الغلوكوما... «اللص الصامت»

التشخيص والعلاج مبكراً يقيان من تلف العصب وفقدان البصر

د. محسن سمعان
د. محسن سمعان
TT

الغلوكوما... «اللص الصامت»

د. محسن سمعان
د. محسن سمعان

الغلوكوما Glaucoma (الماء الأزرق)، مرض يسرق البصر دون أي أعراض ظاهرة، لذا وصف بـ«اللص الصامت»، يصيب العين ويتلف عصبها البصري، الذي ينقل الرؤية من العين إلى الدماغ، بسبب ضغط السائل داخل العين. ومع مرور الوقت يحدث فقدان لألياف العصب وبالتالي فقدان للمجال البصري والرؤية. قد يحدث المرض بسبب ارتفاع ضغط العين عن المعدل الطبيعي، أو بسبب ضعف العصب البصري.
تشريحيا، تمتلئ الغرفة الأمامية للعين (الجزء الداخلي من مقدمة العين) بسائل مائي يسمى الخلط المائي (aqueous humour). ويخلق هذا السائل ضغطاً طبيعياً في العين، ما يحافظ على صحتها وشكلها الصحيح. يعرف هذا الضغط باسم ضغط العين (Intra Ocular Pressure (IOP)) ولا يرتبط بضغط الدم بأي شكل من الأشكال. يختلف السائل المائي الموجود داخل العين عن الدموع.
عادةً ما يتم تصريف السائل المائي بنفس معدل إنتاجه لإبقاء العين عند الضغط الصحيح. يتراوح النطاق الطبيعي لضغط العين تقريباً من 10 إلى 21 ملم زئبق. وإذا لم يتم تصريف السائل بالسرعة التي يتم إنتاجه بها، فسوف يتراكم ويرتفع ضغط العين، وبالتالي يتسبب هذا الضغط في تلف العصب البصري عند النقطة التي يترك فيها الجزء الخلفي من العين. هذه الحالة تسمى «غلوكوما».
يعد العصب البصري مهماً للبصر لأنه مسار الإشارات من شبكية العين، الخلايا الحساسة للضوء في الجزء الخلفي من العين، إلى الدماغ متيحا رؤية العالم من حولنا.

- عوامل الإصابة
من هم المعرضون لخطر الإصابة بالغلوكوما؟
يجيب الدكتور محسن سمعان استشاري طب وجراحة العيون والمدير الطبي لمشفى باراكير في دبي بأن لهذا المرض العديد من عوامل الخطر، أشهرها ارتفاع ضغط العين، وهو العامل الوحيد الذي يمكننا معالجته، ولكن هناك عوامل خطر أخرى مثل انخفاض ضغط الدم أو توقف التنفس أثناء النوم، وفي كلا المرضين هناك تغيير في تدفق الدم إلى العصب البصري وبالتالي سوف تعاني العين أكثر من مضاعفات زيادة ضغط العين. ويضيف أن أحد أهم عوامل الخطر أيضاً هو العامل الوراثي حيث إن أحفاد مرضى الغلوكوما عندهم احتمال أكبر ليورثوا الغلوكوما.
ووفقاً للمعهد الوطني الملكي للمكفوفين (Royal National Institute of Blind People، (RNIB)) في المملكة المتحدة لفقدان البصر، يمكن لأي شخص أن يصاب بمرض الغلوكوما، بالنظر إلى العوامل التالية:
- العمر: يعتبر الغلوكوما أكثر شيوعاً مع التقدم في العمر، يصيب 2 في المائة من الأشخاص فوق سن 40. وتزيد النسبة إلى ما يقرب من 10 في المائة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 75 عاماً.
- التاريخ العائلي: إذا تم تشخيص إصابة أحد أفراد العائلة بمرض الغلوكوما وجب على باقي أفرادها مراجعة طبيب العيون، ومن كان عمره يزيد عن 40 عاماً يفحص كل عام.
- العرق: الأصل الأفريقي الكاريبي أكثر عرضة للإصابة بالغلوكوما مفتوح الزاوية ويتطور لديهم في وقت مبكر من الحياة - قبل سن الأربعين، والأصل الشرق آسيوي أكثر عرضة للغلوكوما مغلق الزاوية.
- قصر النظر، يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالغلوكوما مفتوح الزاوية. وطول النظر، بالغلوكوما مغلق الزاوية.
- مرض السكري، يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالغلوكوما.
- استخدام الستيرويدات (steroids)، لفترة طويلة من الزمن، يزيد من خطر الإصابة.

- تصنيف الغلوكوما
يقول الدكتور محسن سمعان يمكننا تصنيف الغلوكوما إلى فئتين رئيسيتين هما:
- الأولى، الغلوكوما الأساسي مفتوح الزاوية وهو الأكثر شيوعاً (80%)، حيث يحدث تلف العصب البصري ببطء على مدى فترة طويلة من الزمن بسبب زيادة ضغط العين إلى أكثر من 21 ملم زئبق.
- الثانية، الغلوكوما ضيق أو مغلق الزاوية (20%)، حيث يحدث تلف العصب البصري بسرعة كبيرة بسبب الارتفاع المفاجئ في ضغط العين.
- أخرى، كما يمكن أن يحدث مرض الغلوكوما نتيجة مرض آخر بالعين أو إصابة في العين أو بسبب الأدوية فيسمى «غلوكوما ثانوي»، أو أن يولد الطفل مصابا بالمرض فيسمى «غلوكوما خِلْقي». هناك أيضاً الغلوكوما الذي يصيب الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و30 عاماً.

- الأعراض
يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار أن الغلوكوما ذا الزاوية المفتوحة مرض صامت بدون أعراض تماماً حيث إن ضغط العين لا يسبب أي ألم، وقد لا يلاحظ المريض أي اختلاف في الرؤية لأن الغلوكوما يؤثر على الرؤية المحيطية (المعروفة أيضاً بالرؤية الجانبية) أولاً، وهي ليست حساسة مثل الرؤية المركزية، فمن الصعب ملاحظة أي تغييرات مبكرة في الرؤية - لكن البصر يتضرر مع مرور الوقت. من المهم إجراء اختبارات العين دوريا وبانتظام لأنها هي الطريقة الوحيدة لمعرفة وتشخيص الإصابة أو نفيها. كلما تم التقاط الغلوكوما وعلاجه في وقت مبكر، أمكن حماية المزيد من النظر. كيف يمكن أن يؤثر الغلوكوما الأساسي مفتوح الزاوية على البصر؟
يصيب مرض الغلوكوما الأساسي مفتوح الزاوية، عادة، كلتا العينين، ولكن قد تتأثر إحدى العينين أكثر من الأخرى. ومع حدوث التلف في العصب البصري، تبدأ البقع العمياء (blind spots) في التكون في الحواف الخارجية للرؤية فتحجب الرؤية المحيطية. إذا لم يتم التشخيص ولم يبدأ العلاج، فإن فقدان البصر يتقدم ببطء بحيث يصبح مجال الرؤية ضيقاً جداً ويمكن أن يبدو المريض كما لو كان ينظر عبر نفق. ومع مرور الوقت وعدم البدء في العلاج، فإن الرؤية المركزية قد تتأثر أيضاً، مما يتسبب في ظهور نقاط عمياء عند النظر إلى الأمام مباشرة.
لسوء الحظ، بمجرد حدوث فقدان البصر، لا يمكن عكسه حيث لا توجد حالياً علاجات يمكنها استعادة العصب التالف. هذا يعني أن من المهم حقاً أن يتم التقاط الغلوكوما وعلاجه مبكراً لمنع تلف العصب البصري في المقام الأول ومن ثم تجنب فقدان البصر.

- التشخيص
أوضح الدكتور محسن سمعان أن هناك ثلاثة قياسات رئيسية للتحقق من الغلوكوما مفتوح الزاوية: قياس ضغط العين، قياس سماكة القرنية، وإجراء تصوير مقطعي للعين (OCT) الذي يتكون من مسح طبقات أو ألياف العصب البصري وتقعره، إضافةً إلى فحوصات أخرى يتم إجراؤها حسب الحاجة:
- قياس ضغط العين (tonometry)، ويتم باستخدام اختبار «نفث الهواء puff of air»، أو باستخدام قطرات مخدرة للعين والقطرة الصفراء والضوء الأزرق وأداة صغيرة تلامس العين بلطف وهي طريقة أكثر دقة.
- قياس سمك القرنية، الذي يمكن أن يساعد في دقة قراءات ضغط العين.
- التصوير المقطعي للعين (OCT)، لعمل مسح مفصل للعصب البصري الذي يمكنه أن يظهر أي تلف في خلايا العصب البصري، وأيضاً لفحص زاوية التصريف بالعين.
- فحص صحة العصب البصري، في الجزء الخلفي من العين باستخدام ضوء ساطع للتحقق من أي تغيرات، كما يمكن التقاط صورة فوتوغرافية للعصب البصري في الجزء الخلفي من العين.
- قياس مجال الرؤية، للتحقق من أي مناطق مفقودة في الرؤية أو وجود نقاط عمياء. أثناء هذا الاختبار، يتم التركيز على منتصف الشاشة والضغط على الزر في كل مرة يرى فيها المريض وميضاً صغيراً من الضوء في مجال الرؤية الجانبية.
يتم عادة النظر إلى نتائج كل هذه الاختبارات معاً لأن مرض الغلوكوما يمكن أن يتواجد حتى لو كان ضغط العين طبيعياً.

