مشاورات الفصائل الفلسطينية بالقاهرة «أحادية»... وتقتصر على «الجهاد» و«حماس»

مصادر: مصر أبلغت إسرائيل «تحذيرات واضحة» بشأن «خطورة الموقف»

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية قبل أيام في رام الله (وفا)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية قبل أيام في رام الله (وفا)
TT

مشاورات الفصائل الفلسطينية بالقاهرة «أحادية»... وتقتصر على «الجهاد» و«حماس»

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية قبل أيام في رام الله (وفا)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية قبل أيام في رام الله (وفا)

كشفت مصادر مصرية مطلعة أن اللقاءات التي تستضيفها القاهرة حالياً للفصائل الفلسطينية «ستقتصر في المرحلة الحالية على حركتي الجهاد وحماس، ولن تمتد إلى فصائل أخرى»، لافتة إلى أن المحادثات التي ستجريها الفصائل الفلسطينية مع المسؤولين المصريين «ستكون أحادية»، بحيث تجرى المشاورات أولاً مع وفد حركة «الجهاد»، تليها المشاورات مع وفد حركة «حماس»، عقب اكتمال وصول قيادات الحركة برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية.
وتوقعت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن «يكتمل وصول أعضاء وفد حماس خلال أربعة أو خمسة أيام»، تنطلق بعدها مباشرة مشاورات مكثفة من أجل «تثبيت التهدئة في الأراضي المحتلة، وضمان عدم انفلات الأوضاع الميدانية في ظل التصعيد الراهن».
وتأتي المشاورات التي تستضيفها القاهرة، في ظل تصعيد ميداني تسبب في مقتل ما لا يقل عن 35 فلسطينياً برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ بداية العام الحالي، ومقتل 7 أشخاص في عملية إطلاق نار نفذها فلسطيني خارج كنيس يهودي بالقدس في 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، وذلك بعد يوم واحد على أكبر مداهمة للجيش الإسرائيلي للضفة الغربية منذ عام 2000، خلفت 10 شهداء فلسطينيين.
وأوضحت المصادر المقربة من لقاءات الفصائل، أن وفد حركة «الجهاد» برئاسة الأمين العام للحركة زياد النخالة، أجرى السبت، محادثات مطولة مع مسؤولين أمنيين مصريين رفيعي المستوى، بعد التئام كامل لوفد «الجهاد»؛ سواء القادمين من بيروت، أو العناصر التي وصلت إلى مصر من قطاع غزة عبر معبر رفح البري.
ولفتت المصادر إلى أن «هناك اتصالات مفتوحة بين المسؤولين المصريين وقيادات حركة (فتح) والسلطة الفلسطينية»، وأنه «من غير المتوقع دعوة فصائل أخرى، وفي مقدمتها حركة (فتح) في الوقت الراهن، إلا إذا استدعت الضرورة ذلك».
وأشارت المصادر إلى أن «القاهرة لن تطرح رؤية حالياً»، وأن هدفها الأول من استضافة هذه المشاورات «الاستماع أكثر» إلى مطالب الفصائل الفاعلة في قطاع غزة، وأن القاهرة «تسابق الزمن لضمان عدم امتداد التصعيد إلى جبهة جديدة، بما يمنح سلطات الاحتلال الإسرائيلي مبرراً لاستهداف القطاع».
وشهد عام 2022 سقوط أكبر عدد من الضحايا في الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الثانية (2000 - 2005)، حسب الأمم المتحدة.
ونجحت مصر في السنوات الأخيرة أكثر من مرة، في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية بغزة، كان آخرها في أغسطس (آب) من العام الماضي، وكذلك في ديسمبر (كانون الأول) 2021.
وأوضحت المصادر أنه سيتم إطلاع الفصائل على نتائج الزيارة التي قام بها وفد أمني مصري إلى تل أبيب مؤخراً، وأشارت إلى أن المسؤولين الإسرائيليين «طلبوا خلال تلك الزيارة ضمانات بعدم إطلاق صواريخ من قطاع غزة»، وأنها «تتخوف بشكل واضح من انخراط حركة الجهاد في بعض الهجمات الأخيرة على المستوطنات الإسرائيلية».
وأطلق مسلحون فلسطينيون مطلع الشهر الحالي، قذيفة صاروخية من قطاع غزة على جنوب إسرائيل، جرى اعتراضها من قبل نظام القبة الحديدية الدفاعي، بحسب مصادر أمنية فلسطينية وإسرائيلية متطابقة، فيما لم يعلن أي من الفصائل المسؤولية عن الإطلاق.
وأشارت المصادر إلى أن الأفكار التي طرحها وفد حركة «الجهاد» خلال اللقاء مع المسؤولين المصريين، السبت، تركزت على «ضرورة الحصول على ضمانات إسرائيلية واضحة بشأن التهدئة، وعدم تكرار الزيارات الاستفزازية للمسجد الأقصى، أو اقتحام المناطق الفلسطينية على نحو ما جرى في مخيم جنين، إضافة إلى ضمانات بشأن توفير معاملة جيدة للأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال، وتوسيع نطاق عمل الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة، وعودة دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، وإعادة الفتح الدوري للمعابر التي تسيطر عليها إسرائيل».
وتوقعت المصادر ألا تختلف مطالب حركة «حماس» كثيراً عما طرحته حركة «الجهاد»، إلا أنها رأت أن «حماس» ستركز على «ضرورة تثبيت الهدنة القائمة واستمرار التيسيرات التي تحصل عليها حالياً، إضافة إلى التزامها بمسؤولية الأمن في القطاع».
وأضافت المصادر أن الوفد الأمني المصري الذي زار تل أبيب قبل ساعات من انطلاق مشاورات الفصائل الفلسطينية في القاهرة، «أبلغ المسؤولين الإسرائيليين رسالة تحذيرية واضحة بشأن خطورة الموقف على الجانب الفلسطيني، وطالب الحكومة الإسرائيلية بعدم الانسياق وراء مساعي بعض الشخصيات المتشددة لإشعال مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين».
من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن مشاورات الفصائل الفلسطينية التي تستضيفها القاهرة حالياً «تعتمد على خبرة مصرية متراكمة في هذا الملف توظفها من أجل المصلحة الفلسطينية والعربية».
وأضاف فهمي لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر لديها مصداقية كبيرة لدى مختلف أطراف القضية، سواء لدى السلطة الفلسطينية والفصائل المختلفة، أو لدى الحكومة الإسرائيلية، فضلاً عن الدعم الكبير والثقة التي تحظى بها تحركاتها في هذا الملف من جانب الإدارة الأميركية، التي «تعول على القاهرة في نزع فتيل الأزمة».
وتابع فهمي أن التحركات المصرية الأخيرة تضمنت تنسيقاً رفيع المستوى مع الجانب الأردني، خصوصاً في ضوء زيارة مديري الاستخبارات بالبلدين إلى الضفة الغربية، والتنسيقات الأمنية والسياسية على مختلف الأصعدة.
وحول رؤيته لبنود التهدئة المنتظرة أن تنتهي إليها مشاورات الفصائل، أوضح فهمي أن الجانب الفلسطيني يسعى إلى وقف تصعيد السلطات الإسرائيلية، سواء عبر الانتهاكات في الأماكن المقدسة، أو الاقتحامات للقرى والمخيمات الفلسطينية، إضافة إلى وقف أي مخططات للاستيطان في الأراضي الفلسطينية، لافتاً إلى أن ثمة تجاوباً من الحكومة الإسرائيلية مع الضغوط الأميركية والمصرية مؤخراً بوقف هدم قرية «الخان الأحمر» التي يمكن أن يؤدي مضي الحكومة الإسرائيلية في أعمال هدمها إلى إشعال الموقف برمته.
في السياق ذاته، ثمّن الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الاستشراف المصري للأزمة قبل التصعيد الأخير، لافتاً إلى استضافة القاهرة مؤخراً مجموعة من اللقاءات التنسيقية، سواء القمة الثلاثية المصرية - الأردنية - الفلسطينية، أو لقاءات مسؤولي الأجهزة الأمنية في الدول الثلاث، إضافة إلى المشاورات مع الولايات المتحدة، وهو ما يعكس برأيه «إدراك مصر للقضية الفلسطينية باعتبارها (قضية أمن قومي) بالنسبة لها».
وأشار الرقب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن المشاورات بين الفصائل الفلسطينية والسلطات المصرية «تستهدف ضمان عدم انجرار قطاع غزة إلى مواجهة مع قوات الاحتلال»، مشيراً إلى أن مصر «تخشى من إقحام غزة في حرب بالوكالة لا يدفع ثمنها سوى الشعب الفلسطيني الأعزل».
وتابع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن هناك مصلحة فلسطينية دائمة في التهدئة، خصوصاً في ظل تعسف سلطات الاحتلال، والإدراك لمدى تعطش بعض قيادات الحكومة الإسرائيلية الحالية لافتعال الأزمات، مضيفاً أن إسرائيل أيضاً تريد «تهدئة جبهة غزة وضمان عدم إطلاق صواريخ من جانبها»، وبالتالي «يبقى الأمر رهناً بمدى التزام الحكومة الإسرائيلية بضمانات التهدئة».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز