فيروس ماربورغ... خطورة «شديدة» وانتشار أقل

تسبب في وفاة 9 أشخاص بغينيا الاستوائية

فيروس «ماربورغ» ينشأ في الخفافيش (غيتي)
فيروس «ماربورغ» ينشأ في الخفافيش (غيتي)
TT

فيروس ماربورغ... خطورة «شديدة» وانتشار أقل

فيروس «ماربورغ» ينشأ في الخفافيش (غيتي)
فيروس «ماربورغ» ينشأ في الخفافيش (غيتي)

بعد نحو 8 أشهر من وفاة شخصين في غانا (غرب أفريقيا) بسبب فيروس ماربورغ، شهدت غينيا الاستوائية في وسط أفريقيا وفاة 9 أشخاص على الأقل بسبب الفيروس.
وينتمي هذا الفيروس لعائلة «الفيروسات الخيطية»، التي تضم أيضا فيروس الإيبولا. وأكدت منظمة الصحة العالمية (الاثنين) أنه «تم إرسال عينات من غينيا الاستوائية إلى مختبر في السنغال لتحديد سبب المرض، بعد تحذير من مسؤول صحي محلي الأسبوع الماضي». وقالت المنظمة في بيان لها إن «هناك 16 حالة يشتبه في إصابتها بأعراض تشمل الحمى والتعب والإسهال والقيء»، مؤكدة أنها «سترسل خبراء طبيين لمساعدة المسؤولين في غينيا الاستوائية على وقف تفشي المرض، كما أرسلت معدات واقية لمئات العمال».
ومثل فيروس إيبولا، فإن فيروس ماربورغ ينشأ في الخفافيش، وينتشر بين الناس عن طريق الاتصال الوثيق بالسوائل الجسدية للأشخاص المصابين، أو الأسطح، مثل ملاءات الأسرّة الملوثة، وفقا لمراكز السيطرة على الأمراض بأميركا.
وتم التعرف على الفيروس النادر لأول مرة في عام 1967 بمختبرات بمدينة ماربورغ الألمانية، بعد أن تفشى بشكل متزامن في المختبرات في ماربورغ بألمانيا وبلغراد.
ووفقاً لتقرير نشره مركز السيطرة على الأمراض بأميركا على موقعه الإلكتروني، فقد أصيب 31 شخصا بالفيروس أثناء إجراء الأبحاث على القرود، وتوفي سبعة، وتم إرجاع هذه الفاشية إلى القرود الخضراء الأفريقية المستوردة من أوغندا. لكن الفيروس ارتبط منذ ذلك الحين بحيوانات أخرى، وينتشر بين البشر في الغالب عن طريق الأشخاص الذين أمضوا فترات طويلة في الكهوف والمناجم التي تسكنها الخفافيش.
وبعد هذا التفشي، توفي شخص واحد فقط خلال الأربعين عاما الماضية في أوروبا، وشخص واحد في الولايات المتحدة، بعد عودته من الرحلات الاستكشافية إلى الكهوف في أوغندا، ولكن أغلب الفاشيات تكون في أفريقيا.
وخلال الفترة من 1998 حتى 2000، توفي 128 في الكونغو الديمقراطية، من أصل 154 حالة أصيبت بالفيروس، وفي أنغولا توفي 329 شخصا من أصل 374 حالة أصيبت بالفيروس عام 2005، وتوفي في أوغندا أربعة أشخاص من أصل 15 حالة مصابة عام 2012، وعاد إلى أوغندا مجددا عام 2017، حيث أصيب 3 أشخاص ولقوا جميعا حتفهم، وكان التفشي الأخير في غينيا الاستوائية، الذي أعلنت منظمة الصحة العالمية عنه الاثنين، حيث توفي تسعة أشخاص حتى الآن.
وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية على موقعها الإلكتروني، تتراوح فترة حضانة المرض ما بين يومين وثلاثة أسابيع، وتبدأ الأعراض فجأة مع حمى شديدة وصداع. وقالت إنه «بعد أيام قليلة من ظهور المرض، يعاني كثير من المرضى القيء والإسهال وآلام المعدة لمدة تصل إلى أسبوع، ويتقيأ بعض المرضى دما أو يخرجونه في البراز، كما ينزف المرضى أيضا من اللثة والأنف، ويمكن أن ينتشر المرض إلى الجهاز العصبي، مما يجعل المرضى يشعرون بالارتباك وسرعة الانفعال والعدوانية». وتضيف أن «معظم حالات الوفاة تستمر في المعاناة مع الأعراض مدة ما يزيد قليلا على أسبوع، والوفيات عادة ما تكون مصحوبة بفقدان شديد للدم وصدمة».
وفي المتوسط، يقتل الفيروس نصف المصابين، لكن السلالات الأكثر ضررا قتلت ما يصل إلى 88 في المائة، كما تكشف إحصاءات المنظمة.
وتعود نسبة الوفيات العالية التي يسببها الفيروس، إلى ردة الفعل المناعية العنيفة التي تثيرها العدوى، والتي تؤدي إلى ما يسمى بـ«عاصفة سيتوكين»، حيث تفتح الأوعية الدموية، وتؤدي إلى «حمى نزفية»، تكون مسؤولة عن وفيات المرضى، كما يوضح أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات بمعهد إدوارد جينر بجامعة أكسفورد البريطانية. ويقول سالمان لـ«الشرق الأوسط»: «ومع ذلك، فإن الجانب الإيجابي الذي يحد من انتشار الفيروس، ولا يجعله مثيرا للقلق العالمي، هو آلية العدوى، حيث لا تحدث إلا عند لمس السوائل الجسدية لشخص مصاب، مثل الدم واللعاب والصديد والعرق، كما يمكن أن ينتشر أيضا عن طريق العلاقات الجنسية».
ويضيف رابح الشيشيني، أستاذ مساعد الفيروسات بالمركز القومي للبحوث، سببا آخر لعدم القلق، وهو أن «هذا الفيروس يتسبب في وفاة العائل، ولذلك فإن فرص بقائه محدودة». لكنه يشدد على أن «هذا لا يعني التراخي، بل إن الدرس المستفاد من جائحة (كورونا)، هو الجاهزية لمواجهة أي خطر، عن طريق تجهيز الأدوية وأدوات الاختبار»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يوجد علاج محدد لمرض ماربورغ، ومع ذلك، فإن الرعاية الداعمة المبكرة مع معالجة الجفاف ومعالجة الأعراض، يمكن أن تحسن البقاء على قيد الحياة»، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من العلاجات الدوائية قيد التطوير.
أما بالنسبة للدول التي ظهر فيها المرض، فتقول «غافي»، وهي منظمة دولية تروج للحصول على اللقاحات، إنه «يجب على الناس في أفريقيا تجنب تناول لحوم الطرائد أو التعامل معها».
وتوضح منظمة الصحة العالمية أنه «يجب تجنب الاتصال بالخنازير في المناطق التي ينتشر فيها المرض». وتوجد أيضا اشتراطات في دفن المتوفين بسبب الفيروس، حيث «يتعين على أولئك الذين يدفنونهم تجنب لمس الجسم».


