الرياض: فتح الرحمن يوسف
في وقت تتجه فيه الخرطوم والرياض لرفع مستوى التعاون الثنائي الشامل، كشف محمد بشير عبد الله وزير المعادن السوداني، مساعي جارية حالياً، لإحياء اتفاقية البحر الأحمر مع السعودية بمنظور جديد، مبيناً أن الفترة المقبلة، ستشهد مباحثات مشتركة لوضع تصور جديد ومن ثم رفْعِه للجهات المعنية في البلدين، يمنح بموجبه تراخيص لشركات سعودية بأسس جديدة ورؤى جديدة.
وقال وزير المعادن السوداني، لـ«الشرق الأوسط» من الرياض: «إن مؤتمر التعدين الدولي الذي انعقد في الرياض أخيراً أتاح فرصة كبيرة لتبادل التجارب والأفكار واستكشاف فرص جديدة للتعاون الثنائي والدولي، ووفر فرصة لإظهار لمحة عامة عن التعدين في السودان ومشاكله والفرص الاستثمارية والشركات المستثمرة».
وأضاف: «شاركت في مؤتمر التعدين، على مستويين على مستوى الاجتماع الوزاري للمائدة المستديرة المخصص لوزراء المعادن المشاركين والمسؤولين الحكوميين ذوي العلاقة من بلاد مختلفة، حيث دار النقاش حول سلاسل الإمداد، بينما خصص برنامج خاص عن التجربة السودانية في قطاع التعدين بالمؤتمر».
إسهام القطاع الاقتصادي
وعن إنتاج السودان من الذهب، أوضح عبد الله، أنه في عام 2021 كان الإنتاج في حدود 50 طناً من الذهب، ما وفّر 1.3 مليار دولار كمساهمة في الخزينة العامة، بينما في أول 9 أشهر من عام 2022 بلغ الإنتاج 42 طناً من الذهب، مبيناً أنه رغم أن الحجم نقص فإن الأسعار زادت العائد بما يقدر بـ1.6 مليار دولار في 9 شهور.
ومع ذلك، يتوقع أن يأتي عام 2023 وحساب التقديرات للموازنة الجديدة، بعائد أقل قليلاً، موضحاً أن هناك مشكلات في المخلفات التعدينية، حيث إن «التقليديين» يعملون عليها، غير أنه يحتوي على زئبق ما يخلّف مخاطر بيئية وصحية، مشيراً إلى أن المصانع العاملة في تعدين الذهب بالطرق التقنية الحديثة في حدود 70 مصنعاً.
ولفت إلى عدد 179 شركة امتياز كبيرة «سودانية وأجنبية» موقّعة اتفاقية إنتاج لمدة 6 شهورِ استكشافٍ، من 13 انطلقت حالياً في العمل بشكل فعلي وتعمل بالتقنية الحديثة، مبيناً أن هناك مجموعة شركات فازت بالامتياز، لكنها في مرحلة التطوير غير أن هناك مجموعة من الشركات منتجة ولكن حصتها ليست كبيرة، وعلى هذا الأساس يأتي الاعتماد بشكل أساسي حتى الآن على الذهب.
وكشف وزير المعادن السوداني، عن مساعٍ جارية حالياً لإطلاق محفظة تنوع تعديني بجانب الذهب، تشمل إنتاج الكروم والنحاس والحديد والمعادن الصناعية (الجبس) والرصاص والفولورايت والملح: «بدأنا في عمل دراسات بهذا الشأن، ومنحنا بعض الشركات ترخيصاً، وننتظر اكتمال دراسات الجدوى ومن بعد ذلك الإنتاج».
المعادن الخضراء
على صعيد آخر كشف وزير المعادن السوداني، أن بلاده تقترب من التنقيب عن المعادن الخضراء وإنتاجها، في سبيل تقليل المنتجات ذات الانبعاثات الكربونية، والاتجاه نحو الطاقات البديلة، مشيراً إلى أن كل المعادن الخضراء متوافرة في السودان بما في ذلك «الكوبالت» و«الليثيوم» و«اليورانيوم» و«الألمونيوم»، حيث تعد مسار اهتمام واتجاه عالمي جاد للتخلص من الانبعاثات الكربونية.
وزاد: «نتفاوض مع شركات عالمية متخصصة للعمل في هذا النوع من التعدين، وأطلقنا أبحاثاً، وحددنا مواقع اختبار، وتم عمل مسوحات جيولوجية أكدت تواجد هذه المعادن بوفرة، وهي المعادن الحرجة أو المعادن الخضراء الـ4، غير أن مشكلتنا حالياً تتمحور في التمويل لإنتاج المعادن الخضراء».
وأضاف عبد الله: «فيما يتعلق بمعدن الليثيوم، نفذنا قبل مدة مأمورية جيولوجية في منطقة بشمال السودان، في صحراء بيوضة، وكذلك سعينا لإعادة تقييم معدن الكوبالت في مواقع معروفة لدينا، من حيث الكمية والنوعية، وبشأن معدن النحاس، هناك بعض الشركات تعمل في هذا المجال، ووصلت إلى مراحل متقدمة في مناطق معروفة بما فيها مناطق في البحر الأحمر».
وأوضح أن النيكل متوافر كمعدن مصاحب للمعادن الأخرى، مبيناً أن الدراسات بشأنه في طور تطوير وتقسيم الأبحاث للمعادن الأربعة، مشيراً إلى أنها متوافرة في السودان، والعالم كله متجه نحوها «الأمر الذي يعظم توجهنا لتحويل الطاقة من الطاقة التقليدية إلى الطاقة من المعادن الخضراء في توفراها بالسودان».
خريطة تعدين
قال وزير المعادن السودانية: «سنصدر قريباً ثلاث خرائط تعدين، بالاستعانة بالخبرة الروسية، وقطعنا شوطاً متقدماً، وانتهينا من المرحلة الثانية، ونتجه نحو المرحلة الثالثة وهي التعدين، وتشمل أولاً الخريطة الميتالوجية، وهي تحدد حجم المعادن في البلاد ونوعها، والعمل جارٍ حالياً عليها، بينما أطلقنا الخريطة الميتاهيدروجينية وهي تحدد حجم وأنواع المعادن في البلاد، ونعمل عليها حالياً في مرحلتها الأولى».
ووفق عبد الله، تم إطلاق خريطة جيولوجية للسودان كله «أنجزت ونعمل على تحديث بياناتها بشكل مستمر وفقاً لآخر مستجدات البحوث، أما الثانية فهي الخريطة المعدنية، حيث تعاقدنا مع شركة روسية، وأنجزت أيضاً غير أننا نعمل على تحديث مستجدات بياناتها، ونضيف معلومات جديدة».
خطة العمل
وحول خطة العمل التي تعمل عليها الحكومة، قال عبد الله: «نعظّم الإنتاج من خلال السيطرة على التعدين التقليدي، وتعظيم التعدين الحديث، والإحاطة بالمنتج، إذ نحتاج إلى مجهود كبير للإحاطة بالمنتج على مستوى البلاد»، مشيراً إلى حزمة جهود حالياً لتوفير التمويل والاستكشافات المحفزة للاستثمار والسياسات.
ولفت إلى أن الشركة «السودانية للمعادن»، تقوم بالرقابة وبتحصيل الرسوم الحكومية، مبيناً أن هناك شركات تعمل في مجال التعدين تسمى شركة (سودامين) وشركة أخرى وهي شركة حكومية منتجة تسمى شركة «أرياب»، بجانب شركة توزيع تم إنشاؤها العام الماضي، مهتمة بتوزيع الكوادر الفنية للتعدين وهي ستكون من الشركات السودانية المهمة التي ستقوم بتوفير العمالة الفنية للتعدين بقسميه العام والخاص على مستوى السودان.
وتابع: «الدولة تقوم حالياً بالأبحاث كافة ومعظمها قامت بها الدولة، بينما تتكئ على إرث تليد، وهو الهيئة الجيولوجية الأم، التي انبثقت منها هيئات المعادن والطاقة والبترول، إذ إنها عريقة جداً فقد تم إنشاؤها عام 1905، وهي من أقدم الهيئات البحثية على مستوى العالم».
تحديات
أقر وزير المعادن السوداني بعدة تحديات تواجه التعدين في بلاده، من بينها ضعف التمويل وضعف البنية التحتية والطاقة الكهربائية والطرق المعبّدة، غير أنه يرى أن أكبر التحديات هو بسط هيبة الدولة حتى تُحكم السيطرة على الانفلات الأمني وزرع الثقة في الاستثمار الأجنبي والشركات المنتجة، فضلاً عن سبل الإفلات من آثار العقوبات المفروضة على السودان.
وأضاف إلى التحديات القائمة، عدم الاستقرار السياسي وعدم استقرار سعر الصرف، مؤكداً في الوقت نفسه قوة ومرونة قانون الاستثمار السوداني، حيث أصبح نسخة أساسية لعدد من دول العالم، ولكن بعض الدول طورتها، مشيراً إلى أن السودان موعود بمستقبل كبير في مجال التعدين، في ظل مساعٍ جادة لتعزيز البنية التحتية وحشد التمويل وجذب الاستثمار للقطاع.
