الأردن يستضيف دول جوار سوريا بحثاً عن تأمين مصالحه الحيوية

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: خطط إسرائيلية لتقسيم سوريا

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مستقبلاً الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله في عمّان يوم 26 فبراير الماضي (الديوان الملكي الأردني - رويترز)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مستقبلاً الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله في عمّان يوم 26 فبراير الماضي (الديوان الملكي الأردني - رويترز)
TT

الأردن يستضيف دول جوار سوريا بحثاً عن تأمين مصالحه الحيوية

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مستقبلاً الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله في عمّان يوم 26 فبراير الماضي (الديوان الملكي الأردني - رويترز)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مستقبلاً الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله في عمّان يوم 26 فبراير الماضي (الديوان الملكي الأردني - رويترز)

تستضيف عمّان، الأحد، اجتماعاً لدول الجوار السوري، لبحث آليات التعاون في مجالات محاربة الإرهاب، وتهريب المخدرات والسلاح، ومواجهة التحديات المشتركة الأخرى، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأردنية.

وقالت الوزارة إن الاجتماع الذي تستضيفه المملكة الأردنية سيحضره وزراء الخارجية ووزراء الدفاع ورؤساء هيئات الأركان ومديرو أجهزة المخابرات في الأردن، وتركيا، وسوريا، والعراق، ولبنان.

وسيبحث الاجتماع سبل إسناد الشعب السوري في جهوده لإعادة بناء وطنه على الأسس التي تضمن وحدته وسيادته وأمنه واستقراره، وتخلصه من الإرهاب، وتضمن ظروف العودة الطوعية للاجئين، وتحفظ حقوق جميع أبنائه.

وبحسب مصادر «الشرق الأوسط» فإن عمّان ستركز في اجتماعات دول جوار سوريا على ملفي الطاقة والمياه. وفي حين لا تزال جهود مكافحة الإرهاب وعصابات تهريب المخدرات على رأس الأولويات الأردنية، فإن الجانب الأمني والعسكري سيظل أولوية متقدمة بعد الاعتداءات الإسرائيلية على مناطق جنوب سوريا، وسعي تل أبيب لفرض وضع عسكري قائم ودائم في مناطق غرب درعا.

ويتزامن اجتماع دول جوار سوريا مع الأحداث التي يشهدها الساحل السوري، حيث أكد الأردن «وقوفه مع الجمهورية العربية السورية وأمنها واستقرارها ووحدتها وسيادتها»، في وقت أدانت فيه الخارجية الأردنية «كل المحاولات، والمجموعات، والتدخلات الخارجية، التي تستهدف أمن سوريا الشقيقة وسلمها ومؤسساتها الأمنية، وتحاول دفع سوريا نحو الفوضى والفتنة والصراع».

آلية إسرائيلية تحرس قاعدة عسكرية في جبل الشيخ بالجولان السوري المحتل (إ.ب.أ)

مخاوف أردنية

ويبدو أن الأردن انتبه مبكراً إلى اعتداءات إسرائيل المستمرة على سوريا، منذ هروب نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وتدخلها عسكرياً في الجنوب السوري، ومحاولتها فرض واقع جديد يصادر أجزاء من الأراضي السورية.

وتتوافر معلومات لدى مركز القرار الأردني، بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، عن خطط إسرائيلية تهدف إلى تقسيم سوريا، خصوصاً أمام حداثة الحكم الجديد في دمشق، وسعي تل أبيب إلى دعم حالة الفوضى وعدم استقرار سوريا في الشمال والجنوب، وترك ما تبقى للحكم الجديد في دمشق.

ويعتقد الأردنيون أن مصالح أكثر من طرف تتقاطع اليوم في دعم الفوضى في الساحل السوري، في حين أن تل أبيب ترى من مصلحتها أن تبقى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على غير وفاق مع الحكم الجديد في دمشق، لتبقى قضية الدروز في الجنوب السوري ورقة يريد منها الإسرائيليون إنجاح خطة تقسيم سوريا، مما يمهد الطريق أمام انعدام فرص قيام دولة سورية واحدة موحدة إلى جواره.

ولا يبدو أن حكومة بنيامين نتنياهو مرتاحة لتحالف الحكم الجديد في دمشق مع تركيا، وهو أمر تريد إسرائيل أن تضع له حداً قبل نجاح أفكار وخطط إعادة بناء سوريا اقتصادياً وسياسياً. وتدرك حكومة نتنياهو أن أنقرة لديها مصالح في الشمال السوري وأنها لا تتفق مع الدعم الأميركي لقوات «قسد» التي تدير معتقلات لعناصر من تنظيم «داعش» وعوائلهم.

