أوين دمبسي: أية تجربة توسع رؤيتنا للعالم تجعلنا كتّاباً أفضل

الكاتب الآيرلندي يقول إن رواياته خيال تاريخي وشخصياتها محاكاة موازية لوقائع حقيقية

اوين دمبسي
اوين دمبسي
TT

أوين دمبسي: أية تجربة توسع رؤيتنا للعالم تجعلنا كتّاباً أفضل

اوين دمبسي
اوين دمبسي

تعرَّف القارئ العربي على الكاتب الآيرلندي أوين دمبسي من خلال روايته الأكثر شهرة ومبيعاً «الوردة البيضاء والغابة السوداء»، التي صدرت ترجمتها العربية عن دار «العربي» بالقاهرة.
تدور أحداث الرواية في زمن الحرب العالمية الثانية، وتروي محنة فتاة ألمانية فقدت عائلتها على يد النازيين، وتقع في حب ضابط طيار مجهول الهوية.
وُلد دمبسي في مدينة دبلن، وانتقل إلى الولايات المتحدة وعمل مدرساً لفترة طويلة في فيلادلفيا، حيث أمدته تلك المهنة بمصدر إلهام وأطلعته على تجارب إنسانية مشوقة.
جاءت روايته الأولى «العثور على ريبيكا» ضمن الكتب العشرة الأكثر مبيعاً على موقع «أمازون».
من أعماله «العاصفة القادمة» و«الصدى الأطول»، وهو أيضاً مؤلف كتاب «فتيان بوجسايد».
هنا حوار معه أُجري عبر الإنترنت حول أبرز ملامح تجربته الإبداعية:
> تستهل روايتك «الوردة البيضاء والغابة السوداء» بالتنويه بأنها مأخوذة عن أحداث حقيقية وهو ما أبرزته الترجمة العربية على الغلاف، هل تظن أن هذا التنويه يسهم في رفع مبيعات الرواية، هل يتحمس القراء أكثر للأعمال المأخوذة عن الواقع بشكل مباشر؟
- أعتقد بأن الناس يقرأون الروايات التاريخية؛ لأنهم يريدون أن يتعلموا شيئاً من التاريخ، كما يريدون بالطبع أن يستمتعوا بالنص. وإذا كانت الأحداث التي يقرأون عنها تستند إلى أحداث حقيقية فإنهم يشعرون بأنهم أكثر ارتباطاً بالأحداث الموجودة في الكتب. وبشكل عام، فإن التنويه إلى أن نصاً ما مستلهماً من وقائع جرت بالفعل في الواقع، يحقق شيئين مهمين؛ الأول فكرة المصداقية لدى المؤلف ومدى أمانته مع القارئ، الشيء الثاني هو مزيد من ارتباط القارئ بالنص؛ لأنه يشعر بأن الأخير يحتوي على عنصر من التاريخ الفعلي والوقائع التي شهدها العالم يوماً ما. بالطبع هذا شيء يحدث فارقاً.
> أشرت أيضاً في التنويه الذي يتصدر العمل إلى أنك أجريت بعض التغييرات في القصة الأصلية على الشخصيات والتواريخ «لأسباب أدبية»... ترى ما أبرز هذه التغييرات ولماذا هي ضرورية؟
- حسناً، أبرز التغييرات تكاد تشمل جميع الشخصيات في النص، إنها إبداعات وُلدت في مخيلتي! هذه التغييرات كانت ضرورية للغاية لأنني لست مؤرخاً وإنما روائي. ونحن هنا إزاء نص عمل إبداعي قائم على الخيال ولسنا بصدد حقائق تاريخية يجب أن أنقلها للأجيال الجديدة بموضوعية وتجرد. في النهاية أنا لا أضع كتاباً تاريخياً. رواياتي هي خيال تاريخي، وأحتاج إلى إنشاء شخصيات موازية تحاكي الشخصيات الحقيقية أو تتجاوزها لتوضيح الأحداث التي أريد أن يتعلمها القارئ. أهم شيء أكتبه هو قصة جيدة، هذا هو التحدي الحقيقي بصرف النظر عن أي إطار آخر يحيط بالنص، أما الخلفية التاريخية فتظل مجرد خلفية. هذا هو مفهومي للعمل الأدبي التاريخي، أن يحتفظ المؤلف بخياله مشتعلاً.
> لماذا أهديت الرواية لابنك روبي بالذات؟ هل هناك رسالة في العمل تريده أن يتابعها في المستقبل؟
- لأنه كان الطفل الوحيد الذي أنجبته في ذلك الوقت! ولأخويه الصغيرين روايات مخصصة لهما أيضاً. الرسالة التي أود أن يتبعها روبي هي أنه إذا عملت بجد لتحقيق حلم، يمكن أن يصبح حقيقة. القصة التي بدأت في مخيلتي استمتعَ بها الآن الناس في أنحاء العالم جميعها. الفكرة هنا قد تبدو بسيطة للغاية ومباشرة كذلك، لكنها مهمة وعميقة في آن واحد، لقد كانت رواية «الوردة البيضاء والغابة السوداء» محض خيال يداعبني بين الحين والآخر، لكنه تحول بالجدية والمجهود والمثابرة إلى نص يجلب للآخرين حول العالم كثيراً من المتعة.
> تتناول الرواية ثنائية «الحب والحرب» في مرحلة قاسية من تاريخ أوروبا والعالم هي الحرب العالمية الثانية، هل يمكن فعلاً أن يتفوق الحب على مشاعر الكراهية وأعمال القتل والدماء... أم أنها خيالات الأدباء الحالمين؟
- أتمنى أن يتفوق الحب على مشاعر الكراهية وأعمال القتل بالتأكيد، وإلا فإن هذا العالم لا يستحق العيش فيه! أعتقد بأن الأمر كذلك. الحب في كل مكان. نستطيع أن نلمسه بسهولة في العلاقات التي يقيمها الناس مع عائلاتهم وأصدقائهم، وحتى في الكياسة واللطف التي نظهرها للغرباء. الكراهية نادرة للغاية، على الرغم من أنها تأتي مع عواقب وخيمة وبعيدة المدى في كثير من الأحيان. الحب إذن حقيقي ورائع ومدهش وليس مجرد خيالات مبعثرة في ذهن حفنة من الحالمين.
> على ذكر الحرب، هل ترى أوجه شبه بين الحرب الأوكرانية الروسية، والحرب العالمية الثانية التي جاءت خلفية تاريخية لروايتك، هل يمكن أن تلهمك الأحداث الجارية حالياً فكرة ما لعمل روائي؟
- أعتقد أنه يوجد كثير من أوجه التشابه بين جنون الحرب العالمية الثانية، وما يتابعه العالم حالياً لحظة بلحظة من حرب دموية فتاكة. الاختلاف الرئيسي هو أنه أثناء الحرب القديمة لم تكن لدى هتلر أسلحة نووية. لو امتلك الرجل هذه النوعية من الأسلحة وسارع في الاستفادة منها لكان تاريخ أوروبا مختلفاً كثيراً. أما فيما يتعلق بمصادر الإلهام وهل تصلح الحرب الحالية مصدراً في هذا السياق، فأعتقد بأنها بالفعل تلهم الأدباء كل يوم، لكن ليس هذا ما حدث معي بالتحديد، حتى الآن!
> عندما يعود الروائي إلى التاريخ ويستلهم قصة حقيقية هل يعني ذلك أنه يعاني من إفلاس ما، جدب في الخيال، سوء علاقة مع واقعه الراهن، أم أن هناك مبررات أخرى وراء عودتك للتاريخ ليكون منبعك الذي تنهل منه في هذا النص؟
- كنت أرغب في إعادة رسم خريطة الظروف والملابسات المحيطة بدولة ألمانيا أثناء الحرب، وتبديد الأسطورة القائلة إن الألمان جميعاً كانوا نازيين مخلصين. أفضل طريقة لفعل ذلك كانت من خلال سرد قصة خيالية. بهذه الطريقة، تمكنت من نسج كل القصص التي أردت عرضها معاً، وحقنها بالقلب والإنسانية والعمل. أنا أؤلف الكتب التي أريد أن أقرأها، وهذا ما أردت أن أقرأه عندما كتبتها.
> جاءت روايتك الأولى «العثور على ريبيكا» ضمن الأكثر مبيعاً على موقع «أمازون»، هل تشغلك فكرة المبيعات والأرقام. وما معيار النجاح بالنسبة لك؟
- معاييري للنجاح مختلفة، تفاصيل إنسانية أكثر بساطة ووضوحاً. أذهب للسباحة صباح كل ثلاثاء مع ابني البالغ من العمر ثلاث سنوات. أُحضر عائلتي كل صيف لرؤية جدتهم في آيرلندا. هذا نجاح لي!
> انتقلت للعمل مدرساً في الولايات المتحدة عام 2008، هل تأثر إنتاجك الأدبي بالسفر، وماذا عن مهنة التدريس، ألا تعد مملة ومضادة لفكرة الإبداع إلى حد ما؟
- كوني مدرساً هو أحد أكثر الطرق المدهشة لتجربة الحياة التي يعيشها الآخرون. إنه لمن الرائع رؤية التجارب المختلفة التي يمر بها أناس غيرك. عملت في بعض المدارس الفقيرة داخل المدينة، حيث كانت تحدث أشياء كل يوم لم أكن أتخيلها أبداً... أي شيء يوسع رؤيتنا للعالم سيجعلنا كتّاباً أفضل، والتعليم يفعل ذلك كل يوم. لم أعد مدرساً، لكنني أذهب إلى المدارس في منطقتي لإجراء ورش للكتابة مع الأطفال، أنا أحب ذلك جداً.
لا أتفق مع من يصف مهنة التدريس بأنها مملة أو مضادة للإبداع بطبيعتها. تجربتي تؤكد العكس. هناك مهن أو أنشطة تمنحك فرصة ذهبية لرصد انفعالات وقصص بشر آخرين. هذه المهن تعد فرصة ذهبية للمؤلف. التدريس واحدة من تلك المهن.
> السيرة الذاتية الخاصة بك في موقع «جود ريدز» تشير إلى أن حلمك الأكبر كان يتمثل في ممارسة لعبة «الرغبي» وفي مرحلة أخرى أن تكون أحد نجوم موسيقى الروك، ما الذي ألقى بك إلى شواطئ الأدب والكتابة إذن؟
- حقيقة، لم أكن أجيد هذين الأمرين! لقد تخليت عن حلمي في أن أكون نجماً للرغبي أو ألعب موسيقى الروك لشيء تمكنت بالفعل من القيام به! الكتابة بالنسبة لي نشاط ممتع أتواصل من خلاله مع قراء عبر العالم. هذا ما يهم في النهاية، قدرتك على تحقيق ذاتك من خلال عمل محدد يهبك السعادة والمتعة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.