أميركا «المهووسة بفاغنر» تشهر «سيف العقوبات» على «داعميها»

في إطار تحركها لقطع «أذرع الأخطبوط» في ليبيا ودول القارة الأفريقية

أميركا «المهووسة بفاغنر» تشهر «سيف العقوبات» على «داعميها»
TT

أميركا «المهووسة بفاغنر» تشهر «سيف العقوبات» على «داعميها»

أميركا «المهووسة بفاغنر» تشهر «سيف العقوبات» على «داعميها»

هل الأميركيون فعلاً «مهووسون» بجماعة «فاغنر» الروسية؟ هذا «الهوس»، الذي تحدث عنه لوكالة «أسوشييتد برس»، مسؤول عربي أجرى أخيراً محادثات مع نظرائه الأميركيين، لا يبدو، في الواقع، شيئاً جديداً. فقد عبّر عنه الأميركيون مراراً في تصريحات حملوا فيها على هذه المجموعة الأمنية الروسية «المرتبطة بالكرملين»، كما يقولون. في الواقع، شكّلت «فاغنر» هاجساً للأميركيين منذ سنوات، بعدما أخذت تتمدد كأذرع الأخطبوط في كثير من الدول الأفريقية، مستغلة في أحيان كثيرة سخط قادتها من الفرنسيين والأميركيين الذين بدوا كأنهم لا يقدمون لهم الدعم الكافي للوقوف في وجه تمدد الجماعات الإسلامية المتشددة.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا وانخراط «فاغنر» بشكل لافت في المعارك الدائرة حالياً على جبهات شرق البلاد (علماً بأن نشاطها هناك يعود إلى عام 2014)، بدا أن صبر الأميركيين نفد كلياً. فأعلنوا، قبل أيام، حزمة ضخمة جديدة من العقوبات على كبار مسؤوليها والمسهلين لنشاطها والمتعاونين معها بوصفها مجموعة إجرامية عابرة للقارات. ولا يبدو أن الأميركيين سيكتفون بذلك، إذ يُعتقد أنهم يحضّرون لحزمات جديدة من الإجراءات، هدفها التصدي لانتشار هذه الجماعة في أكثر من دولة. ويتردد أن هذا الملف كان محوراً أساسياً من محاور الزيارة التي قام بها مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، ويليام بيرنز، لدول عدة أخيراً، بما في ذلك ليبيا ومصر.
ويلوّح مسؤول أميركي، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، بأن بلاده لن تكتفي بتصنيف «فاغنر» منظمة إجرامية عابرة للقارات، بل يمكن الآن أن تلجأ إلى فرض عقوبات على المتعاونين معها حول العالم أيضاً. ويوضح قائلاً: «تصنيف مجموعة فاغنر إقرار بأنها تمثّل تهديداً عابراً للقارات... هناك تقارير عن نشاطات فاغنر التي تتضمن عمليات اغتصاب في أقسام الولادة بجمهورية أفريقيا الوسطى، وذبح مدنيين في مالي، والإغارة على مناجم الذهب في السودان، ورشوة مسؤولين حكوميين في كل دولة جاءوا إليها... الولايات المتحدة ستعمل بلا هوادة من أجل تحديد، وعرقلة، وكشف، واستهداف أولئك الذين يساعدون هؤلاء المجرمين. سيتم فرض عقوبات إضافية على موظفي فاغنر، بغض النظر عن أهميتهم داخل المنظمة الإجرامية. إضافة إلى ذلك، عقوبات أخرى قد يتم فرضها على أشخاص أو كيانات تقدم دعماً مادياً لفاغنر أو بالنيابة عنها».
وهكذا يبدو واضحاً أن العقوبات الأميركية قد لا تبقى منحصرة بـ«فاغنر» داخل روسيا، بل يمكن أن تشمل أذرعها والمتعاونين معها حول العالم.

ليبيا
في الواقع، لا يخفي المسؤولون الأميركيون أن انتشار «فاغنر» في ليبيا يشكّل هاجساً لهم، وأنهم يريدون إخراجها من هذا البلد الواقع على الخاصرة الجنوبية لحلف «الناتو». وينحصر انتشار «فاغنر» حالياً في قواعد عسكرية تابعة لـ«الجيش الوطني» بوسط ليبيا (مثل سرت والجفرة) وشرقها، بعدما نجحت تركيا، بمساعدة من مرتزقة سوريين أرسلتهم إلى ليبيا في عام 2020، في طرد المرتزقة الروس من كامل غرب البلاد، بعدما كانوا يطرقون أبواب طرابلس نفسها. وفي مسعاهم لإخراج «فاغنر» من ليبيا، يراهن الأميركيون، كما يقولون، على تنفيذ اتفاق أبرمته الأطراف الليبية نفسها ويقضي بخروج القوات الأجنبية من بلادهم. ويقول متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، إن الشعب الليبي دعا إلى انسحاب جميع المقاتلين الأجانب، والمرتزقة، من بلادهم. هذا ما تضمنه اتفاق وقف النار الليبي عام 2020، وتكرر النص عليه في خطة العمل للجنة العسكرية المشتركة (خمسة زائد خمسة) في 2021، في إشارة إلى اتفاق أبرمه قادة عسكريون ينتمون إلى الجيش المرتبط بحكومة الغرب والجيش الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر في شرق البلاد.
وأضاف: «القوى الأجنبية تستغل النزاع لتشكيل تهديد خطير لسيادة ليبيا، والاستقرار الإقليمي، والتجارة الدولية. التورط الروسي المزعزع للاستقرار في ليبيا يبقى مصدر قلق خاصاً للولايات المتحدة، وللقادة الليبيين، ولشركائنا وحلفائنا. الوجود المستمر لفاغنر، المدعومة من روسيا، يهدد سيادة ليبيا واستقرارها والمسار إلى الانتخابات».
ولا يكتفي المتحدث الأميركي بذلك، بل يذهب إلى تأكيد أن «فاغنر سعت إلى التلاعب بالعملية السياسية في ليبيا خلال عملية اختيار المرشحين للرئاسة». لكنه لم يوضح لمصلحة من كان هذا «التلاعب»، علماً بأن مزاعم سابقة ذكرت أن عميلين روسيين اعتقلتهما حكومة غرب ليبيا (وأفرجت عنهما لاحقاً بوساطة تركية) كانا يعملان على دعم سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل. وترشح سيف الإسلام، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، لانتخابات الرئاسة في ديسمبر (كانون الأول) 2021. لكن الاقتراع لم يجرِ بسبب خلافات حول من يحق له الترشح.

مالي
وإضافة إلى ليبيا، يشكل انتشار «فاغنر» في مالي هاجساً آخر للأميركيين، خصوصاً أن القادة العسكريين الحاكمين في باماكو حالياً يبدون عازمين على قطع أي علاقة لهم بفرنسا، مستعمرهم السابق. ويعتقد القادة الماليون أن فرنسا لا تدعمهم بشكل كامل في حربهم ضد الجماعات الإسلامية المتشددة، كفرعي «داعش» و«القاعدة»، علماً بأن فرنسا تدخلت عسكرياً في مالي لمنع حصول هذا السيناريو عام 2012، لكنها الآن سحبت إلى حد كبير انخراطها في الحرب ضد المتشددين في مالي. ويتكرر هذا الأمر حالياً في بوركينا فاسو المجاورة التي يطالب قادتها العسكريون بانسحاب الفرنسيين، وسط اتجاه للاعتماد على مرتزقة روس بدلاً منهم في الحرب على «القاعدة» و«داعش». ويقول الأميركيون إن الاعتماد على مرتزقة «فاغنر» في الحرب ضد المتشددين بدول الساحل الأفريقي تسبب بانتهاكات واسعة ضد المدنيين، وليس فقط ضد المسلحين. في المقابل، يقول مؤيدو التعاون مع «فاغنر» إنهم يريدون تكرار ما قامت به المجموعة في سوريا، وكذلك في جمهورية أفريقيا الوسطى، حين ساعدت قوات النظام على الحاق الهزيمة بفصائل المعارضة المسلحة.
لكن الناطق الأميركي يقول في هذا الإطار: «قوات فاغنر لن تجلب السلام لمالي، لكنها عوض ذلك ستزيد زعزعة استقرار البلد أكثر. قوات فاغنر التي يبلغ عديدها 1500 شخص، لن تتمكن من تكرار الجهود التي قام بها 5 آلاف من الجنود الفرنسيين والقوات الخاصة الأوروبية التي تم نشرها في مالي قبل قدوم فاغنر. الحكومة المالية الانتقالية تعرقل أيضاً جهود مهمة قوات السلام الأممية (مينوسما) للقيام بما هي منتدبة للقيام به». ويضيف: «نُشرت قوات فاغنر في مالي تحت غطاء أنهم (مدربون روس) للتدريب على استخدام التجهيزات العسكرية التي تنتجها روسيا، لكنهم في الحقيقة متورطون فيما يعرف بعمليات لمكافحة الإرهاب. لقد أقر وزير الخارجية الروسي (سيرغي) لافروف بوجود فاغنر في مالي. وبالنظر إلى سجل فاغنر في أماكن أخرى بأفريقيا، فإن أي دور تقوم به هذه الجماعة، المدعومة من الكرملين، في مالي، يخاطر بتصعيد الوضع الحالي الهش، وهناك مؤشرات بالفعل على أن ذلك يحصل. إننا قلقون إزاء الروايات المثيرة جداً للقلق بخصوص المشاركة المشتبه بها لقوات فاغنر في عمليات إلى جانب القوات المسلحة المالية في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2022، التي نتجت عنها مذبحة مزعومة راح ضحيتها مئات المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأموال التي تدفعها الحكومة الانتقالية المالية لفاغنر يمكن أن تستخدم في شكل أفضل لتحسين حياة شعب مالي».

جمهورية أفريقيا الوسطى
ويتكرر القلق الأميركي من «أخطبوط فاغنر» بعدما كرّس وجوده أيضاً في جمهورية أفريقيا الوسطى (كار). ودخلت قوات «فاغنر» على خط الأزمة في هذه الدولة للمرة الأولى عام 2018، كجزء من اتفاق ثنائي بين جمهورية أفريقيا الوسطى وروسيا، إلا أن مساعدتها في إحباط المحاولة التي حصلت في نهاية 2020 وبداية 2021 لإطاحة الحكومة من قبل ما يُعرف بـ«تحالف الوطنيين من أجل التغيير»، الذي كاد يسيطر على العاصمة بانغي في يناير (كانون الثاني) 2021، هي ما وثّقت في الحقيقة «الشراكة» بين جمهورية أفريقيا الوسطى و«فاغنر».
ويعلّق المتحدث الأميركي على ذلك قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إن «الولايات المتحدة تواصل العمل مع الرئيس (‎فوستان آرشانج) تواديرا، وحكومة جمهورية أفريقيا الوسطى، وشركائنا، من أجل الدفع بالسلام والاستقرار والرخاء في هذه الدولة، لكن مجموعة فاغنر، والكيانات الأخرى المرتبطة بيفغيني بريغوجين، تمثلان تهديداً مباشراً لهذه الأهداف المشتركة، من خلال أعمالهما المزعزعة للاستقرار في الدول المجاورة، ومن خلال نهب الموارد الطبيعية لجمهورية أفريقيا الوسطى، ومن خلال انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وتعطيل عمل مهمة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى (مينوسكا)».
وتابع: «مجموعة فاغنر ليست فعّالة كموفّر للأمن. إن جهودهم، بعكس ذلك، تركّز على ثراء الشركة (الأمنية الروسية) من خلال الإغارة على المناطق المنجمية ومن خلال القيام بصفقات في مجال الأعمال، ومن خلال تحقيق أهداف الكرملين. نواصل تشجيع الرئيس تواديرا على فك الارتباط بمجموعة فاغنر».

تداعيات حرب أوكرانيا
وسألت «الشرق الأوسط» المسؤول الأميركي؛ عما إذا كانت بلاده قد رصدت لجوء روسيا إلى تقليص انتشارها حول العالم، تحديداً سوريا، نتيجة تركيزها على الانخراط في معارك شرق أوكرانيا، فأجاب: «لم نرَ روسيا تغيّر بشكل كبير انتشار قواتها أو نشاطها العسكري في سوريا منذ الهجوم الواسع على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. بشكل عام، لم نرَ تغييراً ملحوظاً في التزام روسيا بدعم نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد. تواصل موسكو دعم بشار الأسد دبلوماسياً، وعسكرياً واقتصادياً. ونواصل التشديد على شركائنا أن الاستقرار في سوريا، وفي عموم المنطقة، لا يتحقق سوى من خلال عملية سياسية يقودها السوريون وتسهلها الأمم المتحدة، وتتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254».


مقالات ذات صلة

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الولايات المتحدة​ الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

تواجه المحكمة العليا للولايات المتحدة، التي كانت تعدّ واحدة من أكثر المؤسّسات احتراماً في البلاد، جدلاً كبيراً يرتبط بشكل خاص بأخلاقيات قضاتها التي سينظر فيها مجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء. وتدور جلسة الاستماع، في الوقت الذي وصلت فيه شعبية المحكمة العليا، ذات الغالبية المحافظة، إلى أدنى مستوياتها، إذ يرى 58 في المائة من الأميركيين أنّها تؤدي وظيفتها بشكل سيئ. ونظّمت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، جلسة الاستماع هذه، بعد جدل طال قاضيين محافظَين، قبِل أحدهما وهو كلارنس توماس هبة من رجل أعمال. ورفض رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، المحافظ أيضاً، الإدلاء بشهادته أمام الك

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي قبول دعوة الرئيس جو بايدن للاجتماع (الثلاثاء) المقبل، لمناقشة سقف الدين الأميركي قبل وقوع كارثة اقتصادية وعجز الحكومة الأميركية عن سداد ديونها بحلول بداية يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون اللقاء بين بايدن ومكارثي في التاسع من مايو (أيار) الجاري هو الأول منذ اجتماع فبراير (شباط) الماضي الذي بحث فيه الرجلان سقف الدين دون التوصل إلى توافق. ودعا بايدن إلى لقاء الأسبوع المقبل مع كل من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (ديمقراطي من نيويورك)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب ميتش ماكونيل (جمهوري من كنتاكي)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز (ديمقراطي م

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

تمكّن تلميذ أميركي يبلغ 13 سنة من إيقاف حافلة مدرسية تقل عشرات التلاميذ بعدما فقد سائقها وعيه. وحصلت الواقعة الأربعاء في ولاية ميشيغان الشمالية، عندما نهض مراهق يدعى ديلون ريفز من مقعده وسيطر على مقود الحافلة بعدما لاحظ أنّ السائق قد أغمي عليه. وتمكّن التلميذ من إيقاف السيارة في منتصف الطريق باستخدامه فرامل اليد، على ما أفاد المسؤول عن المدارس الرسمية في المنطقة روبرت ليفرنوا. وكانت الحافلة تقل نحو 70 تلميذاً من مدرسة «لويس أي كارتر ميدل سكول» في بلدة وارين عندما فقد السائق وعيه، على ما ظهر في مقطع فيديو نشرته السلطات.

يوميات الشرق أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

كشفت دراسة أجريت على البشر، ستعرض خلال أسبوع أمراض الجهاز الهضمي بأميركا، خلال الفترة من 6 إلى 9 مايو (أيار) المقبل، عن إمكانية السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، من خلال علاج يعتمد على النبضات الكهربائية سيعلن عنه للمرة الأولى. وتستخدم هذه الطريقة العلاجية، التي نفذها المركز الطبي بجامعة أمستردام بهولندا، المنظار لإرسال نبضات كهربائية مضبوطة، بهدف إحداث تغييرات في بطانة الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة لمرضى السكري من النوع الثاني، وهو ما يساعد على التوقف عن تناول الإنسولين، والاستمرار في التحكم بنسبة السكر في الدم. وتقول سيلين بوش، الباحثة الرئيسية بالدراسة، في تقرير نشره الجمعة الموقع ال

حازم بدر (القاهرة)
آسيا شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

نقلت وكالة الإعلام الروسية الحكومية عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قوله، اليوم (الجمعة)، إن موسكو تعزز الجاهزية القتالية في قواعدها العسكرية بآسيا الوسطى لمواجهة ما قال إنها جهود أميركية لتعزيز حضورها في المنطقة. وحسب وكالة «رويترز» للأنباء، تملك موسكو قواعد عسكرية في قرغيزستان وطاجيكستان، لكن الوكالة نقلت عن شويغو قوله إن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون إرساء بنية تحتية عسكرية في أنحاء المنطقة، وذلك خلال حديثه في اجتماع لوزراء دفاع «منظمة شنغهاي للتعاون» المقام في الهند. وقال شويغو: «تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها، بذريعة المساعدة في مكافحة الإرهاب، استعادة حضورها العسكري في آسيا الوسطى

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».