مدن الخيام تسلب غازي عنتاب جمالها

قرى تحولت لأطلال ومدن فقدت معالمها في القلعة الثامنة لاقتصاد تركيا

صورة موزعة من إدارة الطوارئ والكوارث التركية لمدينة خيام أنشأها الهلال الأحمر في إصلاحية بغازي عنتاب
صورة موزعة من إدارة الطوارئ والكوارث التركية لمدينة خيام أنشأها الهلال الأحمر في إصلاحية بغازي عنتاب
TT

مدن الخيام تسلب غازي عنتاب جمالها

صورة موزعة من إدارة الطوارئ والكوارث التركية لمدينة خيام أنشأها الهلال الأحمر في إصلاحية بغازي عنتاب
صورة موزعة من إدارة الطوارئ والكوارث التركية لمدينة خيام أنشأها الهلال الأحمر في إصلاحية بغازي عنتاب

دمار ومآسٍ ومشاهد مؤلمة... وقرى اختفت من الوجود وبلدات تحولت إلى مدن أشباح... وجهود مستمرة لفرق البحث والإنقاذ تمسكا بالأمل في العثور على ناجين تحت آلاف الأطنان من ركام المباني المدمرة في غازي عنتاب إحدى الولايات العشر التي ضربها الزلزال.
غابت ملامح قرى وبلدات أهمها «إصلاحية» و«نورداغي»... انقطعت الطرق وحلت الخيام والحاويات محل البيوت، باتت قرى بأكملها أطلالا يبكي أهلها أيامهم الخوالي فيها، فلم يعد بإمكانهم أن يدخلوها بعدما حولها الزلزال المدمر إلى أثر من بعد عين.
أصحاب البيوت يرفضون الابتعاد عن أطلالها... تجلس «نورشان كوجا» أمام منزلها الريفي المحطم تعاني أحزان فقد كل ما كانت تملك، والصقيع الذي لا يرحم ولا يعبأ بحال من تضرروا من الزلزال ويقضون أيامهم في الشوارع.
قالت كوجا التي تقطن قرية «أطالار» التي أزيلت بشكل شبه كامل بفعل الزلزال المدمر إنها فقدت كل شيء. تتحدث والدموع تملأ عينيها: «فقدنا كل شيء... لا نعرف شيئا عن أقاربنا... دُمر بيتنا وغالبية بيوت القرية وانقطعنا عن العالم... لم يصل إلينا أحد... نقاوم البرد القاسي وننتظر أن تصل إلينا المساعدة... لم يقوموا بنصب الخيام في قريتنا ولا طعام ولا ماء ولا كهرباء».
بعض الناس في المناطق التي ضربها الزلزال في غازي عنتاب يحاولون مواصلة الحياة رغم الظروف القاسية متشبثين ببيوتهم، بعضهم يتجرأ أحيانا على دخول البيوت التي لم تتهدم بشكل كامل للحصول على بعض الاحتياجات.
في أول يومين لزلزال فجر الاثنين الماضي، قطع الطريق الرئيسي بين أضنة وغازي عنتاب، وتدمرت الطرق التي تربط نورداغي وعزلت عن العالم الخارجي، وكذلك بات من الصعب الوصول إلى إصلاحية ونزيب وغيرهما.
وبينما كانت «الشرق الأوسط» تتجول من منطقة إلى أخرى، كانت فرق الإنقاذ تعمل بكل طاقتها في اليوم السابع بعد الزلزال... مئات عمال المناجم تطوعوا للعمل مع فرق الإنقاذ، ونجحت جهودهم، بعد عمل محموم في انتشال الطفلة «إيكرا أرسلان» البالغة من العمر 13 عاماً في ساعة متأخرة من ليل السبت بعد أن أمضت 138 ساعة تحت أنقاض مبنى منهار في شارع «ياووز سليم».
انتشرت الفرق في 21 نقطة في نورداغي، والتقطت أصواتا من تحت الأنقاض... إذن فلا يزال هناك أحياء... وبين وقت وآخر، كان أعضاء فرق الإنقاذ يطلبون الصمت، ما يعني أن أجهزة الاستشعار التقطت صوتا أو حركة... وعليه يبدأ العمل المكثف الذي يستغرق ساعات من أجل إخراج من يوجد حيا من تحت الأنقاض.
بعد الزلزال العاتي، امتدت أيادي المساعدة لمداواة الجروح في منطقة نورداغي، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 41 ألف نسمة، وقامت إدارة الطوارئ والكوارث التركية والهلال الأحمر ومنظمات مدنية أخرى بإنشاء منطقة للخيام، ثم بدأ العمل في محطة للحاويات في المنطقة، وحلت مشكلة الطعام والشراب، لكن لا تزال الشكاوى مستمرة من نقص دورات المياه والتدفئة بسبب قسوة الجو، ودرجات الحرارة التي عادة ما تكون تحت الصفر في النهار، وتزداد هبوطا في الليل.
وفي بلدة نزيب، الواقعة على بعد 45 كيلومترا من مركز مدينة غازي عنتاب التي يفوق عدد سكانها 96 ألفا، كانت فرق الإنقاذ تعمل بكل طاقتها في مواجهة تلاشي الأمل مع مرور الساعات، ونجحت بالفعل في انتشال الطفلة أيلول كيلتش صباح الأحد، بعد 146 ساعة تحت أنقاض مبنى مؤلف من 8 طوابق، وجهود استغرقت حوالي 9 ساعات حتى الوصول إليها وإخراجها سالمة وسط صيحات التهليل والتكبير من فرق الإنقاذ والمواطنين المتحلقين حول الحطام.
شكل رجال الإنقاذ سلسلة بشرية بعد وضع أيلول على نقالة ولفها ببطانية... سألها أحد رجال الإنقاذ: «هل أنت جائعة»، فردت «لا أنا ممتلئة، لقد أكلت»... نقلت أيلول بعد ذلك إلى مستشفى نزيب الحكومي.
أحد رجال الإنقاذ قال لـ«الشرق الأوسط»: «ليس فقط الزلزال الذي يشكل تحديا بل الطقس البارد، لكن أيضاً الوقت قضية يجب التغلب عليها في هذا الكفاح». وأضاف: «نحتاج إلى مزيد من أجهزة الحفر ومقصات قطع الحديد ومولدات الكهرباء».
انطلق حولنا صوت من مكبر صوت انطلق من سيارة للشرطة، يعلن الحاجة إلى 10 أفراد للمساعدة في إزالة وتحميل الأنقاض لنقلها من موقع بناء منهار.
وفي مركز مدينة غازي عنتاب، لم يكن الدمار ملحوظا بشكل كبير، لكن أحمد أكجون، الذي يعمل في أحد مقاهي المدينة، أكد أن هناك مئات الآلاف من المباني التي أصابتها الشروخ وتأثرت بالزلزال.
في المناطق المتضررة بشدة، أرسل رجال أعمال شاحنات محملة بالمواد الغذائية والاحتياجات الأخرى، سواء ملابس أو حفاضات الأطفال أو أغطية، مع جزء من الاحتياجات الطبية المطلوبة بشدة.
وفي هذه المناطق، هناك حاجة ماسة للأدوية والمعدات الطبية لمواجهة احتياجات العدد الكبير من المصابين، أو حتى المواطنين الذين يجلسون في الشوارع والخيام والمتطوعين في عمليات الإنقاذ.
العديد من المستشفيات تضرر بسبب الزلزال. الأطباء يعملون في الشارع والمناطق المفتوحة والخيام، بحسب رئيس «جمعية أطباء العائلة» في جنوب شرقي الأناضول الدكتور يعقوب شاهين، الذي أكد أن العديد من مباني مراكز صحة الأسرة تضرر... «ونادرا ما ندخل المباني لأن هناك توابع مستمرة للزلزال، أيضاً فقدنا بعض أطبائنا وموظفينا تحت الأنقاض».
تابع: «تحدثنا إلى أطباء العائلة في المنطقة، وهناك أطباء مستعدون للحضور من جميع أنحاء تركيا، لكن هناك مشاكل لوجيستية... جمعيتنا تخدم 76 مقاطعة... جميع الأطباء الآن توجهوا إلى أقسام الطوارئ».
تعد غازي عنتاب إحدى قلاع التصدير المهمة في تركيا، وتحتل المرتبة الثامنة بين كبرى الولايات في تركيا من حيث المساهمة والتأثير في الاقتصاد التركي. وتسهم الولايات العشر، التي ضربها زلزالا الاثنين الماضي، وهي كهرمان ماراش، هطاي، أديامان، كيليس، عثمانية، أضنة مالاطيا، غازي عنتاب، شانلي أورفا، ديار بكر، بنسبة 10.9 في المائة من صادرات تركيا بحسب الإحصائيات الرسمية للعام 2022، وسجلت غازي عنتاب 11.2 مليار دولار من إجمالي قيمة الصادرات، وهطاي 4.1 مليار دولار، وأضنة 3.1 مليار دولار. وتستحوذ غازي عنتاب وحدها على نسبة 4.4 في المائة من الصادرات التركية، وهطاي على 1.6 في المائة وأضنة على 1.2 في المائة. بينما نسبة واردات الولايات العشر من إجمالي واردات تركيا يبلغ نحو 6.7 في المائة.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

شؤون إقليمية أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن بلاده تتوقع موقفاً واضحاً من دمشق حيال «تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي» والتنظيمات التابعة له، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تنظر إليها أنقرة على أنها امتداد لـ«العمال الكردستاني» في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

خصوم إردوغان يتهمونه بـ«مفاوضة» أوجلان في سجنه طلباً لأصوات كردية

واجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ادعاءً جديداً من خصومه في المعارضة، بشأن إرساله مبعوثين للتفاوض مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين مدى الحياة، عبد الله أوجلان، من أجل توجيه رسالة للأكراد للتصويت لصالحه في الانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مايو (أيار) الحالي. وقالت رئيسة حزب «الجيد» المعارض، ميرال أكشنار، إن إردوغان أرسل «شخصية قضائية» إلى أوجلان في محبسه، وإنها تعرف من الذي ذهب وكيف ذهب، مشيرة إلى أنها لن تكشف عن اسمه لأنه ليس شخصية سياسية. والأسبوع الماضي، نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية، إعلان الرئيس السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية» السجين، صلاح الدين دميرطاش، أن يكون إردوغان أرسل وف

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

دخول تركيا «النادي النووي» مهم... وزوال مخاوف «تشيرنوبل» مسألة وقت

<div>دفع إقدام تركيا على دخول مجال الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء عبر محطة «أككويو» التي تنشئها شركة «روساتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد، والتي اكتسبت صفة «المنشأة النووية» بعد أن جرى تسليم الوقود النووي للمفاعل الأول من مفاعلاتها الأربعة الخميس الماضي، إلى تجديد المخاوف والتساؤلات بشأن مخاطر الطاقة النووية خصوصاً في ظل بقاء كارثة تشيرنوبل ماثلة في أذهان الأتراك على الرغم من مرور ما يقرب من 40 عاما على وقوعها. فنظراً للتقارب الجغرافي بين تركيا وأوكرانيا، التي شهدت تلك الكارثة المروعة عام 1986، ووقوعهما على البحر الأسود، قوبلت مشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية باعتراضات شديدة في البد</div>

شؤون إقليمية أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

أنقرة: وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يجتمعون في 10 مايو

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اليوم الأربعاء، إن اجتماع وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا قد يُعقَد بموسكو، في العاشر من مايو (أيار)، إذ تعمل أنقرة ودمشق على إصلاح العلاقات المشحونة. كان جاويش أوغلو يتحدث، في مقابلة، مع محطة «إن.تي.في.»

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية «أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

«أككويو» تنقل تركيا إلى النادي النووي

أصبحت تركيا رسمياً عضواً في نادي الدول النووية بالعالم بعدما خطت أولى خطواتها لتوليد الكهرباء عبر محطة «أككويو» النووية التي تنفذها شركة «روسآتوم» الروسية في ولاية مرسين جنوب البلاد. ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خطوة تزويد أول مفاعل من بين 4 مفاعلات بالمحطة، بـ«التاريخية»، معلناً أنها دشنت انضمام بلاده إلى القوى النووية في العالم، مشيراً إلى أن «أككويو» هي البداية، وأن بلاده ستبني محطات أخرى مماثلة. على ساحل البحر المتوسط، وفي حضن الجبال، تقع محطة «أككويو» النووية لتوليد الكهرباء، التي تعد أكبر مشروع في تاريخ العلاقات التركية - الروسية.


قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.