ما الأصل العلمي لفكرة «استزراع اللحوم»؟

بعد جدل بشأن مقترح لتجربتها في مصر

اللحم المستزرع الذي أنتجه علماء من هولندا عام 2013 (رويترز)
اللحم المستزرع الذي أنتجه علماء من هولندا عام 2013 (رويترز)
TT
20

ما الأصل العلمي لفكرة «استزراع اللحوم»؟

اللحم المستزرع الذي أنتجه علماء من هولندا عام 2013 (رويترز)
اللحم المستزرع الذي أنتجه علماء من هولندا عام 2013 (رويترز)

قبل 10 سنوات تقريباً، خرج العالم الهولندي مارك بوست، ليكشف للعالم النقاب عن «أول برغر مصنوع من اللحم المستزرع»؛ نمت فكرة الرجل «ببطء، لكن بثبات»، على ما يبدو، حتى باتت تقدمها راهناً 60 شركة في قارات العالم المختلفة، وباستثمارات تزيد على 450 مليون دولار.
وفي مصر نامية الاقتصاد، جدد مقترح تقدم به، أكاديمي متخصص في الزراعة، أخيراً، بشأن اللجوء إلى «استزراع اللحوم» النقاش بشأن جدوى وتكلفة وإمكانية تنفيذ الفكرة.
وتعمل شركات استزراع اللحوم على «إنتاج وترويج البدائل النباتية للمنتجات الحيوانية»، بحسب تقرير نشره «معهد الغذاء الجيد»، وهو منظمة غير ربحية في أميركا، تم إنشاؤها في عام 2016 من قِبل منظمة «الراحة للحيوانات».
ويبدو أن ضغوط «الغلاء» وارتفاع أسعار اللحوم في مصر دفعت البعض للبحث عن أفكار جديدة، ومن بينهم عميد كلية الزراعة بجامعة عين شمس بالقاهرة، الدكتور أحمد جلال، والذي راجت تصريحاته بشأن «استزراع اللحوم» على نحو واسع، واختلطت أصلها العلمي الأكاديمي المتخصص، بتعليقات ساخرة تلقفتها.
لكن هل تكمن المشكلة بشأن تطبيق «استزراع اللحوم» فقط في عدم معرفة أنها فكرة ذات أصل علمي؟ لا يبدو ذلك دقيقاً؛ إذ تكفي معرفة أن «إنتاج الكيلو غرام الواحد من اللحوم المستزرعة يكلف 63 دولاراً (أي قرابة 1890 جنيهاً مصرياً)، وذلك عند إنتاجه في منشأة واسعة تنتج 540 ألف كيلوغرام سنوياً»، بحسب دراسة جدوى لمنتجات «اللحوم المستزرعة» أعدها باحثون من قسم الاقتصاد الزراعي في «جامعة ولاية أوكلاهوما» الأميركية، ونشرتها دورية «الزراعة وبحوث الغذاء» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويشكو المصريون من ارتفاع سعر كيلو اللحوم ليتراوح بين 170 و250 جنيهاً (الدولار 29.8 جنيه تقريباً).

