تتجه الولايات المتحدة وكوبا، بهدوء وبعيداً عن الأضواء، نحو مرحلة جديدة من التقارب، بعد عامين من وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، والوعد الذي كان قد أطلقه في حملته الانتخابية بالعودة إلى سياسة «التعهد البنّاء» التي كان قد أرساها الرئيس الأسبق باراك أوباما.
ويعقد مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية والحكومة الكوبية منذ أشهر اجتماعات دورية بهدف التخفيف من التدابير القاسية التي كان الرئيس السابق دونالد ترمب قد فرضها على كوبا طوال ولايته.
وفيما تعتبر حكومة هافانا أن هذا التوجه الجديد في السياسة الأميركية تجاه الجزيرة إيجابي ويسير في الاتجاه الصحيح، ترى أن التدابير العملية التي أثمرها حتى الآن ما زالت غير كافية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الأميركي وليان ليوغراندي، الذي يعتبر كبير الخبراء في العلاقات الأميركية - الكوبية، إن هذا التوجّه في سياسة بايدن هو ثمرة الحرج الكبير الذي واجهته واشنطن منذ أشهر عندما قررت عدة دول أميركية لاتينية، من بينها المكسيك، مقاطعة قمة البلدان الأميركية التي كانت قد استضافتها واشنطن، بسبب إقصائها كوبا؛ تنفيذاً للعقوبات التي كانت لا تزال سارية من عهد الإدارة السابقة. وقد بادرت واشنطن عقب ذلك إلى اتخاذ بعض التدابير المهمة لتحسين العلاقات مع هافانا، مثل تخفيف القيود المفروضة على السفر، واستئناف إصدار التـأشيرات للمهاجرين من الجزيرة، والسماح بالتحويلات النقدية، واستعادة الحوار حول مواضيع ذات اهتمام مشترك.
وكانت آخر جولات الحوار بين الطرفين أجريت نهاية الأسبوع الفائت في العاصمة الكوبية، وشارك فيها مسـؤولون أميركيون كبار في وزارة الأمن القومي، وخفر السواحل ومكتب التحقيقات الفيدرالي مع نظرائهم الكوبيين؛ للبحث في مجالات التعاون من أجل مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات. وبعد نهاية هذا الحوار الأخوي، الذي انتقده بشدّة أعضاء الكونغرس الأميركي المتحدرون من أصول كوبية، نوّه الوفدان بجدّية المحادثات ومستواها الفني، وأعلنا عن مواصلة التعاون في هذه المجالات.
وفي الأشهر الأخيرة، عقد الطرفان الأميركي والكوبي جولات عدة من المحادثات تناولت قضايا الهجرة، وتقررت إعادة تفعيل القنصلية الأميركي في هافانا، التي كان دونالد ترمب أمر بإغلاقها، على أن تصدر 2000 تأشيرة دخول سنوياً إلى الولايات المتحدة، كما كان قد تقرر على عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
كما تعهدت كوبا باستقبال الرحلات الجوية التي تنقل مهاجرين غير شرعيين من الولايات المتحدة، الأمر الذي قد يغيّر قواعد اللعبة في خضمّ أزمة الهجرة التي حطّمت كل الأرقام القياسية السابقة، حيث بلغ عدد الكوبيين الذين دخلوا الولايات المتحدة عبر الحدود المكسيكية بصورة غير شرعية العام الماضي ما يزيد على 300 ألف مهاجر.
ويعتبر الخبراء أن تدفقات الهجرة هي التي دفعت إدارة بايدن إلى إعادة النظر في سياسة واشنطن تجاه كوبا، حيث إن التدابير التي تستهدف محاصرة الجزيرة اقتصاديا، تؤدي إلى تدهور الأوضاع المعيشية، وبالتالي تدفع نحو المزيد من الهجرة التي يشكّل ارتفاعها في الفترة الأخيرة عاملاً ضاغطاً بقوة على المشهد السياسي الأميركي. لكن الطبيعة المعقدة للعقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة على كوبا، تجعل من الصعب جداً تفكيكها بسرعة، مثل إدراج كوبا على قائمة البلدان الداعمة للإرهاب، الذي يقتضي إسقاطه خطوات قانونية وتشريعية طويلة.
ولا شك في أن الخطوة الأهم التي اتخذتها واشنطن حتى الآن في إطار الحوار مع كوبا، هي تطبيع الهجرة بما يتيح للكوبيين سبيلاً آمناً وشرعياً لدخول الولايات المتحدة، عوضاً عن المجازفة بحياتهم في البحر، ودفع أموال طائلة للمنظمات الإجرامية التي تتاجر بالمهاجرين. يضاف إلى ذلك السماح بالتحويلات النقدية التي تسهّل على الأميركيين المتحدرين من أصول كوبية مساعدة ذويهم في الجزيرة من غير اللجوء إلى الأساليب والطرق غير القانونية.
وكان عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي قد زاروا هافانا مؤخراً واجتمعوا بالرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، وبحثوا معه إمكانية الاستفادة من سياسة ترخيص نشاط القطاع الخاص، والسماح للشركات الكوبية بالتعاقد مع شركات أجنبية.
وتجدر الإشارة إلى أن الهزيمة الفادحة التي لحقت بالديمقراطيين في فلوريدا خلال الانتخابات الوسطية الأخيرة، أظهرت أن بايدن لا حظوظ له على الإطلاق بالفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل في هذه الولاية التي يشكّل فيها المتحدرون من أصول كوبية القاعدة الأساسية للحزب الجمهوري، وبالتالي أصبح بإمكانه أن يقرر سياسته تجاه كوبا بمعزل عن أي اعتبارات داخلية.
مرحلة جديدة من التقارب بين الولايات المتحدة وكوبا
حوار بين الطرفين الأسبوع الماضي في هافانا للتعاون ضد الإرهاب والمخدرات
مرحلة جديدة من التقارب بين الولايات المتحدة وكوبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة