الرئيس السريلانكي يدعو إلى التفكير في «الأخطاء» الماضية

الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينغه خلال العرض العسكري (أ.ب)
الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينغه خلال العرض العسكري (أ.ب)
TT

الرئيس السريلانكي يدعو إلى التفكير في «الأخطاء» الماضية

الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينغه خلال العرض العسكري (أ.ب)
الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينغه خلال العرض العسكري (أ.ب)

بينما تمر البلاد بأزمة كبيرة، دعا الرئيس السريلانكي، رانيل ويكريمسينغه، خلال عرض عسكري بمناسبة مرور 75 عاماً على استقلال البلاد، إلى التفكير في «الأخطاء والإخفاقات» الماضية.
ومنذ انتهاء الاستعمار البريطاني في 1948، قضت الدولة الجزيرة جزءاً كبيراً من تاريخها في حرب مع نفسها. فقد شهدت تمرد الانفصاليين التاميل، الذي استمر لعقود وأودى بحياة ما يصل إلى 100 ألف شخص، وحركتي تمرد شيوعيتين داميتين.
ولا يزال السكان البالغ عددهم 22 مليون تقريباً تحت صدمة تداعيات الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي شهدته البلاد العام الماضي وأدّى إلى نقص في المواد الغذائية والوقود طوال أشهر.
وشدد الرئيس رانيل ويكريمسينغه، الذي تسلّم منصبه في يوليو (تموز) في أوج أزمة سياسية، على أن إحياء ذكرى الاستقلال السبت يأتي «في مرحلة دقيقة جداً وصعبة».
وقال في بيان «هذه فرصة لنا ليس فقط لمراجعة نقاط قوتنا وإنجازاتنا بصفتنا أمة ولكن أيضا لتصحيح أخطائنا وإخفاقاتنا».
وتابع ويكريميسينغه محاطاً بكبار الضباط، لمدة ساعة، موكباً للجنود وعربات الجيش على طول شارع مطّل على البحر في العاصمة كولومبو، في عرض بدأ بطلقات مدفعية احتفالاً بالذكرى، وقاطعته أحزاب المعارضة.
وعلى مدى عدة أشهر في عام 2022، أُقيم في هذا الشارع نفسه مخيّم احتجاج لسريلانكيين غاضبين من الأزمة الاقتصادية التي تنهش الجزيرة، وسوء إدارتها من قبل المسؤولين.
وبلغت الحركة الاحتجاجية ذروتها في يوليو (تموز) حين اقتحم حشد كبير منزل سلف ويكريمسينغه ودفعه نحو منفى مؤقت أعلن فيه تنحّيه.
وأمر ويكريمسينغه القوات الأمنية بتفكيك المخيّم الاحتجاجي بعد ساعات على أدائه اليمين، وشرع مذاك الحين في إعادة الاستقرار المالي لسريلانكا. رفعت حكومته الضرائب وبدأت مشاورات مع الدائنين الدوليين، منهم الهند والصين، لتمهيد الطريق لخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي تحتاج إليها البلاد بشكل عاجل.
لكن لا يزال تأثير الأزمة محسوساً بشدّة. وقد أعلن الرئيس الأسبوع الماضي أن الاقتصاد انكمش بنسبة في المائة تقريباً عام 2022.
الجمعة، لفتت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن واحدا من كل ثلاثة سريلانكيين يحتاج إلى مساعدات إنسانية بسبب الركود.
وقال الخبير السياسي رانغا كالانسوريا لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «سريلانكا دولة مفلسة، لذا علينا الانطلاق من الصفر».
وبحسب قوله، لا يزال يتعين على سريلانكا أن تضمد جروح النزاعات التي هزتها على مدى عقود، مضيفاً «نحن بحاجة إلى مانديلا لسريلانكا»، لكن القادة السياسيين في البلاد فشلوا في تحقيق المصالحة.
غداة عيد الميلاد في 2004، قُتل 31 ألف شخص تقريباً حين ضرب تسونامي سواحل سريلانكا.
وبحسب منظمات حقوقية، قُتل 40 ألف مدني تقريباً في الأسابيع الأخيرة من الحرب الأهلية التي انتهت في عام 2009، عندما دمر هجوم للجيش بقايا قيادة نمور التاميل.
قاومت سريلانكا الدعوات الدولية لإجراء تحقيق فيما يُقال إنها جرائم حرب، واتُهمت الحكومات المتعاقبة بتشجيع استمرار التمييز ضد أقلية التاميل في الجزيرة. في 21 أبريل (نيسان) 2019، نفّذ سبعة من عناصر المجموعة الإسلامية المتطرفة «جماعة التوحيد الوطني» هجمات انتحارية في ثلاث كنائس خلال إحياء مراسم عيد الفصح وفي فنادق فاخرة، ما أوقع 279 قتيلا بينهم 45 أجنبيا. وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الهجمات.


مقالات ذات صلة

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

الاقتصاد طابور طويل أمام وزارة الهجرة السريلانكية للحصول على جوازات سفرهم خارج البلاد التي تعاني من إفلاس (إ.ب.أ)

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان الأربعاء إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعياً إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد في ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا أنني لست هنا لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه لدى وصوله لإلقاء كلمة أمام البرلمان في كولومبو (أ.ف.ب)

رئيس سريلانكا يتوقع البقاء في حالة إفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان، اليوم الأربعاء، إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعيًا إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا انني لست هناك لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». وأضاف «إذا واصلنا خطة (الإصلاحات) يمكننا الخروج من الإفلاس بحلول 2026». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد صورة أرشيفية تظهر مسار قاطرات تنقل مواد تعدينية من مدينة الجبيل السعودية (غيتي)  -   نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي

سريلانكا تتطلع للاستفادة من تجربة التعدين السعودية

شدد المهندس نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي على آفاق التعاون بين كولمبو والرياض بمختلف المجالات، وقطاع التعدين على وجه التحديد، متطلعا إلى تعزيز التعاون مع السعودية بقطاع التعدين، والاستفادة من تجارب المملكة في تطوير الصناعة المعدنية وقوانين وأنظمة المعادن، والمواكبة، والنهوض بإمكانات بلاده المعدنية. ودعا نصير السعوديين للاستثمار بالقطاع في بلاده، وإقامة مشاريعهم الاستكشافية والقيمة المضافة للإنتاج التعديني في البلدين، مشيرا إلى أن بلاده بدأت حقبة جديدة في التنمية الاقتصادية والنمو، وفي طريقها لتجاوز التحديات التي أفرزت انهيارا اقتصاديا وضائقة مالية. وشدد نصير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «على ا

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
العالم عناصر من جيش سريلانكا (أرشيفية - إ.ب.أ)

سريلانكا تخفض جيشها بنحو الثلث لخفض الإنفاق

قال وزير الدفاع السريلانكي، اليوم الجمعة، إن بلاده ستخفض قوام جيشها بما يصل إلى الثلث، إلى 135 ألفاً بحلول العام المقبل، وإلى 100 ألف بحلول عام 2030، فيما تحاول البلاد، التي تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ أكثر من سبعة عقود، خفض الإنفاق. وقال بريميتا باندارا تيناكون في بيان: «الإنفاق العسكري هو في الأساس نفقات تتحملها الدولة، التي تحفز بشكل غير مباشر وتفتح مجالات للنمو الاقتصادي عن طريق ضمان الأمن القومي وأمن السكان».

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
العالم رئيس سريلانكا السابق مرتدياً كمامة لدى وصوله إلى مطار كولومبو أمس (أ.ب)

دعوات لتوقيف رئيس سريلانكا المخلوع غداة عودته إلى البلاد

واجه الرئيس السريلانكي المخلوع غوتابايا راجابكسا، السبت، دعوات لاعتقاله بعد عودته إلى البلاد من منفاه في تايلاند، بعد سبعة أسابيع على فراره من البلاد، إثر مظاهرات حملته مسؤولية التدهور الاقتصادي. وكان راجاباكسا فر من سريلانكا في يوليو (تموز) تحت حماية الجيش، بعدما اقتحم حشد مقره الرسمي بعد أشهر من الاحتجاجات الغاضبة ضد حكومته. ولجأ أولاً إلى جزر المالديف فسنغافورة حيث أعلن استقالته.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)

الولايات المتحدة تصادر ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا

TT

الولايات المتحدة تصادر ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا

ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)
ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)

​قالت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم، في منشور على ‌منصة «إكس»، ‌إن ‌الولايات المتحدة ⁠احتجزت، ​اليوم ‌السبت، ناقلة نفط رست آخر مرة في فنزويلا.

وأضافت نويم: «⁠ستواصل الولايات ‌المتحدة ملاحقة ‍الحركة ‍غير المشروعة للنفط ‍الخاضع للعقوبات الذي يُستخدم لتمويل إرهاب المخدرات في ​المنطقة».

وأوضحت أن خفر السواحل ⁠الأميركي احتجز السفينة، قبل فجر اليوم، بدعم من وزارة الحرب الأميركية (البنتاعون).

وفي وقت سابق اليوم، قال مسؤولان أميركيان لوكالة «أسوشييتد برس» إن القوات الأميركية أوقفت سفينة تجارية ثانية قبالة سواحل فنزويلا في المياه الدولية. وأفادت وسائل إعلام أميركية بأن السفينة التي تمت مصادرتها هي ناقلة نفط.

وقال أحد المسؤولين إن الناقلة توقفت طواعية وسمحت للقوات الأميركية بالصعود على متنها.

ويأتي هذا الإجراء بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «حصار» لجميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات والمتجهة من وإلى البلاد الواقعة في أميركا الجنوبية. ويأتي أيضاً عقب استيلاء القوات الأميركية على ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا في 10 ديسمبر (كانون الأول).

وأبقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب احتمال الحرب مع فنزويلا مطروحاً في مقابلة نُشرت، الجمعة، وذلك بعد تصعيد حملة الضغط الأميركية على كراكاس بفرض حصار نفطي.

وقال ترمب في مقابلة هاتفية مع قناة «إن بي سي نيوز» أجريت، الخميس، رداً على سؤال بشأن إمكان استبعاد الحرب: «لا أستبعد ذلك، لا». كما امتنع عن الإفصاح عما إذا كان يرغب في إطاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. ويقول مادورو اليساري إن واشنطن تسعى لتغيير النظام في كراكاس.

وأضاف ترمب: «إنه يعرف بالضبط ما أريده. إنه يعرف أفضل من أي شخص آخر».

وأكد الرئيس الأميركي أنه ستتم مصادرة ناقلات نفط أخرى، بعد أن سيطرت القوات الأميركية الأسبوع الماضي على ناقلة أبحرت من الدولة الأميركية اللاتينية.

وترك ترمب العالم في حيرة من أمره بشأن أهدافه النهائية تجاه فنزويلا، بعد أن عزز بشكل كبير الوجود العسكري الأميركي في منطقة البحر الكاريبي في الأشهر الأخيرة.

وتتهم واشنطن مادورو بإدارة كارتل «مخدرات إرهابي»، ونفّذت القوات الأميركية منذ سبتمبر (أيلول) ضربات عدة على قوارب قالت إنها تحمل مخدرات، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص.

وصرّح ترمب لأسابيع بأنه سيأمر بضربات برية «قريباً» على تجار مخدرات.

لكنه حوّل تركيزه هذا الأسبوع نحو نفط فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطيات مؤكدة من الذهب الأسود في العالم.

وعند إعلانه فرض حصار على ناقلات النفط الخاضعة لعقوبات أميركية، اتهم ترمب فنزويلا بالاستيلاء على النفط الأميركي، في إشارة واضحة إلى تأميم صناعة النفط في البلاد.

وقال، الأربعاء: «لقد أخذوا جميع حقوقنا في مجال الطاقة، وأخذوا كل نفطنا، منذ وقت ليس ببعيد، ونريد استعادته».

ويشهد سوق النفط حالياً وفرة في المعروض؛ إذ توجد ملايين البراميل من النفط على متن ناقلات قبالة سواحل الصين بانتظار تفريغها.

وإذا استمر الحظر لفترة، فمن المرجح أن يؤدي فقدان ما يقارب مليون برميل يومياً من ​إمدادات النفط الخام إلى ارتفاع أسعار الخام.

ومنذ فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قطاع الطاقة في فنزويلا عام 2019، ⁠لجأ التجار ومصافي النفط الذين يشترون النفط الفنزويلي إلى استخدام «أسطول الظل» من ناقلات النفط التي تخفي مواقعها، بالإضافة إلى سفن خاضعة للعقوبات لنقلها النفط الإيراني أو الروسي.

وأفاد محللون في قطاع الشحن بأن الأسطول غير الرسمي أو ما يعرف بأسطول الظل معرّض لإجراءات عقابية محتملة من الولايات المتحدة.

وأظهرت بيانات موقع «تانكرز تراكرز دوت كوم» أنه حتى هذا الأسبوع، من بين أكثر من 70 ناقلة نفط في المياه الفنزويلية تشكل جزءاً من أسطول الظل، تخضع نحو 38 ناقلة لعقوبات من وزارة الخزانة ‌الأميركية.

وأضاف الموقع أن 15 ناقلة على الأقل من هذه الناقلات محملة بالنفط الخام والوقود.


هجوم بونداي يترك حيّ المشتبه بهما في حالة صدمة

باقات ورود في سيدني السبت إحياء لذكرى ضحايا هجوم شاطئ بونداي يوم 14 ديسمبر الجاري (أ.ف.ب)
باقات ورود في سيدني السبت إحياء لذكرى ضحايا هجوم شاطئ بونداي يوم 14 ديسمبر الجاري (أ.ف.ب)
TT

هجوم بونداي يترك حيّ المشتبه بهما في حالة صدمة

باقات ورود في سيدني السبت إحياء لذكرى ضحايا هجوم شاطئ بونداي يوم 14 ديسمبر الجاري (أ.ف.ب)
باقات ورود في سيدني السبت إحياء لذكرى ضحايا هجوم شاطئ بونداي يوم 14 ديسمبر الجاري (أ.ف.ب)

بونيرِغ، ضاحية صغيرة في غرب سيدني، يقل عدد سكانها عن 10 آلاف نسمة، وتضم عشرات الثقافات المختلفة: يوجد فيها مسجد، وأربعة معابد بوذية، وثلاث كنائس، جميعها ضمن نطاق ميل واحد. أكثر من 80 في المائة من الأسر تتحدث لغة غير الإنجليزية. ويُعدّ الحي من بين الأكثر تنوعاً في أستراليا، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

لذلك، أصيب السكان بالذهول عندما أُفيد بأن أباً وابنه من أبناء هذا المجتمع فتحا النار يوم الأحد على احتفال بعيد حانوكا على بعد 30 ميلاً في شاطئ بونداي، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً في أسوأ عملية إطلاق نار جماعي تشهدها أستراليا منذ ثلاثة عقود، ودفع البلاد إلى صدارة نقاش عالمي حول العنف المعادي للسامية.

وقال يوسِل ميريتشي، وهو مهاجر تركي يدير محلاً لبيع الكباب في مركز بونيرِغ بلازا التجاري وسط البلدة: «إنه أمر صادم. أين الإنسانية؟ أين الرحمة؟».

وأضاف ميريتشي، وهو مسلم، أن ابنته أصيبت بالجمود ولم تنطق بكلمة بعد سماع الخبر. وعن مطلقي النار قال: «إنهم يسيئون إلى الدين».

وقالت السلطات إن نافيد أكرم (24 عاماً) ووالده ساجد أكرم (50 عاماً) كانا مدفوعين بأيديولوجيا تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). وقد قُتل الأب في الهجوم، بينما أُصيب الابن برصاص الشرطة لكنه نجا، ووجهت إليه يوم الأربعاء تهم القتل، والإرهاب، والتسبب بإيذاء جسيم بقصد القتل.

وخلال الأيام التي تلت إطلاق النار، سارع الإعلام الدولي إلى رسم ملامح حياة المشتبه بهما، لكنه قوبل هنا بصمت مشوب بالتوتر. ففي منزل العائلة المكوّن من ثلاث غرف نوم في شارع تحيط به الأشجار، حيث كانا يعيشان مع أسرتهما، لم تُلاحظ سوى أصوات مكتومة وخطوات من الداخل.

وعلى بعد نحو ميل ونصف جنوباً، في منزل قيل إن أكرم الابن تلقى فيه دروساً في القرآن، كانت الستائر مغلقة ولم يجب أحد على الباب — وقال المدرّس لوسائل إعلام أسترالية إنه، خوفاً على سلامة عائلته الصغيرة، غادر المنزل. كما لم تسفر عشرات الاستفسارات الموجهة إلى قادة المجتمع المحلي، وزملاء العمل السابقين، وزملاء الدراسة، والجيران، عن أي معلومات.

والمعطيات القليلة التي ظهرت ترسم صورة لعائلة كانت تميل إلى الانعزال. فساجد أكرم، وهو مواطن هندي، انتقل إلى أستراليا عام 1998 بحثاً عن عمل، بحسب ما قالت الشرطة في ولاية تيلانغانا بجنوب الهند. وأضافت الشرطة أنه سافر إلى الهند عدة مرات منذ ذلك الحين، وكان آخرها في عام 2022، لكنه حافظ على تواصل محدود مع عائلته في الهند، التي وصفتها بأنها مسلمة. وفي عام 2001، تزوج في أستراليا وأنجب طفلين: ابناً، نافيد، وابنة، وفقاً لشرطة تيلانغانا.

ووصف من عرفوا نافيد أكرم أنه كان هادئاً، مجتهداً، ومتديناً. وقالوا إنهم صُدموا عند سماعهم بالهجوم، ليس فقط بسبب انطباعاتهم عنه، بل أيضاً بسبب البيئة التي نشأ فيها.

في مدرسته الثانوية، التي تبعد ثلاثة أميال شرق منزل العائلة، كان يُدعى الطلاب إلى ارتداء الأزياء التقليدية لبلدانهم الأصلية، وكان كثير منهم يتحدث القليل من الإنجليزية، بحسب زميل سابق له، لوريس تريماركي. وقال هو وزميل آخر سابق إن نافيد كان طالباً خجولاً، جزءاً من مجموعة للصلاة، ويحب الرياضة. كما تذكر مدرّب في نادٍ للجوجيتسو في غرب سيدني أنه تدرب لفترة وجيزة في النادي، لكنه غادر لأنه كان مهتماً أكثر بممارسة الملاكمة.

وقال تريماركي: «كان فتى مرحاً جداً. دائماً مبتسماً، يضحك باستمرار. لم يُظهر أي علامات مقلقة».

أستراليون من طواقم إنقاذ هواة ركوب الأمواج يقفون دقيقة حداد على ضحايا هجوم بونداي في سيدني السبت (هيئة البث الأسترالية / أ.ف.ب)

وأضاف تريماركي أنه في السنة الأخيرة من الثانوية، أصبح أكرم أكثر تعبيراً عن آرائه الدينية، وبدأ يحضر عدداً أقل من الحصص الدراسية. وقال: «كان منفتحاً على مناقشة آرائه»، مضيفاً أن تلك الآراء لم تبدُ له متطرفة.

تخرج الصف في عام 2019، لكن تريماركي لم يتذكر ما إذا كان أكرم قد تخرج معهم. وبعد الثانوية، خفّ نشاط أكرم على وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أنه كرّس نفسه للملاكمة، بحسب تريماركي.

في منتصف عام 2019، بدأ أكرم تدريباً مهنياً في شركة للبناء بالطوب، حيث عمل في مشروع إسكان حكومي في الضواحي الجنوبية الغربية لسيدني، بحسب جيف أولسون، الذي عمل في المشروع نفسه.

وقال أولسون إن أكرم كان متدرباً هادئاً وجيداً، مستعداً للتعلم وتنفيذ ما يُطلب منه، بما في ذلك حمل الطوب، وخلط الإسمنت، وبناء السقالات. وكان زملاؤه ينادونه «ناف».

وأضاف أولسون أنه خلال استراحة الغداء، كان أكرم يذهب إلى الحديقة للصلاة، وتذكر كيف كان هو وبقية عمّال البناء يمزحون معه محاولين دفعه إلى التلفظ بشتيمة، لكنه كان يرفض دائماً. وقال: «كان يبتسم فقط، مثل طفل خجول. يخفض رأسه. هذا كل شيء».

وقال أولسون إن أكرم أخبره بأن والده قرر أن يكون ابنه مسلماً ملتزماً، رغم أن أفراداً آخرين من العائلة في أستراليا لم يكونوا كذلك. وأضاف: «كان منزعجاً قليلاً لأنه لن يحصل على هدايا عيد الميلاد أو أعياد الميلاد». ولم يتذكر الكثير عن علاقة أكرم بأسرته، لكنه قال: «كنت أشعر فقط بأنه لا يريد إغضاب والده».

ومع نهاية العام، اندلعت حرائق غابات في أنحاء أستراليا، ما تسبب بدخان كثيف جعل العمل صعباً. وقال أولسون: «لكنه كان يحضر إلى العمل كل يوم». وأضاف أن أكرم حضر حفلة عيد الميلاد الخاصة بالعمل، وكذلك احتفال عيد ميلاد أحد زملائه. «كان الجميع على وفاق معه».

وقال مسؤولون أستراليون إن أكرم كان قد لفت انتباه السلطات في عام 2019، لكن تقرر حينها أنه لا يشكل تهديداً فورياً. كما جرى استجواب والده في ذلك الوقت، بحسب المسؤولين.

وذكرت وسائل إعلام أسترالية، نقلاً عن مصادر شرطية لم تُسمّها، أن تحقيق عام 2019 كان بسبب صلات نافيد أكرم بـإسحاق الماطري، الذي وصف نفسه بأنه قائد في تنظيم «الدولة الإسلامية» ومقيم في سيدني، وقد أُدين بالتخطيط لهجوم إرهابي. وقد رُفض طلب للتواصل مع الماطري للتعليق من قبل مسؤولي السجون.

وفي العام نفسه، انخرط أكرم أيضاً في حركة الدعوة في الشارع، وهي مجموعة تطوعية مقرها سيدني تهدف، وفقاً لما تعلنه، إلى «نشر رسالة الإسلام سلمياً». وقال بيان أرسلته المجموعة عبر البريد الإلكتروني إن أكرم كان «زائراً نشطاً» لبرامج التوعية الدينية التي تنظمها، كما تطوع للمساعدة في تصوير مقطع فيديو، لكنه لم يكن عضواً رسمياً. وفي مقطع فيديو حُذف لاحقاً من قناة المجموعة على «يوتيوب»، ظهر أكرم واقفاً أمام محطة قطار في إحدى ضواحي سيدني، يحث المارة على نشر رسالة الإسلام.

ولا تزال تحركات أكرم ووالده خلال السنوات الماضية غير واضحة، غير أن مالك نادٍ للملاكمة في غرب سيدني تذكر أنه رأى الشاب قبل نحو ستة أشهر. وقال المالك، الذي طلب عدم ذكر اسمه حفاظاً على سلامة عمله وطلابه، إن نافيد أكرم لم يكن يحضر إلا حصصاً متقطعة، لكنه بدا منغلقاً ولا يدخل في أحاديث.

وقال هو وآخرون في غرب سيدني إنهم في حالة ذهول من الهجوم، ومن حقيقة أن المشتبه بهم كانوا يعيشون بينهم دون أن يُكتشف أمرهم.

وقال روني نغوين (44 عاماً)، الذي نشأ في ضواحي غرب سيدني وكان في بونيرِغ بلازا يوم الخميس: «لا نتوقع أن يحدث إطلاق نار من هذا النوع، ثم أن يكون أقرب إلى بيوتنا مما كنا نتصور — شخص محلي».

وأضاف: «أعتقد أن الأمر سيكون صادماً لمعظم الأستراليين. لكنني أعتقد أننا مع الوقت سنتجاوز ذلك. نحن مجتمع متعدد الثقافات. سنتكاتف».

وخلال صلاة بعد ظهر الجمعة في مسجد بونيرِغ، أدان الإمام مجاهد تشاكِر الهجوم وقدم تعازيه إلى الجالية اليهودية. وقال: «الإسلام دين، منذ زمن نبينا، أظهر احتراماً لجميع الأديان، وخلق مساحة للناس لممارسة معتقداتهم بحرية». وأضاف الإمام تشاكِر: «نحن نرى هذا العمل هجوماً على كل فرد يعيش في أستراليا».

في المقابل، أعرب آخرون عن خشيتهم من أن الخطر لا يزال قائماً.

وقال ستيف جايلز (70 عاماً)، الذي كان يرتدي زي سانتا كلوز في مركز بونيرِغ بلازا، إنه يعتقد أن عموم السكان معرضون للخطر. وأضاف: «هناك الكثير من المسارات التي يمكن أن يتطور عبرها هذا الحقد».

* خدمة «نيويورك تايمز»


العولمة الجديدة وخطر السقوط في هاوية الاستبداد

الكمبيوتر العملاق «أندروميدا» من شركة «سيريبراس سيستمز» في مركز للبيانات في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)
الكمبيوتر العملاق «أندروميدا» من شركة «سيريبراس سيستمز» في مركز للبيانات في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)
TT

العولمة الجديدة وخطر السقوط في هاوية الاستبداد

الكمبيوتر العملاق «أندروميدا» من شركة «سيريبراس سيستمز» في مركز للبيانات في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)
الكمبيوتر العملاق «أندروميدا» من شركة «سيريبراس سيستمز» في مركز للبيانات في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)

في القرن العشرين، أصبح التعاون الدولي عملياً مرادفاً للنظام متعدد الأطراف القائم على قواعد، والمستند إلى مؤسسات أنشِئت بموجب معاهدات، مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية... وفي العقدين الأخيرين من القرن المنصرم، ترسّخ مصطلح العولمة (Globalization)، لا سيما بفضل كتابات ثيودور ليفيت (1925 - 2006)، الخبير الاقتصادي الأميركي الألماني المولد الذي كتب، في ما كتب، مقالاً بالغ الأهمية بعنوان «عولمة الأسواق».

بالطبع كانت للعولمة حسناتها وسيئاتها. وفي طليعة الحسنات النفاذ إلى أسواق جديدة، ونقل المعرفة والتكنولوجيا، ودفع النمو الاقتصادي، والتعاون في شؤون إنسانية مثل الصحة ومكافحة الفقر وحماية المناخ... غير أن طبيعة البشر - على مرّ الماضي الذي يسمونه تاريخاً - سرعان ما تحول خطوط التعاون والتكامل إلى أدوات للتنافس والسيطرة. وقد شهدنا كيف أن القويّ جعل العولمة ميداناً لتوسيع النفوذ وفرض شروطه وقواعده وحتى ثقافته على الآخرين، بحيث خفت كثيراً وهج التعدد والتمايز، وصارت مجتمعات عديدة تتشابه إلى حد «الملل» مع ضمور العديد من العادات والتقاليد إلى حد تهديد الهويات.

وكان المأمول في هذا السياق تعزيز الفهم المتبادل بين المجتمعات، لإثراء الثقافات، بدل أن تلتهم ثقافة الكبير هوية الصغير. ولنا هنا أن ننظر إلى موقف واشنطن من اليونسكو، فاعتباراً من أواخر عام 2025، كانت الولايات المتحدة في طور الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة للمرة الثالثة في تاريخها.

وقد أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترمب هذا القرار رسمياً في 22 يوليو (تموز) 2025، على أن يدخل حيز التنفيذ في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2026. والسبب الأول الحقيقي لهذا القرار هو أن المنبر الذي تشكله المنظمة يتعارض في جوهره وفلسفته مع سياسة «أميركا أولاً» التي كان من تجلّياتها تقليص المساعدات الخارجية.

رقصة تقليدية في ميانمار احتفالاً برأس السنة في تقاليد الكارين (أ.ف.ب)

اليد الطولى في اللعبة

في المجال الاقتصادي، كان للأقوياء أيضاً اليد الطولى في اللعبة، فأدى تركّز الإنتاج الصناعي خصوصاً إلى خلل في التبادلات التجارية حتى بين الأقوياء أنفسهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أدّى العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين إلى فقدان 3 ملايين و700 ألف وظيفة بين عامي 2001 و2018، وسُجّل أكثر من 75 في المائة من هذه الخسائر في قطاع الصناعات التحويلية، وفق موقع «Motion Point» الأميركي.

كان الهدف من إنشاء المؤسسات الدولية «المعولمة» المذكورة آنفاً وغيرها إزالة الرواسب التي خلفتها الحرب العالمية الثانية والتعاون لقطع الطريق على الأسباب التي تؤدي إلى نزاعات عالمية. غير أنّ تنافس القوى الكبرى والحرب الباردة والحروب الساخنة المتنقلة والاختلالات البنيوية أدّت إلى تقويض أداء هذه المؤسسات، الأمر الذي رسّخ حالةً من الشلل وسهّل للأقوياء فرض إرادتهم على الضعفاء. وفي هذا السياق، يشهد تمويل التنمية والمساعدات الإنسانية تراجعاً ملحوظاً، كما تعلن الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها بشكل متكرر.

بالتالي، يشهد الوعدُ بعالمٍ مترابطٍ ومتكامل ضغوطاً شديدةً تهدد مفهوم «تعدد الأطراف».

فنسيج التعاون الدولي يبدو كأنه يتفكك، في ظل تفاقم التوترات الجيوسياسية، والعودة إلى السياسات الحمائية، وفرض العقوبات الأحادية، وازدياد الانسحابات من المعاهدات، إلى جانب الاستخدام المقلق لأدوات الإكراه العسكري والاقتصادي.

يؤدي هذا التآكل في تعدد الأطراف إلى ترك العالم عرضةً لتصاعد النزاعات واستعصاء المشكلات العالمية على الحلول، بما يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الكوكب وآفاق قيام نظام عالمي مستقر وقائم على التعاون. وتتسم الأزمة الراهنة التي تعصف بالتعددية بشموليتها وعمقها غير المسبوقين، فهي تطال جميع مجالات التعاون الدولي في وقت أصبح فيه التعاون أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

وما يشهده هذا النظام ليس مجرد تراجع عابر، بل فشل بنيوي ناتج من مجموعة من الأسباب المترابطة التي ولّدت مشاعر الاستياء وانعدام الثقة، لا سيما لدى القوى الاقتصادية الصاعدة المشككة في قدرة مؤسسات داخل الأمم المتحدة وأخرى خارجها على معالجة التحديات المعقدة التي يفرضها عالم اليوم، وعلى معاملة كل الدول بمساواة وإنصاف وحسن نية.

علاوة على هذا كله، يطلّ «الاستبداد الرقمي» برأسه بعد تركّز أسراره ومفاتيحه لدى حفنة من القادرين، وتمارَس السطوة الاقتصادية من حيث انتزاع الأقوياء من الضعفاء اتفاقات مناسبة لهم، وتدخّلهم في السياسات الداخلية بحثاً عن المنافع الاقتصادية، وانتشار الحروب السيبرانية الشرسة، وصعوبة تنظيم الكمّ الهائل من المعلومات المتداولة عالمياً... لذا نرى مشهداً من تبدّد الثقة وانعدام الوزن. إضافة إلى ذلك، فإن الاستخدام المتعمّد لأدوات التجارة والتمويل والعقوبات وسائلَ للإكراه يقوّض مبادئ التعاون العادل والمتكافئ. وقد تفاعلت هذه العوامل مع المشكلات القائمة لتُشكّل عاصفةً هوجاء تركت النظام متعدد الأطراف في مهبّ رياحها.

روبوت خلال مؤتمر تكنولوجي في شنغهاي (أ.ف.ب)

هل من حلّ؟

لا يستطيع أي مراقب إلا أن يرى الأخطار المحيطة بالعالم واستقراره، وتنامي النزعات القومية الضيقة التي تخالف ما بشّرتنا به العولمة في بداياتها وعزّ صعودها وزخمها. ومع العولمة الجديدة الآن، المتمثلة خصوصاً في «تسونامي الذكاء الاصطناعي»، يُخشى أن تتبدد مجدداً أحلام الازدهار والرخاء، وتنشأ استقطابات جديدة، وخطيرة وتتحوّل التكنولوجيا إلى سلاح للإخضاع.

هل تعلَّق الآمال على الأمم المتحدة؟

الحقيقة أن هذه المنظمة تحتاج إلى عملية إصلاح بنيوي تنقذ دورها من الاضمحلال وتجنّبها التحوّل إلى شاهد أو جهاز لإحصاء الأضرار. وبالمعنى الأوسع إذا أخفق أصحاب القرار في إرساء أساسٍ أخلاقي واحد للتعاون الدولي، يتجاوز نطاق التحالفات البراغماتية البحتة بل الضيقة، فإن العالم قد ينزلق مجدداً إلى حالة من الفوضى نرى فيها سياسات عدوانية ومزيداً من تركّز القوة في أيدي قلة محدودة، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى حروب وبؤس عميم.