ليلى خالد: السوفيات زودونا قطعاً لتطوير قنبلة تجتاز المطارات

«خاطفة الطائرتين» روت لـ«الشرق الأوسط» قصة رابين ومتفجرة «الموساد»... وولادة فكرة «مطار الثورة»

طائرة من ثلاث طائرات اختطفت وأجبرت على الهبوط خارج العاصمة الأردنية عمان وفجرت لاحقاً من قبل ميليشيات فلسطينية في سبتمبر (أيلول) 1970 (غيتي)
طائرة من ثلاث طائرات اختطفت وأجبرت على الهبوط خارج العاصمة الأردنية عمان وفجرت لاحقاً من قبل ميليشيات فلسطينية في سبتمبر (أيلول) 1970 (غيتي)
TT

ليلى خالد: السوفيات زودونا قطعاً لتطوير قنبلة تجتاز المطارات

طائرة من ثلاث طائرات اختطفت وأجبرت على الهبوط خارج العاصمة الأردنية عمان وفجرت لاحقاً من قبل ميليشيات فلسطينية في سبتمبر (أيلول) 1970 (غيتي)
طائرة من ثلاث طائرات اختطفت وأجبرت على الهبوط خارج العاصمة الأردنية عمان وفجرت لاحقاً من قبل ميليشيات فلسطينية في سبتمبر (أيلول) 1970 (غيتي)

الحلقة الثانية والأخيرة

تقترب ليلى خالد من الثمانين. أمضت عمرها تطارد حلماً لم يتحقق. لا تتنازل عنه ولا تشعر بالأسف أو الندم. على مقاعد الدراسة الثانوية انضمت إلى «حركة القوميين العرب»، وانتسبت لاحقاً إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» لترتقي في هيئاتها القيادية. عاشت مع الأخطار يوم انضمت إلى حلقة «المجال الخارجي» بقيادة وديع حداد.
شغلني على مدى سنوات سؤال صعب: هل كان هناك خيط ما يربط بين «المجال الخارجي» وإمبراطورية الاستخبارات السوفياتية «كي جي بي» التي أدارها طويلاً حارس الأسرار يوري أندروبوف قبل أن يتسلم عرش الكرملين؟
ستقدم ليلى جواباً. وها هي تقول: «فتح وديع قناة اتصال مع السوفيات عبر الملحق العسكري في بيروت. في مرحلة كنا نقوم بتصنيع قنابل يمكنها اجتياز بوابات المطارات مهما كانت تقنياتها عالية. قمنا بتجريب بعضها وهو ما أثار مفاجأة لدى البريطانيين. اكتشفنا ذات يوم أننا نحتاج نابضاً لتطوير القنبلة. لم نكن في السابق نثق بأي سفارة، وكنا نحل المشاكل عبر أصدقاء وديع من أطباء مستشفى الجامعة الأميركية. هذه المرة لم نستطع حل المشكلة عبر هؤلاء».

وتضيف: «كان من الصعب أن نتوجه إلى السفارة السوفياتية، أو نرتب لقاء في مكان آخر. كانت أجهزة الأمن الغربية تتابعنا. كان الحل أن نتمشى على كورنيش البحر مع الملحق العسكري السوفياتي، وكأننا مجرد متنزهين. شرحنا للملحق الذي نقل الطلب إلى قيادته وبعدها ذهبنا إلى موسكو وحصلنا على ما طلبناه. لم أشارك في كل الزيارات لكن ذهبت مع وديع إلى موسكو». سألتها عن اجتماع قيل إنه عقد في غابة قرب موسكو بين وديع وأندروبوف، فأجابت أنها لم تشارك في ذلك اللقاء.

ليلى خالد مع مجموعة من الفلسطينيات أثناء حضورهن اجتماعاً للمجلس الوطني الفلسطيني في فبراير (شباط) 1983 بالجزائر (غيتي)

لقاء الغابة بين حداد وأندروبوف

لقاء الغابة حصل فعلاً. استضيف وديع في قصر وسط غابة، وجرت بينه وبين الوفد السوفياتي لقاءات تناولت مسائل سياسية وعسكرية وفنية وتوجت بلقاء مع «رئيس الجهاز» أندروبوف. لم يكن النقاش سهلاً فقد كان الموضوع المطروح هو ما سمي في تلك الفترة بـ«الإرهاب». وظهر خلال النقاشات تباين واضح حول حل الدولتين؛ إذ شدد وديع على أن «بلادنا واحدة لا تتجزأ، ولم نفكر يوماً في قيام دولتين... ولو عرضت علينا فلسطين كاملة مع القدس باستثناء حيفا فلن نقبل».
بعد ذلك سُئل وديع إن كانت لديه مطالب معينة. فرد قائلاً: «أعددت قائمة قبل مجيئي. لست طامعاً لكنني محتاج ونريد القائمة كاملة أو فلنصرف النظر عنها. سلم القائمة، وبالفعل قدم السوفيات كل ما طلب. بعض الأسلحة. رشاشات ومسدسات خاصة. ذخائر خاصة. بعض التقنيات وموقتات».
تقول خالد: «بعد فترة تم الاتصال بنا في عدن، وذهبنا إلى مسافة نحو ستة كيلومترات من الشاطئ، وتسلمنا كل الأسلحة التي طلبها وديع». لم تحصل تتمة للقاء الغابة وظلت العلاقات عادية، لكن «خلال تشييع وديع جاء دبلوماسي سوفياتي ليسأل عن البديل، فقلنا له الآن ليس وقت البحث، ولم تقم علاقات فعلية بعد ذلك».

ليلى خالد بعد عودتها إلى الأردن عقب تنفيذ اختطاف طائرة أميركية في دمشق (غيبتي)

خاطفة الطائرتين

كنت تلميذاً في مدينة صيدا في جنوب لبنان حين تناقلت الإذاعات ووكالات الأنباء نبأ عاجلاً مفاده أن شابة فلسطينية تطلق على نفسها اسم «شادية أبو غزالة» (على اسم أول مقاتلة تسقط من «الجبهة الشعبية») خطفت طائرة إسرائيلية وجالت بها فوق حيفا قبل أن تنتهي الرحلة في مطار دمشق. وكان الخبر مثيراً في صورة استثنائية. لم يكن شائعاً في الشرق الأوسط أو العالم أن تقدم امرأة على خطف طائرة. ثم إن الشابة فلسطينية نزحت عائلتها إلى لبنان في 1948. ضاعف من الإثارة أن «شادية» تخرجت في إحدى ثانويات صيدا قبل أن تلتحق بـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وتعمل لاحقاً في «المجال الخارجي» الذي يقوده حداد. ولم يخطر ببالي في تلك الأيام أنني سأقصد بعد عقود شقة في عمان لأستمع إلى «شادية» الجديدة، وهي ليلى خالد «خاطفة الطائرتين»، تروي لـ«الشرق الأوسط» ما جرى في تلك الأيام.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1625071738718457856
كان وديع حداد الذي درس الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مع رفيقه جورج حبش يحلم بالعودة إلى فلسطين. هاله أن يعتاد العالم على رؤية الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال، أو موزعين في مخيمات الانتظار في الأردن وسوريا ولبنان. كان يدرك قوة إسرائيل وعمق علاقاتها الغربية. خاف أن تسقط فلسطين من حساب العالم. فكر في أجدى الطرق لإعادة جذب الانتباه إلى ما يعيشه الشعب الفلسطيني، وهكذا ولدت فكرة خطف الطائرات؛ لتذكير العالم، ولإطلاق الأسرى في السجون الإسرائيلية. وتشدد ليلى على أن حداد كان مدركاً حساسية الموضوع بالنسبة إلى الرأي العام الدولي، لذلك كان يشدد على المنفذين بعدم إيذاء الركاب وعدم التصدي إلا لمن يطلق النار.
حادثتان سبقتا عملية الخطف التي شاركت فيها ليلى؛ الأولى قيام شابين هما يوسف رجب وأبو حسين غوش بخطف طائرة تابعة لشركة «العال» الإسرائيلية إلى الجزائر. «ولأن المفاوضات لم تكن تدور إلا بين الدول انتهت العملية بمجرد وعود». الثانية حين نفذ فريق من أربعة أشخاص، بينهم أمينة دحبور، هجوماً على طائرة إسرائيلية قبل إقلاعها من زيوريخ في سويسرا. سلّم المنفذون أنفسهم لكن رجل أمن كان على متن الطائرة ترجل وقتل بمسدسه أمام الشرطة السويسرية أحد المنفذين، وهو عبد المحسن حسن.

