رفض مجلس النواب الليبي، على لسان لجنة الاقتصاد والاستثمار، مصادرة أصول تعود ملكيتها للبلاد في أفريقيا الوسطى، وعرضها للبيع بمزاد علني، وسط تزايد المخاوف بشأن مصير مجمل الأصول المجمدة في الخارج، منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي.
وكانت الأموال الليبية في الخارج تقدر بقرابة 200 مليار دولار، وهي عبارة عن استثمارات في شركات أجنبية وأرصدة وودائع وأسهم وسندات، تم تجميدها بقرار من مجلس الأمن الدولي في مارس (آذار) عام 2011. لكن الأرصدة النقدية تناقصت على مدار السنوات الماضية إلى 67 مليار دولار حسب فائز السراج، رئيس حكومة «الوفاق الوطني» السابقة.
وعرضت السلطات في أفريقيا الوسطى أصولاً للبيع في المزاد العلني، أمس (السبت) قالت الشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية، (لايكو) إنها «مملوكة للدولة الليبية»، فيما أثارت القضية ردود فعل غاضبة لدى الرأي العام بالبلاد.
وأوضحت الشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية، في بيان، مساء أمس (السبت)، أنها تمتلك في أفريقيا الوسطى فندقاً، وعمارتين سكنيتين وقطعة أرض، مشيرةً إلى أن البلاد حصلت على هذه الأصول مقابل قروض منحتها لـ«بانغي» بموجب اتفاقية لتشجيع الاستثمار موقعة بين البلدين في عام 2007.
ورأى حسام القماطي المحلل السياسي الليبي، أنه بعد «ثورة 17 فبراير عام 2011، حدثت تغيرات سياسية كبيرة في البلاد، وأصيبت مؤسسات الدولة بالضعف، ثم بدأت تظهر بعض المحاولات من قبل موظفين انتهت خدمتهم بالمؤسسة الليبية للاستثمار «لسرقة هذه الأصول بأساليب ملتوية، من بينها التعاون مع فاسدين بالدولة التي لديها هذه الأصول».
وأشار القماطي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن النائب العام الليبي بدأ مؤخراً التحقيق بهذه التجاوزات لكنها «لم تؤتِ ثمارها بعد، بينما لا تزال البلاد تعاني من تكرار محاولات الاستيلاء على أصولها بالخارج، من خلال عمليات نقل الملكية بشكل لا يخلو من التحايل».
ولفت إلى «عدم وضوح المعلومات الصادرة عن المسؤولين الليبيين بشأن حجم تلك الاستثمارات الخارجية»، متابعاً: «على ما يبدو أن هذه الاستثمارات لم تحقق عوائد مالية، بل بالعكس تخسر من أصولها، وهذا يضع علامة استفهام على جدوى بقائها وعدم التخلص منها، أو نقلها في دول تجمعها بليبيا علاقة تعاون».
وأبدت لجنة الاقتصاد والاستثمار بمجلس النواب الليبي «رفضها القاطع» لعرض الممتلكات التابعة للشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية في العاصمة بانغي بدولة أفريقيا الوسطى للبيع في المزاد العلني.
وقالت اللجنة في بيان اليوم (الأحد) إن «عملية البيع بهذه الطريقة، وفي هذا الوقت تعد انتهاكاً قانونياً وأخلاقياً ومحاولة لنهب مقدرات الشعب الليبي»، مطالبة «بوقف الإعلان عن بيع الأصول في المزاد فوراً، واتخاذ جميع الإجراءات المطلوبة لمحاسبة المسؤولين عنه، وحماية الاستثمارات الليبية في أفريقيا الوسطى وغيرها من دول العالم».
وفيما تعهدت لجنة الاقتصاد والاستثمار «بتحريك الدعوى الجنائية في حال استمرار الإعلان عن المزاد»، حملت «المسؤولية القانونية والأخلاقية للجهات الليبية المختصة المتمثلة في حكومة (الوحدة) المؤقتة، ومجلس إدارة محفظة ليبيا للاستثمار والإدارة التنفيذية التابعة له».
وخاطبت اللجنة حكومة أفريقيا الوسطى «لعدم الاعتداد بالمزاد واتخاذ الإجراءات لإيقافه فورا والعمل على حماية الاستثمارات الليبية، وفقاً للاتفاقات المبرمة بين البلدين»، مؤكدةً «عزمها اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد الجهات التي ستقوم بالشراء».
وقضت محكمة في العاصمة بانغي، ببيع أملاك للدولة الليبية في المزاد العلني، وهي «فندق فخم» قدرت قيمته بـ45 مليون يورو، وعمارتان بهما شقق مقدرة بـ80 مليون يورو، بالإضافة إلى قطعة أرض قدرت قيمتها بـ6 ملايين يورو، وخاطبت المحكمة النائب العام ووزير العدل بأفريقيا الوسطى، لعقد المزاد العلني.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الأصول الليبية المجمدة في الخارج للمخاطر، فقد سبق وأجرى النائب العام الليبي، المستشار الصديق الصور مباحثات مع نظيره البلجيكي في العاصمة بروكسل، مطلع فبراير (شباط) الماضي، استهدفت إعادة هذه الأموال المقدرة بـ14 مليار يورو.
وقبل خمسة أعوام، تجددت المخاوف في ليبيا بشأن ما أثارته حينها صحيفة «الإندبندنت» البريطانية عن أن مجلس اللوردات يقترب من إقرار تشريع لإنشاء صندوق تعويضات لأسر البريطانيين ضحايا هجمات الجيش الجمهوري الآيرلندي، من أصول الأموال الليبية المجمدة في بريطانيا، وتقدر بـ9.5 مليار إسترليني.
ومع تصاعد حالة الغضب السياسي حينها في ليبيا، تم إلغاء فكرة القرار، وسط دعوات محلية ودولية «للإسراع بإجراء انتخابات ليبية كي يتسنى للسلطات المنتخبة المحافظة على أموال الشعب من الضياع».
وتسعى السلطات الليبية منذ سنوات لاستعادة أموال مرتبطة بأسرة القذافي، تم تجميدها في أحد بنوك مالطا، قبل سقوط النظام السابق في عام 2011.
ومنذ تولي حكومة «الوحدة» المؤقتة السلطة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وهي تجري مباحثات مع كبار المسؤولين في جزيرة مالطا حول كيفية استعادة أكثر من 80 مليون يورو من الودائع المصرفية المجمدة في بنك «فاليتا» مرتبطة بأسرة القذافي.
ويعتقد أن هذه الأموال تخص المعتصم بالله، نجل القذافي، إذ تسنى للسلطات الليبية تتبع هذه الأموال بعد عام 2012 وتوصلت إلى أن المعتصم كان يحتفظ بها في مالطا تحت اسم شركة مسجلة باسمه، وعندما قتل عقب اندلاع «ثورة 17 فبراير» عثر بحوزته على بطاقات ائتمانية صادرة عن بنك «فاليتا».
والمعتصم هو الابن الرابع للقذافي، وكان مسؤولاً كبيراً بالجيش وشغل منصب مستشار الأمن القومي في ليبيا من عام 2008 حتى 2011؛ قبل أن يقتل في «معركة سرت» على يد مناهضين لحكم والده.
«النواب» يرفض بيع أصول ليبية في أفريقيا الوسطى بـ«مزاد علني»
لجنته الاقتصادية اعتبرت القرار محاولة لـ«نهب مقدرات الشعب»
«النواب» يرفض بيع أصول ليبية في أفريقيا الوسطى بـ«مزاد علني»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة