لبنان يزجّ بالمؤسسات المالية الدولية في متاهة مؤشراته الاقتصادية

الأمم المتحدة تتوقع نمواً إيجابياً... والتباين يعود إلى حالة «عدم اليقين» السياسي

TT

لبنان يزجّ بالمؤسسات المالية الدولية في متاهة مؤشراته الاقتصادية

في ظل حجب لبنان عن رادار الترقبات لدى أكبر المؤسسات المالية الدولية، انفرد تقرير دولي صادر عن الأمم المتحدة بتوقع استعادة لبنان لمسار النمو الاقتصادي الإيجابي، وبنسب مشجعة تقارب 4.6 في المائة خلال العام الحالي، و4.4 في المائة للعام المقبل. فيما أشار التقرير عينه إلى ترقب تقلص كبير في نسبة التضخم لتسجل 50.7 و21.6 في المائة على التوالي خلال العامين الحالي والمقبل.
وتكتسب هذه التوقعات أهمية بالغة واستثنائية في ظل تفاقم الأوضاع العامة في البلاد على كافة المستويات، سنداً إلى واقع الشغور الرئاسي، والخلافات المستحكمة بمهام حكومة تصريف الأعمال وصلاحياتها، والشلل في أداء القطاع العام ومؤسساته، فضلاً عن التمادي في تأخير الصياغة النهائية والمكتملة لخطة التعافي الحكومية، والمماطلة في إقرار مشاريع القوانين الإصلاحية التي وردت كموجبات وشروط لازمة في متن الاتفاق الأولي الذي أبرمته الحكومة مع بعثة صندوق النقد الدولي في أبريل (نيسان) الماضي، ومعززاً بالتزامات رئاسية تشريعية وتنفيذية تضمن مندرجاته.
وبخلاف التقديرات الصادرة عن مرجعيات مالية دولية، وفي مقدمها «البنك الدولي» الذي أشار في تقرير حديث إلى استمرار انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 في المائة في العام السابق، ناسفاً بذلك توقعات سابقة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتحقيق نمو بنسبة 2 في المائة، قدّر التقرير الأممي أن تكون نسبة تعافي الاقتصاد اللبناني وصلت إلى 5.7 في المائة خلال العام 2022 الماضي، مقابل انكماش بنسبة 11.7 في المائة في عام 2021.
وفي المقابل، تلتقي وكالة التصنيف الدولية «موديز» جزئياً مع ترقبات الأمم المتحدة بتوقع عودة الاقتصاد اللبناني إلى النمو الإيجابي بدءاً من عام 2024 المقبل، وبنسبة تقديرية تبلغ 3.5 في المائة، إنما هي تختلف معها في ترقبات العامين الحالي والسابق، مبقية إياها سلبية بنسبة 1 و3.4 في المائة على التوالي.
بذلك قد يصح، بحسب قراءة مسؤول مالي بارز لهذه المعطيات والتقديرات المتباينة إلى حدود التناقض، الاستنتاج بأن محلّلي المؤسسات الدولية يقعون أيضاً ضحية الالتباسات الكامنة في البيانات المالية المتاحة، وما تنتجه من مؤشرات أساسية، جراء الضبابية الكثيفة التي تكتنف المجريات الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان، وربطاً بتفاقم أزماته المتنوعة وانغماسه المتواصل في الاقتصاد النقدي الذي يصعب تقصي حجمه ووقائعه في الأسواق.
وليس غريباً، وفقاً للمسؤول المالي، أن تدفع التعقيدات المتكاثرة في الميدان المحلّي بالبنك الدولي إلى الإعلان رسمياً عن حذف التوقّعات الاقتصادية الخاصة بلبنان لما بعد عام 2022، نتيجة تعاظم درجة عدم اليقين. ويتماهى بذلك مع إشهار سابق لصندوق النقد الدولي، أكد فيه حجب توقعاته ومؤشراته بالنسبة للبنان للسنوات 2021 – 2027، والامتناع فعلياً عن تضمينها في تقريره حول «آفاق الاقتصاد العالمي»، بسبب الدرجة المرتفعة وغير المسبوقة من حالة عدم اليقين. وبالتوازي، لا يبرر الغموض في التحليلات الدولية وتبايناتها، بحسب المسؤول المالي، التمعن في القراءة الإيجابية التي وردت في التقرير الأحدث الصادر عن الأمم المتحدة حول آفاق الاقتصاد العالمي للعام 2023. فهذه الخلاصات أعدتها إدارة الشؤون الاقتصاديّة والاجتماعيّة في الأمم المتّحدة (UN/DESA)، ومؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD). فضلاً عن خمس لجان إقليميّة موزّعة في أوروبا (ECE)، وأفريقيا (ECA)، وأميركا اللاتينيّة ومنطقة البحر الكاريبي (ECLAC)، وآسيا والمحيط الهادئ (ESCAP)، وغربي آسيا (ESCWA).
ولم يخل التقرير الأممي، الذي أوردته نشرة دائرة الأبحاث في مجموعة «الاعتماد اللبناني»، من تعداد وتسليط الضوء على الجوانب الغارقة في السلبية التي يتسم بها أداء الاقتصاد اللبناني؛ فمستوى البطالة بلغ نسبة 29.6 في المائة، مقارنةً بنسبة 11.4 في المائة، في فترة ما قبل اندلاع الأزمة الماليّة والاقتصاديّة في عام 2019. كذلك فإن نسبة التضخم ارتفعت من 150.7 في المائة في عام 2021 إلى 176.4 في المائة في عام 2022.
وفي معرض تحديد العوامل المؤثرة، يشير إلى استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسيّة وتدهور قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي، ومضافاً إليها عوامل خارجيّة كفاتورة الاستيراد الكبيرة. كما يقدّر بأنّ أسعار الغذاء قد ارتفعت بنسبة 332 في المائة سنويّاً خلال عام 2022. منوهاً بأن لبنان يستورد أكثر من 50 في المائة من حاجاته من الحبوب من روسيّا وأوكرانيا، فضلاً عن الضرر الجسيم الذي لحق بصوامع القمح والقدرة على تخزينه جراء الانفجار الهائل في مرفأ بيروت، لينوّه بأنه تمّ إعداد خطّة لإعادة بناء مرافق تخزين في المرفأ، ولمساندة المزارعين المحليّين لزيادة الإنتاج المحلّي.
تزامناً، حافظت وكالة «موديز»، في تحليل ائتماني حديث، على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «C»، والذي يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي السندات الحكومية نسبة 65 في المائة من القيمة الاسمية، مؤكدة أن نقطة القوَة الوحيدة للتصنيف تكمن في التزام الدول المانحة بدعم لبنان، شرط تطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي.
وفي المقابل، عدّدت أبرز التحدّيات القائمة لجهة التعرّض المستمر بالارتفاع لأزمة اقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة حادّة، وضعف المؤسّسات وسوء نظام الحوكمة الذي يؤخّر الدعم الخارجي، واندثار القوة الشرائيّة بسبب التراجع الكبير في سعر الصرف، والارتفاع المتوالي في مستويات التضخّم.
وأكدت «موديز» أنّها لا تترقب أي تحسّن في تصنيف لبنان في المدى القريب، ذلك أنّ أيّ تحسين في تصنيف البلد يعتمد على تطبيق إصلاحات جوهرية على مدى سنوات عدّة من جهة، وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولّية كبيرة من جهة مقابلة؛ وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.
وفي معرض ربط تقييم الجدارة الائتمانية للدولة بالأداء السياسي السلبي، تشير إلى أن المجلس النيابي لم يتمكن من انتخاب رئيس جمهوريّة جديد، على الرغم من عقد 11 جلسة حتى 19 يناير (كانون الثاني) الحالي. كذلك لم يتم تشكيل حكومة جديدة منذ إتمام الانتخابات النيابيّة الأخيرة في شهر مايو (أيار) من العام الماضي.
وتؤكد الوكالة الدولية في تحليلها أن حالة الجمود السياسيّ هي السبب الرئيسي لعدم قدرة الأفرقاء السياسيّين على الالتزام بمتطلّبات صندوق النقد الإصلاحية، كاستعادة السيولة في المالية العامة والنظام المصرفي، وتشريع قانون تقييد الرساميل والسحوبات (الكابيتال كونترول)، والتخلّص من تعدّد أسعار الصرف، وإتمام تدقيق شامل لأرقام المصرف المركزي وللشركات المملوكة من الدولة. من منظار آخر، وفي ظل تدهور سعر صرف الليرة في الأسواق الموازية، رصدت الوكالة اعتماد البنك المركزي لسعر جديد عند مستوى 15 ألف ليرة، بدءاً من مطلع شهر فبراير، للسحوبات النقدية من الحسابات المحررة بالدولار الأميركي، مع سقف شهري يبلغ 1600 دولار. وهو «الأمر الذي قد يحفّز أصحاب القرار باعتماد هذا التعديل في سعر الصرف لجهة إعادة هيكلة الدين واعتماد برنامج إصلاحي بمساعدة التمويل الخارجي»، إنما ينبغي التحذير من إثر تعديل سعر الصرف الرسمي على حجم الخسائر التي سيتم تسجيلها في ميزانيات المؤسسات المالية ومصرف لبنان.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