وأقرّ بأن التعدين التقليدي معرّض للتهريب، بسبب انتشاره في كل مناطق السودان، وأنهم موقّعون على اتفاقية عالمية للحد من الزئبق و«حالياً في طريقنا لإيقاف الزئبق بشكل نهائي، حيث نعمل على توفير بدائل، وفي تواصل مستمر مع شركات تعمل بتكنولوجيا بديلة للزئبق».
وقال وزير المعادن السوداني: «نسعى لتحجيم التعدين التقليدي وأن نجعله في حيز ضيق، وهناك إجراءات لتحويله إلى مجموعات تعدينية صغيرة، في حدود إنتاج لا تتجاوز الـ5 كيلو جرامات لتعزيز الرقابة، ونعمل حالياً على أن نقدم لهم تكنولوجيا حديثة، من بعض المنظمات ذات الصلة صديقة للبيئة».
ومع ذلك شدد على أن كل الإنتاج تسيطر عليه الدولة من خلال شركة وطنية تسمى (سودامين)، حيث تمتلك الحق الحصري في إدخال كل الخدمات المتصلة باستخلاص الذهب والمعادن.
التعدين التقليدي
إلى ذلك، أقرّ الوزير السوداني، بأن التعدين التقليدي في بلاده، يمثل أحد أكبر التحديات التي يواجهها القطاع بحكم أنه تعدين غير مسؤول ويتم بعشوائية مضرة بيئياً وصحياً، كاشفاً عن مساعٍ لتقنينه ومعالجات المشكلات التي نجمت عنه، بسبب التوسع الذي شهده على مستوى معظم مناطق السودان، ما صعّب السيطرة عليها والإحاطة بحجم الإنتاج الفعلي له.
وزاد: «التعدين التقليدي بشكل العشوائي، أفقد البلاد عوائد كبيرة، غير أننا نعمل حالياً على معالجة هذه الأشكال بوسيلتين أساسيتين، الأولى، حاولنا حصر التعدين التقليدي واستخراج تراخيص وهويات في إطار مجموعات تسمى (مجموعات تعاونية)، لتسهيل التعامل معها، إذ من خلالها نمنح أراضي ومساحات وتراخيص، بطريقة تمكننا من السيطرة على الإنتاج والقدرة على الرقابة المطلوبة».
وتابع: «المنحى الثاني، اتبعنا ما يسمى العقد الثلاثي، وهو يضم شركات الامتياز لمواجهة، مشكلة تعدي بعض المعدنيين التقليديين بالتغول على المساحات التي تعمل عليها هذه الشركات، ما ينجم عن ذلك صعوبة؛ ولذلك اتبعنا بالتنسيق مع الشركات العقد الثلاثي: أطرافه الحكومة وشركات الامتياز والمعدنيون التقليديون».
ولفت إلى أن الاتفاق مع التقليديين يقضي بتسليم الحجر المستخرج من المساحات الخاصة بالشركات المخصص لها المساحة، ومن ثم قيام الشركات باستخلاص المادة الحجرية، ومن ثم توزيع الإنتاج وفق الأسس المتفق عليها بين الأطراف، كإحدى المعالجات التي تسير حالياً بصورة طيبة، في هذا الاتجاه لتحسين خدمات الإنتاج التعديني.
نهب الثروات
على صعيد آخر، نفى وزير المعادن نفياً قاطعاً حدوث حالات نهب للثروات المعدنية السودانية خارج نطاق النظم والقوانين إلى خارج البلاد، مؤكداً أن ما تردده بعض وسائط السوشيال ميديا وبعض الصحف والأسافير عن تهريب ثروات بشكل منظم مجرد افتراء.
وأضاف عبد الله: «لا توجد شركة مسجلة لدينا يمكنها أن تنهب الثروات؛ لأن أي شركة تبلغ مرحلة الإنتاج يكون لدينا تجاهها مراقب مقيم في الموقع على مدار الساعة، وهناك كاميرات على مستوى المواقع والمصانع، وهناك ممثلون للوزارة وللشركة وللأمن، وكلهم مقيمون في المواقع».
ومع ذلك أقر الوزير السوداني بحدوث حالات تهريب للذهب إلى خارج البلاد، بعيداً عن عيون الحكومة والشركات المراقبة، مبيناً أن هذا غالباً ما يحدث بسبب انتشار التعدين التقليدي في معظم أنحاء البلاد وفي مناطق نائية، مؤكداً أن هذا التهريب يجد طريقه عبر بعض الحدود المفتوحة مع بعض دول الجوار.