خطف الطائرة و«الصيد الثمين»

في صيف 1969 كانت ليلى سعيدة ومتحمسة. اختيارها لتنفيذ عملية مدوية وغير مسبوقة دليل على ثقة القيادة بولائها وقدراتها. تلقت تدريباً في الأردن على يد آمر قاعدة «الجبهة» سليم عيساوي، والذي سيكون شريكها في الرحلة الخطرة. أبلغهما وديع بالخطة. كان الغرض خطف طائرة «تي دبليو إيه» التي تعمل على خط لوس أنجليس - تل أبيب؛ بغرض مبادلة الأسرى الفلسطينيين بالركاب في إسرائيل. وقيل إن الطائرة ستقلّ أيضاً شخصية إسرائيلية مهمة سيجبر خطفها إسرائيل على التفاوض. حاولت ليلى أن تعرف من حداد هوية الشخصية المهمة، لكنه رد كالعادة أن «المعرفة على قدر الحاجة». وستعرف لاحقاً أن الشخصية المهمة كانت الجنرال إسحق رابين، رئيس الوزراء لاحقاً، والذي غيّر برنامجه قبل إقلاع الرحلة فحرم المنفذين من «صيد ثمين». وكانت المعلومة عن وجود رابين جاءت من جهاز أمن منفصل تابع لـ«الجبهة الشعبية».
على مدى أربعة أشهر تابعت ليلى تدريبات صارمة. معلومات عن عمل الطائرات والخرائط والإحداثيات، وعن أسلوب التصرف إذا دخلت الطائرة في مطبات هوائية. كان برنامج رحلة الطائرة الأميركية يتضمن التوقف في محطتين أوروبيتين هما روما وأثينا قبل التوجه إلى تل أبيب. غادرت خالد مع عيساوي من بيروت، وحجزا من روما إلى أثينا.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1625083062861148162
كان ذلك في 29 أغسطس (آب) 1969. جلست ليلى مع عيساوي في مقاعد الدرجة الأولى. ووفقاً للخطة بعد نصف ساعة من الإقلاع وارتفاع الطائرة إلى علو 35 ألف قدم، أخرجا سلاحيهما وطالبا ركاب الدرجة الأولى بالذهاب إلى مقاعد الدرجة السياحية. وبعد مطالبة جميع الركاب برفع أيديهم، اقتحم عيساوي وليلى مقر القيادة، «وقلت للطيار: أنا الكابتن شادية أبو غزالة من وحدة تشي غيفارا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وشادية هي أول شهيدة للجبهة. أبلغته أنني سأتولى القيادة، وانتزعت منه السماعات والميكروفون. لاحظ أنني نزعت أمان القنبلة التي كانت في يدي فراح يطالبني لاحقاً أن أريح يدي؛ كي لا تنفجر القنبلة التي لم يعد ممكناً إعادتها إلى وضعها السابق. شرحت للطيار ومساعديه أننا لم نأت لنقتل أو نفجر، وأننا نريد مطالبنا المحقة، وطالبت بتغيير كود الطائرة بحيث يصبح: الجبهة الشعبية... فلسطين حرة عربية. قلت إننا لن نرد على أي اتصال لا يستخدم هذا الكود. طلبت من الطيار أن يتوجه مباشرة إلى تل أبيب من دون التوقف في أثينا».
وأضافت: «لم نكن نريد الهبوط في تل أبيب. كنا نريد فقط، وبغرض التذكير بقضيتنا، أن نحلق فوق أرض فلسطين. قلنا إننا ننوي التوجه إلى سوريا. سمعت برجي المراقبة في دمشق وبيروت يتبادلان الاتصالات. قال السوري: لوين رايحة هاي؟ فأجابه اللبناني: مش لعنا (لعندنا) رايحة لعندكن. مطار دمشق كان جديداً ولا يعمل بشكل كامل، وهذه كانت أول طائرة أميركية تهبط فيه. وديع لم يطلع السلطات السورية مسبقاً؛ إذ لم يكن يثق بالأنظمة. ووفقاً للخطة هبطت الطائرة في دمشق، وسلمنا أنفسنا للسلطات، وشرحنا لماذا قمنا بعملنا. اندفع ركاب الطائرة وعددهم 122 نحو مبنى المطار إلا مجموعة ركضت في اتجاه السياج فقلت للشرطي قد يكونون إسرائيليين وهذا ما تبين. سألني ضابط سوري: لماذا جئتم عندنا؟ فقلت له مستغربة: جئت إلى سوريا، وليس إلى إسرائيل، فغضب. لكن الأمور مشت وفق الخطة. تولى الصليب الأحمر عملية التفاوض، وتم الإفراج عن 23 أسيراً فلسطينياً وعربياً، وعن طيارين سوريين كانوا أسروا في حرب 1967».

الناشطة ليلى خالد تحمل خريطة فلسطين عقب إلقائها خطاباً للجماهير في مدينة سويتو بجنوب أفريقيا عام 2015 (غيتي)
 

«سالم» و«مريم» و«مجاهد»

بعد العمليات الأولى لخطف الطائرات، تصاعدت جاذبية «الجبهة الشعبية» ووديع حداد. تقاطرت إلى الشرق الأوسط مجموعات معادية للغرب، وأفراد يبحثون عن فرصة للاشتباك مع من كانوا يعتبرونه عدواً. سيرتبط اسم «المجال الخارجي» لاحقاً بمجموعات من جنسيات مختلفة استُقبلت خصوصاً في الأردن، حيث كانت الفصائل الفلسطينية تقيم معسكرات من دون أن يتمكن الجيش الأردني من منعها؛ تفادياً لاشتباك تم تأجيله ثم وقع. كانت العلاقة مع هذه المجموعات تبدأ ببلورة الأرضية السياسية، وحين تتأكد صلابتها يبدأ التعاون وفق برنامج محدد. تبادل معلومات وتوفير وثائق وأسلحة وتسهيلات وتدريبات، وأحياناً مشاركة مباشرة في العمليات.
سمى الغرب الشبكة التي أنشأها وديع «إمبراطورية الإرهاب»؛ بسبب تعدد جنسيات المشاركين فيها. تحول «المجال الخارجي» نقطة جذب ومعهد تدريب وتخطيط تخرج فيه مَن هزّوا العالم بعنف. «سالم» الفنزويلي الذي لم يكن غير كارلوس الشهير، و«مريم» اليابانية التي لم تكن غير نوريكو شيغينوبو زعيمة «الجيش الأحمر»، و«مجاهد» الأرميني الذي لم يكن غير آغوب أغوبيان زعيم «الجيش السري لتحرير أرمينيا». وحين غاب وديع لاحقاً سقط تلامذته بالرصاص أو وقعوا في السجون. ربما بسبب غياب الخيط الناظم والمظلة، وربما لأنهم ارتكبوا خطأ نسج علاقات مع دول وأجهزة، هذا فضلاً عن النجومية، وهي قاتلة في هذا العالم الذي يجب أن يبقى محاطاً بالأسرار.
في 1970 كان الأردن يغلي. بدا التعايش بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية هشاً ومهدداً. كان التعايش بين سلطتين على أرض واحدة غريباً، وبدت اتفاقات وقف النار أشبه بالمهدئات في انتظار موعد الحسم، خصوصاً بعد تكرار الحوادث بين المسلحين الفلسطينيين والجيش الأردني. ذهبت بعض منظمات اليسار الفلسطيني بعيداً وطالبت بإسقاط النظام الأردني، فارتفعت درجة الغليان.
في يوليو (تموز) 1970، حاول «الموساد» اغتيال حداد في بيروت بقصف غرفة نومه، لكن انشغاله بحديث مع ليلى خالد في غرفة أخرى أنقذ الاثنين. ستنتقل المداولات من شقة وديع إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت حيث كانت تعالج زوجة وديع وابنهما هاني. في المستشفى أحضرت ليلى كتاباً عن حركة الطيران في العالم، وراحت تفتش عن خطوط شركة «العال» الإسرائيلية. لاحظت تزامناً في بعض الرحلات التي تنطلق من تل أبيب وتعود إليها. تقول إنها طرحت على وديع فكرة عملية جديدة؛ رداً على محاولة الاغتيال، فوافق وطلب منها المتابعة وإحضار رفيقات للتدرب على خطف الطائرات.

يوم الطائرات المخطوفة

في تلك المرحلة، أرسل وديع ليلى إلى عشاء بحضور أشخاص لا تعرفهم. جاء أحد الضيوف متأخراً، وقال إنه عاد من رحلة لصيد الحجل في الأردن، ووجد مكاناً يشبه المطار كان البريطانيون يستخدمونه للتدريبات. استمعت بإصغاء وسألت عن مساحة الموقع، وما إذا كانت تربته صلبة.
تتذكر ليلى خالد تلك الليلة بوضوح: «انتظرت بفارغ الصبر نهاية العشاء لأنقل ما سمعته. وهكذا تقرر أن أذهب لاستكشاف المكان. ذهبت وتولى شخص إيصالي إلى المكان، وكان معي رفيق من الرعيل الأول في حركة القوميين العرب. نزلت في المكان وصرت أركض لأختبر صلابة الأرض. سألني الرفيق عن سبب اهتمامي فأجبته أن الغرض هو العثور على مكان للتدريب».
قضت الخطة بخطف ثلاث طائرات دفعة واحدة واقتيادها إلى ما أطلق عليه «مطار الثورة» في الموقع الأردني، ثم «التفاوض على تحرير أسرى في سجون العدو وعدد من المعتقلين في أوروبا من رفاقنا وأسماء أخرى. وكان لا بد من البحث في التقنيات والحماية وموعد الوصول؛ لأن الرؤية تضعف بعد غروب الشمس».

يوم السادس من سبتمبر (أيلول) 1970 كان يوم الطائرات المخطوفة في العالم، واتجهت الأنظار إلى «مطار الثورة». محاولة خطف «العال» أحبطت في الجو. طائرتا الخطوط السويسرية والأميركية فُجرتا في المطار، ومعهما طائرة تابعة للخطوط البريطانية خطفها شاب فلسطيني من البحرين بمبادرة منه، أما الطائرة الأميركية الأخرى ففُجرت في مطار القاهرة.
لم يسعف الحظ ليلى هذه المرة. كان يفترض أن يصعد فريق من أربعة أشخاص إلى طائرة «العال» في أمستردام، لكن اثنين منهم لم يتمكنا من تأمين الحجز. صعدت إلى الطائرة مع رفيقها باتريك أورغويلو وكان الهبوط في لندن بعد فشل محاولة الخطف؛ إذ قُتل باتريك على يد رجل أمن كان على الطائرة، وألقت ليلى قنبلة لكنها لم تنفجر. اعتُقلت في بريطانيا وخضعت لتحقيقات لكن السلطات البريطانية اضطرت إلى إطلاقها بعد أسابيع في صفقة تبادل.

«الموساد» تحت السرير

سألتها إن كاد «الموساد» يصل إليها ذات يوم فأجابت: «نعم. في بيروت. زرعوا عبوة تحت سريري. كانت إجراءات الأمن تقضي أن نبدل أماكن إقامتنا باستمرار. كنت أدرب فتيات خارج العاصمة اللبنانية، أي في الجنوب أو البقاع. وكنت أعود منهكة إلى مقر الإقامة المؤقت، وهو غالباً شقة مفروشة، وأرتمي سريعاً على السرير لأنني في الغالب كنت أتوقع أن يرسل وديع في طلبي؛ لأنه كان يعتبر أنه ليس من حقنا أن نشعر بالتعب».
عادت ليلى ذات يوم إلى شقة في محلة كراكاس، وبالصدفة شاهدت صندوقاً أسود مغلقاً تحت السرير. «لم أكن متأكدة ما إذا كان جديداً، لكن الشكوك ساورتني. غادرت فوراً إلى مكتب الجبهة ففوجئوا بوصولي بعد منتصف الليل. وبالفعل جاء خبير المتفجرات، رحمه الله، فاكتشف أن الصندوق يحوي عشرة كيلوغرامات من المتفجرات».
استمعنا، زميلي محمد خير الرواشدة وأنا، إلى الحديث الطويل الممتع والذي سنكتفي منه بهذا المقدار.

(الحلقة الأولى) ليلى خالد: رفيق الحريري نقل أسلحة وديع حداد إلى أوروبا


مقالات ذات صلة

إسرائيل تعتقل نائباً أردنياً بتهمة تهريب سلاح وذهب

شؤون إقليمية إسرائيل تعتقل نائباً أردنياً بتهمة تهريب سلاح وذهب

إسرائيل تعتقل نائباً أردنياً بتهمة تهريب سلاح وذهب

أكدت مصادر أردنية، اليوم (الأحد)، اعتقال نائب حالي في إسرائيل بتهمة تهريب كميات كبيرة من السلاح والذهب بسيارته التي تحمل رقم مجلس النواب ورخصته، إلى الداخل الفلسطيني عبر الحدود، وسط تقديرات رسمية بأن تأخذ القصة أبعاداً سياسية. وفيما تحفظت المصادر عن نشر اسم النائب الأردني، إلا أنها أكدت صحة المعلومات المتداولة عن ضبط كميات من السلاح والذهب في سيارته التي كانت تتوجه إلى فلسطين عبر جسر اللنبي، وسط مخاوف من استغلال الجانب الإسرائيلي للقصة قضائياً، في وقت تشهد فيه العلاقات الأردنية الإسرائيلية توتراً أمام التصعيد الإسرائيلي، والانتهاكات المستمرة من قبل متطرفين للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي ولي العهد السعودي يلتقي العاهل الأردني

ولي العهد السعودي يلتقي العاهل الأردني

التقى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، اليوم في جدة، العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، على مائدة السحور. وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، كما تم بحث عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
المشرق العربي الصفدي رداً على مداخلات نيابية: الأردن وحده لن يقلب المعادلات الدولية

الصفدي رداً على مداخلات نيابية: الأردن وحده لن يقلب المعادلات الدولية

قال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، إن الدبلوماسية الأردنية تُدرك حجم الخطر المُتمثل فيما تقوم به إسرائيل من إجراءات واعتداءات وانتهاكات، ليس فقط فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك، لكن أيضاً فيما يتعلق بكل الأراضي الفلسطينية، وإنه لولا الأوقاف الأردنية، لقوضت إسرائيل هوية المقدسات الإسلامية والمسيحية، مشددا على أن تحقيق السلام العادل والشامل، لن يتحقق، إلا إذا تحررت القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المُستقلة على التراب الوطني الفلسطيني بخطوط عام 1967. وأضاف الصفدي خلال جلسة برلمانية رقابية، الأربعاء، أن الدبلوماسية الأردنية تعمل ليس فقط ردة فعل على الإجراءات الإسرائي

المشرق العربي اجتماع طارئ لـ«الجامعة العربية» اليوم لبحث الاقتحام الإسرائيلي للأقصى

اجتماع طارئ لـ«الجامعة العربية» اليوم لبحث «اقتحام الأقصى»

قالت الجامعة العربية إنها ستعقد اجتماعا طارئا بعد ظهر اليوم (الأربعاء)، لبحث مداهمة الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء. ودعا الأردن لعقد الاجتماع بالتنسيق مع مسؤولين مصريين وفلسطينيين. ونددت الجامعة العربية في وقت سابق بالمداهمة التي تمت قبل الفجر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي ولي عهد الأردن يصل إلى جدة

ولي عهد الأردن يصل إلى جدة

وصل الأمير الحسين بن عبد الله الثاني ولي عهد الأردن، إلى جدة اليوم (الأحد). وكان في استقباله في مطار الملك عبد العزيز الدولي، الأمير بدر بن سلطان بن عبد العزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة، وأمين محافظة جدة صالح التركي، ومدير شرطة منطقة مكة المكرمة اللواء صالح الجابري، وقنصل عام مملكة الأردن بجدة جعفر محمد جعفر، ومدير المراسم الملكية بمنطقة مكة المكرمة أحمد بن ظافر.

«الشرق الأوسط» (جدة)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
TT

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة، في حين كانت القوات الإسرائيلية تلحق الدمار من حولهم.

وأدى القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى نزوح 1.9 مليون من أصل 2.3 مليون فلسطيني من سكان القطاع، ومقتل أكثر من 41 ألف شخص، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.

ومنذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فرت أسرة أبو جراد سبع مرات، وانتقلت من «حياة الطبقة المتوسطة المريحة إلى الخراب»، وفقاً لوصفها.

وقال أبو جراد لوكالة أنباء «أسوشييتد برس»: «حياتنا الآن تختلف تماماً عن حياتنا في منزلنا في بيت حانون بشمال غزة. منزلنا كان مليئاً بالراحة والحب والعاطفة والأمان. كان المكان الذي يجتمع فيه الأحباء حول طاولة المطبخ أو على السطح في أمسيات الصيف وسط رائحة الورود وأزهار الياسمين».

وأضاف: «إن منزلك هو وطنك. كل شيء جيد في حياتنا كان في المنزل، كل شيء، الأسرة، والجيران، وإخوتي الذين كانوا حولي. إننا نفتقد كل ذلك».

قبل الحرب: حياة مريحة

كانت حياة أسرة أبو جراد في بيت حانون هادئة قبل الحرب. فقد كان أبو جراد يخرج كل صباح للعمل سائق تاكسي. وكانت زوجته تقضي معظم يومها في الأعمال المنزلية. وكانت أصغر بناتهما، لانا، قد بدأت الصف الأول الابتدائي، في حين أن هدى، التي تبلغ من العمر 18 عاماً، كانت في سنتها الأولى في الجامعة. أما أكبرهن، بلسم، فقد أنجبت طفلها الأول قبل بدء الحرب مباشرة.

7 أكتوبر: الهجوم

في صباح يوم 7 أكتوبر، سمعت الأسرة أخبار هجوم «حماس» على إسرائيل، الذي قُتل فيه نحو 1200 شخص واختُطف 250.

وأدركت الأسرة حينها أن الرد الإسرائيلي سيكون سريعاً وأن منزلهم، الذي يبعد نحو 2 كيلومتر فقط عن السياج الحدودي مع إسرائيل، سيكون على خط المواجهة.

وبحلول الساعة 9 صباحاً، حزم أبو جراد وزوجته وبناتهما وشقيقته ما في وسعهم وهربوا، حيث أصدر الجيش الإسرائيلي أحد أوامره الأولى بالإخلاء.

أدى القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى نزوح 1.9 مليون شخص (أ.ب)

7 - 13 أكتوبر: الإقامة مع والدي الزوجة

مثل العديد من الأسر الفلسطينية التي نزحت من منازلها، حاولت أسرة أبو جراد في البداية البقاء بالقرب من البيت. وذهبوا للإقامة مع والدي الزوجة، في بيت لاهيا على بعد كيلومتر واحد.

وقالت الزوجة: «كان المكان مريحاً للغاية، لأكون صادقة. شعرت وكأنني في المنزل. لكننا كنا نعيش في خوف ورعب».

وبالفعل، تعرضت بيت لاهيا لقصف كثيف. على مدار الأيام الستة التي قضوها هناك، فقد قامت إسرائيل بـ9 غارات على البلدة على الأقل، مما أسفر عن مقتل العشرات.

واخترقت الشظايا خزانات المياه في منزل والدي الزوجة. وتحطمت النوافذ بينما تجمعت العائلة في الداخل، الأمر الذي دفع الأسرة للنزوح مرة أخرى.

13- 15 أكتوبر: اللجوء إلى المستشفى

توجهت الأسرة إلى مستشفى القدس للإقامة بها بعد ترك منزل أسرة الزوجة.

وكان المبنى ومحيطه مكتظاً بآلاف الأشخاص. ففي جميع أنحاء شمال غزة، لجأت الأسر إلى المستشفيات، على أمل أن يكونوا في مأمن.

ووجدت الأسرة مساحة صغيرة على الأرض، بالكاد يكفي للنوم ​​وسط الطاقم الطبي المحموم الذي يكافح مع الجرحى.

وقالت الزوجة: «كانت ليلة سوداء وكانت هناك ضربات إسرائيلية متواصلة، ورأينا القتلى والجرحى متناثرين على الأرض».

وفي اليوم التالي لوصولهم، أصابت ضربة إسرائيلية منزلاً على بعد بضع مئات من الأمتار من المستشفى، مما أسفر عن مقتل طبيب بارز وحوالي عشرين فرداً من عائلته، الكثير منهم من الأطفال.

وأمر الجيش الإسرائيلي جميع المدنيين بعد ذلك بمغادرة شمال غزة، مما أدى إلى توجه مئات الآلاف من الأشخاص جنوباً، من بينهم أسرة أبو جراد.

15 أكتوبر - 26 ديسمبر (كانون الأول): مدرسة مكتظة

سارت الأسرة 10 كيلومترات حتى وصلت إلى مدرسة إعدادية للبنات تديرها الأمم المتحدة في مخيم النصيرات للاجئين.

وكان كل فصل دراسي وممر مكتظاً بالعائلات القادمة من الشمال. ووجدت الأسرة مساحة صغيرة في فصل دراسي يضم بالفعل أكثر من 100 امرأة وطفل. وللحفاظ على الخصوصية، انتقل أبو جراد للعيش مع الرجال في خيام بالخارج، في ساحة المدرسة.

كان هذا مكان إقامتهم لأكثر من 10 أسابيع. كانت الزوجة وبناتها ينمن على الأرض، دون مساحة كافية حتى لتمديد أرجلهن. ومع حلول الشتاء، لم يكن هناك ما يكفي من البطانيات.

وقالت الزوجة إن الحمامات كانت أسوأ شيء في الأمر. فلم يكن هناك سوى عدد قليل من المراحيض التي يستخدمها الآلاف من الناس.

وأشارت إلى أن الاستحمام كان بمثابة «معجزة». فقد ظل الناس عاجزين عن الاستحمام لأسابيع. وانتشرت الأمراض الجلدية على نطاق واسع.

ويومياً، كانت البنات يذهبن عند الفجر للانتظار في الطوابير أمام المخابز القليلة الموجودة بالمنطقة، ويعدن بعد الظهر، وفي بعض الأحيان يحملن رغيف خبز واحداً فقط. وفي أحد الأيام، سار أبو جراد وبناته مسافة 5 كيلومترات إلى مدينة دير البلح، بحثاً عن مياه صالحة للشرب.

وقال أبو جراد: «لولا أهل دير البلح الطيبين الذين أشفقوا علينا وأعطونا نصف غالون من المياه، لكنا عدنا بلا شيء».

ومع استمرار الضربات، قررت الأسرة الذهاب إلى أبعد مدى ممكن، فساروا مسافة 20 كيلومتراً إلى رفح، في أقصى جنوب غزة.

26 ديسمبر - 14 مايو (أيار): الحياة في خيمة

ذاقت أسرة أبو جراد طعم العيش في خيمة لأول مرة في رفح، وقد أقامت خيمتها وسط عشرات الآلاف من الخيام على مشارف المدينة.

وقالت الزوجة: «في الشتاء، كان الأمر أشبه بالجحيم، حيث غمرتنا المياه. وكنا ننام على الأرض، لا شيء تحتنا، ولا أغطية».

وأضافت: «لم يكن لدينا المال لشراء الطعام من الأسواق، حيث ارتفعت الأسعار. وأصيبت بناتنا بنزلات البرد والإسهال، ولم تكن هناك صيدلية قريبة لشراء الدواء. وعشنا بالكامل على المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة من الدقيق وغيره من المواد الأساسية».

وقال أبو جراد: «كان شراء حبة طماطم أو خيارة أشبه بالحلم».

ومثل كثيرين غيرهم، كانوا يعتقدون أن رفح هي آخر مكان آمن في غزة. ولكنها لم تكن كذلك.

وفي الأسبوع الأول من شهر مايو، أمرت إسرائيل بإخلاء رفح بالكامل. ثم توغلت قواتها في المدينة. واشتد القصف.

وحاولت الأسرة البقاء لأطول فترة ممكنة هناك. ولكن غارة جوية ضربت مكاناً قريباً، فقتلت أربعة من أبناء عم أبو جراد وفتاة صغيرة.

أسرة فلسطينية تحمل أغراضها أثناء النزوح من قطاع غزة (أ.ب)

16 مايو - 16 أغسطس (آب): «منطقة إنسانية»

نزح أكثر من مليون شخص من رفح هرباً من الهجوم الإسرائيلي، وتفرقوا في جنوب ووسط غزة. وملأت الخيام شواطئ المدن والحقول والأراضي الفارغة وساحات المدارس والمقابر وحتى مكبات النفايات.

وتوجهت أسرة أبو جراد إلى المواصي، التي كانت في السابق بلدة ساحلية، بعد أن أعلنت إسرائيل إنها «منطقة إنسانية» ـ رغم قلة المساعدات أو الغذاء أو الماء.

وفي هذا المكان، كانت الأسرة تستخدم أكواماً من العصي لإشعال النار وطهي الطعام، واستخدموا دلواً من الماء للاستحمام من حين لآخر. وكان الصابون باهظ الثمن. وتسللت العناكب الكبيرة والصراصير والحشرات الأخرى إلى الخيمة.

16 - 26 أغسطس: الفرار إلى البحر

أجبرت غارة شنتها إسرائيل على بعد أقل من كيلومتر أسرة أبو جراد على النزوح مرة أخرى. وتوجهت الأسرة نحو ساحل البحر الأبيض المتوسط، دون أن تعرف أين ستقيم.

لكن، لحسن الحظ، وجدت الأسرة بعض المعارف في إحدى الخيام.

وقال أبو جراد: «باركهم الله، لقد فتحوا خيمتهم لنا وسمحوا لنا بالعيش معهم لمدة 10 أيام».

أواخر أغسطس: لا نهاية في الأفق

عندما عادت الأسر إلى المواصي، وجدت أسرة أبو جراد أن خيمتها قد سُرِقَت وأن طعامها وملابسها اختفت بالكامل.

ومنذ ذلك الحين، تتكرر الأيام دون أي جديد. وتجد الأسرة أن البقاء على قيد الحياة يفقد معناه في صراع يبدو أنه لا نهاية له.

وأصبح العثور على الطعام أكثر صعوبة مع انخفاض الإمدادات التي تدخل غزة إلى أدنى مستوياتها خلال الحرب.

أصبح العثور على الطعام أكثر صعوبة مع انخفاض الإمدادات التي تدخل غزة (أ.ب)

وتحلق الطائرات المسيرة الإسرائيلية فوق رؤوس الأسرة باستمرار، حيث يعيش الجميع في رعب وضغط نفسي مستمر.

وتحلم الأسرة بالعودة إلى منزلها. وقال أبو جراد إنه علم أن منزل شقيقه المجاور دُمر في غارة، وأن منزله تضرر، لكنه لا يعرف حجم الضرر الذي لحق به.