طهران تنفي تدخلها في الشأن اللبناني وبيروت تؤكد بالأدلة والقرائن

الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً في شهر فبراير الماضي وفداً إيرانياً يضم رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ووزير الخارجية عباس عراقجي والسفير الإيراني لدى لبنان مجتبى أماني (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً في شهر فبراير الماضي وفداً إيرانياً يضم رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ووزير الخارجية عباس عراقجي والسفير الإيراني لدى لبنان مجتبى أماني (الرئاسة اللبنانية)
TT

طهران تنفي تدخلها في الشأن اللبناني وبيروت تؤكد بالأدلة والقرائن

الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً في شهر فبراير الماضي وفداً إيرانياً يضم رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ووزير الخارجية عباس عراقجي والسفير الإيراني لدى لبنان مجتبى أماني (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً في شهر فبراير الماضي وفداً إيرانياً يضم رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ووزير الخارجية عباس عراقجي والسفير الإيراني لدى لبنان مجتبى أماني (الرئاسة اللبنانية)

تدخل العلاقات اللبنانية - الإيرانية في مرحلة دقيقة للغاية، وتقف الآن في منتصف الطريق بين تنقيتها من الشوائب وتفلتها من الضوابط، وما يترتب عليها من انعكاسات سلبية لا يمكن تطويقها بتبادل الزيارات بين وزير الخارجية اللبنانية يوسف رجي، ونظيره الإيراني عباس عراقجي، لأنها لن تقدّم أو تؤخّر، كما قال مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، ما لم تحسم القيادة الإيرانية أمرها وتقرر فعلاً وقف تدخلها في الشأن اللبناني، رغم أن موفديها إلى بيروت ينفون تدخلها، في مقابل تأكيد جهات رسمية بأن لديها من الأدلة والقرائن ما يثبت عكس ما يدّعيه موفدو طهران.

عينة من التدخل

ولم يكن أمام المصدر السياسي سوى تعداد عينات من التدخل الإيراني؛ أولاها زيارات الموفدين، ومعظمهم يحضرون من دون توجيه دعوات رسمية لهم، ويكتفون بإعلام الجانب اللبناني بموعد وصولهم إلى مطار رفيق الحريري الدولي، أو بقدومهم براً من دمشق قبل سقوط نظام بشار الأسد، مؤكداً أن معظم لقاءاتهم الرسمية تبقى في سياق توفير الغطاء السياسي لتبرير اجتماعاتهم بقيادة «حزب الله» وحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وعدد من القوى السياسية والنواب المنتمين إلى محور الممانعة، قبل أن تقرر غالبيتهم التخلف عن تلبية دعواتهم تأكيداً لمعارضتهم إسناده لغزة، وتأييداً لحصرية السلاح.

وسأل المصدر: من يحمل من الموفدين الإيرانيين إلى لبنان كلمة السر مع تعدد الوفود، وبالأخص تلك التي ترأسها تباعاً أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، ووزير الخارجية عراقجي، ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف الذي أقحم نفسه في اشتباك سياسي بدعوته للتواصل مع باريس لتطبيق الـ1701، كاشفاً عن موافقتهم إعلامياً على عدم التدخل في الشأن اللبناني، لكن بعضهم سرعان ما يتراجع عن التزاماته؟

أكد علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئي للشؤون الدولية، مجتمعاً مع ممثل حزب الله في طهران عبدالله صفي الدين الأحد (إرنا)

كما سأل: كيف يسمح هؤلاء بلقاء «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، فيما لا تبديان تجاوباً مع إصرار الحكومة على جمع السلاح الفلسطيني بداخل المخيمات تطبيقاً لحصريته بيد الدولة؟ وأين يقف الموفدون الإيرانيون من تحريضهم للحزب بعدم التجاوب مع خطة الحكومة لجمع السلاح؟

وتوقف المصدر أمام قول مستشار المرشد الإيراني الوزير السابق علي أكبر ولايتي، إن «(حزب الله) بالنسبة للبنانيين أهم من الخبز والماء»، وإن سلاحه هو حاجة لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. وقال إن تعهدهم أمام الرؤساء بعدم التدخل سرعان ما يتهاوى، وإلا ما التفسير الإيراني لمقتل هذا العدد من الخبراء العسكريين أثناء وجودهم إلى جانب معظم أبرز قيادات الحزب الذين اغتالتهم إسرائيل؟ وهل وجودهم ما هو إلا وليد صدفة؟ ولماذا تمتنع طهران عن تأييدها لخطة الحكومة الخاصة بحصرية السلاح، فيما كانت وراء تزويده بأسلحة ثقيلة منها الصواريخ الباليستية؟

أزمة صامتة

وبصرف النظر عن الرد الذي اعتمده الوزير رجي حيال الدعوة التي تلقاها من الوزير عراقجي لزيارة طهران، للبحث في العلاقات الثنائية بين البلدين، وتفضيله بأن يُعقد اللقاء في دولة محايدة، فإن رده، كما قال المصدر السياسي، لا يحد من الأزمة الصامتة التي تطغى على المسار العام للعلاقة من جراء إصرار القيادة الإيرانية على التدخل في الشأن اللبناني، أكان مباشرة أو من خلال حليفها «حزب الله» الذي يتعاطى مع المفاوضات الجارية عبر لجنة «الميكانيزم» لوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل برعاية خاصة من الولايات المتحدة الأميركية، من زاوية ربطها بإعادة التواصل بين واشنطن وطهران.

أرشيفية لوزير الخارجية اللبناني يوسف رجي وهو يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي ببيروت في يونيو 2025 (إرنا)

وبكلام آخر، فإن الحزب يضع موقفه النهائي من المفاوضات، تسهيلاً أو اعتراضاً، بتصرف القيادة الإيرانية لتحسين شروطها في مفاوضاتها مع الإدارة الأميركية، في حال أبدت تجاوباً حيال إلحاح طهران على استئنافها، رغم أنها ما زالت متعثرة بعدم تجاوبها مع الوسطاء، وإصرارها على تقليص النفوذ الإيراني في لبنان.

فإيران تصر على استخدام لبنان، وبحسب المصدر السياسي، منصة لتوجيه الرسائل، تحديداً للولايات المتحدة لتأكيد حضورها في الإقليم، تعويضاً عن الضربات القاسية التي أُلحقت بمحور الممانعة بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وإخفاق الحزب في إسناده لغزة، وبينهما الضربات التي وجّهت لجماعة الحوثي في اليمن وصولاً إلى العمق الإيراني.

وفي هذا السياق، لفت المصدر إلى أن التوتر السياسي هو الغالب حتى الساعة، على أداء القيادة الإيرانية في المنطقة؛ ومنها لبنان، وهذا ما انعكس على الخطاب الأخير لأمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، بدعوته لوقف المفاوضات التي تتولاها «الميكانيزم»، بذريعة أن لا جدوى منها من جهة، وإصراره من جهة ثانية على التمسك بسلاحه ورفضه كل الدعوات لنزعه تحقيقاً لهدف إسرائيل والولايات المتحدة.

وأكد المصدر أن قاسم برفع سقوفه السياسية، يعكس حالة من القلق والتوتر الإيراني حيال ما يمكن أن تؤول إليه التطورات المتسارعة في المنطقة بغياب التفاوض مع واشنطن، وقال إن تصعيده يبقى محصوراً بإطلاق مواقف من العيار الثقيل من دون أن تصرف ميدانياً على الأرض، التزاماً منه بوقف النار، بعد أن أدى إسناد الحزب لغزة لإحداث خلل في ميزان القوى بافتقاده لتوازن الردع وقواعد الاشتباك مع إسرائيل، وإصراره لمراعاة المزاج الشيعي العام.

أين التزام الحزب؟

وتوقف المصدر نفسه أمام إصرار قاسم على ربط مصير سلاحه بالتوافق على الاستراتيجية الدفاعية للبنان، مع أن دعوته لوقف المفاوضات تشكل، من وجهة نظر الحكومة، انقلاباً على موقفه بتأييده للبنود الواردة في اتفاق وقف الأعمال العدائية.

وسأل عن مصير الحوار الذي بدأ بين الرئيس عون و«حزب الله» ممثلاً برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد. وأين يقف الحزب في ضوء رد عون على قول مجموعة من نوابه إنه أعطى التزاماً قبل جلسة انتخابه رئيساً بموضوع الاستراتيجية الدفاعية، ولا يتضمن إشارة إلى سحب سلاحه؟ كما سأل: لماذا لم ينشر الحزب هذا الالتزام في الوقت المناسب إذا كان موجوداً، وبحسب عون، وموقّعاً منه؟ «فلينشروه الآن».

فقاسم تحاشى في خطابه الأخير الرد على عون، وعلى الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، على خلفية قوله «إنه ممثل إيران في لبنان». وربما يكمن السبب في أنه لا يود الدخول في سجال، مع أن الرد الرئاسي يطرح سؤالاً حول مصير الحوار، وهل كان نواب الحزب مضطرين لفتح سجال مع الرئيس عون؟ وما المانع من حصر طرحه في حوار عون - رعد، إلا إذا كان يمر حالياً ببرودة ناجمة عن تباين في مقاربتهما للمفاوضات، رغم أن عون كان ولا يزال يصر على طمأنة الحزب واستيعابه ورفضه الصدام معه، رغم أن ذلك شكل إحراجاً له أمام حزب «القوات اللبنانية» وآخرين.

فرصة إعادة النظر

لذلك لم يبدّل عون، كما يقول المصدر، موقفه بمنح الحزب فرصة ليعيد النظر في قراءته للوضع اللبناني من زاوية ما ترتب عليه من أكلاف ناجمة عن تفرّده بإسناده لغزة، انسجاماً مع موافقته على البيان الوزاري الذي نص على حصرية السلاح ودخوله على هذا الأساس في حكومة الرئيس نواف سلام ومشاركته فيها بوزيرين، بدلاً من أن يبقى موقفه عالقاً باعتماده التوقيت الإيراني لحسمه، لا اللبناني، الذي يتطلب منه وضع سلاحه بعهدة الدولة لاستقدام الضغوط الدولية على إسرائيل للانسحاب من الجنوب، واضعاً واشنطن أمام مسؤوليتها بإلزامها بوقف الأعمال العدائية، بعد أن أُسقطت ذرائعها للتفلت من التزاماتها.


الجيش اللبناني يدعو للتضامن الجامع معه

الدراجة النارية التي استهدفت في بلدة ياطر وأدت إلى مقتل شخص (الوكالة الوطنية للإعلام)
الدراجة النارية التي استهدفت في بلدة ياطر وأدت إلى مقتل شخص (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

الجيش اللبناني يدعو للتضامن الجامع معه

الدراجة النارية التي استهدفت في بلدة ياطر وأدت إلى مقتل شخص (الوكالة الوطنية للإعلام)
الدراجة النارية التي استهدفت في بلدة ياطر وأدت إلى مقتل شخص (الوكالة الوطنية للإعلام)

استأنفت إسرائيل الاغتيالات إلى جنوب لبنان بعد أسبوعين من اقتصار انتهاكات على القصف المتنقل في الجنوب والبقاع، في وقت استمر فيه استنفار الجيش اللبناني في بلدة يانوح بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه علق في شكل موقت ضربة كان قد هدد بها على ما اعتبره بنية تحتية عسكرية تابعة لـ«حزب الله» في البلدة، فيما يتوقع أن يعقد اجتماع الجمعة المقبل للجنة مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار (الميكانيزم) في الناقورة.

مقتل شخصين في غارات إسرائيلية

واستهدفت غارات إسرائيلية الأحد سيارتين ودراجة نارية في الجنوب، ما أدى إلى مقتل شخصين وجرح ثالث، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف ثلاثة عناصر من «حزب الله» في مناطق في جنوب لبنان، مشيراً إلى أن المستهدفين «شاركوا في محاولات لإعادة بناء البنية التحتية» للحزب، وكانت أنشطتهم تشكل «انتهاكاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان» المبرمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

من جهتها، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل شخص وإصابة آخر في غارة إسرائيلية استهدفت دراجة نارية في بلدة ياطر قضاء بنت جبيل. كما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بمقتل شخص في الغارة الإسرائيلية على سيارة بين بلدة صفد البطيخ وبلدة برعشيت. وهذا ما أكدته وزارة الصحة في وقت لاحق، فيما لم يعلن عن وقوع إصابات في غارة استهدفت سيارة في بلدة جويا.

