قبل 10 سنوات تقريباً، خرج العالم الهولندي مارك بوست، ليكشف للعالم النقاب عن «أول برغر مصنوع من اللحم المستزرع»؛ نمت فكرة الرجل «ببطء، لكن بثبات»، على ما يبدو، حتى باتت تقدمها راهناً 60 شركة في قارات العالم المختلفة، وباستثمارات تزيد على 450 مليون دولار.
وفي مصر نامية الاقتصاد، جدد مقترح تقدم به، أكاديمي متخصص في الزراعة، أخيراً، بشأن اللجوء إلى «استزراع اللحوم» النقاش بشأن جدوى وتكلفة وإمكانية تنفيذ الفكرة.
وتعمل شركات استزراع اللحوم على «إنتاج وترويج البدائل النباتية للمنتجات الحيوانية»، بحسب تقرير نشره «معهد الغذاء الجيد»، وهو منظمة غير ربحية في أميركا، تم إنشاؤها في عام 2016 من قِبل منظمة «الراحة للحيوانات».
ويبدو أن ضغوط «الغلاء» وارتفاع أسعار اللحوم في مصر دفعت البعض للبحث عن أفكار جديدة، ومن بينهم عميد كلية الزراعة بجامعة عين شمس بالقاهرة، الدكتور أحمد جلال، والذي راجت تصريحاته بشأن «استزراع اللحوم» على نحو واسع، واختلطت أصلها العلمي الأكاديمي المتخصص، بتعليقات ساخرة تلقفتها.
لكن هل تكمن المشكلة بشأن تطبيق «استزراع اللحوم» فقط في عدم معرفة أنها فكرة ذات أصل علمي؟ لا يبدو ذلك دقيقاً؛ إذ تكفي معرفة أن «إنتاج الكيلو غرام الواحد من اللحوم المستزرعة يكلف 63 دولاراً (أي قرابة 1890 جنيهاً مصرياً)، وذلك عند إنتاجه في منشأة واسعة تنتج 540 ألف كيلوغرام سنوياً»، بحسب دراسة جدوى لمنتجات «اللحوم المستزرعة» أعدها باحثون من قسم الاقتصاد الزراعي في «جامعة ولاية أوكلاهوما» الأميركية، ونشرتها دورية «الزراعة وبحوث الغذاء» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويشكو المصريون من ارتفاع سعر كيلو اللحوم ليتراوح بين 170 و250 جنيهاً (الدولار 29.8 جنيه تقريباً).
فكيف إذن تستزرع اللحوم؟
يشرح فريق بحثي من جامعة طوكيو في دراسة بدورية «ساينس إن فود» في 1 مارس (آذار) 2021، عملية تصنيع «اللحوم المستزرعة»، بأنها «تبدأ بالحصول على الخلايا الجذعية من الحيوان وتخزينها، ثم تُستزرع في مفاعلات حيوية بكثافات وأحجام عالية على غرار ما يحدث داخل جسم الحيوان، وتتم تغذية الخلايا بوسط مستنبت غني بالأكسجين يتكون من العناصر الغذائية الأساسية، مثل: الأحماض الأمينية، والجلوكوز، والفيتامينات والأملاح غير العضوية، ويُضاف إليها البروتينات وعوامل النمو الأخرى».
وتؤدي التغييرات في التركيبة المتوسطة، إلى «تحفيز الخلايا غير الناضجة على التمايز إلى العضلات الهيكلية والدهون والأنسجة الضامة التي تتكون منها اللحوم، ثم يتم حصاد الخلايا المتمايزة وتحضيرها وتعبئتها في المنتجات النهائية، وتستغرق هذه العملية ما بين 2 و8 أسابيع، اعتماداً على نوع اللحم الذي تتم زراعته».
وبالإضافة إلى الظروف المعملية، فإن ثمة أبعاداً اقتصادية لاستزراع اللحوم، ويحددها باحثو الاقتصاد الزراعي في «جامعة ولاية أوكلاهوما» الأميركية، في دراستهم بالقول، إن «80 في المائة من التكاليف الرئيسية للإنتاج، تذهب إلى وسط زراعة الخلايا، والمفاعلات الحيوية، والعمالة».
وانطلاقاً من ذلك، خلص الباحثون، إلى أن «صناعة اللحوم المستزرعة بالخلايا أمامها طريق طويلة قبل أن تتمكن من العمل وتحقيق عائد مقبول على الاستثمار، بافتراض أنه سيتم تطوير التكنولوجيا لتقليل تكلفة وسط زراعة الخلايا بما في ذلك (بدائل هرمون النمو) وشراء المكونات بكميات كبيرة».
وبالإضافة إلى التكلفة والظروف المعملية الخاصة، فإن «ذائقة المستهلك وقبوله للحوم المستزرعة، عامل مهم للغاية، يجب وضعه بالحسبان»، وفق ما يرى أحمد سعد، نائب رئيس «فريق الأمراض الحيوانية العابرة للحدود» بمكتب «منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (الفاو) في مصر.
ويقول سعد لـ«الشرق الأوسط»: «بالإضافة إلى كون هذه المنتجات غير مقبولة من الناحية الاقتصادية في مصر، بسبب تكلفتها العالية، فإنها قد لا تكون مستساغة لدى المستهلك، والأولى من الاهتمام بطرح هذه الأفكار، النظر في حلول للمشاكل القائمة في الإنتاج الحيواني».
ولفت سعد إلى دراسة لـ«الفاو» حول مستقبل الإنتاج الحيواني في مصر، خلصت إلى أنه «بناءً على المعطيات المتاحة من حيث الزيادة السكانية وأسعار الأعلاف وحجم الرقعة الزراعية بمصر»، فإنه «يمكن تلبية احتياجات المصريين من اللحوم في عام 2050، عبر الدواجن، وذلك بشرط توفر (الإنتاج الآمن) لها، وفق تشريعات تضمن الإنتاج بصورة منضبطة من حيث التسويق والأسعار، ويأتي بعدها الأسماك، بينما سيكون دور اللحوم الحمراء محدوداً».
وبالإضافة إلى ما طرحه سعد، يلفت خالد عبد الله، أستاذ العلوم الغذائية بجامعة المنصورة بمصر، الانتباه إلى «مسار آخر يجب الاهتمام به، وهو (تغيير الثقافة الغذائية)»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن الحصول على القيمة الغذائية للحوم من مصادر أخرى نباتية متوفرة وبكثرة».
ويضيف «البروتين يتشكل من 20 حمضاً أمينياً؛ لذلك فإن تناول قطعة اللحم يوفر هذه الأحماض الأمينية، ولكن يمكن من خلال وجبة غذائية متوازنة الحصول على هذه الأحماض الأمينية دون تناول اللحوم، وهذا ما يعتمد عليه فئة من الناس لا تأكل اللحوم (النباتيون)».