فكيف إذن تستزرع اللحوم؟

يشرح فريق بحثي من جامعة طوكيو في دراسة بدورية «ساينس إن فود» في 1 مارس (آذار) 2021، عملية تصنيع «اللحوم المستزرعة»، بأنها «تبدأ بالحصول على الخلايا الجذعية من الحيوان وتخزينها، ثم تُستزرع في مفاعلات حيوية بكثافات وأحجام عالية على غرار ما يحدث داخل جسم الحيوان، وتتم تغذية الخلايا بوسط مستنبت غني بالأكسجين يتكون من العناصر الغذائية الأساسية، مثل: الأحماض الأمينية، والجلوكوز، والفيتامينات والأملاح غير العضوية، ويُضاف إليها البروتينات وعوامل النمو الأخرى».
وتؤدي التغييرات في التركيبة المتوسطة، إلى «تحفيز الخلايا غير الناضجة على التمايز إلى العضلات الهيكلية والدهون والأنسجة الضامة التي تتكون منها اللحوم، ثم يتم حصاد الخلايا المتمايزة وتحضيرها وتعبئتها في المنتجات النهائية، وتستغرق هذه العملية ما بين 2 و8 أسابيع، اعتماداً على نوع اللحم الذي تتم زراعته».
وبالإضافة إلى الظروف المعملية، فإن ثمة أبعاداً اقتصادية لاستزراع اللحوم، ويحددها باحثو الاقتصاد الزراعي في «جامعة ولاية أوكلاهوما» الأميركية، في دراستهم بالقول، إن «80 في المائة من التكاليف الرئيسية للإنتاج، تذهب إلى وسط زراعة الخلايا، والمفاعلات الحيوية، والعمالة».
وانطلاقاً من ذلك، خلص الباحثون، إلى أن «صناعة اللحوم المستزرعة بالخلايا أمامها طريق طويلة قبل أن تتمكن من العمل وتحقيق عائد مقبول على الاستثمار، بافتراض أنه سيتم تطوير التكنولوجيا لتقليل تكلفة وسط زراعة الخلايا بما في ذلك (بدائل هرمون النمو) وشراء المكونات بكميات كبيرة».
وبالإضافة إلى التكلفة والظروف المعملية الخاصة، فإن «ذائقة المستهلك وقبوله للحوم المستزرعة، عامل مهم للغاية، يجب وضعه بالحسبان»، وفق ما يرى أحمد سعد، نائب رئيس «فريق الأمراض الحيوانية العابرة للحدود» بمكتب «منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (الفاو) في مصر.
ويقول سعد لـ«الشرق الأوسط»: «بالإضافة إلى كون هذه المنتجات غير مقبولة من الناحية الاقتصادية في مصر، بسبب تكلفتها العالية، فإنها قد لا تكون مستساغة لدى المستهلك، والأولى من الاهتمام بطرح هذه الأفكار، النظر في حلول للمشاكل القائمة في الإنتاج الحيواني».
ولفت سعد إلى دراسة لـ«الفاو» حول مستقبل الإنتاج الحيواني في مصر، خلصت إلى أنه «بناءً على المعطيات المتاحة من حيث الزيادة السكانية وأسعار الأعلاف وحجم الرقعة الزراعية بمصر»، فإنه «يمكن تلبية احتياجات المصريين من اللحوم في عام 2050، عبر الدواجن، وذلك بشرط توفر (الإنتاج الآمن) لها، وفق تشريعات تضمن الإنتاج بصورة منضبطة من حيث التسويق والأسعار، ويأتي بعدها الأسماك، بينما سيكون دور اللحوم الحمراء محدوداً».
وبالإضافة إلى ما طرحه سعد، يلفت خالد عبد الله، أستاذ العلوم الغذائية بجامعة المنصورة بمصر، الانتباه إلى «مسار آخر يجب الاهتمام به، وهو (تغيير الثقافة الغذائية)»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن الحصول على القيمة الغذائية للحوم من مصادر أخرى نباتية متوفرة وبكثرة».
ويضيف «البروتين يتشكل من 20 حمضاً أمينياً؛ لذلك فإن تناول قطعة اللحم يوفر هذه الأحماض الأمينية، ولكن يمكن من خلال وجبة غذائية متوازنة الحصول على هذه الأحماض الأمينية دون تناول اللحوم، وهذا ما يعتمد عليه فئة من الناس لا تأكل اللحوم (النباتيون)».


مقالات ذات صلة

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

يوميات الشرق بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

تقدمت كريستين باومغارتنر، الزوجة الثانية للممثل الأميركي كيفين كوستنر، بطلب للطلاق، بعد زواجٍ دامَ 18 عاماً وأثمر عن ثلاثة أطفال. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن الانفصال جاء بسبب «خلافات لا يمكن حلُّها»، حيث تسعى باومغارتنر للحضانة المشتركة على أطفالهما كايدين (15 عاماً)، وهايس (14 عاماً)، وغريس (12 عاماً). وكانت العلاقة بين كوستنر (68 عاماً)، وباومغارتنر (49 عاماً)، قد بدأت عام 2000، وتزوجا عام 2004.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

افتتح متحف المركبات الملكية بمصر معرضاً أثرياً مؤقتاً، اليوم (الأحد)، بعنوان «صاحب اللقبين فؤاد الأول»، وذلك لإحياء الذكرى 87 لوفاة الملك فؤاد الأول التي توافق 28 أبريل (نيسان). يضم المعرض نحو 30 قطعة أثرية، منها 3 وثائق أرشيفية، ونحو 20 صورة فوتوغرافية للملك، فضلاً عن فيلم وثائقي يتضمن لقطات «مهمة» من حياته. ويشير عنوان المعرض إلى حمل فؤاد الأول للقبين، هما «سلطان» و«ملك»؛ ففي عهده تحولت مصر من سلطنة إلى مملكة. ويقول أمين الكحكي، مدير عام متحف المركبات الملكية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض «يسلط الضوء على صفحات مهمة من التاريخ المصري، من خلال تناول مراحل مختلفة من حياة الملك فؤاد».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

قام فريق بحثي، بقيادة باحثين من المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية بكينيا، بوضع تسلسل كامل لجينوم حبة «فول اللبلاب» أو ما يعرف بـ«الفول المصري» أو «الفول الحيراتي»، المقاوم لتغيرات المناخ، بما يمكن أن يعزز الأمن الغذائي في المناطق المعرضة للجفاف، حسب العدد الأخير من دورية «نيتشر كومينيكيشن». ويمهد تسلسل «حبوب اللبلاب»، الطريق لزراعة المحاصيل على نطاق أوسع، ما «يجلب فوائد غذائية واقتصادية، فضلاً على التنوع الذي تشتد الحاجة إليه في نظام الغذاء العالمي».

حازم بدر (القاهرة)
يوميات الشرق «الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

«الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

في رد فعل على فيلم «الملكة كليوباترا»، الذي أنتجته منصة «نتفليكس» وأثار جدلاً كبيراً في مصر، أعلنت القناة «الوثائقية»، التابعة لـ«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر»، اليوم (الأحد)، «بدء التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن كليوباترا السابعة، آخر ملوك الأسرة البطلمية التي حكمت مصر في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر». وأفاد بيان صادر عن القناة بوجود «جلسات عمل منعقدة حالياً مع عدد من المتخصصين في التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا، من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته، لأقصى درجات البحث والتدقيق». واعتبر متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخطوة بمثابة «الرد الصحيح على محاولات تزييف التار

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

أكد خالد وشيرين دياب مؤلفا مسلسل «تحت الوصاية»، أن واقع معاناة الأرامل مع «المجلس الحسبي» في مصر: «أصعب» مما جاء بالمسلسل، وأن بطلة العمل الفنانة منى زكي كانت معهما منذ بداية الفكرة، و«قدمت أداء عبقرياً زاد من تأثير العمل». وأثار المسلسل الذي تعرض لأزمة «قانون الوصاية» في مصر، جدلاً واسعاً وصل إلى ساحة البرلمان، وسط مطالبات بتغيير بعض مواد القانون. وأعلنت شركة «ميديا هب» المنتجة للعمل، عبر حسابها على «إنستغرام»، أن «العمل تخطى 61.6 مليون مشاهدة عبر قناة (DMC) خلال شهر رمضان، كما حاز إشادات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وكانت شيرين دياب صاحبة الفكرة، وتحمس لها شقيقها الكاتب والمخرج خالد د

انتصار دردير (القاهرة)

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».