استنفار في يانوح

في غضون ذلك، نفذ الطيران الإسرائيلي منذ صباح الأحد، غارات وهمية في أجواء منطقتي النبطية وإقليم التفاح وعلى علو متوسط، فيما سجل في الساعات الماضية تحليق مكثف للطيران فوق عدد من بلدات الجنوب، لا سيما بلدة يانوح حيث تتمركز قوة من الجيش اللبناني في محيط منزل كان قد تعرّض لتهديد من قبل الجيش الإسرائيلي يوم السبت، فيما تقيم القوى الأمنية نقاط تفتيش عند مداخل البلدة.

الالتزام بالقرار 1701

وبينما يسود التوتر والقلق بلدة يانوح، أوضحت قيادة الجيش ما حصل يوم السبت، داعية إلى التضامن الوطني الجامع مع المؤسسة العسكرية. وقالت في بيان: «في 13 الجاري، وفي إطار التنسيق بين المؤسسة العسكرية ولجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية (ميكانيزم) وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، أجرى الجيش تفتيشاً دقيقاً لأحد المباني في بلدة يانوح بموافقة مالكه، فتبين عدم وجود أي أسلحة أو ذخائر داخل المبنى».

وأضافت: «بعدما غادر الجيش المكان، وفي سياق الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، وَرَد تهديد بقصف المنزل نفسه، فحضرت على الفور دورية من الجيش

وأعادت تفتيشه من دون العثور على أي أسلحة أو ذخائر، فيما بقيت الدورية متمركزة في محيط المنزل منعاً لاستهدافه».

وعبّرت قيادة الجيش عن تقديرها لـ«ثقة الأهالي بالمؤسسة العسكرية، ووقوفهم إلى جانبه وتعاونهم أثناء أدائه لواجبه الوطني»، معربة «عن شكرها العميق للجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية التي قامت بالاتصالات اللازمة بالتنسيق مع قيادة الجيش، وأدت دوراً أساسياً من أجل وقف تنفيذ التهديد».

وثمّنت القيادة «الجهود الجبارة والتضحيات التي يبذلها العسكريون في مواجهة ظروف استثنائية في صعوبتها ودقتها»، مشيرة إلى «إلغاء التهديد في الوقت الحالي، في حين لا يزال عناصر الجيش متمركزين في محيط المنزل حتى الساعة».

وشددت القيادة «أن هذه الحادثة تثبت أكثر من أي وقت مضى أن السبيل الوحيد لصون الاستقرار هو توحيد الجهود والتضامن الوطني الجامع مع الجيش، والالتزام بالقرار 1701 واتفاق وقف الأعمال العدائية، بالتنسيق مع الـ(ميكانيزم) والـ(يونيفيل) في مرحلة صعبة تستلزم أقصى درجات الوعي والمسؤولية».


تقارير: عملية أمنية سورية ضد خلايا «داعش» رداً على هجوم تدمر

عناصر من وزارة الداخلية تستخدم الكلاب المدربة لفحص السيارات في إحدى النقاط الأمنية (الداخلية السورية)
عناصر من وزارة الداخلية تستخدم الكلاب المدربة لفحص السيارات في إحدى النقاط الأمنية (الداخلية السورية)
TT

تقارير: عملية أمنية سورية ضد خلايا «داعش» رداً على هجوم تدمر

عناصر من وزارة الداخلية تستخدم الكلاب المدربة لفحص السيارات في إحدى النقاط الأمنية (الداخلية السورية)
عناصر من وزارة الداخلية تستخدم الكلاب المدربة لفحص السيارات في إحدى النقاط الأمنية (الداخلية السورية)

أفاد تلفزيون «الإخبارية» السوري، الأحد، بأن القوات الأمنية نفذت عملية ضد خلايا تنظيم «داعش» في ريف حمص رداً على هجوم تدمر.

وأوضح التلفزيون أن العملية الأمنية ضد خلايا تنظيم «داعش» نفذت في مناطق الفرقلس والقريتين والبادية بريف حمص.

وتعرضت قوات الأمن السورية وقوات أميركية، السبت، لإطلاق نار قرب مدينة تدمر ما أدى لإصابة عنصرين من قوات الأمن السورية ومقتل عنصرين من القوات الأميركية ومترجم مدني، فيما قُتل مطلق النار، وفقاً لما نشرته وكالة «سانا» الرسمية السورية.