- العلاج
أشار الدكتور محسن سمعان إلى أن الهدف من العلاج هو الحفاظ على الرؤية وتوفير حياة طبيعية للمريض، وذلك من خلال الحفاظ على العصب البصري في أفضل الظروف للحصول على مجال بصري جيد. بمجرد أن يتم تشخيص الغلوكوما، يجب أن يبدأ العلاج على الفور بخفض ضغط العين لمنع الضرر عن العصب البصري، وهو عامل الخطر الوحيد الذي يمكننا التحكم فيه، وننجح في معظم الحالات، وذلك من خلال الآتي:
- العلاج بقطرات العين: وهي على أنواع، وظيفتها خفض ضغط العين إما عن طريق تقليل كمية السائل المائي الذي تنتجه العين أو عن طريق زيادة سرعة تصريفه. وتستخدم باستمرار وقد تكون مدى الحياة، مع التزام دقيق من المريض ومراقبة منتظمة لضغط العين للتأكد من مدى فعالية القطرات.
استخدام القطرات لن يغير في قوة البصر، فهي تمنع أي ضرر مستقبلي للبصر، لذا من المهم جداً الاستمرار في استخدامها وعدم التهاون حتى لا يرتفع ضغط العين الذي يتلف العصب البصري، ويؤدي إلى فقدان البصر.
- العلاج بالليزر: أكثره شيوعا هو رأب التربيق (laser trabeculoplasty) وهو أكثر فعالية في الغلوكوما مغلق الزاوية، حيث يتم عمل ثقب صغير في القزحية، يساعد على تصريف السوائل بشكل أفضل مما يقلل من ضغط العين. لكن في حالة الزاوية المفتوحة، هناك أنواع أخرى من الليزر يمكن أن تسهل خروج السائل الموجود داخل العين إلى الدورة الدموية وبالتالي ينخفض الضغط. تجرى علاجات الليزر عادةً في العيادة الخارجية تحت التخدير الموضعي، وتنجح في خفض ضغط العين لدى بعض المرضى، ولكن يظل المريض بحاجة عادةً إلى الاستمرار في استخدام قطرات العين بعد العلاج للحفاظ على استقرار ضغط العين.
- العلاج بالجراحة: وهو الخيار الأخير، وهدفه خفض ضغط العين، أكثر العمليات انتشاراً هي جراحة استئصال الترابيك (trabeculectomy)، لخلق قناة تصريف دائمة جديدة في العين لتصريف السائل المائي إلى منطقة تحت الملتحمة وبالتالي يتم امتصاصه عن طريق الأوعية الدموية، مما يقلل من ضغط العين. قد ينخفض الضغط لدى بعض المرضى بدرجة كافية بحيث لا تكون هناك حاجة للقطرات على العين التي خضعت للعملية.
هناك أنواع أخرى من الجراحة للغلوكوما، يحددها طبيب العيون بالمناقشة مع المريض، مثل تحويلات السائل (aqueous shunts) أو زرع الأنبوب (tube implant).
أخيراً، يؤكد استشاري طب وجراحة العيون الدكتور محسن سمعان أن مرض «الغلوكوما» هو من أهم أسباب العمى، ولحسن الحظ، أنه يمكن تجنبه والوقاية منه بالتوجيه ونشر خصائصه بأنه مرض «صامت» وينصح بعمل الفحص الدوري للتشخيص الباكر والعلاج في الوقت المناسب علما بأن هناك 3.5 في المائة من الأشخاص فوق سن الأربعين مصابين بمرض الغلوكوما وهم لا يعلمون. ويجب أن يتفهم المريض طبيعة هذا المرض وأنه سيستمر مدى الحياة، وعليه أن يتعاون ويلتزم بالعلاج دون إهمال أو نسيان.

- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال