ليبيا لا تملك الوسائل أو الإرادة السياسية اللازمة لوقف تدفق اللاجئين

أوروبا تخلت عن مساعداتها وبرامج تدريبها وخفر السواحل يقف عاجزًا أمام المهربين

شرطي يحرس مهاجرين بعد أن تم إنزالهم من زورق حرس السواحل الإيطالية «داتيلو» في ميناء باليرمو في جزيرة صقلية (رويترز)
شرطي يحرس مهاجرين بعد أن تم إنزالهم من زورق حرس السواحل الإيطالية «داتيلو» في ميناء باليرمو في جزيرة صقلية (رويترز)
TT

ليبيا لا تملك الوسائل أو الإرادة السياسية اللازمة لوقف تدفق اللاجئين

شرطي يحرس مهاجرين بعد أن تم إنزالهم من زورق حرس السواحل الإيطالية «داتيلو» في ميناء باليرمو في جزيرة صقلية (رويترز)
شرطي يحرس مهاجرين بعد أن تم إنزالهم من زورق حرس السواحل الإيطالية «داتيلو» في ميناء باليرمو في جزيرة صقلية (رويترز)

قبل بضعة أسابيع، التقط بحار من خفر السواحل الليبي لوتشيا مهرتياب وطفليها الصغيرين، بعد أن غرق الزورق، الذي ركبوه لينقلهم إلى إيطاليا، قبالة شمال ليبيا.
وكانت مهرتياب (30 عاما)، قد هربت من إريتريا وهي حامل. وتعيش هي وابنتها دينا ذات الخمسة أعوام، وابنها يوسان البالغ من العمر ثلاث سنوات، على بساط في ساحة أحد مراكز الاعتقال الليبية.
وقالت مهرتياب وهي تتدثر بعباءة سوداء، بأنهم يأكلون الأرز والخضراوات ثلاث مرات في اليوم. وأضافت «لا أعلم ماذا سأفعل».
وتقول «رويترز» التي نقلت هذا المشهد، إنه جرى في ذلك اليوم، إنقاذ جميع ركاب الزورق الذي كانت مهرتياب على متنه. لكن زوارق الدورية المطاطية الليبية، التي يبلغ طول الواحد منها 12 مترا، كثيرا ما تكون أبطأ وأصغر من أن تقدر على إنقاذ الجميع.
ولا توجد في الزوارق هواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية، وكثيرا ما يكون اللاسلكي مغلقا في مقر القيادة المركزية لخفر السواحل في طرابلس.
ويقول البعض، إن خفر السواحل يساعدون في دفن الموتى وسط أكوام من رمال الشاطئ.
وليبيا مقسمة بين فصيلين متنافسين يقول كل منهما إنه يدير شؤون البلاد. ويبدو أنه لا حيلة لها أحيانا إزاء عشرات الآلاف من المهاجرين الفقراء الذين يستخدمونها كمنصة للانطلاق إلى حياة أفضل في أوروبا.
في الجهة المقابلة تسعى الدول الأوروبية التي يطمح المهاجرون في الوصول إليها، إلى وقف مهربي البشر. وقد طلبت من ليبيا تأمين حدودها وسواحلها. لكن ما قاله مسؤولو خفر السواحل وممثلو النيابة والشرطة والسلطات المسؤولة عن الحدود الليبية، بالإضافة إلى مهاجرين ينتظرون الرحيل يؤكد جميعه أن ليبيا لا تملك الوسائل أو الإرادة السياسية اللازمة لوقف تدفق اللاجئين.
ولا يبدو هذا العجز - وكذلك الإخفاق الأوروبي - أوضح منه في خفر السواحل الليبي.
وكانت البحرية الليبية تعرضت للدمار في الانتفاضة التي أطاحت عام 2011 بحكم معمر القذافي. وأدى ذلك إلى انكشاف الساحل الليبي الذي يمتد لمسافة 1800 كيلومتر.
وفي عام 2013، أسس الاتحاد الأوروبي برنامج مساعدات بميزانية سنوية قدرها 26 مليون يورو (28 مليون دولار) لتدريب ضباط خفر السواحل الليبي والمطارات والمنافذ الحدودية البرية.
غير أنه تم التخلي عن ذلك البرنامج، وما زال خفر السواحل الليبي ضعيفا، ولديه ستة زوارق، من بينها اثنان مطاطيان صغيران ليسا مخصصين للاستخدام في عرض البحر.
وقد أعيد بناء القوة بعد عام 2011، من خلال تجنيد مقاتلين من المشاركين السابقين في الانتفاضة، ليس لديهم خبرة تذكر بالبحر، بل إن المسؤولين جندوا صيادين محليين لتقديم العون. وربان الزوارق الرئيسي لخفر السواحل في طرابلس صياد تدير عائلته مطعما.
ولأن البلاد مقسمة، فإن مركز قيادة خفر السواحل في طرابلس، حيث توجد إحدى الحكومتين المتنافستين، ليس له أي اتصال بالمسؤولين في الجزء الشرقي من البلاد. كذلك فإن مهربي البشر أغنى وأفضل عدة وتجهيزا من مسؤولي مراقبة الحدود والشرطة وخفر السواحل.