في هذا المقام تخشى عمّان من تفرد إسرائيل في سياساتها العسكرية على أكثر من جبهة، مستغلة الصمت الأميركي وغياب تعليق الرئيس دونالد ترمب وإدارته على ما يحصل في سوريا ما بعد الأسد ومستقبل التعاون مع حكم الرئيس أحمد الشرع الذي يسعى، من جهته، إلى بث رسائل طمأنة لم تُجب عنها واشنطن صراحة.

مقاتلون من الحكم السوري الجديد ينتشرون في منطقة جرمانا الدرزية والمسيحية في ضواحي دمشق يوم 2 مارس الحالي (أ.ف.ب)

مصالح أردنية في جنوب سوريا تهددها إسرائيل

تقاوم عمّان تحديات ليست سهلة في الجنوب السوري، فعودة نشاط خلايا نائمة لتنظيم «داعش» في مناطق قريبة من الحدود الأردنية من جهة، واستعادة عصابة صناعة وتهريب المخدرات قدراتها على تهديد الحدود الشمالية وعودة عمليات التهريب من شأنه إعادة وجود قوات حرس الحدود الأردنية ومواجهتها منفردة للمخاطر القادمة من الجنوب السوري. في حين أن أي سيطرة لغير الدولة السورية على منابع المياه في الجنوب السوري تعني تهديداً لحقوق الأردن المائية والمقدرة بنحو (100) مليون متر مكعب.

في السياق، تحدثت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن رسائل من الشرع إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تضمنت المطالبة بدور عسكري أردني في مناطق من جنوب سوريا من شأنه حماية ظهر دمشق من جماعات مسلحة لم تؤيد تولي الشرع الحكم في سوريا، إلى جانب تململ لدى بعض الدروز مما يعدونه غياب العدالة في التعامل مع مدن الأطراف التي تسكنها أقليات في سوريا.

ولعمّان علاقات جيدة مع مجموعات في الجنوب السوري، لكن الأردن لم يعد يسعى إلى المنافسة للعب دور اليوم في دعم جماعات محسوبة عليه في الجنوب السوري، وهي التي شكلت خلال سنوات الأزمة السورية خط الدفاع المتقدم عن الحدود الأردنية.

وبتقديرات ساسة أردنيين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» فإن إسرائيل بقيادة حكومة اليمين المتطرف أصبحت تشكل تحدياً أمنياً للمصالح الأردنية في الجنوب السوري ضمن خططها الرامية إلى تقسيم سوريا. كما أنها تشكل خطراً أساسياً مضاعفاً من الحدود الغربية؛ نظراً لطبيعة التطورات الجارية في الضفة الغربية واستمرار دعوات وزراء اليمين المتشدد في حكومة نتنياهو إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة ودفعهم باتجاه الحدود مع الأردن. وتلك عناوين أزمة مرتقبة بين تل أبيب وعمّان في ظل انقطاع الخطوط الدبلوماسية والسياسية بين الجانبين.


مقالات ذات صلة

مفتي سوريا يحذّر من «الفتنة» على وقع الاشتباكات مع الدروز قرب دمشق

المشرق العربي مفتي سوريا أسامة الرفاعي (متداولة)

مفتي سوريا يحذّر من «الفتنة» على وقع الاشتباكات مع الدروز قرب دمشق

حذّر المفتي العام في سوريا أسامة الرفاعي، الأربعاء، من «الفتنة» بعد الاشتباكات التي اندلعت في منطقة صحنايا قرب دمشق بين مسلحين مرتبطين بالسلطة وآخرين دروز.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لقاء درزي موسع في بلدة عبية بقضاء عاليه استنكاراً للأحداث الدامية التي تتعرض لها طائفة الموحدين الدروز في سوريا (جريدة الأنباء الإلكترونية التابعة للحزب الاشتراكي)

دروز لبنان يستنفرون للتصدي لـ«مشروع فتنة» في سوريا... وجنبلاط: مستعد للذهاب إلى دمشق

استنفر الدروز في لبنان لاحتواء الاشتباكات الدامية التي شهدتها منطقتا جرمانا وصحنايا، جنوب دمشق؛ سعياً لمنع انزلاق الأمور إلى مواجهة دامية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص قوات الأمن السورية تقف حراسة على نقطة تفتيش عند أحد مداخل ضاحية جرمانا بعد اشتباكات الثلاثاء (أ.ب)

خاص «الشرق الأوسط» في صحنايا: السكان عاشوا «ليلة رهيبة» ويطالبون بسحب الأسلحة المنفلتة

قالت مصادر مدنية لـ«الشرق الأوسط»، إن ليلة أمس كانت عصيبة على أهالي بلدتي صحنايا وأشرفية صحنايا إذ لم تهدأ فيها أصوات إطلاق النار وانفجارات قذائف الهاون.

