يترقب الشارع التركي التطورات المتلاحقة حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، التي توصف بـ«الحاسمة والمصيرية»، سواء بالنسبة للرئيس رجب طيب إردوغان أو للمعارضة. وترى المعارضة هذه الانتخابات، التي أعلن عن تقديم موعدها لتجرى يوم 14 مايو (أيار) المقبل بدلاً من الموعد الأصلي لها، 18 يونيو (حزيران)، فرصة تاريخية لها للعودة إلى سدة الحكم بعد 20 سنة، انفرد فيها إردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) بالسلطة. وفي مقدم هذه التطورات التي تشغل الساحة السياسية، والشارع التركي بشكل عام، ما يتعلق بإعلان أحزاب المعارضة المنضوية تحت ما يسمى بـ«طاولة الستة»، التي تضم 6 أحزاب من تيارات وألوان سياسية متباينة، مرشحها التوافقي للرئاسة، الذي سينافس إردوغان على منصب الرئاسة. «طاولة الستة»، التي تضم أحزاب تحالف مبادئ، وليست تحالفاً انتخابياً، هي 6 أحزاب معارضة؛ حزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كيليتشدار أوغلو، والحزب الجيد برئاسة ميرال أكشينار، وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، وحزب السعادة برئاسة تمل كارامولا أوغلو، وحزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، والحزب الديمقراطي برئاسة غولتكين أويصال. ينتظر أن تعلن عن اسم مرشحها للرئاسة في 13 فبراير (شباط) الحالي. وهي خطوة طال انتظارها كثيراً، وتسببت أحياناً في انتقادات لتلك الأحزاب وسخرية من جانب إردوغان، الذي اعتبر أن قادتها فشلوا في الاتفاق فيما بينهم على مرشح يستطيع منافسته على الرئاسة.
استبق قادة أحزاب «طاولة الستة» خطوة إعلان اسم مرشحها الموحد للرئاسة، بإعلان «خريطة الطريق» التي يعتزمون تطبيقها حال الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة يوم 14 مايو المقبل. وللعلم، إذا أعلن اسم هذا المرشح يوم 13 فبراير فسيكون ذلك متزامناً مع إكمال «طاولة الستة» سنة كاملة من التحضيرات للانتخابات منذ تشكيلها في التاريخ ذاته العام الماضي. ولقد شمل التشكيل وثيقة بعنوان «مذكرة التفاهم بشأن السياسات المشتركة» من أجل التحول إلى النظام البرلماني المعزز، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وتحويل منصبه إلى منصب شرفي رمزي فقط، وتعزيز الديمقراطية والحريات ودولة القانون، وإصلاح الاقتصاد، وتصحيح أخطاء السياسة الخارجية.
جاءت «مذكرة التفاهم» في 244 صفحة، وتضمنت 2300 هدف مشترك، تحت 9 أبواب، و75 عنواناً فرعياً. وحددت مبادئ عمل الأحزاب الستة في مجالات القانون والعدالة والقضاء، والإدارة العامة، ومكافحة الفساد والشفافية والتدقيق، والاقتصاد والتمويل والتوظيف، والعلوم والبحث والتطوير والابتكار، وريادة الأعمال والتحول الرقمي، والسياسات القطاعية، والتعليم والتدريب، والسياسات الاجتماعية، والسياسة الخارجية والدفاع وسياسات الأمن والهجرة.
وكان من أهم ما جاء في «المذكرة»، التي أطلقت في فعالية حاشدة بالعاصمة التركية أنقرة، الاثنين الماضي، بحضور قادة الأحزاب الستة، بنود الانتقال إلى النظام البرلماني المعزّز من أجل سلطة تشريعية فعالة وتشاركية، وسلطة تنفيذية مستقرة وشفافة وخاضعة للمساءلة، وقضاء مستقل وحيادي، ودولة ليبرالية وديمقراطية تقوم على نظام عادل يتم فيه الفصل بين السلطات.
من ناحية ثانية، ورد ضمن «المذكرة» - التي حملها كتيِّب وُزّع على الحضور من السياسيين وأعضاء الأحزاب وممثلي منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام - التأكيد على تعزيز سلطة البرلمان، باعتباره ممثلاً للسلطة التشريعية، وإلغاء «حق النقض (الفيتو) الممنوح لرئيس الجمهورية حالياً في ظل النظام الرئاسي، ومنحه فقط الحق في إعادة القوانين إلى البرلمان حال اعتراضه على بعض المواد».
أيضاً تلتزم «مذكرة التفاهم» بخفض العتبة الانتخابية المطلوبة لتمثيل الأحزاب بالبرلمان من 7 في المائة إلى 3 في المائة من مجموع الأصوات، وسيكون الحصول على إذن من البرلمان إلزامياً لرفع الدعاوى القضائية المتعلقة بإغلاق الأحزاب السياسية، وسيُصار إلى إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، إضافة إلى «لجنة تحقيق في الفساد» بالبرلمان. وكذلك، سيُعتمَد انتخاب الرئيس لمدة 7 سنوات، على أن يقطع صلته بالحزب الذي ينتمي إليه بعد انتخابه، ولا يعود إلى ممارسة السياسة بعد انتهاء فترة رئاسته. ثم إنه ستلغى مراسيم الطوارئ، مع تقليص المدة المسموح بها في إعلان حالة الطوارئ من 6 أشهر إلى شهرين فقط، وتُعاد هيكلة المجلس الأعلى للقضاة ومكتب الادعاء العام، ليكون هناك مجلسان منفصلان، أحدهما للقضاة، والآخر لمدعي العموم.
ومن المبادئ الأخرى، التي تضمنتها «المذكرة»، بجانب كل ما سبق، إلغاء نظام الحبس الاحتياطي والاحتجاز والتدقيق الشديد في الحالات الاستثنائية، وتعزيز حرية الفكر والرأي والتعبير، والانتهاء من البت في التظلمات الناشئة عن مراسيم الطوارئ.
ترشح إردوغان على المحك
للتذكير، «طاولة الستة» تعتبر نفسها «تحالف مبادئ»، وتسعى إلى إعادة النظام البرلماني المعزّز - الذي فرغت من إعداد صيغته - بدلاً من النظام الرئاسي الحالي الذي تقول إنه كرس لنظام حكم الفرد، عبر إقصاء رجب طيب إردوغان وحزبه في الانتخابات المقبلة. وكما سبق، كان قادة الأحزاب الستة المشاركة قد مهّدوا لـ«خريطة الطريق» التي ضمها برنامجهم الانتخابي، باجتماعهم الحادي عشر منذ انطلاق «طاولة الستة» يوم 13 فبراير 2022. وأعقبوه ببيان مشترك شككوا فيه في شرعية خوض الرئيس إردوغان الانتخابات الرئاسية المقبلة، وادّعوا أن تركيا «تدار حالياً من قبل حكومة تتصرف من دون أي اعتبار للدستور والقوانين التي لا تدع مجالاً للشك أو التأويل بشأن عدم إمكانية ترشح إردوغان للرئاسة للمرة الثالثة، ما لم يتم الإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة».
من ثَم، رأى البيان المشترك أنه لا يمكن أن يكون إردوغان مرشحاً للرئاسة في انتخابات 14 مايو المقبل، بل سيكون ترشحه للمرة الثالثة مخالفاً للدستور و«صفحة سوداء جديدة» في تاريخ البلاد الديمقراطي. وتابع نص البيان أن «المعارضة تعلن للرأي العام رفضها قبول أي أمر يتجاوز الدستور والقانون». وهنا نشير إلى أن الدستور التركي ينص على أنه لا يمكن الترشح لأكثر من فترتين رئاسيتين، مدة كل منهما 5 سنوات. ويحق الترشح للمرة الثالثة فقط في حال قرر البرلمان التوجه إلى الانتخابات المبكّرة. ومن أجل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكّرة يتعيّن أن يصدر البرلمان قراراً بأغلبية 360 نائباً من أصل 600 نائب. وهو ما لا يملكه الحزب الحاكم ولا المعارضة، في حين يحق لرئيس الجمهورية أيضاً أن يتخذ قراراً بتقديم أو تأخير موعد الانتخابات، لكن قراره بتقديم موعدها لا يعد انتخابات مبكّرة.
من جهته، أعلن إردوغان، خلال الأسبوع الماضي، أنه تقرر تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة من 16 يونيو إلى 14 مايو «لاعتبارات تتعلق بامتحانات الجامعات والعطلات»، لكن هذا لا يعني أنها «انتخابات مبكرة». وبناءً عليه، رأت المعارضة أن الانتخابات ستُجرى وفق «قرار رئاسي»، بما يعني أنها ليست انتخابات مبكرة قرّر البرلمان إجراءها. وبالتالي، فإن ترشح إردوغان هذه المرة سيكون هو ترشحه الثالث، وهو أمر غير ممكن بموجب الدستور.
وفي المقابل، يتمسك حزب العدالة والتنمية (بزعامة إردوغان) الحاكم، وشريكه في «تحالف الشعب» حزب الحركة القومية، بأن الدستور جرى تعديله لإقرار النظام الرئاسي بديلاً للنظام البرلماني في 2017، وأجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في يونيو 2018. وبما أن التعديلات لا تُطبّق بأثر رجعي، لا يمكن اعتبار أن إردوغان يترشح للمرة الثالثة، إذ يُعد ترشحه للرئاسة عام 2018 هو الأول وفق التعديلات الدستورية الجديدة، وعليه يحق له خوض الانتخابات لمرة ثانية وأخيرة.
الأكراد في قلب المعركة
يخوض الانتخابات التركية المقبلة 27 حزباً، وثمة 3 «تحالفات» انتخابية رسمية، هي «تحالف الشعب»، المؤلف من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، و«تحالف الأمة» المؤلف من أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة، وتحالف «العمل والحرية» الذي يضم إلى جانب الشعوب الديمقراطية كلاً من أحزاب الحركة العمالية واتحاد الجمعيات الاشتراكية والحرية الاجتماعية والعمل التركي.
ويتفق المتابعون على أن حزب الشعوب الديمقراطي (غالبية كردية) نقطة الترجيح في الانتخابات المقبلة، على الرغم من أنه يواجه دعوى قضائية لإغلاقه وحظر النشاط السياسي لمئات من قياداته وأعضائه لمدة 5 سنوات، وهذا لاتهامه بالتحول إلى «بؤرة لأنشطة زرع الانقسام بين الشعب ودولته» و«ذراع سياسية لحزب العمال الكردستاني» المصنف منظمة إرهابية.
والواقع أن هذا الحزب يمتلك كتلة تصويتية كبيرة ويستطيع ترجيح كفة أي طرف من الأطراف في الانتخابات الرئاسية، سواء مرشح «طاولة الستة» أو إردوغان (بصفته مرشح «تحالف الشعب»). غير أن رئيسة الحزب المشاركة بيروين بولدان، أعلنت الأربعاء أن الحزب سيخوض الانتخابات الرئاسية بمرشحه الخاص، وأنه سيعلن اسم المرشح خلال الأسبوع الأول من فبراير، أي قبل إعلان «طاولة الستة» اسم مرشحها، وهو ما يعني رفض التعاون مع أي من الجبهتين.
خطوة حزب الشعوب الديمقراطي هذه جاءت بعدما ترك الباب مفتوحاً لفترة للمفاوضات من جانب «طاولة الستة» لدمجه في الطاولة. إلا أنه قرر بعدها الدفع بمرشحه الخاص والعمل بمفرده، لإدراكه أن هذا يعني أن مرشح أحزاب «طاولة الستة» لن يستطيع حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى. وهو إن استطاع المنافسة في هذه الجولة، فلن ينجح في حسمها لصالحه، وبالتالي ستكون هناك جولة ثانية، وحينذاك سيحاول كل مرشح جذب الحزب لطرفه.
لقد أصر الحزب على الدفع بمرشحه الخاص على، الرغم من الدعوة التي أطلقها رئيسه المشارك السابق السجين، صلاح الدين دميرطاش، إلى حزبه وجميع أحزاب المعارضة للالتفاف والتكاتف معاً حول المرشح التوافقي لـ«طاولة الستة». لكن يبدو أن هذه الدعوة لم تلقَ الصدى المأمول، لامتعاض الحزب من صمت أحزاب «طاولة الستة» إزاء ممارسات الرئيس إردوغان تجاهه وحملته عليه وإلصاق تهمة الإرهاب به، وصولاً إلى رفع دعوى قضائية لإغلاقه. ناهيك عن إقدام المحكمة الدستورية على تجميد حساب الحزب، الذي يتلقى فيه الدعم من خزينة الدولة قبل الانتخابات، ثم رفض تأجيل نظر القضية إلى ما بعد الانتخابات، وكذلك الموقف المتصلب لرئيسة الحزب الجيد وعضو «الطاولة» ميرال أكشينار، ذات التوجه القومي، التي هدّدت بانسحاب حزبها من «الطاولة»، حال انضمام حزب الشعوب الديمقراطي إليها.
في المقابل، بذل رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، جهوداً كبيرة لمدّ يد الصداقة وتحقيق تعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي على قاعدة المصالح المشتركة. وأثمرت هذه الجهود عن فوز مرشحي حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية عام 2019؛ أكرم إمام أوغلو في إسطنبول، ومنصور ياواش بالعاصمة أنقرة، وظفرهما برئاستي المدينتين الكبريين في تركيا، والأهم بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم وإردوغان. وبالمناسبة، تعد إسطنبول (كبرى مدن البلاد) مؤشراً لاتجاه الانتخابات، إذ دائماً ما يردد إردوغان أن من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا.
بيد أن كيليتشدار أوغلو أيضاً حريص جداً على ضمان أصوات الناخبين الأكراد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ولذا وعد بمنح حزب الشعوب الديمقراطي إحدى الحقائب الوزارية، عند وصول المعارضة إلى السلطة. وأيّده في ذلك الانفتاح رئيس حزب الديمقراطية والتقدم (الوزير السابق) علي باباجان، الذي تعهد أيضاً بضمان حقوق الأكراد في التعليم واستخدام لغتهم الأم، ما عرّضه لانتقادات واسعة وهجوم من جانب حزب العدالة والتنمية، الذي كان من قياداته البارزة قبل الانشقاق عنه وتأسيسه حزبه.
هذا، وكرّر باباجان، في الفترة الأخيرة، انتقاداته للمادتين 42 و66 من الدستور التركي، اللتين تنصان على أن جميع المواطنين الذين يقيمون على الأراضي التركية هم أتراك، وأن التعليم يكون باللغة التركية فقط. ومما قاله: «نحن بحاجة إلى الكلام عن هذه النقاط من دون خوف، سواء عن هاتين المادتين أو أي مادة أخرى. سنعيد كتابة هذه المواد في الدستور الجديد لنؤسس لتركيا معاصرة... جميع المواطنين متساوون. ويجب أن يعيش الإنسان ويحظى بكرامته كي تستمر الدولة»، مشيراً إلى أن هناك مشكلات للمكوّنات الدينية والطائفية الأخرى، وينبغي حلها.
ولم تختلف عن هذا الموقف مواقف أحزاب المستقبل والسعادة والديمقراطي. وهي ترى أيضاً في التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي فائدة ليس فقط في الانتخابات المقبلة، بل أيضاً في السياسة التي ستتبع لاحقاً، بعد فوزها في الانتخابات، من أجل حل «المسألة الكردية» التي لطالما أرّقت تركيا وفشلت الحكومات التركية المتعاقبة في حلّها. وكذلك يرى حزب الشعوب الديمقراطي أن علاقاته بأحزاب المعارضة يجب ألا تظل قاصرة على فترات الاستحقاقات الانتخابية، بل عليه أن يسعى إلى إثبات وجوده كحزب تركي حقيقي قادر على تقديم الحلول لمشكلات البلاد والمواطنين على اختلاف عرقياتهم وتوجهاتهم، فضلاً عن الدور الذي يمكن أن يلعبه في تسهيل حل «المشكلة الكردية» كونه الممثل الشرعي لأكراد تركيا.
ختاماً، لا يخفى على الأتراك، وكذلك على متابعي الشأن التركي أن الرئيس إردوغان يسعى بكل طاقته إلى «عزل» حزب الشعوب الديمقراطي عن «تحالف الأمة» و«طاولة الستة»، لأن انضمام كتلة الحزب التصويتية إلى أي منهما، خصوصاً في الانتخابات الرئاسية، قد يكلّفه خسارة منصبه، ربما من الجولة الأولى. وبالفعل، تشير مختلف استطلاعات الرأي إلى أن نسبة تأييد الحزب الكردي تتجاوز 12 في المائة، وأن كتلته التصويتية تصل إلى نحو 7 ملايين ناخب من إجمالي عدد الناخبين، وهو 60 مليوناً.
من هذا المنطلق، يسعى إردوغان إلى استقطاب الأكراد الرافضين للإرهاب ولحزب العمال الكردستاني، عبر التلويح بعملية عسكرية في شمال سوريا ضد ميليشيا «وحدات حماية الشعب الكردية» (أكبر مكونات ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية - قسد»). وبوصم حزب الشعوب الديمقراطي بدعم «العمال الكردستاني» والميليشيا الكردية يأمل إردوغان في تحقيق هدفين بضربة واحدة؛ أولهما زيادة التفاف القوميين حوله وحول حزبه... وثانيهما كسر قاعدة حزب الشعوب الديمقراطي، ومنعها من الذهاب إلى أحزاب المعارضة.
لماذا لن يصوّت شباب «الجيل زد» لإردوغان وحزبه؟
> مشكلة الصوت الكردي ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه في الانتخابات المقبلة، بل هناك اليوم معضلة تحدّي الشباب في الفئة العمرية ما بين 18 و25 سنة، الذين أعلنوا العصيان على الحكومة في ظل الأوضاع الاقتصادية وانسداد الأفق أمامهم وشعورهم بالتهميش في تركيا المستقبل طالما بقي النظام القائم.
وإذا كان إردوغان قد حاول قدر استطاعته خلال الأشهر الأخيرة تقديم حوافز عبر زيادة الحد الأدنى للأجور، ورفع الرواتب التقاعدية، وتقديم مساعدات لملايين الأسر الفقيرة، فإن كل ذلك لم يكن كافياً. والسبب أن غول التضخم كان يسحق أول فأول كل زيادة تقدمها الحكومة، والشركات وأصحاب الأعمال يحصلون باليد اليسرى أضعاف ما تقدمه الحكومة باليد اليمنى، برفع أسعار المنتجات والخدمات، ليتمكنوا من سداد فاتورة زيادة الأجور، فضلاً عن أن استمرار الزيادات الرهيبة في الأسعار مع كل إعلان عن تحريك في الأجور يلتهم كل الأخضر واليابس.
يربو عدد مَن يحق لهم التصويت من الشباب بين 18 و25 سنة، المعروفين في تركيا والغرب بـ«الجيل زد»، على 6 ملايين ناخب من إجمالي الناخبين الذين تتنافس الأحزاب على أصواتهم. ولقد كثف إردوغان من لقاءاته مع هؤلاء بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية أصواتهم ستذهب إلى المعارضة، منها استطلاع أجراه أخيراً مركز «أو آر جي» عن تفضيل 21.7 في المائة منهم التصويت لصالح حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، و17.4 في المائة لصالح حليفه في «تحالف الأمة» الحزب الجيد، في حين لم يحصل حزب العدالة والتنمية الحاكم سوى على 13.1 في المائة من أصوات «الجيل زد»، ولم تزد نسبة من سيصوتون منهم لحليفه حزب الحركة القومية عن 7.4 في المائة.
واضح أن أسباب عزوف الشباب عن التصويت لصالح حزب إردوغان عائد إلى سوء الوضع الاقتصادي، ووضع حرية الرأي والتعبير، بسبب حملات التضييق على وسائل التواصل الاجتماعي... فضلاً عن تحوّل تركيا عن التوجه نحو أوروبا، وزيادة انغماسها في مشكلات الشرق الأوسط بسبب سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم على مدى 20 سنة، وتوق الشباب للعودة إلى الجمهورية التركية العلمانية الاجتماعية التي تعلي من قيم الديمقراطية والحريات.
وفعلاً، بات توجه الشباب للهجرة من تركيا لافتاً في السنوات الأخيرة. إذ احتل الأتراك المرتبة الثالثة بعد السوريين والأفغان في طلبات اللجوء المقدّمة إلى ألمانيا خلال العام الماضي. وبحسب التقرير السنوي للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، تقدم 217774 شخصاً للحصول على اللجوء في ألمانيا عام 2022، وهو أعلى بنسبة 47 في المائة عن العام 2021. وأكد استطلاع أجرته شركة «جيزيجي» لاستطلاعات الرأي أن ناخبي «الجيل زد» يشعرون بالغضب من الحكومة بشكل عام، لكنهم لا يتمسكون بفكر معين ولا يثقون تماماً بالمعارضة، ويرفضون بشدة قمع أنماط الحياة وحرية التعبير ووسائل الإعلام. وأكد مدير الشركة، مراد جيزجي، أن 80 في المائة من هذا الجيل لن يصوتوا لصالح حزب إردوغان.