كشفت مصادر مصرية مطلعة أن اللقاءات التي تستضيفها القاهرة حالياً للفصائل الفلسطينية «ستقتصر في المرحلة الحالية على حركتي الجهاد وحماس، ولن تمتد إلى فصائل أخرى»، لافتة إلى أن المحادثات التي ستجريها الفصائل الفلسطينية مع المسؤولين المصريين «ستكون أحادية»، بحيث تجرى المشاورات أولاً مع وفد حركة «الجهاد»، تليها المشاورات مع وفد حركة «حماس»، عقب اكتمال وصول قيادات الحركة برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية.
وتوقعت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن «يكتمل وصول أعضاء وفد حماس خلال أربعة أو خمسة أيام»، تنطلق بعدها مباشرة مشاورات مكثفة من أجل «تثبيت التهدئة في الأراضي المحتلة، وضمان عدم انفلات الأوضاع الميدانية في ظل التصعيد الراهن».
وتأتي المشاورات التي تستضيفها القاهرة، في ظل تصعيد ميداني تسبب في مقتل ما لا يقل عن 35 فلسطينياً برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ بداية العام الحالي، ومقتل 7 أشخاص في عملية إطلاق نار نفذها فلسطيني خارج كنيس يهودي بالقدس في 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، وذلك بعد يوم واحد على أكبر مداهمة للجيش الإسرائيلي للضفة الغربية منذ عام 2000، خلفت 10 شهداء فلسطينيين.
وأوضحت المصادر المقربة من لقاءات الفصائل، أن وفد حركة «الجهاد» برئاسة الأمين العام للحركة زياد النخالة، أجرى السبت، محادثات مطولة مع مسؤولين أمنيين مصريين رفيعي المستوى، بعد التئام كامل لوفد «الجهاد»؛ سواء القادمين من بيروت، أو العناصر التي وصلت إلى مصر من قطاع غزة عبر معبر رفح البري.
ولفتت المصادر إلى أن «هناك اتصالات مفتوحة بين المسؤولين المصريين وقيادات حركة (فتح) والسلطة الفلسطينية»، وأنه «من غير المتوقع دعوة فصائل أخرى، وفي مقدمتها حركة (فتح) في الوقت الراهن، إلا إذا استدعت الضرورة ذلك».
وأشارت المصادر إلى أن «القاهرة لن تطرح رؤية حالياً»، وأن هدفها الأول من استضافة هذه المشاورات «الاستماع أكثر» إلى مطالب الفصائل الفاعلة في قطاع غزة، وأن القاهرة «تسابق الزمن لضمان عدم امتداد التصعيد إلى جبهة جديدة، بما يمنح سلطات الاحتلال الإسرائيلي مبرراً لاستهداف القطاع».
وشهد عام 2022 سقوط أكبر عدد من الضحايا في الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الثانية (2000 - 2005)، حسب الأمم المتحدة.
ونجحت مصر في السنوات الأخيرة أكثر من مرة، في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية بغزة، كان آخرها في أغسطس (آب) من العام الماضي، وكذلك في ديسمبر (كانون الأول) 2021.
وأوضحت المصادر أنه سيتم إطلاع الفصائل على نتائج الزيارة التي قام بها وفد أمني مصري إلى تل أبيب مؤخراً، وأشارت إلى أن المسؤولين الإسرائيليين «طلبوا خلال تلك الزيارة ضمانات بعدم إطلاق صواريخ من قطاع غزة»، وأنها «تتخوف بشكل واضح من انخراط حركة الجهاد في بعض الهجمات الأخيرة على المستوطنات الإسرائيلية».
وأطلق مسلحون فلسطينيون مطلع الشهر الحالي، قذيفة صاروخية من قطاع غزة على جنوب إسرائيل، جرى اعتراضها من قبل نظام القبة الحديدية الدفاعي، بحسب مصادر أمنية فلسطينية وإسرائيلية متطابقة، فيما لم يعلن أي من الفصائل المسؤولية عن الإطلاق.
وأشارت المصادر إلى أن الأفكار التي طرحها وفد حركة «الجهاد» خلال اللقاء مع المسؤولين المصريين، السبت، تركزت على «ضرورة الحصول على ضمانات إسرائيلية واضحة بشأن التهدئة، وعدم تكرار الزيارات الاستفزازية للمسجد الأقصى، أو اقتحام المناطق الفلسطينية على نحو ما جرى في مخيم جنين، إضافة إلى ضمانات بشأن توفير معاملة جيدة للأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال، وتوسيع نطاق عمل الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة، وعودة دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، وإعادة الفتح الدوري للمعابر التي تسيطر عليها إسرائيل».
وتوقعت المصادر ألا تختلف مطالب حركة «حماس» كثيراً عما طرحته حركة «الجهاد»، إلا أنها رأت أن «حماس» ستركز على «ضرورة تثبيت الهدنة القائمة واستمرار التيسيرات التي تحصل عليها حالياً، إضافة إلى التزامها بمسؤولية الأمن في القطاع».
وأضافت المصادر أن الوفد الأمني المصري الذي زار تل أبيب قبل ساعات من انطلاق مشاورات الفصائل الفلسطينية في القاهرة، «أبلغ المسؤولين الإسرائيليين رسالة تحذيرية واضحة بشأن خطورة الموقف على الجانب الفلسطيني، وطالب الحكومة الإسرائيلية بعدم الانسياق وراء مساعي بعض الشخصيات المتشددة لإشعال مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين».
من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن مشاورات الفصائل الفلسطينية التي تستضيفها القاهرة حالياً «تعتمد على خبرة مصرية متراكمة في هذا الملف توظفها من أجل المصلحة الفلسطينية والعربية».
وأضاف فهمي لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر لديها مصداقية كبيرة لدى مختلف أطراف القضية، سواء لدى السلطة الفلسطينية والفصائل المختلفة، أو لدى الحكومة الإسرائيلية، فضلاً عن الدعم الكبير والثقة التي تحظى بها تحركاتها في هذا الملف من جانب الإدارة الأميركية، التي «تعول على القاهرة في نزع فتيل الأزمة».
وتابع فهمي أن التحركات المصرية الأخيرة تضمنت تنسيقاً رفيع المستوى مع الجانب الأردني، خصوصاً في ضوء زيارة مديري الاستخبارات بالبلدين إلى الضفة الغربية، والتنسيقات الأمنية والسياسية على مختلف الأصعدة.
وحول رؤيته لبنود التهدئة المنتظرة أن تنتهي إليها مشاورات الفصائل، أوضح فهمي أن الجانب الفلسطيني يسعى إلى وقف تصعيد السلطات الإسرائيلية، سواء عبر الانتهاكات في الأماكن المقدسة، أو الاقتحامات للقرى والمخيمات الفلسطينية، إضافة إلى وقف أي مخططات للاستيطان في الأراضي الفلسطينية، لافتاً إلى أن ثمة تجاوباً من الحكومة الإسرائيلية مع الضغوط الأميركية والمصرية مؤخراً بوقف هدم قرية «الخان الأحمر» التي يمكن أن يؤدي مضي الحكومة الإسرائيلية في أعمال هدمها إلى إشعال الموقف برمته.
في السياق ذاته، ثمّن الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الاستشراف المصري للأزمة قبل التصعيد الأخير، لافتاً إلى استضافة القاهرة مؤخراً مجموعة من اللقاءات التنسيقية، سواء القمة الثلاثية المصرية - الأردنية - الفلسطينية، أو لقاءات مسؤولي الأجهزة الأمنية في الدول الثلاث، إضافة إلى المشاورات مع الولايات المتحدة، وهو ما يعكس برأيه «إدراك مصر للقضية الفلسطينية باعتبارها (قضية أمن قومي) بالنسبة لها».
وأشار الرقب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن المشاورات بين الفصائل الفلسطينية والسلطات المصرية «تستهدف ضمان عدم انجرار قطاع غزة إلى مواجهة مع قوات الاحتلال»، مشيراً إلى أن مصر «تخشى من إقحام غزة في حرب بالوكالة لا يدفع ثمنها سوى الشعب الفلسطيني الأعزل».
وتابع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن هناك مصلحة فلسطينية دائمة في التهدئة، خصوصاً في ظل تعسف سلطات الاحتلال، والإدراك لمدى تعطش بعض قيادات الحكومة الإسرائيلية الحالية لافتعال الأزمات، مضيفاً أن إسرائيل أيضاً تريد «تهدئة جبهة غزة وضمان عدم إطلاق صواريخ من جانبها»، وبالتالي «يبقى الأمر رهناً بمدى التزام الحكومة الإسرائيلية بضمانات التهدئة».
مشاورات الفصائل الفلسطينية بالقاهرة «أحادية»... وتقتصر على «الجهاد» و«حماس»
مصادر: مصر أبلغت إسرائيل «تحذيرات واضحة» بشأن «خطورة الموقف»
السبت - 13 رجب 1444 هـ - 04 فبراير 2023 مـ

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية قبل أيام في رام الله (وفا)

القاهرة: أسامة السعيد