سعاد جروس (دمشق)
شؤون إقليمية مسلح من قوات الأمن السورية يمر أمام كتابة باللغة العربية على أحد مداخل ضاحية جرمانا تقول: «من سوريا إلى فلسطين» (أ.ب)

تركيا: سلامة أراضي سوريا ووحدتها أولوية أساسية لأنقرة

قالت وزارة الدفاع التركية، اليوم (الأربعاء)، إن سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية تمثل أولوية أساسية لأنقرة.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية عناصر من قوات الأمن السورية ينتشرون على الطريق المؤدي إلى المطار في جرمانا (أ.ف.ب)

نتنياهو: نفذنا ضربة تحذيرية ضد «متطرفين» كانوا يستعدون لمهاجمة الدروز بسوريا

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل شنت غارة جوية الأربعاء على «مجموعة متطرفة» قرب دمشق، تهدف إلى توجيه «رسالة حازمة» إلى السلطات في سوريا.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

شُح السيولة النقدية يعتصر أبناء غزة

طفل يأكل من صحن طعام حصل عليه من «تكيَّة خيرية» بمدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)
طفل يأكل من صحن طعام حصل عليه من «تكيَّة خيرية» بمدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)
TT

شُح السيولة النقدية يعتصر أبناء غزة

طفل يأكل من صحن طعام حصل عليه من «تكيَّة خيرية» بمدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)
طفل يأكل من صحن طعام حصل عليه من «تكيَّة خيرية» بمدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)

حتى إن حدث وتوفر الغذاء، فلا يتوفر المال اللازم لشرائه؛ فقطاع غزة يعاني شُحاً حاداً في السيولة النقدية بعدما منعت إسرائيل دخول أي عملات جديدة إليه منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما وضع أهله بين براثن تجار استغلوا ذلك لرفع نسب صرف الحوالات المالية على نحو مبالغ فيه.

ويعتمد الفلسطينيون في الأساس في تعاملاتهم المالية اليومية على الشيقل الإسرائيلي الذي كان يدخل مناطقهم بعد أن يضخه «بنك إسرائيل» إلى البنوك التابعة لسلطة النقد التابعة بدورها للسلطة الفلسطينية.

إلا أن عمل البنوك توقف منذ الحرب على غزة، كما توقف إدخال أي أوراق نقدية إلى القطاع، الأمر الذي فاقم معاناة أهله الذين وقعوا «تحت رحمة» التجار وأهوائهم.

«لعبة التجار»

بدأت «لعبة التجار»، كما يُطلق عليها الكثيرون من أبناء غزة، بعدم قبولهم الأوراق المالية المهترئة، وكذلك بعض القطع المعدنية مثل «العشرة شواقل» (نحو 3 دولارات)، حتى باتت لا تُستخدم في الأسواق؛ ثم انتقلوا إلى رفض تسلُّم أوراق نقدية من نسخ معينة -مثل النسخة القديمة البُنيَّة اللون من ورقة المائة شيقل (ما يعادل نحو 28 دولاراً)- واشتراط تقديم النسخة الحديثة صفراء اللون. وانطبق هذا على الكثير من فئات الأوراق المالية المختلفة.

ويقول هاني جحجوح، وهو من سكان مخيم الشاطئ بغرب مدينة غزة، إن تجار الخضراوات وأصحاب المحال التي تبيع السلع الأساسية -حين توفرها بالأسواق- يرفضون تسلم أي أوراق مالية بالية، أو عملات معدنية معينة، بحجة أنها مزيفة أو يجري تزييفها، مما يزيد من أعباء مواطن تطحنه أصلاً ظروفه الصعبة.

ويضيف جحجوح (59 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»: «ما فيه بإيدينا حلول، وما بنعرف من وين نجيب فلوس إلهم»، مشيراً إلى أن التجار يشترطون أموالاً جديدة حتى يبيعوهم سلعاً، بينما السكان عاجزون عن توفيرها.

