تيماء... مسلّتُها تقيم في متحف اللوفر

واحة في طرف الحجاز من أمهات القرى

مكتشف تيماء الباحث الفرنسي شارل هوبير باللباس العربي
مكتشف تيماء الباحث الفرنسي شارل هوبير باللباس العربي
TT

تيماء... مسلّتُها تقيم في متحف اللوفر

مكتشف تيماء الباحث الفرنسي شارل هوبير باللباس العربي
مكتشف تيماء الباحث الفرنسي شارل هوبير باللباس العربي

قال امرؤ القيس في معلّقته:
وتيماء لم يترك بها جذع نخلة
ولا أطما إلا مشيداً بجندل
تيماء واحة في طرف الحجاز، ذكرها أبو عبيد البكري في معجمه، وقال في تعريفه بها إنها «من أمّهات القرى»، وهي «مدينة لها سور»، ومنها تخرج «إلى الشام، على حوران والبثنية وحسمى».قبل عهد امرئ القيس بزمن طويل، تردّد اسم تيماء في التوراة، وهو في البدء اسم واحدة من بنات إسماعيل بن إبراهيم، ثم أضحى اسماً لقبيلة تسلسلت منها، واسماً للجهة التي سكنت فيها هذه القبيلة. قبل التوراة، ورد أقدم ذكر معروف لاسم تيماء في نقوش أشورية تعود إلى عهد الملك تجلات بلاسر الثالث، في القرن الثامن قبل الميلاد. ويشير نقش آخر يعود إلى القرن السادس إلى أن الملك البابلي نبونيد قام بحملة في شمال غربي الجزيرة العربية، استولى فيها على مدن عدة، ثم أقام قصراً في تيماء استقرّ فيه على مدى عشر سنين.

مسلة تيماء في أول صورة لها

بدأ استكشاف تيماء بشكل فعلي في منتصف القرن التاسع عشر، وكان أول من مرّ بها مروراً سريعاً الفنلندي جورج أوغست فالين في 1848 ثم الإيطالي كارلو غوارميني في 1864. في 1876، توقّف البريطاني تشارلز داوتي في هذا الموقع، ونشر خريطة لنواحيه، وذكر بعضاً من نقوشه الكتابية. أكمل الفرنسي شارل هوبير هذه المهمة حين حلّ في تيماء في 1884، وقام باستكشافها، وشدّد في تقاريره على تعدّدية لغاتها وثقافاتها، وعاد منها بمسلّة تُعرف بمسلّة تيماء، تبقى إلى يومنا هذا أشهر أثر خرج من هذه المنطقة. ذاع صيت هذه المسلة سريعاً في الأوساط الأكاديمية، وأضحى شارل هوبير في موطنه «مُكتشف تيماء».
انطلق هذا الرحّالة الفذ في هذه المغامرة في 1878، حين حصل على منحة من وزارة التعليم العام لاستكشاف الجزيرة العربية، فسافر إلى دمشق ودرس اللهجات العربية، ثم اتجه إلى الجزيرة في مايو (أيار) 1880، واستقرّ في حائل، عاصمة إمارة جبل شمر، وجال في نواحي القصيم والحجاز، ونقل مجموعة كبيرة من النقوش الكتابية. أثار هذا العمل إعجاب العلامة إرنست رينان، المشرف على إعداد «موسوعة الكتابات السامية»، فأوعز إلى إدارة وزارة التعليم العام بتكليف شارل هوبير مهمة ثانية يُكمل فيها هذا البحث، فلبّت الوزارة طلبه. وصل هذا الخبر إلى شيخ المستشرقين الألمان ثيودور نولدكه، فأوفد زميله يوليوس أويتنج، العالم الألماني المختص باللغات السامية، والمدير الأعلى لمكتبة ستارسبورغ الجامعية الوطنية، لكي يرافق هوبير في هذه الرحلة. وصل الباحثان إلى شمال الجزيرة العربية في مارس (آذار) 1883، ونشأت بينهما علاقة صدامية خلت من أي ودّ.
استكشف شارل هوبير تيماء في شتاء 1884 كما أشرنا، ثم انتقل إلى جدة حيث سلّم القنصل الفرنسي فيليكس دو لوستالو التقارير التي أعدها، وفي طريقه إلى حائل، قضى مقتولاً بدافع السرقة على يد اثنين من مرافقيه البدو في منطقة رابغ، في نهاية شهر يوليو (تموز)، وكان في السادسة والثلاثين من عمره. سارع خادمه إلى نقل هذا الخبر إلى القنصلية في جدة، وتولّى أمير حائل محمد بن رشيد مهمّة إيصال مقتنيات القتيل إلى هذه القنصلية، وضمّت هذه المقتنيات مسلة تيماء إضافة إلى أربع قطع أثرية تعود إلى هذا الموقع. هكذا، وصلت هذه القطع إلى باريس، ودخلت متحف اللوفر، فكانت أول قطع من الجزيرة العربية تدخل إلى هذا الصرح العريق.
نشر إرنست رينان مدوّنات شارل هوبير في كتاب صدر في 1891، ونشر يوليوس أويتنج مدوناته في جزأين، صدر الأول منهما في 1896، والثاني في 1914. في هذه المدونات، روى شارل هوبير كيف اكتشف مسلة تيماء في محيط بئر هداج، وكيف اقتناها بمبلغ زهيد، ولم يأتِ على ذكر زميله الألماني. في المقابل، روى يوليوس أويتنج كيف اكتشف هذه المسلة في منزل رجل يُدعى طليحان، فنسخها على الورق، ثم أعطى صاحب المنزل بعض النقود. في اليوم التالي، وجد سبعة رجال يقفون في فناء مسكنه، وقد أحضروا المسلة من منزل طليحان، فأعطى كلاً منهم ربع مجيدي، وأعطى طليحان مجيدياً ونصف المجيدي، أي ما يُعادل خمسة ماركات. أراد يوليوس أويتنج أن تكون المسلة من حصته كي تُنقل إلى موطنه، ورغب شارل هوبير بأن تُنقل إلى باريس، وتحقّقت رغبته إثر مصرعه، حيث نُقلت «شرعياً» إلى العاصمة الفرنسية، في رعاية أمير حائل محمد بن رشيد، وبموافقة السلطة العثمانية العليا.
في يوليو 1884، نشر ثيودور نولدكه أول رسم توثيقي «طبق الأصل» لهذه المسلة مع دراسة تفصيلية لنصها، استناداً إلى بحث يوليوس أويتنج. وصدر بحث هوبير الخاص بهذا الحجر في 1891، مع رسم توثيقي آخر أعده المستشرق الألماني إينو ليتمان. وبين هذين الإصدارين، نُشرت أول صورة فوتوغرافية للمسلة سنة 1889 في مجلد من مجلدات «موسوعة الكتابات السامية». تحمل هذه المسلّة نقشاً باللغة الآرامية يتحدّث عن إقامة عبادة إله وثني يُدعى «صلم هجم» في تيماء، وتنصيب كاهن يُدعى «صلم شرب» كاهناً في معبد هذا الوثن، وإلزام المعابد الأخرى تقديم محصول التمر، لإحدى وعشرين نخلة، ضريبة لمعبد «صلم هجم».
على طرف الإطار الجانبي لهذه المسلة، نقع على نقش تصويري ناتئ يجمع بين مشهدين. في المشهد الأعلى، يقف كاهن يعتمر قبعة عالية، حاملاً صولجاناً طويلاً. وفي المشهد الأسفل، يقف متعبّد حاسر الرأس، رافعاً ذراعيه في اتجاه مذبح. يغلب على النقش التصويري الأسلوب البابلي الذي يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، غير أن الكتابة الآرامية تشير إلى القرن الخامس قبل الميلاد، أي إلى الحقبة الفارسية. لا تحمل الكتابة المنقوشة أي اسم ملكي، غير أن مطلعها يشير إلى عهد استمر اثنين وعشرين عاماً، مما يحيل على عهد داريوس الأول، أو عهد أرشير الأول.
سطع اسم تيماء بالتزامن مع بزوغ مسلّتها، وتوافد البحّاثة والمنقّبون إلى هذه الواحة لدراسة معالمها. في منتصف القرن الماضي، واصل المستعرب البريطاني جون فيلبي هذه الرحلة الاستكشافية. وفي منتصف السبعينات، شرعت السلطة السعودية بمسح مجمل أراضي المملكة، ومنها تيماء.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».