ونقلت «رويترز» عن صادق السور، رئيس قسم التحقيقات لدى المدعي العام الليبي في طرابلس، قوله إنه يعرف هويات وأماكن عدد من المهربين لكنه لا يملك القوات الكافية لتنفيذ عمليات التفتيش والاعتقالات. وأضاف أن «ليبيا تحتاج خفر سواحل قويا وطائرات هليكوبتر وحدودا آمنة لمكافحة الهجرة غير المشروعة. وإذا لم يحدث ذلك فلن نتمكن من وقفها».
بعد انتفاضة 2011، وافقت إيطاليا على إنفاق الملايين على تدريب حرس الحدود الليبي. لكنها علقت هذا التعاون قبل عامين، عندما ازدادت رقعة عدم الاستقرار في ليبيا.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الإيطالية: «كان هناك اتفاق للتدريب للمساعدة في تكوين قوة أمنية وقوة شرطة، ثم تدهور الوضع وقطعنا علاقاتنا. وإلى أن توجد سلطة واحدة معترف بها فمن المرجح أن يستمر الأمر على هذا النحو».
من جانبه ساعد الاتحاد الأوروبي في بناء قوة خفر السواحل. وركز المدربون على المهارات البحرية الأساسية، مثل ارتداء صديريات النجاة وتدريبات الإنقاذ. لكنه انسحب بدوره في الصيف الماضي عندما تفجرت الاشتباكات في طرابلس.
وقال أيوب قاسم، المتحدث باسم البحرية الليبية، إن فوائد التدريب كانت محدودة. فبدون امتلاك زوارق حديثة ومعدات مثل الرادار، فإن ما يستطيع البحارة المدربون تدريبا جيدا أن ينجزوه، سيظل محدودا.
حتى الدبلوماسيون الأوروبيون، قالوا إن التدريب لم يغير من الأمر شيئا يذكر. فقد أنفق ما يصل إلى نصف الميزانية على حماية المدربين والمسؤولين الذين أقاموا في مجمع ذي تدابير أمنية شديدة، وعلى إقامتهم في فندق فاخر.
وقال العقيد رضا عيسى، قائد خفر السواحل في مصراته، إن خفر السواحل ما زال يكافح الفساد. وأضاف أن بعض المسؤولين يغضون الطرف عن الزوارق المكدسة بالمهاجرين.
محاولات للوصول إلى أوروبا
عندما ضبط خفر السواحل الزورق الذي كانت مهرتياب على متنه، أبدى المهاجرون من ركابه بعض المقاومة لشعورهم بخيبة الأمل لعجزهم عن الوصول إلى أوروبا.
وينتهي الحال بكثير من المهاجرين الذين يتم إنقاذهم قبالة ساحل طرابلس في مركز احتجاز يقع على بعد عشرة كيلومترات من الساحل في منطقة القرة بوللي. وبلغ عدد المحتجزين تحت حراسة الشرطة في المركز من مختلف أنحاء أفريقيا خلال الشهر الماضي 400 شخص.
تدير حكومة طرابلس هذا المركز. وكانت ليبيا قد اعتادت إعادة معظم المهاجرين إلى بلادهم، لكن الاشتباكات بين القبائل في الجنوب أدت إلى انقطاع طريق الخروج الرئيسي برا إلى النيجر. كذلك أغلقت معظم الدول سفاراتها في طرابلس كونها لا تعترف بالحكومة القائمة هناك، الأمر الذي عجز معه المهاجرون عن استصدار وثائق سفر.
وفي مركز القرة بوللي، يقضى المهاجرون أيامهم راقدين جنبا إلى جنب، يغالبهم النعاس بين الحين والآخر.
وتفتح الأبواب ثلاث مرات في اليوم للحرس، لجلب الأرز والخضراوات، بل واللحوم في بعض الأحيان. ولا توجد ميزانية لطبيب، وترسل جمعية خيرية أحد العاملين في مجال الصحة مرة كل أسبوع.
يعيش سيمون نجوى (27 عاما)، وهو إريتري درس الطب في مركز القرة بوللي منذ ثلاثة أسابيع، بعد أن أوقف خفر السواحل زورقه قبالة ساحل طرابلس. وقال إنه غادر إريتريا لأنه تم تجنيده في الجيش عقب تخرجه من كلية الطب. وأضاف أنه عبر الحدود وانتقل إلى الخرطوم ثم دفعت أسرته للمهربين 1600 دولار لنقله إلى مزرعة بالقرب من طرابلس.
وقال إنه لا يريد العودة إلى إريتريا ويريد الذهاب إلى أوروبا لكي يتمكن من سداد ما تكبدته أسرته من نفقات لتمويل رحلته.
أما رحلة مهرتياب، فقد استغرقت شهورا. فقد سافرت أولا، إلى الخرطوم، حيث وافقت على دفع 2000 دولار للسفر إلى ليبيا في شاحنة مكدسة بالبشر مدة عشرة أيام. وبعد شهرين قضتهما في مركز الاحتجاز، حيث اكتشفت أنها حبلى، نقلت هي و50 شخصا آخر إلى مزرعة في ليبيا إذ انتظروا أسبوعين آخرين. ثم طلب منها ذات ليلة، أن تستيقظ هي وطفلاها للسير إلى الشاطئ.
ولم يكد الزورق يتحرك بهم حتى أنقذهم خفر السواحل وعاد بهم إلى القرة بوللي.
تقول مهرتياب إن «هذا المكان الذي نقيم فيه في غاية السوء. لكني لا أريد العودة إلى إريتريا. فسيقبض علي. أريد أن أذهب إلى أوروبا».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم