فرنسا «قلقة» من مسار الأحداث في إيران

تعدد الملفات الخلافية بين الغرب وطهران يجعل إطلاق الرهائن أمراً مستبعداً حالياً

متظاهرون يحملون صوراً لمحتجزين فرنسيين في إيران خلال احتجاج في باريس أمس (رويترز)
متظاهرون يحملون صوراً لمحتجزين فرنسيين في إيران خلال احتجاج في باريس أمس (رويترز)
TT

فرنسا «قلقة» من مسار الأحداث في إيران

متظاهرون يحملون صوراً لمحتجزين فرنسيين في إيران خلال احتجاج في باريس أمس (رويترز)
متظاهرون يحملون صوراً لمحتجزين فرنسيين في إيران خلال احتجاج في باريس أمس (رويترز)

تَجَمَّعَ العشرات أمس في «ساحة حقوق الإنسان» الواقعة في محلة التروكاديرو في باريس للتعبير عن دعمهم لمن تسميهم الحكومة الفرنسية «رهائن دولة» للمطالبة بإطلاق سراحهم فوراً، بعدما تنامى القلق بشأن مصير المواطنين الفرنسيين السبعة - ومنهم مزدوج الجنسية - المحتجزين منذ فترات متفاوتة في السجون الإيرانية، وأبرزها سجن إيفين القريب من طهران.
وجاء التجمع بناءً على دعوة من عائلات الرهائن واللجان الداعمة لهم، وعلى وجه الخصوص من عائلات فاريبا عادلخواه، الباحثة الأكاديمية الفرنسية ــ الإيرانية، والنقابية سيسيل كوهلر التي أرغمت على الاعتراف مع زوجها بأنها عميلة للمخابرات الخارجية الفرنسية، وبنجامين بريير، المحتجز في إيران منذ عام 2020 بتهمة التجسس.
وفي البيان المشترك الصادر عن الأهالي ولجان الدعم ورابطة حقوق الإنسان في فرنسا جاء أن «تهماً مزيفة» قد سيقت بحق الرهائن المعتقلين بشكل «اعتباطي» وهم «محرومون من أبسط الحقوق البدائية وأولها المحاكمة العادلة». وأشار البيان إلى «الظروف غير الإنسانية» التي يعانون منها في المعتقلات، ومن حرمانهم من التواصل مع عائلاتهم، فيما عدد منهم موجود في الحبس الانفرادي بما لذلك من تأثير كبير على صحتهم الجسدية والنفسية. ودعا البيان إلى الإفراج الفوري عن كافة الرهائن «لأنهم أبرياء، ولزيف التهم الملصقة بهم».
وهذا التجمع ليس الأول من نوعه، وأحد أغراضه الضغط على الحكومة الفرنسية للتحرك على جميع المستويات من أجل إعادة مواطنيهم إلى بلادهم. بيد أن جهود الحكومة لم تفلح حتى اليوم رغم التواصل غير المنقطع بين باريس وطهران وآخره الاتصال الهاتفي بين وزيرة الخارجية كاترين كولونا ونظيرها الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وفي أثناء كل اتصال، تكرر باريس المطلب نفسه وهو الإفراج «الفوري» عن جميع الرهائن الذين تعدّهم «رهائن دولة».
وبما أن فرنسا ليست وحدها في هذا الوضع، فإن باريس تسعى لتعبئة الدول الأوروبية المعنية وذلك في بحثها عن «رافعة» لمفاقمة الضغوط على طهران، وهو ما طالبت به كولونا في آخر اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين يوم الاثنين الماضي. وهناك 40 رهينة أوروبية في أيدي الأجهزة الأمنية.
وإحدى الصعوبات التي يواجهها الغربيون أن اتصالاتهم محصورة بوزارة الخارجية. والحال، وفق مصادر واسعة الاطلاع على الأوضاع الداخلية في إيران، يقول إن الخارجية «ليست الجهة الصالحة للبت بموضوع الرهائن»، بل «الحرس الثوري»، وبالتالي ينحصر دور الدبلوماسية الإيرانية في نقل الرسائل. وترى هذه المصادر أن تعدد الملفات الخلافية «البرنامج النووي، القمع الدموي للحركات الاحتجاجية، دعم روسيا عسكرياً في حربها على أوكرانيا...» بين باريس والعواصم الأوروبية الأخرى وإيران يجعل إطلاق سراح الرهائن أمراً مستبعداً في الوقت الحاضر. وعلى أي حال، فالرأي السائد في باريس المستند إلى تجربة فرنسا التاريخية وتجارب عواصم غربية أخرى مع طهران في موضوع الرهائن، يقول إن إيران تسعى دوماً إما لمقايضتهم بمواطنين لها محتجزين في الغرب، وإما للحصول على امتيازات.

انغلاق في الداخل والخارج
وأول من أمس، عبّرت مصادر رسمية فرنسية رفيعة المستوى عن «قلقها» من المسار الذي تسلكه الأوضاع في إيران بما في ذلك علاقاتها مع فرنسا واصفة ما تعرفه في الوقت الحاضر بـ«الأزمة متعددة الأشكال»؛ إذ إنها من جهة داخلية وعنوانها سياسة قمع الحركات الاحتجاجية، والقطيعة بين الأجيال وبين النظام وفئات عديدة من السكان التي تشمل الشباب والنساء، ولكن أيضاً المجموعات الإثنية المختلفة وليس الأكراد وحدهم.
ومن جهته، يتوقع الباحث الأكاديمي الفرنسي كليمان تيرم تواصل الحركات الاحتجاجية ليس فقط للمطالبة بحقوق الإنسان والحريات والحجاب، بل أيضاً لأسباب حياتية واقتصادية ستضاعف النقمة على النظام ومنها، على سبيل المثال، أن السلطات عاجزة عن توفير الغاز للمواطنين في بلد يمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز في العالم.
ويشير الباحث الفرنسي إلى مسألتين: الأولى، توجُه النظام إلى مزيد من الانغلاق في الداخل، ولكن أيضاً في الخارج؛ إذ إنه «أحد أعضاء مجموعة الدول التي فرضت عليها عقوبات دولية» إلى جانب سوريا وكوريا الشمالية وروسيا والصين. والمسألة الثانية التي لا يتوقف عندها الإعلام الغربي إلا لماماً هي الزيادة الملموسة التي تخصصها الحكومة لأجهزتها الآيديولوجية والأمنية «الحرس الثوري، الباسيج... وغيرهما من المجموعات» مقابل تراجع الميزانيات الاجتماعية الأخرى الخاصة بالبنى التحتية والاستثمارات المنتجة، الأمر الذي يعكس مخاوف النظام العميقة. وعلى المستوى الاستراتيجي، يرى الباحث في استدارة طهران نحو الشرق أي نحو الصين وروسيا والابتعاد عن الغرب بمثابة «البحث عن ضمانة للبقاء» فيما يرى أن الحرب الروسية على أوكرانيا قد أسدت خدمة لإيران؛ لأن الأنظار مركزة على روسيا لا على إيران. وعلى أي حال، يرى الباحث أنه إذا كان الغرض من العقوبات الغربية تغيير النظام الإيراني، فإنها «فشلت» في تحقيق الهدف منها بسبب قدرة إيران على الالتفاف عليها، لا بل إنها اليوم «تساعد روسيا» للاحتذاء بها.

مقاربة متوازنة
تتخوف باريس، وفق مصادرها الرسمية، من تواصل سياسة إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار، وتزايد التوتر بالنسبة لبرنامجها النووي وبأنشطته التخصيبية عالية المستوى «60 في المائة إلى ما فوق» واقترابها من الحافة النووية بينما ما زالت المفاوضات لإعادة إحياء اتفاق عام 2015 مجمدة. كذلك تتخوف باريس من مواصلة إيران سياسة العنف والترهيب «من غير حدود» في الداخل وفي الخارج. وبالتوازي، فإن باريس تتوقع أن يتعزز التقارب بين إيران من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة للدعم العسكري الذي توفره طهران لموسكو في حربها على أوكرانيا. وفي محاولتها لرسم أولويات السياسة الفرنسية إزاء إيران للأشهر القادمة، تؤكد المصادر الرسمية أن باريس سوف تنتهج «مقاربة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار الدفاع عن حقوق الإنسان، والتنديد بالعنف، والتحذير من برنامج إيران النووي، ومنعها من الحصول على السلاح النووي، لكن بالمقابل فإنها تريد إطلاق سراح مواطنيها المعتقلين في إيران، والمحافظة على أمن مواطنيها في الداخل والخارج، وتعزيز الأمن الإقليمي، وخفض التوترات». وتشير هذه المصادر إلى الجهد الفرنسي المبذول في إطار مؤتمريْ «بغداد 1» و«بغداد 2» اللذين ترى فيهما منصة للحوار بين الأطراف الإقليمية، وتنفيساً للاحتقانات، وترويجاً لمشاريع تنموية مشتركة وملموسة تهم السكان. وتُدرج باريس سياستها في الإطار الأوروبي الأوسع؛ ولذا «فنحن نعمل مع شركائنا في المنطقة ومع أقراننا في الاتحاد الأوروبي».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

«لجنة لإدارة غزة» وتحذير ترمب... هل يسرّعان «اتفاق الهدنة»؟

فلسطينيون يجلسون وسط الأنقاض في موقع غارة إسرائيلية على منزل بالنصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يجلسون وسط الأنقاض في موقع غارة إسرائيلية على منزل بالنصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«لجنة لإدارة غزة» وتحذير ترمب... هل يسرّعان «اتفاق الهدنة»؟

فلسطينيون يجلسون وسط الأنقاض في موقع غارة إسرائيلية على منزل بالنصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يجلسون وسط الأنقاض في موقع غارة إسرائيلية على منزل بالنصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

تطورات جديدة يشهدها حراك التوصل لاتفاق هدنة في قطاع غزة، مع حديث عن اتفاق «مبدئي» بين حركتي «فتح» و«حماس» بشأن تشكيل لجنة لإدارة القطاع عقب اجتماعات بالقاهرة، وتحذيرات غير مسبوقة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب تضع مهلة تمتد إلى نحو 50 يوماً لإبرام صفقة للرهائن «وإلا سيدفع الشرق الأوسط ثمناً باهظاً»، وتأكيد مصر على استمرارها في العمل «بلا هوادة» لوقف دائم لإطلاق النار.

تلك التطورات التي صاحبها إعلان «حماس» عن مقتل وفقْد 33 أسيراً لديها، يشي بحسب خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، بأن «هناك اتفاقاً يكون قريباً، وأن كل طرف يستعد لمشهد اليوم التالي من الحرب ويمارس حالياً أقصى الضغوط لنيل مكاسب ولو إعلامية»، متوقعين أن «تساعد المهلة الانفعالية التي وضعها ترمب، فريق الرئيس الأميركي الحالي جون بايدن للتوصل لاتفاق في أقرب وقت ممكن».

وكشف مصدر فلسطيني مطلع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الثلاثاء، عن أن «حركتي (فتح) و(حماس) اتفقتا بشكل مبدئي عقب سلسلة اجتماعات بالقاهرة، على تشكيل لجنة تحمل اسم الإسناد المجتمعي ستكون معنية بإدارة قطاع غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب».

فلسطيني يسير بجوار الأنقاض وهو يحمل كيساً من الدقيق في خان يونس جنوب غزة (رويترز)

وتشير معلومات المصدر الفلسطيني إلى أن الجولة الثالثة بين الحركتين بالقاهرة بعد جولتين أخريين في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، «نجحت في التوصل لاتفاق مبدئي على تشكيل تلك اللجنة ولا يعني عدم التوقيع عليها فشلها»، مضيفاً: «الكرة الآن في ملعب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لمنح موافقة مبدئية على مسودتها المتفق عليها على أن يعود الأمر للقاهرة مرة ثانية ويعرض في اجتماع للفصائل، سيليها بعد التشاور صدور مرسوم نهائي بأعضاء اللجنة ومهامها تفصيلاً».

وستشكل اللجنة «حسب الاتفاق المبدئي من تكنوقراط دون تبعية لـ(حماس) أو (فتح)، وستُدمج كل القطاعات الحكومية بالقطاع داخل نظامها الإداري بدءاً من الشرطة والوزارات وغيرهما وصولاً لتسلم معبر رفح من الجانب الفلسطيني وإدارته»، وفق المصدر ذاته.

ويوضح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن لجنة الإسناد المجتمعي فكرة مصرية تقوم على عناصر مستقلة تدير غزة لقطع أي ذرائع إسرائيلية تعارض عودة «حماس» لإدارة القطاع، لافتاً إلى أن المعلومات الأولية التي لم تؤكدها القاهرة بشأن حدوث اتفاق بين الحركتين، وأنهما لن يكونا بالإدارة أو الواجهة، ستعزز الموقف الفلسطيني في مسار اليوم التالي من الحرب والتوصل لاتفاق هدنة قريب.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن تلك الفكرة المصرية يمكن وصفها بأنها خارج الصندوق ومتميزة، معتقداً أنها «تسير بشكل إيجابي، لمواجهة أزمة إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو على عدم بقاء (حماس) بالسلطة».

ويعتقد أن «الموافقة تأتي في توقيت مهم وقد تساعد في التوصل لهدنة قريبة وتسهل مهام تسلم معبر رفح من الجانب الفلسطيني»، لافتاً إلى أن موقف «حماس» يؤكد أن الأمور تسير بشكل إيجابي، وأن الحركة تفهمت استحالة بقائها بالحكم في غزة، وأنها تريد فقط حفظ ماء الوجه وبالتالي قبولها الاتفاق بعد جولات من التفاهمات منطقي وسيدخل حيز التنفيذ.

وجاء التوصل لاتفاق مبدئي بشان إدارة غزة، غداة تهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الاثنين، بأنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

وعبر منصته «تروث سوشال»، قال ترمب: «إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه بفخر منصبي رئيساً للولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيم سيدفع في الشرق الأوسط ثمنه الباهظ، وأولئك المسؤولون الذين ارتكبوا هذه الفظائع ضد الإنسانية»، وفق «سي إن إن» الأميركية.

ورحب نتنياهو في فيديو قصير باللغة الإنجليزية خلال اجتماع حكومي ونشره مكتبه الثلاثاء بموقف ترمب، وقال إنه «موقف قوي ويضيف قوة أخرى إلى جهودنا المستمرة للإفراج عن جميع الرهائن».

وبحسب «سي إن إن»، «تم احتجاز أكثر من 250 شخصاً رهائن، في 7 أكتوبر 2023، وتم إنقاذ عدد قليل من الرهائن منذ ذلك الحين وفي نوفمبر 2023 تم إطلاق سراح أكثر من 100 شخص جزءاً من صفقة قصيرة الأمد لوقف إطلاق النار».

وتعتقد السلطات الإسرائيلية أن «نحو 101 رهينة لا يزالون محتجزين في غزة، ويُعتقد أن ما لا يقل عن 34 من الرهائن الذين تم احتجازهم في 7 أكتوبر لقوا حتفهم»، وفق المصدر ذاته.

وتتفق تلك التقديرات الأميركية بشأن مقتل الرهائن، مع ما أعلنته «حماس» الاثنين، عبر مقطع فيديو مصور نشرته الحركة يكشف عن أن «33 أسيراً إسرائيلياً قُتلوا وفُقدت آثار بعضهم مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة»، مخاطباً ذوي الرهائن بالقول: «مقتل بعض الأسرى وفقدان بعضهم كان بسبب المجرم نتنياهو وجيشه الفاشي وباستمرار حربكم المجنونة قد تفقدون أسراكم إلى الأبد، افعلوا ما يجب عليكم فعله قبل فوات الأوان».

ويرى السفير رخا، أن تصريحات ترمب «انفعالية»، نتيجة «متابعته فيديو لأسير أميركي - إسرائيلي صدر قبل أيام، وتأتي في ظل جهد دولي يسعى لمحاولة وقف إطلاق النار في غزة وفتح المعابر»، لافتاً إلى أنها قد تشكّل ضغطاً على نتنياهو للقبول بالاتفاق، خصوصاً وأنه يعلم أنه قد تتم التضحية به في أي مرحلة مستقبلية حال استمر بالمراوغة.

وباعتقاد الرقب، فإن «تهديد ترمب للمنطقة من باب الضغط على المفاوضات التي تتم حالياً وقد تصل لاتفاق قريب، وهذا أسلوب يكشف عن أن الرئيس القادم سيسكب وقوداً مع كل أزمات المنطقة لحلها»، لافتاً إلى أن تجاوب نتنياهو معه متوقع.

تلك المفاوضات كشف عنها وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي في تصريحات بمؤتمر صحافي، الاثنين، قائلاً إن «مصر ستستمر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين»، مؤكداً أنه «بخلاف استضافة حركتي (فتح) و(حماس) لبحث التوصل لتفاهمات بشأن إدارة غزة، فالجهد المصري لم يتوقف للحظة في الاتصالات للتوصل إلى صفقة، وهناك رؤى مطروحة بشأن الرهائن والأسرى».

وكشف عبد العاطي، عن أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار، وما يُسمى بـ(اليوم التالي)»، مشدداً على «العمل من أجل فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني» الذي احتلته إسرائيل في مايو (أيار) الماضي، وكثيراً ما عبّر نتنياهو عن رفضه الانسحاب منه مع محور فيلادلفيا أيضاً طيلة الأشهر الماضية.

ويعتقد السفير رخا، أن الجهود المصرية قد تكلل بنجاح في هذه المرة خصوصاً وهناك احتمال كبير أن يتم اتفاق الهدنة قبل وصول ترمب للسلطة. وبرأي الرقب، فإن «القاهرة تبذل جهوداً كبيراً في إنهاء ملفات عالقة سواء بدعم تشكيل اللجنة أو التوصل لاتفاق هدنة، والكرة الآن في ملعب نتنياهو لحسم التوصل لاتفاق كما يرغب ترمب قبل وصوله، وأيضاً في ملعب أبو مازن لاعتماد مسودة الاتفاق بعد مشاورات الفصائل وتسويقه عربياً ودولياً لضمان نجاحه».