وهناك عدد «قليل جداً» من التجار يقبلون بيع سلعهم عبر تطبيقات الدفع الإلكتروني، لكنهم يفرضون شروطاً، مثل بيع السلعة بسعر أعلى أو المطالبة بجزء من الثمن نقداً.

فلسطينيون يتهافتون للحصول على طعام من «تكيَّة خيرية» في النصيرات بوسط قطاع غزة اليوم (أ.ب)

صدَّقت النازحة دعاء إسماعيل، وهي من سكان بلدة بيت حانون بشمال القطاع ونازحة في مركز إيواء بحي الشيخ رضوان، على هذا الكلام، وقالت إنها لا تستطيع التسوق -في حال توفرت أي بضائع- لعدم وجود سيولة مالية لديها.

وأضافت متحدثةً إلى «الشرق الأوسط»: «نعاني بشدة من نقص السيولة، وهذا يُزيد معاناتنا في الحصول على سلع أساسية مثل الدقيق والسكر، في حال توفرها».

وواصلت: «لفترة قصيرة خلال وقف إطلاق النار، كان التجار يقبلون بالتحويلات المالية عبر تطبيقات الدفع الإلكتروني، ولكن منذ عودة الحرب زادت الأمور سوءاً ولم يعودوا يقبلون بذلك».

رواتب لا تُصرف

ولا يسلم من الأزمة الموظفون الحكوميون التابعون للسلطة الفلسطينية، ولا العاملون في مؤسسات القطاع الخاص أو المنظمات الدولية؛ فجميعهم يتلقون رواتبهم عبر البنوك والمحافظ الإلكترونية، إلا أنهم لا يستطيعون صرفها نظراً لإغلاق البنوك، مما يضطرهم إلى اللجوء إلى أصحاب محال الصرافة أو التجار الذين يملكون سيولة نقدية.

يقول أمجد حسب الله، وهو موظف في السلطة الفلسطينية، إنه يضطر منذ أكثر من عام ونصف العام لسحب راتبه الشهري من خلال التطبيق البنكي للحصول على المبلغ نقداً مقابل نسبة يدفعها للتاجر المصرفي أو غيره من التجار، مشيراً إلى أن هذه النسبة وصلت في بداية شهر أبريل (نيسان) الجاري، حين تسلم آخر راتب، إلى 30 في المائة.

ويواصل حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إنه في بدايات الحرب، بدأت العمولة بنسبة 5 في المائة، ثم أخذت ترتفع بين الحين والآخر حتى وصلت مع حلول عيد الفطر إلى 35 في المائة، ثم انخفضت لتصل إلى 30 في المائة في الأيام الأخيرة.

وبحسرة قال: «راتبي 2800 شيقل فقط، ولما ادفع عمولة بنسبة 30 في المائة، ما بيضل لي إلا القليل... مش ضايل للتجار غير ياخدوا الراتب كله ويعطونا منه مصروف شخصي».

«المصيدة»

ويقول الفلسطيني جمال المسحال إنه يعيش على مبلغ 1000 شيقل (ما يعادل 280 دولاراً)، يتحصل عليه شهرياً من مؤسسات دولية وأممية مختلفة مساعدة له ولعائلته المكونة من ستة أفراد، فُقد اثنان منهم في غارة إسرائيلية.

لكنَّ المسحال لا يجد طريقة لصرف هذه الدفعة الشهرية إلا من خلال التجار، الذين يدفع لهم نسبة تصل إلى 30 في المائة، فلا يتبقى له ولعائلته إلا القليل.

وهو يرى أن مواطني غزة باتوا «مصيدة» لأصحاب محلات الصرافة وكبار التجار ممن يملكون السيولة النقدية، ويقول إن استغلال حاجة المواطنين لا يتوقف، وإن الأمر بات كأنه «موسم لحصد مزيد من الأرباح وفق أهواء هؤلاء التجار الذين لا يرحمون المواطنين وحاجتهم إلى المال في ظل ظروفهم الصعبة».

والفئات الفقيرة والمهمشة هي الأكثر تضرراً، إذ يعتمد بعض المؤسسات الدولية على المحافظ المصرفية الإلكترونية لتحويل الأموال لإغاثة هذه الفئات.

من دون رادع

حاولت حكومة «حماس»، خلال فترات أن تُلزم التجار والمصرفيين بتحديد نسبة 5 في المائة مقابل عملية صرف الحوالات المالية، إلا أنها لم تُفلح في ذلك لأسباب عدة لعل أهمها ملاحقة إسرائيل عناصرها الذين كانوا يشرفون على محاولات تنظيم الأمر.

ودافع الصرافون عن موقفهم، وقال أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «رفع نسبة العمولة بمقايضة الكاش مقابل التحويلات التطبيقية يعود لعدم توفر السيولة وإدخالها، وما يتوفر لدى التجار من مال في حال صرفه للمواطنين ليس هناك بديل له؛ أي إن ما يخرج من مال لا يعود مثله».

ويواصل الحديث: «لذلك هناك أسباب تدفعنا للحفاظ على حقوقنا وتحقيق ربح مقابل توفير هذه السيولة النقدية».

ويشير إلى محاولات من جانب وزارتي المالية والاقتصاد، بالتعاون مع مباحث الاقتصاد وجهات أخرى، لـ«فرض بعض الشروط علينا، ولكننا لم نلتزم لأنها تُعد ظالمة بالنسبة لنا».

تدافُع للحصول على وجبات ساخنة توزعها منظمات خيرية في جباليا شمال قطاع غزة اليوم (د.ب.أ)

ووجَّه بعض رؤساء البلديات والوجهاء في الآونة الأخيرة مناشدات إلى سلطة النقد في رام الله لمتابعة ملف التجار الذين يتحكمون بالسيولة النقدية ومراقبة حساباتهم وتجميدها.

وفي العادة، تُحذّر سلطة النقد في رام الله من أي تجاوزات في حق المواطنين، وهددت أكثر من مرة باتخاذ إجراءات؛ إلا أنه فعلياً لا يزال أولئك التجار يصرفون الحوالات المالية مقابل عمولة بنسب كبيرة، من دون رادع.

ودعت سلطة النقد مواطني غزة إلى اللجوء لنظام الدفاع الفوري في التطبيقات المصرفية الإلكترونية، الذي يُعد بديلاً مناسباً للتعامل بالنقد، ويشجع على التحول الرقمي، ويحقق ميزة الدفع اللحظي.

تضييق على تضييق

رغم كل هذه المعاناة، لا تزال إسرائيل تعمل على تعميقها، وتتخذ خطوات تهدف إلى مزيد من التضييق على سكان القطاع؛ فهي تدرس إلغاء الورقة النقدية فئة مائتي شيقل (ما يعادل 55 دولاراً)، بحجة أن حركة «حماس» غالباً ما تستخدمها لصرف رواتب عناصرها وغيرها.

جاء ذلك بطلب من وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، وجَّهه إلى محافظ بنك إسرائيل، يارون أمير، الذي رفض الخطوة. وتبحث إسرائيل خطوات بديلة، مثل إلغاء الأرقام التسلسلية المعروف لدى البنك أنها داخل قطاع غزة، لتصبح قيمة الأوراق النقدية التي تحملها «صِفراً»، ومن ثم توجيه ضربة اقتصادية قاصمة إلى حركة «حماس».

وأورد تقرير لصحيفة «معاريف»، يوم الثلاثاء، أن هناك من يؤيد هذه الخطوة من الوزراء وخبراء الاقتصاد داخل بنك إسرائيل وخارجه.

ووفقاً للصحيفة، فإن هناك ما يقدَّر بنحو عشرة مليارات شيقل داخل قطاع غزة من الفئة النقدية الكبيرة، أي مائة ومائتي شيقل، وهي أوراق دخلت القطاع على مدى سنوات كثيرة بعدما ضخها بنك إسرائيل إلى فروع البنوك في غزة.

ووفقاً لخبراء اقتصاد تحدثوا إلى «معاريف»، فإن سكان القطاع يتلقون ما بين 150 و200 مليون شيقل شهرياً عبر التطبيقات والتحويلات المصرفية من منظمات الإغاثة والسلطة الفلسطينية، وتُحوَّل هذه الأموال من المحافظ الرقمية إلى أوراق نقدية من خلال الأسواق التي تسيطر عليها «حماس» بمساعدة شبكة من الصرافين.

وتقدر مصادر أمنية إسرائيلية أن لدى «حماس» ما يصل إلى أربعة أو خمسة مليارات شيقل، جمعتها خلال الحرب، وأنها دفعت نحو مليار شيقل رواتب لعناصر ومجندين جدد، زاعمةً أن الحركة جمعت ثروة طائلة من خلال بيع المساعدات والوقود بأسعار باهظة خلال الحرب.