسي، لتتمكن ليبيا بعدد كبير من شبابها المبدع في مجالات متعددة، والذين يتوارى الحديث عنهم جراء تسليط الضوء على الصراعات والخلافات».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
TT

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)

تشهد العاصمة بكين جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين، على مستوى وزيري خارجية البلدين، وذلك لتعميق التعاون، وتبادل الرؤى بشأن المستجدات الإقليمية والدولية.

ووصل وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى بكين، مساء الأربعاء، وأشارت وزارة الخارجية المصرية في إفادة لها، إلى «عقد الجولة الرابعة من آلية الحوار الاستراتيجي بين مصر والصين».

والتقى عبد العاطي، الخميس، رموز الجالية المصرية في الصين، وأبرز اعتزاز بلاده بأبناء الجاليات المصرية في الخارج؛ «نظراً لدورهم المهم في تعزيز روابط الصداقة مع مختلف الدول، بما يسهم في توطيد تلك العلاقات حكومة وشعباً، خصوصاً مع شريك اقتصادي مهم مثل الصين».

وحثّ الوزير عبد العاطي، رموز الجالية المصرية في بكين، للمشاركة في النسخة المقبلة من «مؤتمر المصريين بالخارج» في أغسطس (آب) 2025، والذي من المقرر أن يشارك فيه عدد من الوزراء، بما يجعله بمثابة «منصة للحوار المستمر بين الجاليات المصرية في الخارج والوزارات الخدمية»، وفق «الخارجية المصرية».

وتُقدر عدد الشركات الصينية العاملة في مصر بنحو 2066 شركة في قطاعات متنوعة، ويصل حجم استثماراتها إلى نحو 8 مليارات دولار، وفق تصريح لنائب رئيس الهيئة العامة للاستثمار المصرية، ياسر عباس، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 50.8 جنيه في البنوك المصرية).

الرئيس الصيني خلال استقبال نظيره المصري في بكين مايو الماضي (الرئاسة المصرية)

ووفق نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، نائب رئيس «جمعية الصداقة المصرية - الصينية»، السفير على الحفني، فإنه «لدى مصر والصين حرص دائم على تعميق العلاقات، واستمرار التشاور فيما يتعلق بعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، تعكس الإرادة المستمرة لتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف بين البلدين».

وأعلن الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والصيني شي جينبينغ، في بكين، مايو (أيار) الماضي، عن تدشين عام «الشراكة المصرية - الصينية» بمناسبة مرور 10 سنوات على إطلاق «الشراكة الاستراتيجية الشاملة».

وأكد الحفني أن «(الحوار الاستراتيجي المصري - الصيني) يأتي في ظل مناخ إقليمي ودولي مضطرب»، عادّاً أن «الحوار ضروري بين القاهرة وبكين، من منطلق وضع الصين قوةً دولية، وعضواً دائماً بمجلس الأمن الدولي، وبهدف تنسيق المواقف بشأن التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية، والمستجدات في غزة ولبنان وسوريا والسودان ومنطقة البحر الأحمر».

وتدعم الصين «حل الدولتين» بوصفه مساراً لحل القضية الفلسطينية، ودعت خلال استضافتها الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لـ«منتدى التعاون الصيني - العربي» في مايو الماضي، إلى «عقد مؤتمر للسلام لإنهاء الحرب في غزة».

ويرى خبير الشؤون الآسيوية في المجلس المصري للشؤون الخارجية، ضياء حلمي، أن «الملفات الإقليمية، وتطورات الأوضاع في المنطقة، تتصدر أولويات زيارة وزير الخارجية المصري لبكين»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن اتساع رقعة الصراع بالشرق الأوسط، والتوترات التي تشهدها دول المنطقة، تفرض التنسيق المصري - الصيني في هذه المرحلة، وإطلاع الجانب الصيني على ما تقوم بها مصر على الصعيد السياسي، للتهدئة في المنطقة».

وأشار حلمي إلى أن هناك تقارباً في المواقف المصرية - الصينية تجاه صراعات المنطقة، وضرورة التهدئة، لافتاً إلى أن «الملفات الاقتصادية تحظى باهتمام من جانب الدولة المصرية لزيادة حجم الاستثمارات الصينية، ورفع معدلات التبادل التجاري بين الجانبين».

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين نحو 13.9 مليار دولار خلال 2023، مقابل 16.6 مليار دولار خلال عام 2022، وفق إفادة جهاز التعبئة والإحصاء المصري، في مايو الماضي.