لماذا تثير «التماثيل المشوهة» بالميادين جدلاً متكرراً في مصر؟

نموذج لـ«حورس» يفجر ضجة جديدة

تمثال حورس المثير للجدل (متداولة على فيسبوك)
تمثال حورس المثير للجدل (متداولة على فيسبوك)
TT

لماذا تثير «التماثيل المشوهة» بالميادين جدلاً متكرراً في مصر؟

تمثال حورس المثير للجدل (متداولة على فيسبوك)
تمثال حورس المثير للجدل (متداولة على فيسبوك)

جدد تمثال وُصف بأنه «مشوّه» منسوب إلى «حورس» أو «إله الشمس» عند المصريين القدماء، الجدل في مصر، بشأن تكرار وضع تماثيل غير مناسبة في الميادين والشوارع المصرية رغم تشديد مجلس الوزراء على حظر وضعها من دون الرجوع إلى وزارتي الثقافة، والسياحة والآثار.
وأُزيل «تمثال حورس» من ميدان البارود بمدينة قفط بمحافظة قنا (جنوب مصر)، بعد موجة غاضبة، حيث يظهر التمثال برأس غريب الملامح على جسد شاب فرعوني يحمل حربة.
وطالب فنانون ومثقفون بـ«وقف المساس بالمظهر الحضاري لمصر والإساءة لتاريخها الفني الطويل جراء الاستعانة بمثل تلك التماثيل التي تفتقر إلى المعايير الفنية والتقييم العلمي».
واعتبر النحات المصري رجب السيد، «الموافقة على الاستعانة بهذه الأعمال بمنزلة نشر للغناء الهابط، وطمس الذائقة الجمالية في المجتمع»، موضحاً أن «الأزمة لا تكمن في أن التمثال مثير للسخرية والضحك، وافتقاره لأسس النحت، ومخالفته الذوق العام فحسب، إنما هناك مشكلة لا تقل أهمية، وهي أنه ينم عن جهل شديد». بحسب وصفه.
وقال السيد لـ«الشرق الأوسط»: «التمثال سيئ للغاية من الناحية الفنية، وليس به أي إبداع أو جمال، فالاعتماد على تمثال مثل حورس المشوه سيكون سبباً في نشر معلومات مغلوطة، كما يعد تزييفاً للتاريخ؛ لأن حورس نفسه لا علاقة له بمعركة البارود الشهيرة التي هزم فيه أهالي البارود الفرنسيين».
وتابع: «في الحضارة المصرية القديمة لم يكن حورس معبوداً لمدينة قفط وحدها، كما أن منطقة البارود ارتبطت بعرب الحجاز وعرب المغرب العربي، الذين قدموا من مكة لمساعدة المصريين».
ووفق السيد فإن هذا التمثال يطرح مجموعة من التساؤلات، من بينها: «لماذا نضع حورس في هذا المكان؟ وإلى متى يظل هناك إهدار للمال العام بسبب صناعة هذه التماثيل؟ ولماذا لا يتم تكليف فنانين ومتخصصين من كليات الفنون الجميلة ذوي المواهب، تصميم التماثيل المخصصة لتزيين الشوارع بدلاً من تشويهها؟!».
وأضاف: «على الرغم من إزالة الوحدة المحلية لمركز ومدينة قفط التمثال بعد غضب المصريين من الفئات والتخصصات كافة، وليس من النحاتين وحدهم، فإن المشكلة لا تزال قائمة، حيث أتوقع تكرارها ما دام القانون أو القرار الوزاري الذي ينظمها، لا يُنفذ».
وكان رئيس مجلس الوزراء السابق، المهندس شريف إسماعيل قد أصدر قراراً عام 2016 يقضي بحظر ترميم أو وضع تماثيل بالميادين العامة، إلا بعد الرجوع إلى وزارتي الثقافة، والسياحة والآثار، كما كان سمير غريب الرئيس الأسبق للجهاز القومي للتنسيق الحضاري قد طالب بتطبيق القانون الذي ينص على ضرورة الحصول على موافقة الجهاز قبل تنفيذ أي تمثال في الفراغ العام.
وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية والغضب من قبل؛ بسبب تمثال ظهر بمدخل مدينة سمالوط بالمنيا لنفرتيتي عام 2015، واعتبر متداولو هذه الصفحات ذلك تشويهاً صريحاً لتمثالها الأصلي الموجود بمتحف برلين، الذي يعد رمزاً للجمال الأنثوي.
كما وصف البعض تمثال عباس محمود العقاد، الذي كان قد تم تدشينه بالجهود الذاتية في محافظة أسوان، منذ نحو 6 سنوات، بـ«الكارثة الفنية»؛ لأنه يختلف كثيراً عن الشكل الحقيقي للعقاد، ولا يمت له بصلة.
وتعرض تمثال «مصر تنهض» للدكتور أحمد عبد الكريم، الأستاذ بكلية التربية النوعية بجامعة حلوان، عام 2020 لانتقادات حادة، واعتبره البعض مسيئاً لتاريخ النحت في مصر منذ الحضارة الفرعونية، وخصوصاً بعد مقارنته بتمثال «نهضة مصر» الشهير، للمثّال الكبير الراحل محمود مختار، الموجود أمام جامعة القاهرة.
واتخذت قضية تشويه التماثيل كذلك بعداً آخر حين تم تشويه مجموعة تماثيل موجودة بالفعل؛ بسبب إعادة طلائها، ومن ذلك تمثال الموسيقار محمد عبد الوهاب بحي باب الشعرية بالقاهرة، حين تم طلاء الرأس باللون الذهبي، والجسم باللون البني، كما جرى طلاء تمثال لكوكب الشرق أم كلثوم في حي الزمالك بـ«الدوكو» ليتحول من تحفة فنية لعمل مشوه باللون الذهبي؛ ما دفع المثقفين والفنانين إلى المطالبة بالتوقف عن حملة طلاء التماثيل، وتمت الاستجابة لمطلبهم بعد موجة من الغضب.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مدعي «الجنائية الدولية»: غالبية الأدلة تثبت التهم ضد «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)
TT

مدعي «الجنائية الدولية»: غالبية الأدلة تثبت التهم ضد «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)

مع بدء المرافعات الختامية ضد المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في إقليم دارفور(غرب السودان)، علي عبد الرحمن، الشهير باسم «علي كوشيب»، أبلغ مدعي المحكمة الجنائية الدولية قضاة أن «غالبية الأدلة تظهر أن سلوك المتهم وأفعاله تثبت ارتكابه الجرائم المنصوص عليها».

وقال إن علي عبد الرحمن، المشتبه به في أول محاكمة تنظر جرائم الحرب في إقليم دارفور بالسودان قبل عقدين، كان زعيم ميليشيا مرهوب الجانب وأمر بارتكاب فظائع منها القتل والاغتصاب والنهب.

ودفع عبد الرحمن ببراءته من تهمة الإشراف على آلاف من مقاتلي «الجنجويد» الموالين للحكومة خلال ذروة القتال في عامي 2003 و2004. وقال دفاعه إنه ليس زعيم الميليشيا، المعروف أيضاً باسمه الحركي «علي كوشيب». ووصف الدفاع المتهم «كوشيب» في وقت سابق بأنه «كبش فداء» قدّمته الحكومة السودانية للتغطية على المتهمين الرئيسيين، منهم الرئيس المخلوع عمر البشير، ووزيرا الدفاع وقتها عبد الرحيم محمد حسين، والداخلية أحمد هارون.

الادعاء أثبت قضيته

وقال المدعي العام للمحكمة كريم خان، في بيانه الختامي، الأربعاء، إنه خلال المحاكمة التي استمرت عامين، قدّم شهود الادعاء «روايات مفصلة عن القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب واستهداف المدنيين وحرق ونهب قرى بأكملها»، وإن الادعاء أثبت قضيته بما لا يدع مجالاً للشك.

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)

وتمثل المرافعات الختامية نهاية المحاكمة الأولى والوحيدة التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم المرتكبة في السودان منذ إحالة مجلس الأمن الدولي القضية إلى المحكمة في 2005، ولا تزال هناك أوامر اعتقال معلقة بحق مسؤولين سودانيين كبار في عهد الرئيس السابق عمر البشير.

واندلع الصراع في دارفور لأول مرة عندما حمل متمردون غير عرب السلاح في وجه حكومة السودان، متهمين إياها بتهميش المنطقة النائية الواقعة في غرب البلاد. وحشدت حكومة السودان آنذاك ميليشيات عربية في الأغلب تعرف باسم «الجنجويد» لقمع التمرد، ما أثار موجة من العنف وصفتها الولايات المتحدة وجماعات حقوق الإنسان بأنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية.

ومنذ بدء المحاكمة التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية، اندلع الصراع مرة أخرى في دارفور، وتحول الصراع الحالي المستمر منذ 20 شهراً بين الجيش و«قوات الدعم السريع» شبه العسكرية إلى صراع يزداد دموية مع تعثر جهود وقف إطلاق النار. وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في يونيو (حزيران) من هذا العام أنه يجري أيضاً تحقيقات عاجلة في مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حالياً في دارفور.

ومن المقرر أن تستمر المرافعات الختامية إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بمقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية.

حكومة السودان سلّحت «الجنجويد»

وذكر خان أن حكومة السودان وآخرين كانوا يقومون بتسليح ميليشيا «الجنجويد» من أجل مقاومة «التمرد»، إلا أن الضحايا في هذه القضية «لم يكونوا ثواراً، بل هم مدنيون. وقال في مرافعته إن المحكمة استمعت، في وقت سابق، إلى روايات 81 شاهداً «تحدثوا عن القتل الجماعي والاغتصاب والحرق والتدمير لقرى كاملة وتهجير أهاليها من شعب الفور الذين حتى لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم حتى اليوم».

وأضاف أن مئات الرجال من قبيلة الفور تعرضوا للاعتقال والتعذيب في مكجر ودليج بوسط دارفور، وتم هذا على يد المتهم في هذه القضية «علي كوشيب». وتابع: «قدمنا للمحكمة أدلة على جرائم الاغتصاب التي ارتكبها (الجنجويد)، والتي كانت جزءاً من سياسة استراتيجية لـ(الجنجويد) وحكومة السودان ضد شعب الفور».

صورة من الدمار الذي خلّفه القتال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال المدعي العام إن كل التهم المسؤول عنها جنائياً المتهم علي كوشيب «تم إثباتها أمام المحكمة، ونأمل أن تأخذ المحكمة بالأدلة الموثوقة من خلال محاكمة نزيهة». وأكد أن المتهم «مسؤول عن جرائم ارتكبت في مناطق كتم وبندسي ومكجر ودريج في أثناء الصراع بإقليم دارفور».

ووصف خان هذه المحاكمة بأنها تمثل بارقة أمل للذين فقدوا أقاربهم وممتلكاتهم، والذين ينتظرون العدالة لمدة 20 عاماً. ويواجه علي كوشيب 31 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يُزعم أنها ارتُكبت في إقليم دارفور بالسودان، خلال الفترة بين أغسطس (آب) 2003 وأبريل (نيسان) 2004 بمناطق مكجر وبندسي ودليج وكدوم بوسط دارفور.

وبدأت محاكمة كوشيب أمام الدائرة الابتدائية الأولى، في 5 أبريل 2022، على أثر تسليم نفسه للمحكمة في يونيو 2020، واستجوبت المحكمة، خلال التقاضي، 56 شاهداً، وأغلقت قضية الادعاء في 5 يونيو 2023.