لماذا تثير «التماثيل المشوهة» بالميادين جدلاً متكرراً في مصر؟

نموذج لـ«حورس» يفجر ضجة جديدة

تمثال حورس المثير للجدل (متداولة على فيسبوك)
تمثال حورس المثير للجدل (متداولة على فيسبوك)
TT

لماذا تثير «التماثيل المشوهة» بالميادين جدلاً متكرراً في مصر؟

تمثال حورس المثير للجدل (متداولة على فيسبوك)
تمثال حورس المثير للجدل (متداولة على فيسبوك)

جدد تمثال وُصف بأنه «مشوّه» منسوب إلى «حورس» أو «إله الشمس» عند المصريين القدماء، الجدل في مصر، بشأن تكرار وضع تماثيل غير مناسبة في الميادين والشوارع المصرية رغم تشديد مجلس الوزراء على حظر وضعها من دون الرجوع إلى وزارتي الثقافة، والسياحة والآثار.
وأُزيل «تمثال حورس» من ميدان البارود بمدينة قفط بمحافظة قنا (جنوب مصر)، بعد موجة غاضبة، حيث يظهر التمثال برأس غريب الملامح على جسد شاب فرعوني يحمل حربة.
وطالب فنانون ومثقفون بـ«وقف المساس بالمظهر الحضاري لمصر والإساءة لتاريخها الفني الطويل جراء الاستعانة بمثل تلك التماثيل التي تفتقر إلى المعايير الفنية والتقييم العلمي».
واعتبر النحات المصري رجب السيد، «الموافقة على الاستعانة بهذه الأعمال بمنزلة نشر للغناء الهابط، وطمس الذائقة الجمالية في المجتمع»، موضحاً أن «الأزمة لا تكمن في أن التمثال مثير للسخرية والضحك، وافتقاره لأسس النحت، ومخالفته الذوق العام فحسب، إنما هناك مشكلة لا تقل أهمية، وهي أنه ينم عن جهل شديد». بحسب وصفه.
وقال السيد لـ«الشرق الأوسط»: «التمثال سيئ للغاية من الناحية الفنية، وليس به أي إبداع أو جمال، فالاعتماد على تمثال مثل حورس المشوه سيكون سبباً في نشر معلومات مغلوطة، كما يعد تزييفاً للتاريخ؛ لأن حورس نفسه لا علاقة له بمعركة البارود الشهيرة التي هزم فيه أهالي البارود الفرنسيين».
وتابع: «في الحضارة المصرية القديمة لم يكن حورس معبوداً لمدينة قفط وحدها، كما أن منطقة البارود ارتبطت بعرب الحجاز وعرب المغرب العربي، الذين قدموا من مكة لمساعدة المصريين».
ووفق السيد فإن هذا التمثال يطرح مجموعة من التساؤلات، من بينها: «لماذا نضع حورس في هذا المكان؟ وإلى متى يظل هناك إهدار للمال العام بسبب صناعة هذه التماثيل؟ ولماذا لا يتم تكليف فنانين ومتخصصين من كليات الفنون الجميلة ذوي المواهب، تصميم التماثيل المخصصة لتزيين الشوارع بدلاً من تشويهها؟!».
وأضاف: «على الرغم من إزالة الوحدة المحلية لمركز ومدينة قفط التمثال بعد غضب المصريين من الفئات والتخصصات كافة، وليس من النحاتين وحدهم، فإن المشكلة لا تزال قائمة، حيث أتوقع تكرارها ما دام القانون أو القرار الوزاري الذي ينظمها، لا يُنفذ».
وكان رئيس مجلس الوزراء السابق، المهندس شريف إسماعيل قد أصدر قراراً عام 2016 يقضي بحظر ترميم أو وضع تماثيل بالميادين العامة، إلا بعد الرجوع إلى وزارتي الثقافة، والسياحة والآثار، كما كان سمير غريب الرئيس الأسبق للجهاز القومي للتنسيق الحضاري قد طالب بتطبيق القانون الذي ينص على ضرورة الحصول على موافقة الجهاز قبل تنفيذ أي تمثال في الفراغ العام.
وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية والغضب من قبل؛ بسبب تمثال ظهر بمدخل مدينة سمالوط بالمنيا لنفرتيتي عام 2015، واعتبر متداولو هذه الصفحات ذلك تشويهاً صريحاً لتمثالها الأصلي الموجود بمتحف برلين، الذي يعد رمزاً للجمال الأنثوي.
كما وصف البعض تمثال عباس محمود العقاد، الذي كان قد تم تدشينه بالجهود الذاتية في محافظة أسوان، منذ نحو 6 سنوات، بـ«الكارثة الفنية»؛ لأنه يختلف كثيراً عن الشكل الحقيقي للعقاد، ولا يمت له بصلة.
وتعرض تمثال «مصر تنهض» للدكتور أحمد عبد الكريم، الأستاذ بكلية التربية النوعية بجامعة حلوان، عام 2020 لانتقادات حادة، واعتبره البعض مسيئاً لتاريخ النحت في مصر منذ الحضارة الفرعونية، وخصوصاً بعد مقارنته بتمثال «نهضة مصر» الشهير، للمثّال الكبير الراحل محمود مختار، الموجود أمام جامعة القاهرة.
واتخذت قضية تشويه التماثيل كذلك بعداً آخر حين تم تشويه مجموعة تماثيل موجودة بالفعل؛ بسبب إعادة طلائها، ومن ذلك تمثال الموسيقار محمد عبد الوهاب بحي باب الشعرية بالقاهرة، حين تم طلاء الرأس باللون الذهبي، والجسم باللون البني، كما جرى طلاء تمثال لكوكب الشرق أم كلثوم في حي الزمالك بـ«الدوكو» ليتحول من تحفة فنية لعمل مشوه باللون الذهبي؛ ما دفع المثقفين والفنانين إلى المطالبة بالتوقف عن حملة طلاء التماثيل، وتمت الاستجابة لمطلبهم بعد موجة من الغضب.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


دفاع رئيس الحكومة التونسية الأسبق يطالب بمحاكمة حضورية

رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)
TT

دفاع رئيس الحكومة التونسية الأسبق يطالب بمحاكمة حضورية

رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)

طالبت هيئة الدفاع عن رئيس الحكومة التونسية الأسبق، علي العريض، الموقوف منذ 3 سنوات بمحاكمة حضورية له في جلسة الاستئناف المقررة في 29 من الشهر الحالي، بحسب ما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية». ويلاحق العريض، القيادي البارز في «حركة النهضة الإسلامية»، في قضايا ترتبط بشبكات «التسفير» المتورطة في تسفير تونسيين للقتال في الخارج، لا سيما في سوريا عقب اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السابق بشار الأسد. كما يواجه العريض اتهامات بالتساهل في مواجهة صعود الحركات السلفية العنيفة بعد ثورة 2011، التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وهذه أحدث محاكمة ضمن سلسلة محاكمات عن بعد لسياسيين من المعارضة، ورجال أعمال ونشطاء ملاحقين في قضية التآمر على أمن الدولة. وتتهم المعارضة السلطة، التي يقودها الرئيس قيس سعيد بصلاحيات واسعة، منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 2021 وإرسائه لاحقاً نظام حكم جديداً، بتلفيق تهم سياسية إلى قيادييها. وأودع العريض السجن في 19 ديسمبر (كانون الأول) عام 2022، وصدر ضده حكم بالسجن مدة 34 عاماً، لكن الهيئة قدمت طعناً، ودفعت ببراءته من التهم الموجهة له، كما اتهمت المحققين بضم معطيات مزورة وغير صحيحة. وطالبت الهيئة في بيان بإجراء المحاكمة حضورياً وليس عن بُعد، كما حدث في المحاكمة الأولى. كما دعت السلطات القضائية إلى عرض إحصاءات دقيقة عن سجل المغادرين إلى مناطق النزاعات، وسماع شهادات المسؤولين الأمنيين والعسكريين، وضمان المعايير الدستورية للمحاكمة العادلة.

وقالت هيئة الدفاع إنها «تُسجّل مرور 3 سنوات على اعتقال علي العريض في ملفّ لا يستند إلى أدلّة مادية، ودون الاستجابة لمطالب الدفاع الأساسية، بما يُشكّل انتهاكاً جسيماً لمبادئ المحاكمة العادلة، وحقوق الدفاع المكفولة دستورياً»، مجدّدة «التأكيد على براءته»، وأعلنت عن عزمها «استنفاد جميع السبل القانونية المتاحة للطعن في الحكم الصادر ضدّه».

وذكّرت هيئة الدفاع بمناسبة مرور 3 سنوات على إيقاف رئيس الحكومة الأسبق، بأنّ «المحكمة أصدرت حكماً بالسجن مدّة 34 سنة ضدّه، دون الاستجابة لأيّ من طلبات الدفاع الجوهرية، في ملفّ افتقد منذ انطلاقه لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة»، وفقها.

وشغل علي العريض (70 عاماً) منصب وزير الداخلية بين عامي 2011 و2013، إبان فوز حزبه بأول انتخابات ديمقراطية تعددية، ثم تولى منصب رئيس الحكومة حتى 29 يناير (كانون الثاني) 2014. ولمنع انزلاق البلاد إلى الفوضى عقب اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013، تنحت حكومة علي العريض عن الحكم، عقب حوار وطني، وتولت حكومة تكنوقراط السلطة، بدلاً منها حتى انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2014 التي أفرزت حكومة سياسية جديدة.


البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)
رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)
TT

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)
رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)

في خطوة مثيرة للجدل، عرض البرلمان الجزائري، السبت، نصَّين مهمّين للنقاش العام؛ الأول يخصّ مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي (1830–1962)، والثاني يتعلق بتعديل قانون الجنسية، علماً أنه لم يسبق لهيئة التشريع أن تعاملت مع مبادرتين برلمانيتين بهذه السرعة، ما يُفهم منه أن «إيعازاً» من أعلى سلطات البلاد وراء هذا المسعى.

تجريم الاستعمار

لم يستغرق الإعلان عن الصياغة النهائية للمقترحين، وتحديد تاريخ تداولهما تشريعياً سوى بضعة أيام فقط، ولاحظ غالبية أعضاء الكتل البرلمانية أن وتيرة إعدادهما واعتمادهما غير معتادة مقارنة بالإجراءات التشريعية العادية، وهو ما يوحي بـ«وجود استعجال سياسي لطرح المقترحين في هذا التوقيت بالذات»، حسب نائب من حزب يتبع إلى «الموالاة»، طلب عدم نشر اسمه. في حين رجح برلماني آخر من كتلة المستقلين احتمال أن يكون هناك توجيه، أو دعم من مستويات عليا في السلطة لتسريع المسار التشريعي.

البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وبدأ أعضاء «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية السفلى) بتداول نص تجريم الاستعمار؛ إذ أكد أصحاب المبادرة أنه يقوم على «مبدأ عدم الإفلات من العقاب وحق الشعوب في العدالة التاريخية»؛ إذ يصنف الاستعمار الفرنسي في الجزائر «جريمة دولة منتهكة للقيم الإنسانية، وممارساته تعد جرائم غير قابلة للتقادم».

ويتضمن التوصيف القانوني للجرائم الإبادة والمجازر الجماعية، كالقتل العمد والإعدامات خارج القانون، والتعذيب المنظم، والجرائم بحق الإنسان والبيئة، المترتبة على التفجيرات النووية في الصحراء خلال الستينات، وكذا التجارب الكيماوية والألغام المزروعة على طول الحدود الشرقية والغربية لمنع وصول الأسلحة إلى «المجاهدين».

كما يشمل التوصيف النهب والاستنزاف، كالسطو على الخزينة الوطنية ونهب الثروات، واحتجاز الأرشيف ورفات رموز المقاومة، و«طمس الهوية»، ومنها محاولات التنصير القسري، وتدنيس دور العبادة، والتمييز العنصري.

وعلى أساس هذا التشخيص، يُلزم القانون الدولة الفرنسية بتحمل المسؤولية القانونية الكاملة، ويفرض على الطرف الجزائري السعي لانتزاع اعتراف واعتذار رسميين من باريس، مع المطالبة بتعويضات شاملة ومنصفة عن الأضرار المادية والمعنوية، بما في ذلك تنظيف مواقع التجارب النووية وتسليم خرائطها. كما يذهب القانون إلى أبعد من ذلك بتجريم كل أشكال تمجيد الاستعمار أو تبريره داخل الجزائر، وفرض عقوبات سالبة للحرية، وغرامات مالية على كل من ينكر طبيعته الإجرامية، أو يمس برموز الثورة الوطنية، مع اعتبار التعاون مع الاحتلال (الحركي) «خيانة عظمى».

جانب من مظاهرة في باريس نظمها دعاة الانفصال (ناشطون)

ويأتي هذا التحرك البرلماني في ظرف يتسم باستمرار التصعيد في العلاقات مع فرنسا، حاملاً دلالة قوية من السلطات الجزائرية: لا مصالحة بلا إقرار تاريخي. وإذ يُميز القانون بوضوح بين إدانة المنظومة الاستعمارية وبين الشعب الفرنسي، فإنه ينقل «ملف الذاكرة» من الحيز السياسي العابر إلى الإطار التشريعي المُلزم، محولاً استرداد الحقوق المنهوبة إلى «ثوابت وطنية عصيّة على المساومة».

«دبلوماسية المشاعر الطيبة»

جاء أول رد فعل من فرنسا حيال «مسعى تجريم الاستعمار» من رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني، وزير الداخلية السابق برونو ريتايو، الذي علّق على حسابه بمنصة «إكس» قائلاً: «عندما تتخلى فرنسا عن سياسة الحزم مع الجزائر، فإن ذلك يؤتي ثماره».

الكاتب بوعلام صنصال (حسابات ناشطين متعاطفين معه)

بعد سجن الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وحادثة الطعن في مدينة مولوز (شرق فرنسا) في فبراير (شباط) 2025، التي ارتكبها مواطن جزائري خاضع لأمر بمغادرة التراب الفرنسي، والذي رفضت الجزائر إعادته إلى أراضيها عشر مرات، كان وزير الداخلية ريتايو، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة 2027، قد دخل في مواجهة مباشرة مع الحكومة الجزائرية؛ إذ اقترح «رداً متدرجاً»، قد يصل إلى «إعادة النظر في اتفاقيات الهجرة لسنة 1968 إذا واصلت الجزائر (إذلال فرنسا)».

وندد ريتايو، الذي تصدر الأزمة مع الجزائر لشهور، بـ«دبلوماسية المشاعر الطيبة للرئيس إيمانويل ماكرون تجاه المستعمرة سابقاً»، وكان قد لمّح من قبل إلى استعداده للاستقالة إذا طلبت منه الحكومة التنازل في التوترات مع الجزائر، التي نشأت عقب اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء.

وبعد تنحيته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن تشكيل حكومي جديد، استعادت العلاقات الثنائية توازنها نسبياً، لكن سرعان ما عاد التصعيد بعد إدانة صحافي رياضي فرنسي بالسجن 7 سنوات مع التنفيذ، بتهمة «الإرهاب» في الثالث من الشهر الحالي.

وفي نفس الجلسة البرلمانية، تم عرض مقترح للنائب هشام صفر، عن حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، يخص إدخال تعديل على قانون الجنسية، ويهدف إلى تمكين الدولة من تجريد بعض المواطنين من جنسيتهم، خصوصاً معارضين وناشطين في الخارج، إذا ثبت تورطهم في أفعال تُعدّ مساساً بالمصالح العليا للدولة، أو بالوحدة الوطنية.

وينصّ التعديل المقترح على سحب الجنسية الأصلية أو المكتسبة، في حال ارتكاب أفعال داخل الوطن أو خارجه، مثل التعاون مع دول أو جهات أجنبية معادية، أو تلقّي تمويل أو امتيازات للإضرار بالجزائر، أو العمل لصالح أجهزة عسكرية أو أمنية أجنبية، أو الانخراط في تنظيمات إرهابية أو تخريبية أو دعمها. كما يشمل التجريد من الجنسية المكتسبة في حال صدور حكم قضائي نهائي بسبب جرائم تمسّ أمن الدولة أو وحدتها، ضمن آجال زمنية محددة.

وزير الداخلية الفرنسي السابق برونو روتايو تصدر الأزمة منذ بدايتها (رويترز)

وتم إطلاق هذه الخطوة كتوجّه رسمي لمواجهة النزعات الانفصالية، وبعض المعارضين في الخارج المصنفين «عملاء للعدو»، خصوصاً بعد أن بادر تنظيم «حركة استقلال القبائل»، المصنف جزائرياً «جماعة إرهابية»، إلى إعلان ما سماه «دولة القبائل»، في باريس الأسبوع الماضي.

وتعليقاً على مقترح تعديل قانون الجنسية، كتب المحامي المعروف، عبد الله هبول، وهو قاضٍ سابق، في حسابه بالإعلام الاجتماعي: «هل يدرك من يقف وراء مقترح قانون إسقاط الجنسية الأصلية عن الجزائريين، بموجب مرسوم رئاسي - أي قرار إداري وسياسي - معنى الشعب والدولة والمواطن، وحقوق الإنسان والدستور؟ وإلى أي مدى تحمل هذه الفكرة خطورة بالغة؟».


مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)

ضمن مساعٍ مصرية لتعزيز تعاونها الأفريقي، شددت مصر والكونغو على «تعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية». كما أكدت القاهرة وبرازافيل «استمرار التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية».

جاء ذلك خلال محادثات وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع وزير خارجية جمهورية الكونغو، جون كلود جاكوسو، تناولت «سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب التنسيق والتشاور حول القضايا الأفريقية ذات الاهتمام المشترك».

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، أكد عبد العاطي «أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الكونغو وزيادة حجم التبادل التجاري بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة»، مشدداً على «مواصلة تطوير التعاون في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال التدريب وبناء القدرات».

وأشار إلى «حرص مصر على دعم التعاون الاقتصادي مع جمهورية الكونغو، خصوصاً في مجالات الاستثمار والتجارة»، لافتاً إلى اهتمام الشركات المصرية ذات الخبرات الكبيرة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والنقل والتشييد بالمشاركة في المشروعات التنموية، مجدداً التأكيد على أهمية تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وتذليل العقبات أمام حركة التبادل التجاري.

وتوافقت مصر والكونغو على «تعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية»، وذلك خلال زيارة عبد العاطي إلى الكونغو ولقاء الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نجيسو، في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الكونغولي خلال استقبال وزير الخارجية المصري في الكونغو مارس الماضي (الخارجية المصرية)

وقدّم عبد العاطي حينها رسالة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى نظيره الكونغولي تناولت «التطورات الإيجابية التي تشهدها علاقات البلدين»، إلى جانب التأكيد على «اتخاذ مزيد من الخطوات لدفع مجالات التعاون الثنائي».

كما توافقت رؤى مصر والكونغو حينها في العديد من ملفات الأوضاع الإقليمية، لا سيما التطورات في مناطق «البحيرات العظمى والساحل والقرن الأفريقي»، وتوافق البلدان أيضاً على ضرورة «الحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار السودان والصومال».

وفيما يتعلق بالتعاون الإقليمي ومتعدد الأطراف، أكد وزير الخارجية المصري، السبت، أهمية التنسيق والتشاور المشترك إزاء مختلف القضايا الأفريقية، ولا سيما ما يتعلق بملف الإصلاح المؤسسي لأجهزة الاتحاد الأفريقي، باعتباره ركيزة أساسية لتطوير كفاءة عمل تلك الأجهزة وتمكينها من الاضطلاع بمهامها على النحو الأمثل، مع التأكيد على «ضرورة أن تتم عملية الإصلاح بصورة منهجية وتدريجية وواضحة، وعلى أساس من الشمولية ومشاركة جميع الدول الأعضاء في مسار الإصلاح».

وزير الخارجية المصري يلتقي نظيره الكونغولي في القاهرة السبت لبحث تعزيز التعاون الثنائي (الخارجية المصرية)

وحسب «الخارجية المصرية»، السبت، شهد لقاء الوزير عبد العاطي ونظيره الكونغولي تبادلاً للرؤى حول أبرز القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الأوضاع في منطقتي الساحل والبحيرات العظمى، حيث أكد الجانبان «التزامهما بمواصلة التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز التعاون في مجالات التنمية والأمن، بما يدعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة».

وكانت القاهرة وبرازافيل قد توافقتا خلال محادثات الرئيس الكونغولي مع وزير الخارجية المصري في مارس الماضي على أهمية «تعزيز التعاون في شتى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والتنموية»، وأشارت وزارة الخارجية المصرية حينها إلى «تطلع الشركات المصرية لزيادة استثماراتها بالسوق الكونغولية في مجالات البنية التحتية والطاقة والموارد المائية والزراعة والدواء».