مقالات ذات صلة

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
TT

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)

ما إنْ تدخُل معرض «المجهول» للفنان التشكيلي المصري أحمد مناويشي، حتى تستوقفك وجوه لوحاته، بريشة حرّة تستكشف ملامحَ وأحداثاً غامضة. أعماله تبحث عن مشاعر عميقة وعلامات استفهام تحضّك على التحليل وفكّ الألغاز.

ينقسم معرض مناويشي في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة البيروتية إلى قسمين، من بينها ما يروي حكايات أشخاص اختبأت مشاعرهم تحت الأقنعة الواقية من جائحة «كورونا»، وأخرى رسمها حديثاً لمَن عاشوا الحرب الأخيرة في لبنان.

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)

مع هذا المعرض، يستعيد غاليري «آرت ديستريكت» عافيته. فالحرب منعته قسرياً من إقامة نشاطات ثقافية. ومن خلال «المجهول»، يعلن صاحبه المصوّر الشهير ماهر عطّار انطلاق الموسم الفنّي في الغاليري.

في الجزء الأول من مجموعة أحمد منشاوي، تصطفُّ سلسلة لوحات صغيرة، تصوِّر جميعها وجوهاً يعتريها القلق. فالفنان المصري لفتته ملامح الإنسانية في زمن «كورونا». كان يرى الإنسان يمشي مرتدياً القناع خوفاً من الإصابة بالعدوى. وهو ما حضَّه، خلال إقامته في بروكسل، على تخيّل ملامحه الأصلية. وفي 30 لوحة يئنُّ أصحابها تحت وطأة أحاسيسهم، يُترجم أفكاره. مجموعة من النساء والرجال تصرخ بصمت، فتُخرج غضبها وقلقها وحزنها عابسةً في معظم الوقت.

تقنيته المرتكزة على الأكليريك تتدخَّل فيها أحياناً أنامل الفنان بعيداً عن ريشته (الشرق الأوسط)

يوضح مناويشي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتِ التجربة عندما كنتُ في بروكسل عام 2021. كانت مفاعيل الجائحة لا تزال تسيطر على حياتنا. جميعنا اعتقدنا بأنّ هذه الحقبة أبدية، كأنَّ سوادها لا حدود له. فرحتُ أتخيّل الناس الذين أراهم كأنهم خلعوا أقنعة الوقاية ورسموها. جميعهم كانوا مجهولين بالنسبة إليّ، ولا تربطني بهم أي علاقة. عندما عدتُ إلى لبنان، انتابتني الأحاسيس عينها. كانت الحرب محتدمة، وكان الناس قلقين، لا يعرفون مصيرهم. فرأيتُ بوضوح المجهول الذين يتخبَّطون فيه. حالة الترقب هذه حرّضت ريشتي على التحرُّك من جديد. ومن خلال تلك الحالتين، تناولتُ موضوع (المجهول)، إنْ من ناحية المشاعر أو المصير».

الإحساس بالتأرجُح في طريق لا رؤية واضحة لنهايتها، يُترجمه أحمد مناويشي. ويعترف من خلال ريشته بأنّ الانتظار مخيف، فكيف إذا كانت الأجواء التي يعيشها الناس غامضة؟

تحمل وجوه لوحات مناويشي أسئلة مختلفة تتعلّق بقلق المصير (الشرق الأوسط)

في واحدة من لوحاته، يشير إلى شخصيات مجموعة «أنونيموس» العاملة في مجال «النضال» عبر الاختراق البرمجي. راجت أعمالها المثيرة للجدل عام 2003، فمثَّلت مفهوماً لمستخدمي الإنترنت المجهولين. حينها، عَبَروا من العالم الواقعي إلى الوهمي في أعمال تتعارض مع الرقابة. اخترقوا مواقع حكومية عدّة، وأنظمة كومبيوتر أهم شركات الحماية. وولَّدوا «بلبلة» على أصعدة مختلفة، وهم يرتدون أقنعة تُعرَف بـ«جاي فوكس».

يتابع الرسام المصري: «قناع (الأنونيموس) كان الأشهر في القرن الحالي، فرغبتُ بالربط بينه وبين عنوان معرضي، لتُولد هذه اللوحة الوحيدة عن تلك المجموعة. مبدأ هؤلاء يرتكز على الثورة ورفض حُكم الدولة العميقة والسلطات العليا».

لم يعنون مناويشي لوحاته بأسماء معيّنة، فتركها مجهولةً. يقول: «رغبتُ في أن يسمّيها ناظرها كما يشتهي. أرنو إلى هذا التفاعل المباشر بين المُشاهد واللوحة». وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية في الفنّ التشكيلي: «أحبُّ حالة الحركة في لمسات اللوحة وموضوعها، وأرغب في التواصل معها القائم على الشعور بأنها حيّة، فلا تكون باهتة تمرّ من دون تَرْك أثرها على ناظرها. لذلك، تسير ريشتي بشكل غير مُنتظم باحثةً عن نَفَس لا ينقطع؛ ومرات تتدخَّل أناملي مباشرة، فأبتعدُ عن ريشتي لتخرُج أعمالي من رتابتها، وتكسر تلك القدرة على التحكُّم التقليدي بمشاعر مُشاهدها».

تؤلّف الألوان التي يستعملها مناويشي حالةً بذاتها. فهو جريء باختيارها زاهيةً مرّات؛ ودافئة أخرى. يُحدِث زوبعة بألوان تبدو ثائرة، فتُعبّر عن الظلم والقلق والعنف: «مشاعر الإنسانية لا يمكن حصرها في بوتقة واحدة. وهذه الألوان تعبّر عن المشهدية المدفونة في أعماقنا، فتُبرز التنوّع في أحاسيس تنتابنا وفيها كلّ الاحتمالات. وهنا يأتي دور المتلقّي الذي يرى اللوحة من وُجهة نظره، ويُلاقي ما يمثّل تفكيره ومشاعره في أحد هذه الألوان».

ينقسم «المجهول» إلى قسمين من الأعمال التعبيرية (الشرق الأوسط)

في قسم لوحات الحرب، تأخُذ أعمال الرسام أحمد مناويشي منحى آخر، فيكبُر حجمها بشكل ملحوظ لتضع تفاصيل الوجه تحت المجهر. يعلّق: «هذه المساحات الكبيرة تزوّدنا بفرصة للتوضيح بشكل أفضل. فالعبور من زمن (كورونا) إلى زمن الحرب، كان لا بدَّ أن يحمل التطوّر. واعتمدتُ هذا التغيير؛ لئلا أقع في التكرار والتشابُه».

وأنت تتجوَّل بين أقسام معرض «المجهول»، تستوقفك ملامح وجه رجل حائر، ووجه امرأة تنظر إلى الغد بعتب. وأحياناً تلمس صلابة وجه آخر على شفير هاوية. وفي أخرى، تحملك ملامح رجل تلقّى صفعات الحياة بعينين حزينتين. لكنَّ جميع الشخصيات لا تبدو مستسلمة لقدرها، كأنها تقول: «وماذا بعد؟» على طريقتها.

يبرُز العنصر الأنثوي بوضوح في مجموعة «المجهول». وهنا كان لا بدَّ للرسام التشكيلي أن يعترف: «النساء لا يعرفن إخفاء أحاسيسهن ببراعة. مشاعرهن تخرج بقوة. لذلك نكتشفها بصورة أسهل من تلك الموجودة عند الرجل. فالأخير يحاول أن يُظهر صموداً تجاه مشاعره. ويفضّل ألا تُقرأ بسهولة».

يؤكد أحمد مناويشي أنه لا يحبّ تقييد نفسه بأسلوب رسم واحد. ويختم: «أفضّل التنويع دائماً، وعدم طَبْع لوحاتي بهوية واحدة كما يحبّ بعضهم. أُشبّه نفسي بروائي يؤلّف القصص ليستمتع بها القارئ، فلا يكرّر نفسه أو يقدّم ما يتشابه. ما أنجزه اليوم في عالم فنّ (البورتريه)، لم أقاربه مِن قبل. هو نافذة للتعبير. وهذا الاختلاف في الأسلوب يُحفزّني على دخول مدارس فنّية مختلفة. ما يهمّني هو تقديمي للناس أعمالاً يستمتعون بها فتولّد عندهم حبَّ الاكتشاف».